أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - صور متشابكة...قصة قصيرة















المزيد.....

صور متشابكة...قصة قصيرة


جمال حكمت عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 4703 - 2015 / 1 / 28 - 17:45
المحور: الادب والفن
    



دنا المساء، ومَضت شمس النهار عن نافذة منزله العريضة، وهو مازال قابعاً خلف النافذة، ينظر إلى الجادة الرمادية الخالية من الكائنات البشرية... يعدّ سنوات غربته، ويفتش في آخر بقعة ضوءٍ عن ورقة ذكرى؛ لعلّ الريح حملَتها مع أوراق الشجر الأصفر، ورمتها عند باب منزله؛ ليعيد بها وجوده ويقتل صمت اِنتظار دقات جرس كنيسة قريته الصغيرة، المرمية في الركن البعيد من بحر الشمال..
يتطلعُ إلى أول نجمة في السماء... ويهيم على وجهه بذكرياته في بغداد، متنقلاً بين طرقاتها، مقلباً أيام الفرحِ والحزن فيها، يبحث في النجمة عن صورة ذكرى تجمعه بأهله، أو بصديق أو قريب تركه وانقطعت أخباره؛ منذ أن هاجر قبل خمسة عشر سنة، أو أراد بها أن توصل شكواه لهم، وما أصابه في سنين غربته؛ بعد أن صار في منتصف العقد الخامس من عمره، وأصبح عاطلاً عن العمل، قانطاً، شبه حبيس في بيته، لا يغادره إلا لشيء ضروري.
ثم تسقط عيناه نحو نافذة جاره، حيث وقفت قطة جاره السوداء، تتطلعُ من خلف النافذة، وفي رقبتها سلسلة حملت اسمَها؛ وذهبت يده تتلمس رقبته، ولمْ يجدَ اسمَه .
- تَنَبه من أفكاره وأحلامه، وعاد إلى فنجان قهوته، يرتشف منها، ووجهه يعتليه بؤس وحزن ملتاع .
غَرَبَتِ الشمسُ، واِكْتَنَفَهُ الظلام من كل جانب؛ وكأن جبلاً صخريٌ شاهق كبس على صدره، وكآبة عشعشت بين حنايا أضلاعه. لمْ يكنَ له مخرجاً يتنفس به ويُلهيه سوى التلفاز، و مواقع الإنترنيت، وقراءة بعض الكتب؛ وقد شحّت عليه هي الأخرى .
- فتَحَ تلفازه، يبحث فيه عن أخبار وطنه، وما استجدّ فيه من أحداث، وفي أول صورة رآها على الشاشة؛ اِنْهالَ عَلَيهِ الحزن ؛ مما يراه من طرقٍ وشوارعٍ محطمة الأرصفة، ومناطق سكنية معزولة عن بعضها، محاطة بأسوار عالية، أرادت بها أن تحميّ نفسها من الموت المخيف الذي جاء به مرض الطاعون الطائفي ؛ ليست مثلما تركها منذ أن هاجر، وصورة أخرى تظهر الأبرياء وقد سالت دمائهم على الرصيف، والناس تجمهرت حولها، وكأن الضحايا نذورٌ وقرابين ذبحهم جزارهم، وأراد أن يتباهى بهم أمام صانعيه؛ بينما المساكين رسموا بدمائهم لوحة استنكار بعثوها الى حاكمهم ، كتبوا فيها : ((احتجاج من عمال قتلهم ارهابي، عند الناصية؛ حينما كانوا واقفين ينتظرون رزقاً يعودون به إلى اطفالهم))... بعدها تظهر صورة ملأت شاشة التلفاز بوجهِ مسؤول أمني غليظ الشارب، يتوعد المجرمين والخائنين بواقعة، ويبشر الشعب بخطة أمنية جديدة... وتنتقل الأخبار إلى صور الجماهير في البلدان العربية، وهي تملأ الساحات والميادين والجسور ...ترفعُ أعلام بلادها، وتهتف بتصحيح ربيع الحرية... بعد أن تربصت لهم خفافيش الجهل، وسرقت ثورتهم ،وقتلتهم كما قتلت (هيبا تيا)* بسحل جسدها ألحيّ العاري؛ لكن أعمالهم وافعالهم لاحقتهم وفضحَتهم وقبحت تاريخهم وصاروا عورةً كعورة (عمرو بن العاص)*.
- لاحقَه الملل والاِكْتِئاب وكأنه يقلَب َتوابيت أحزانه ،وهو يتابع أحداث بلده وبلدان عربية أخرى من صور الثورات والتهديدات والوعود، وصور هراطقة افترشوا بيوت الله، يحاولون صناعة اديان جديدة ،وصور سرقات أفرغت المتاحف والخزائن ، وينتهي المشهد بصور جَيَاعَى عادوا يحملون معاولهم ،يبحثون عن منقذ يقود لهم الثورة. كلها تُعرض بالمَجان في القنوات الفضائية.
- اِنْزَعَجَ من هذا الوجع المتلاحق ... ترك التلفاز، وعاد يبحث في اسطواناته القديمة ...وضع أغنية ل(فيروز) أجراس العَوْدة فلتقرع... سبح بخياله مع صوت فيروز العذب نحو صورة في طفولته، يوم توالت دقات قرع باب بيتهم، من امرأة في سن الثلاثين، توشحت بفوطة بيضاء غطت بها رأسها، وبان الحزن والألم في وجهها الأبيض الشاحب، تطلب معونة وتقول: أني لاجئة من فلسطين بعد النكسة...وخرجت اليها أمه، تحمل حقيبة، فيها ملابس أبيه المتوفي قبل أشهر، وكانت قد بخّرتها وعطّرتها، وقالت لها: خذيها لك هدية، من مقاتل في ثورة الثامن والأربعين، لعلّها تنفع في ستر عار النكسة.
وانتهى به الحال يدندن:
(من أين العودة يا فيروز :خازوق دُقَ بأسفلِنا...خازوقٌ دُقَ ولن يَطلعْ )*.
عاد إلى (الريموت) يُقَلب في القنوات التلفزيونية ويصطدم بمطرب ينوح وكأنه في مأتم.

مال به الأمر يبحث في القنوات العالمية، وتظهر على الشاشة صور حطام خلفته هزة أرضية... وفيضانات خلّفها تسونامي... وضحايا من الأطفال حضنتهم أمهاتهم... ورجال ماتوا غرقاً؛ كانوا يحاولون اِنقاذ اولادهم، أو ما تبقى من عرش بيتهم ،وربما سبحوا نحو كسرة خبز سقطت من جيب (جان فالجان)* وطفت فوق سطح الماء وجرفتها السيول. زاده الألم وهو ينظر إلى هذا العالم المجنون... وصور كثيرة على الشاشة تظهر التدخل الأمريكي والغربي بمصير الشعوب في قاعات مجلس الأمن... وصور استقبال اللاجئين ومساعدة المنكوبين من قبل منظمات اِنسانية و دينية وأخرى لأغراض خفيّة ...وصور لوائح البورصة تظهر فيها اِنهيار أسعار العملات والذهب، وشيوع البطالة... وسماع قرارات وخطط التقشف في ايام الأزمة الاقتصادية... بينما آلام شعوبهم النفسية والعضوية باتت تشفى بين برنامجي دكتور( فيل)*النفسية، ودكتور(اوز)*الطبية... ويعود يبحث عن افلام الرعب والخيال بين القنوات المحلية وينتهي به الحال في برنامج طبخ أكلة غربية.

والضوء الراقص من تلفازه أحسه بحلكة الليل... نهض وأنار الضوء الأصفر الخافت واطفأ التلفاز.
تذكر قهوته، اِرْتشفَ منها ومجّها من فمه إلى الفنجان، فقد بردت وما عادت تشرب.
جاشت في صدره الحيرة والملل ،قام وأسدل ستائر الغرفة ،وعاد يدفن آلامه بذاكرة الحُب، يلتمس راحة لنفسهِ واختار اسطوانة دنت به إلى ذكريات الماضي والزمن الجميل وهو يستمع إلى أغاني عبد الحليم حافظ... وينجرف به الشوق والحنين، وتقع يده على حافظة صوره، وأخذ يُقَلب فيها صور زفافه في مدينة الأعراس ببغداد... ويبتسم لصورة فيها حبيبته جالسة فوق أرجوحة، ترتدي ثوباً بنفسجياً وكان يمرجحها... وصورة اخرى اصدقاءه حوله يصفقون له فرحين ومهنئين بزفافه... واخرى داخل السيارة هو وحبيبته ببدلة الزفاف الأبيض، يلوّحان للمهنئين... وصور كثيرة من عرسه ملأت حافظة صوره التي جلبها معه الى ديار غربته؛ وتمَلَكه خيال جميل امتزجَ مع الأغاني واللحن الجميل.
ثم رفع رأسه نحو الصورة المعلقة على الجدار، حيث ولداه يبتسمان تتوسطهما اختهم، فقد كبروا وبانوا عنه .

فجأة دق جرس البيت ...قفز من مكانه وانقطعت عليه احلام ذكرياته.. فتح الباب واِذا بامرأة في سن الأربعين، وقد أنار شعرها الذهبي حلكة الليل، ابتسمت اليه وألقت عليه تحية المساء، كانت تمسك بيدها صندوقاً صغيراً أخضر اللون، فيه شق صغير، ترمى به النقود، وقالت له: أنا متطوعة لجمع التبرعات لمصابي مرض السرطان.
قال لها: هل في هولندا مصابين في مرض السرطان؟؟ قالت: في هولندا الكثير من الناس مصابين بهذا المرض، وبين كل مئة شخص، شخصاً واحداً مصاب بالسرطان أو أكثر!!. بحث في جيبه وأخرج قطعة نقود معدنية، دسّها في فُوهة العلبة، شكرته المرأة وذهبت، وغلق الباب دونَه.

عادت عناقيد الألم ولزوجة الحزن البليغ تتسلل في داخله... يفكر بنفسه في ظل هذا العالم المريض... فوجئ بزوجته تتأمله وتقول له من كان يدق الجرس؟؟ رفع عينيه نحوها، وقد ظهرت له كالقمر من بين غمامة افكاره... يتضوّع منها المسك وزينة النساء في وجهها وملبسها وابتسامتها على وجهها... وصوت العندليب يصدح في الغرفة (أهواك واتمنى لو أنساك) وصور زواجهما مطروحة فوق الطاولة؛ ثم عادت تقول له: الله يا حبيبي!! أراك لمْ تضيع وقتاً في التفكير بي وما هذا الجو الجميل الذي صنعته ستائر مسدوله وضوء خافت واغاني عبد الحليم وصور زواجنا... أستحلفك بالله، هل ما زلت تحبني ؟؟.

نظر اليها بعينين حائرتين، وتنهد تنهيدة غائرة...وأومأ اليها برأسه ... ثم اخذته ابتسامة تأمل عريضة انارة وجهه المتعب...نهض من مكانه وقال لها: سأصنع لي كاساً من الخمر...




عمر بن العاص =عن رواية حيث كشف عمر بن العاص عورته للإمام علي في احدى ايام صفين وتركه علي ولم يبارزه
هيبا تيا=فيلسوفة وعالمة رياضيات عاشت في مصر الرومانية بقيت عذراء طوال حياتها وكانت رمزاً للفضيلة وماتت على يد جموع المسيحيين الغوغاء وقتلوها سحلا في المدينة وهي عارية الى ان انتزع جلدها عن جسمها
* مقطع من قصيدة نزار قباني
جان فالجان = بطل رواية البؤساء للكاتب العالمي فكتور هيجوا
دكتور فيل=مقدم تلفزيوني شهير وكاتب وعالم نفس امريكي
دكتور اوز=طبيب جراح امريكي ومقدم برنامج اسبوعي شهير



#جمال_حكمت_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنة سعيدة وأمنيات...قصة قصيرة
- ذكريات لاجئ عراقي...لحظة وداع...قصة قصيرة
- غثيان...قصة قصيرة
- رائحة الحرية...قصة قصيرة
- نَبْض الضّمير..قصة قصيرة
- عُرْسٌ فوق السطوح
- صديق الطفولة...قصة قصيرة
- أنا...ونفسي في ثلاث قصص قصيرة جداً
- اعادة نشر ( أنْسامٌ عذبة )
- اعادة نشر قصة قصيرة ومرة اخرى بعنوان القصة(انسام عذبة)
- قصة قصيرة
- قصة قصيرة/ أنسامٌ عذبة
- قصة قصيرة/أحلام تحت سحابة سوداء
- بلادي
- قصة قصيرة جدا(لمسة إصبع)


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - صور متشابكة...قصة قصيرة