|
غوانتانامو يوسف زيدان.. رواية السجن مرَّة أخرى
دعد ابراهيم ديب
الحوار المتمدن-العدد: 4698 - 2015 / 1 / 23 - 23:43
المحور:
الادب والفن
غوانتانامو يوسف زيدان.. رواية السجن مرَّة أخرى دعد ديب
بعد النجاح الواضح الذي حققه الروائي يوسف زيدان في أعماله السابقة وأهمها «عزازيل» الحائزة على جائزة البوكر لعام 2011، وكذلك في روايته «ظل الأفعى» وإن بنسبة أقل ضجيجاً، وكذلك باقي الروايات بنسب متفاوتة من هذا النجاح / الرواج! يطالعنا بجديده وهو رواية «غوانتانامو- من إصدارات دار الشروق 2014» ليخوض في مغامرة التجوال في معتقل «غوانتانامو» سيء السمعة والصيت! ليقارب تتمة لسيرة حياة بطله الشاب النوبي السوداني المصري الذي وقع أسير ذاك المعتقل بطريق الخطأ! ليجعل منه شاهداً حيادياً! متابعاً سيرة حياته التي كان قد بدأها في رواية سابقة هي «محال» حيث يتحدَّث الكاتب بلسانه مستعيراً أجواء الصوفية الإسلامية، ليعيد شريط الذكريات بمن تناولوا هذا الموضوع السجون والقمع، من عبد الرحمن منيف بروايتيه «شرق المتوسط» و«شرق المتوسط الآن» إلى مصطفى خليفة في «المتلصص» وسواهما كثيرون، لكن زيدان يفترق عنهم في هذا العمل باختياره معتقلاً أمريكياً، نزلاؤه متهمون بالأسلمة والإرهاب وهي بوابة عريضة يدخل منها ليضيء دواخل شخوص روايته المعتقلين مرتين، مرة: بقناعاتهم المتشددة وفهمهم السلفي للدين - ومرة بأسوار الزنزانة الحديدية، فنجده يمشي في دروب من الألغام في هذه الرواية الذي كان القارئ ينتظر منها الكثير بعنوانها المثير، إذ ليس عفوياً أو مصادفة أن يمر بهذه الانتقائية على مواضيع حرجة وإشكالية، وهو، أي زيدان، الذي أسهب مطولاً في أعماله السابقة وخاصة في «عزازيل» في معالجة تفاصيل الديانة المسيحية والخلافات الفلسفية والفكرية التي أشعلت حروباً وأزهقت أرواحاً وأرسلت كثيراً من المفكرين، إلى المقصلة والمحارق، والإدانة، وما سببته من اتهامات بالهرطقة لكل من يخالف الكهنة، لكننا هنا سنستغرب وُلوجه بعتبة خجولة في هذه الرواية الشَرَك! فهو يختار الترنم بالأدعية والآيات ذات الروح الإنسانية واللحن الصوفي وتعبر عن الجانب السمح للإسلام، بينما يظهر تناولًا مجزوءاً للنصوص الدينية، وأقول عن روايته هذه «شَرَك» لأنه يضع نفسه من خلالها ضمن إشكالين في غاية الأهمية، فهو إن تناول النصوص الدينية المدنية وأظهر الجانب المتشدد التي تستند عليه الجماعات الإرهابية في كل من سورية والعراق ومصر و أفغانستان، فإنه يبدو وكأنه يعطي تبريرا للقائمين على معتقل «غوانتانامو» ويمنحهم براءة من جرائمهم. وإن أبرز كمية العسف والظلم التي يرزح تحتها المعتقلون، ويكشف الظروف غير الإنسانية التي يواجهونها فأنه سيبدو كأنه يتعاطف مع المتأسلمين وتشددهم، ولهذا نجده خجولاً ومتردداً في كلا الجانبين. فهو ركز على إظهار ذلك الجانب الروحي من الإسلام الصوفي الغارق بالمحبة الإلهية بغنائية ترتيلية ساحرة ولغة شاعرية تسمو بالنفس إلى الروح العليا مترنماً بالآذان ونداء «الله أكبر» في حين كانت هذه الصيحة فاتحة للنحر والذبح في مكان آخر، فنراه يبرز جانباً طفيفاً من ممارسات الإسلاميات الأصولية المتشددة .ويغفل الكثير من النصوص التي تستند على فتاويها التيارات المتطرفة التي وإن غدت في عصرنا ترخيصاً بإباحة الدماء البريئة بلا وازع ديني أو أخلاقي، فالواقع الراهن يطرح ضرورة قراءة النص الديني قراءة عصرية نظراً لازدياد العنف المتستر بنصوص دينية عائدة لعهود الظلام، ناهيك عن رؤية فلسفات التيارات الإسلامية الأخرى .وهو الذي دخل عميقاً في خلافات المدارس الفكرية المسيحية . إذن أين تكمن المعضلة؟ أهو انحياز لثقافة ما؟ أم هروب من مواجهة الراهن؟ أم لعله خوف من التفكير في عصر التفكير! تظهر شخصية المرأة في العمل عبر أكثر من ثنائية فهناك زوجة تركها في بلدته الأولى وزوجة أخرى «مهيرة» زوَّجه إياها أصدقاؤه الأفغان. ولا يبدي لنا الكاتب أي تناقض في إحساسه أو منطقه حيال ذلك، وفي مقابل هذا النموذج الثنائي للمرأة، يظهر لنا ثنائية أخرى نسوية على الجانب الآخر تتمثل في نموذج «سالي» المجندة الجميلة المستهترة التي تراود المعتقلين عن أنفسهم، بل إنها تقوم باغتصاب أحدهم .والثانية «سارة» الطبيبة النفسانية التي تتمتع بإنسانية عالية وتتفهم لظروف وخفايا نفوس الموجودين في هذا الكابوس الرازحين فيه متناسياً أنها جزء من تركيبة القائمين على المعتقل. ولا ينسى زيدان وهو في حمى وصفه «لغوانتانامو» وهو المعتقل الأشهر من الوصف بروايات التعذيب والإذلال وامتهان الإنسان من تعيسي الحظ الذين قبعوا في زنازينه المعزولة في جزيرة بعيدة، وإن يكن نوَّه إلى أن السجون العربية ليست بأفضل حال، لا ينسى الإشارة إلى «لجان حقوق الإنسان» التي تأتي لتحقق وتفتش وتعترض على ظروف السجن وتحدث تأثيراً بالرأي العام! فما الذي أراده فعلاً بهذا الطرح؟ هل أراد تزيين أجواء المعتقل الجحيم بنسمات ملائكية من وجود الطبيبة «سارة»؟ أم أراد تجميل وجه أمريكا غافلاً عن أنها وهي الدولة ذات اليد الطولى في كل العالم فهي التي تفتعل الأزمات وحلولها . وتدبر الكوارث، وترمم آثارها!؟ وماذا لو عمَّقَ زيدان في معالجة هذا الجانب المعقد في تناوله لهذه الثيمة الحضارية الإنسانية؟ وهو الذي عوَّد القارئ، في أعمال سابقة، على الغوص عميقاً بالحدث والحديث بالتاريخ والمخيال، وهو الذي يطمح أن تكون روايته شهادة ضد طواغيت الظلام! ربما لم ينته المشهد في مفكرته الروائية بعد. فلعله يهيئ بطل الرواية للعودة إلى مصر لتبوأ منصب ما! وربما لدى زيدان ما يريد قوله بعدُ في روايته القادمة «نور» استكمالا لما بدأ، فلننتظر ونرى، وإن غداً لناظره قريب.
#دعد_ابراهيم_ديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|