أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - عائشة خليل - البنات دول














المزيد.....

البنات دول


عائشة خليل

الحوار المتمدن-العدد: 4698 - 2015 / 1 / 23 - 08:43
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


«البنات دول» (2013) فيلم وثائقي للمخرجة تهاني راشد يقتحم فسحة لم تكن متاحة من قبل، فيتناول حياة بنات الشوارع في القاهرة بدون رتوش. حيث يسلط الضوء على افتقاد تلك الفتيات للرعاية الاجتماعية الرسمية (أو غير الرسمية) في غياب تام لمؤسسات الدولة المصرية لرعايتهن فيما عدا بالطبع العنف المؤسساتي عليهن، مما لا يندرج تحت مسمى «الرعاية».

تهرب الفتيات من المؤسسات التي ترعى الأيتام أو من منازل الأهالي، إلى واقع مرير في الشارع. حيث يتعرضن للعنف الذكوري المتمثل في الاختطاف والاغتصاب الجماعي المتكرر الذي قد يصل إلى أيام أو حتى شهور. كما قد يتعرضن للتشويه الجسدي الذي يطال أوجههن. وللوجه مكانة خاصة، فإن أصيبت أحد الفتيات بجرح في وجهها فإنها لا تسطيع « أن تري وجهها للآخرين» كما قالت إحداهن. وهو تعبير رمزي ومادي في آن واحد، فالعلامة الدائمة في الوجه تؤدي إلى هزيمة دائمة للفتاة لأنها دلالة على انهزامها ( وبتعبير أدق اغتصابها ) وبالتالي فهو تعبير دلالي على موت رمزي للفتاة المغتصبة، لأنه يترك علامة على وجه الضحية ( وأشدد هنا على كونها ضحية ) مما يجعلها عرضة للانتهاك المتكرر، فإذا ما انتهكت الفتاة وترك الجلاد علامة على وجهها وبالتالي يترك للمنتهك المحتمل أنه قد تم انتهاكها مسبقًا، فتصيح عرضة أكثر لانتهاك محتمل ومتكرر. وبذا تكون جريمة المنتهك الأصلي مزدوجة ما بين جريمة تمت وجريمة واقعة لا محال.

وما بين الإهمال المجتمعي، والإهمال الحكومي ، تتفاقم مشاكل تلك الفتيات وتتراكم. فالانتهاك المتكرر لتلك الفتيات ينتج عنه لا محالة أطفال يدفعون بدون ذنب جنوه. فيأتي إلى مجتمع بأطفال لا يعترف بهم. وبالرغم من المحاولات اليائسة لتلك الفتيات بإصباغ حياة لائقة ( إلى حد ما ) على الأطفال الرضع إلا أن المجتمع يلفظهم في النهاية لأنهم ، كما قالت إحداهم « لا شهادة لديه » فشهادة الميلاد والنسب هي الشهادة الأهم لإدراج الأطفال في المدارس أي لإضاءة أي شمعة في مستقبلهم.

وتمتهن الفتيات اللواتي سد الطريق إلى الرزق الحلال مهن تؤدي بهن إلى مزيد من الألم. فمن السرقة إلى التجارة في المخدرات إلى النصب والاحتيال، تحاول الفتيات أن تقمن أودهن، وأود أبنائهن وبناتهن. ومن الطبيعي أن تنتهي بعضهن إلى المؤسسات الرسمية للدولة التي تدعي التهذيب ولكنها تفتقر إلى الوسائل المناسبة لذلك. ناهيك عن العنف المؤسساتي للدولة الذي يبغي التخلص من تلك الفتيات بدون تحمل تباعتهن. فيتعرضن للحجز والحبس وحتى السجن لقاء ما اقترقن في حق المجتمع، بدون توجيه السؤال عما اقترفه المجتمع في حقهن.

تتجه الكثير من الفتيات إلى الإدمان من أجل نسيان الواقع المرير الذي يعشنه. فما بين التجاهل الرسمي للدولة ، إلى غض النظر عن وجودهن من قبل المجتمع الذي قد يستطيع ـ ولكنه يفضل التغاضي عن وجودهن ـ مساعدتهن، إلى قهر المجتمع الذكوري الذي أسلفنا الحديث عنه. وبالتالي لا تجد تلك الفتيات أمامهن سوى الإدمان على المواد الرخيصة المتوفرة لهن مثل الكولة والبانجو. وبذا تكتمل الدائرة التي تمكن المجتمع العيش بضمير مستريح، إن تلك الفتيات مدمنات وبالتالي مدانات، وليس علينا أن نتعب أنفسنا في إيجاد مخرج لمأزقهن. ولكن المأزق ليس لتلك الفتيات، فحتى لو تغاضى المجتمع عن المكونات الرئيسية لتلك المأساة فإنها موجودة بكل الطبقات ولكننا نختار ألا نبحث عنها: إنها كوكتيل من العنف المؤسساتي ممزوج بعنف المجتمع الذكوري، وتأثيراته السلبية بالغة الضرر على نفسية نساء المجتمع اللواتي يدمن محاولة النسيان (قد يتخذ الإدمان أشكال مختلفة في الطبقة الوسطى الميسورة، ولكنه إدمان على أي الأحوال، فمثلا قد يتخذ إدمان الشراء والتسوق وإدعاء التفوق على الأخريات، ولكنه في نهاية المطاف إدمان حتى وإن اختلف عن إدمان فتيات الشوارع للمواد المخدرة).

وحين يلتف المجتمع (وبالذات النساء به) إلى العنف الذكوري الممنهج على حياتهن سيكتشفن ساعتئذ أن الفرق بين حياتهن وحياة فتيات الشوارع لا يختلف في النوع وإنما في الكم. فنوع العنف الذكوري الموجه عليهن ليس مختلفا، وإنما كمه (وربما بعض الإمكانيات المادية التي تمكن فتيات الطبقة الوسطى من تحاشي مآل فتيات الشوارع). إذن فهي تحية إلى المخرجة تهاني راشد التي استطاعت أن تكشف ورقة التوت التي يتغطي بها المجتمع الذكوري (بشقيه الذكوري والأنثوي) الذي يرفض أن يواجه نفسه مواجهة صريحة.



#عائشة_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقاطع الامتياز والتمييز
- الامتياز والتمييز
- مؤتمر دراسات المرأة
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- فتوى استرقاق النساء
- النظرة الذكورية المتفحصة
- تحية كاريوكا
- النساء والتجربة الليبيرية (2)
- النساء والتجربة الليبيرية (1)
- ثلاث جنيهات
- استدعاء العدالة (2)
- استدعاء العدالة (1)
- ذكورية الطرح عند هشام الجخ
- متى توقف عن معاملتكِ كأميرة؟
- الحصانة المجتمعية للمتحرشين
- مسيرة استرداد الشارع ليلا
- الغناء لأم العيال
- قوانين جندر جديدة بفرنسا
- الفيموقراط: تجربة من استراليا
- وضع النساء في مصر على ضوء تقرير البنك الدولي


المزيد.....




- فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول ...
- اتهامات بغسيل رياضي وتمييز ضد النساء تطارد طموحات السعودية
- جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر … ...
- دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
- السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و ...
- دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف ...
- كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني ...


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - عائشة خليل - البنات دول