عبد العزيز احربيل
الحوار المتمدن-العدد: 4697 - 2015 / 1 / 22 - 20:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
سوسيولوجيا الجسد (5)
المشرع العلمي الثاني الذي بدونه لن تقيم سوسيولوجيا الجسد , هو جون سيمل ( 1858-1913), عالم الماني ذو اصول نمساوية وموسوعي الى حد بعيد له اسهامات سوسيولوجية عامة.
الكتاب الذي قدمه سنة 1911, يعتبر كتابا اساسيا في دائرة التفكير السوسيولوجي حول الجسد هو بعنوان سوسيولوجيا الحواس هذا الكتاب يعتبر اساسيا بالنسبة للتاريخ التفكير السوسيولوجي حول الجسد لاعتبارات عديدة :
- الاعتبار الاول : هو ان هذا الكتاب خصص في اساليب متعددة مدعومة بترسانة مفاهمية قوية قدم فيه جملة من المعطيات العلمية الاساسية التي استثمرتها سوسيولوجيا الجسد فيما بعد وهذه المعطيات تتصل اساسا بان ادراك العالم الخارجي لا يمكن ان يتم خارج الجسد اي لا وجود لادراك خارجي بدون جسد .
جون سيمل اشتغل بالضبط على البعد الحواس,بمعنى الادراك المرتبط بالحواس الخمس.
الاعتبار الثاني: اعتبار ذو طبيعة منهجية : انه من اوائل الكتب التي اعادت النظر في الثنائية المفهومية السابقة الثنائية الافلاطونية الروح و الجسد واعتبار الجسد مجرد سجن للروح و الزوج الديكارتي حول العقل و الجسد.
حاول ان يهدم هذه الثنائية من خلال التاكيد على اطروحة مركزية مفدها : النزعة العاطفية للادراك الحسي للعالم
جون سيمل يقدم اطروحة اساسية مفادها ان ادراك العالم ليس ادراكا عقلانيا و ليس ادراكا مجردا ولكنه ادراك عاطفي اساسه العلاقة التي تقيمها حاسة من الحواس الجسدية مع موضوع من مواضيع الادراك.
جون سيمل يقول بان الجسد اساس الادراك الحسي للعالم .اذن,جون سيمل هدم الزوج الديكارتي ليؤسس الى ما يمكن ان نسميه عقلنة الحواس.
- الاعتبار الثالث : حاول ان يلتجا الى خاصية جوهرية في علم الاجتماع المعاصر وهي البحث في اشياء صغيرة و عرضية عكس الكلاسيكيين الذين يبحثون في قضايا كبرى . على سبيل المثال خصص جون سيمل فصل كامل من كتابه يتحدث فيه عن الوجه سوسيولوجيا الوجه و فصلا كاملا اخر خصصه للنظر .
المشروع العلمي الثاني : روبرت هيردز ( 1891-1915 ) هو تلميذ اميل دوركايم امتاز بكونه يزاوج بين الانتروبولوجية
و السوسيولوجيا سنة 1909 قدم لنا كتابا سوسيولوجيا العرضي تفوق اليد اليمنى سوسيولوجيا اليد اليمنى .
موضوع هذا الكتاب :
محاولة الاجابة على السؤال الاتي : لماذا تلجا مجتمعات عديدة في ازمنة و امكنة مختلفة الى تفضيل اليد اليمنى على اليد اليسرى ؟
* السبب الاول : يقدم نموذج اخر للتاويل السوسيولوجي لاستعمالات الاعضاء الجسدية . بمعنى ان اليد اليمنى ليست مجرد عضو بيولوجي هي منتوج يتم برمجته برمجة ثقافية .
مثال من بين الاداب التي علمناها في الصغر هي استعمال اليد اليمنى في الاكل و اليد اليسرى لا يتم استعمالها .
* السبب الثاني : اليد اليمنى هي نظام اجتماعي متكامل :
لانه استعمال اليد اليمنى يتضمن جملة من الامور الثقافية و الاخلاقية و الدينية التي تنظم مجتمع من المجتمعات.
اليد اليمنى مرتبط بالمقدس / بالله / المتعالي...
و اليسار مرتبط بالمدنس / الشيطان / السفلي
اختيار اليد اليمنى ليس اختيارا اعتباطيا بل هو اختيار ثقافي ذات مقتضيات اخلاقية. لذلك جميع الاعضاء الموجودة في اليمين ومن بينها اليد اليمنى وظيفتها هي وظيفة مقدسة.
مثال : الطهارة في الاسلام : اليد اليمنى لا تستعمل لازالة المدنس لان وظيفة اليد اليمنى هي المقدس .
هذا البحث يعتبر طريفا و له قيمة كبرى في اسئلة السوسيولوجيا حول الجسد لاسباب عديدة :
1- اعتبار اليد اليمنى نظاما اجتماعيا اكثر مما هي عضو بيولوجي.
2- ان استعمال اليد اليمنى استعمال ثقافي و سوسيولوجي يخضع لنص ثقافي مرجعي.بمعنى ان الامر ليس في صميم الحريات الفردية.
المشروع العلمي الثالث : ميرلو بونتي فيلسوف فرنسي مؤسس لاتجاه فلسفي اسمه الظاهراتية الفينومينولوجيا (*) اصدر كتابا سنة 1945 بعنوان ظاهراتية الادراك .
ميرلوبونتي قيمته العلمية حول سوسيولوجيا الجسد تتمثل في عدة اعتبارات :
1- اعتباره لحظة نظرية اساسية في تاريخ التفكير السوسيولوجي حول الجسد.
2- كونه لحظة مفصلية قطائعية في تاريخ الوعي الفلسفي بالجسد.
3- انه يؤسس للتدابير المنهجية الحديثة التي تمكننا من معالجة سوسيولوجية معاصرة لاسئلة الجسد.
- ميرلوبونتي : قدم لنا توجها فلسفيا لم يسبق له اي احد. تجاوز الزوجين المفهومين ذات الاصول الافلاطونية و الديكارتية .
اعتبار الادراك الحسي للعالم ادراكا يتجاوز الحدود العقلانية و يبتعد على التبريرات الميتافزيقية. ثم ان الادراك الحسي للعالم مؤسس على علاقة مباشرة اي حميمية مع مفردات العالم و عناصره.
و الجسد لدى ميربوبونتي هو اصل الادراك الانساني للعالم اي الجسد لاول مرة في تاريخ التفكير السوسيولوجي يعتبر منتجا للمعرفة و ليس مستودعا لها.
- ميرلوبونتي : اسس للجسد الظاهراتي و هو مفهوم اصيل ضمن الجهاز الذي اسسه ميرلوبونتي.
- الجسد الظاهراتي يمتاز بثلاث خصائص :
1- هو جسد غير تجريدي و لكنه جسد حي. ان الجسد الظاهراتي هو جسد حي و آني .
2- اعتبار هذا الجسد جسد تزامني اي لحظي مرتبط بلحظة واحدة
3- الجسد الظاهراتي اعتباره جسدا يوميا اي لا ماضي و لا مستقبل له .
ايضا ,الجسد الظاهراتي هو جسد قصدي لديه مقاصد معينة و مفهوم القصدية اسس الى اتجاهين :
1- الاتجاه الذي حاول ان يدرس دلالات الجسد.
2- اعتبار الجسد غير اعتباطي بالمرة.
المشروع العلمي الرابع :ارنست كونتوغوفيش اصدر كتابا سنة 2000 بعنوان جسدا الملك : محاولة للاهوت السياسي للعصر الوسيط
تكمن قيمة هذا الكتاب في موضوع جسدا الملك حين يموت.هو دراسة ميدانية علمية في الشعائر الجنائزية التي كانت معروفة في العصر الايليزابيلي ببريطانيا. وكيف كانت تتم دفن اجساد الملك او الاجساد الملكية.
كذلك, كونه من اوائل المشاريع العلمية التي اهتمت كثرا بالجسد السياسي او الجسد المسيس استنادا على ان الجسد نص مرئي تكتب عليها السياسة اوامرها.
هذا الكتاب اسس لثنائية مرجعية في سوسيولوجيا الجسد السياسي والتي شرحها بين التمييز بين جسدا الملك.
جسد مادي , وجسد رمزي
جسد مشترك , و جسد استثنائي
جسد مقدس , وجسد مدنس
الملك لا يموت ابدا اي له جسد خالدا وجسدا مقدسا
- الكتاب توقف عند مصدرين :
1- المصدر المرتبط بالاهوت الكنسي اللاهوت السياسي
بمعنى المسيح كائن مزدوج نصفه انسان و نصفه الاهي . وهذه الثنائية اعتبرت الملك مسيحا في الارض.
2- مصدر اسطرة الملك اسطورة . جعله كائنا اسطوريا.
معنى ذلك ان الملك يمتلك درجات كبرى من القداسة بحيث ا ن اي تطاول او اعتداء على الملك يعتبر اعتداءا على المجتمع بكامله و عن المقدس.
ان هذا الكتاب توقف عند بعض الاجراءات او الوسائل التي تعتمد عليها الانظمة في العصر الوسيط من اجل ان يظل الملك شخصا دائم التقديس. بمعنى نموذج التخليذ يعتبر اجراءا اساسيا.و التخليذ هو ان جسد الملك لا يموت و حتى اذا مات يجب ان يخلق جسده الاخر الذي لا يموت.
#عبد_العزيز_احربيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟