أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد ديوب - بعض مظاهر الخروج على العولمة الإنسانية















المزيد.....

بعض مظاهر الخروج على العولمة الإنسانية


محمد ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 346 - 2002 / 12 / 23 - 04:13
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


أخبار الشرق - 22 كانون الأول 2002

لقد بات من غير المعقول، ولم يعد مقبولاً، أن يستمر الكاتب، كباحث أو مفكر، في البحث العام أو السرد اللفظي المجرد، مستخدماً جزالة الوصف والخيال أو بلاغة التعبير والألفاظ .. فلا حاجة إلى إعجاز القول لتأكيد الحقائق، أو بالاستناد إلى مفاهيم وتصورات وأفكار .. تشكل، بحق، عظمة الإرث الثقافي والمعرفي والفكري، عندما راحت تناقش وتحاور أو تنقد، بصدق، واقع هذا الزمان أو ذاك - انطلاقا من تحليل معطيات الواقع العالمي، وتحديد المسائل القائمة أو المشكلات العالقة فيه .. وما قد يطرأ من مستجدات ومتغيرات، ثم نقدها .. وصولا إلى وضع الأجوبة وتقرير الحلول في سياق البحث والتمحيص، أو ما يميز الإنسان إدراكا ووعيا ورقيا، وما يجسد المفهوم الحضاري كأساس ومستند .. أو كخلفية ثقافية ومعرفية وفكرية، وليس كمرجعية جامدة ومطلقة. من غير أن يفوتني التأكيد على استمرار صلاحيتها، أو على صدقية هذه الإنجازات، التي هي مكاسب عظيمة للإنسانية.

بلى! لا يجوز ولا يصح أن يكون التقرير القطعي أو الحكم الأزلي استناداً إلى هذه المقولة أو تلك، أياً يكن مصدرها .. وأياً يكن قائلها أو ناقلها. ولا بد من الإشارة، إلى أن الاستناد إلى مرجعية تعوزها البراهين والأدلة، يترك البحوث والأفكار موضع شبهة والتباس، وبخاصة عندما يكون الرجوع كثيراً وشهيراً .. إنما تعبر الحقائق عن نفسها على نحو بسيط ولا تحتاج لتأكيد ذاتها، واقعاً ملموساً، أن تلجأ إلى اللف والدوران .. لا تحتاج إلى القول البديع واللفظ الفخيم. وإن نظرة بسيطة، فيها تأمل وحسن دراية وتدبير، إلى ما هو قائم، وتحديداً إلى الوجود الحي، ما عدا الإنسان، للأسف الشديد، إنما تؤكد، أن الحياة على هذا القدر من البساطة والدقة والوضوح، في تكوينها ونشأتها، كما مقومات وحاجات أو ضرورات استمرارها في الوجود .. ناهيك عن تحسين هذا الوجود وتطويره باستمرار. وإذا كان ثمة من حاجة إلى التدخل، وهو هنا تدخل الإنسان الذي ثبت، بالمطلق، أنه لازم وحيوي، مع كل ما في هذه المداخلة من تعقيدات الإدراك والفكر .. أي الوعي وما نتج عنه من معارف ومعلومات أو من وسائل وأدوات. بكلام آخر مع كل ما نتج من رقي وعمران، ومن تقدم وازدهار .. أو ما نسميه الحضارة، بكل أبعادها ومعانيها. أن يكون هذا التدخل لما فيه خير الإنسان وصالحه، وليس العكس.

ليس ثمة من داع، أن تُنسب مقولة الصراع إلى الحضارة .. إلا أن يكون في سياق الجدل والحوار. والأنكى أن يكون هذا المسعى من أجل التأكيد على أهمية البحث، أي بحث، أو لتأكيد قيمته وجدواه. ومع ذلك، هل هي الحضارة تميل، حقا، إلى الصراع في نزوعها إلى التوسع والانتشار - ولا أقول الهيمنة، لأن الهيمنة تحمل مفهوما دلاليا مختلفا في أسلوبها ومنهجها .. أو في أدواتها ونتائجها؟ .. بلى، هي من مفاعيل الحضارة وتداعياتها، نزعة التوسع والانتشار أو الشمول، ولنقل: نزوعها إلى الرقي والازدهار. ولكن! ليس العنف ولا استخدام القوة وسيلتيها إلى ذلك، فهذا ما يتلافى مع طبيعتها وجوهرها، ويجافي شرعيتها ومصداقيتها، إن لم يهدد أسباب وجودها وعوامل بقائها .. ناهيك عن تطورها وتقدمها. لا يمكن أن تقوم الحضارة، أو تكون، على أساس هيمنة القوة الوحشية - الفتك والبطش والتدمير - .. بلى، ثمة الحاجة الماسة والضرورة الحيوية إلى ما في الحضارة من قوة الخير والصلاح .. أو لتكن قوة المنافع والمصالح. وما من شك، أن الخراب والدمار غير ذلك .. كلا! ليست من مقومات الحضارة، مفاهيم القهر والظلم أو الاستعباد والاستغلال والاستبداد .. وما إلى ذلك، بل لا تمت إلى الحضارة، بصلة، غطرسة القوة أو طغيانها. على العكس من ذلك، هي وسائل هدم وعوامل تخريب، أو مظاهر أورام خبيثة تنخر هيكل الحضارة، فتقوض صرحها وتدك كيانها. وكذا تندرج في هذا السياق كل أسباب الجاهلية ومظاهر التخلف والتعصب والتزمت والجمود والانغلاق .. و.. و.. أو قل: الأصولية والسلفية والعنصرية أو الخصوصية، بعيداً كل البعد عن التفكك والانحلال أو الذوبان .. وعن الإلغاء أو مطلب الفناء.

ليست الأورام الخبيثة دليل صحة في الأجسام، والكل متفق على أنها المرض العضال .. إنها، ولا شك، ظاهرة ملموسة تطفو أو تنتشر وتطغى على كل الجسم، ولكنها ليست من قوام الجسم السليم .. ليست من طبيعته. على العكس هي تنخر الجسم أو تهده وتفتك به، وصولاً إلى موته أو فنائه. بلى! قد تهيمن أو تسيطر وتسود هذه الأورام، ولكن! .. هل تقضي على الحياة؟ أو ما هو أهم، هل نرضخ لذلك، فنتيح لها أن تكتسح الوجود الحي؟! أنستسلم لها، باعتبارها ظاهرة واقعية، ولا أقول موضوعية على الرغم من كونها حقيقة مادية ملموسة؟ .. هكذا يستقيم الصراع ضد طغيان القوة العنصرية أو الوحشية، حيث تأخذ مقولة الصراع شرعيتها المطلقة .. الصراع من أجل الوجود والبقاء، وفي سبيل التقدم والرقي والازدهار. وليس ما يمنع الحضارة أن تزداد رسوخا وثباتا في الأرض .. أن تزهو وتسمو .. لا تمنعها بعض مظاهر الجاهلية والتخلف أو الأصالة والخصوصية، التي هي منفية أو معزولة على هامش الحياة والكون، أو حتى لو استخدمت أدوات وذرائع، فلا حول لها ولا قوة على صعيد القدرة والجبروت. من هنا، فإن ما يمنع الحضارة أو يعوق ألقها، فعلا، هو ما قد يتفتق عنها من أورام خبيثة .. والصحيح أن تطلب كحاجة حيوية، وليس أن ترفض بحجة ما علق بها، أو طغى عليها، من أورام وأمراض.

على هدي هذه المعاني، وفي ضوئها، حيث البحث الرشيد والرؤية الصائبة، يمكن أن نتلمس التحليل أو النقد السليم .. بل أن نعلن ونلتزم الموقف الصحيح. وفي هذا السياق أرى أن الإنسان، عموما، هو "ملطشة" هذا الزمان، وليس العرب والمسلمون وحدهم، كما يقول السيد "فهمي هويدي" في مقالته التي نشرتها جريدة "السفير" بتاريخ 29/10/2002، والصحيح أننا نعيش استباحة الأمم والشعوب .. استباحة العالم كله، وليس الأمة وحدها (ويكاد الكل يجمع على هذا الرأي) ..

بلى! هكذا يجب أن نضع المعادلة، وأن نفهمها بشكلها القويم - العالم كله في مواجهة أساطين كبرى الشركات الرأسمالية الاحتكارية أو طغمة الليبرالية الجديدة (العولمة القبلية بزعامة قطاع الطرق، أو رعاة البقر، أو عصابات المال والقوة والسلاح) بالتحالف الوثيق مع حفنة الصهيونية العنصرية، حيث تمارس أفظع معايير الدرك الأسفل من النظام القبلي البدائي، أو حيث الحلم بالدم من أجل النفط وعصابة تشيني - بوش (كما يقول غور فيدال)، أو حيثما يؤكد على أن العدو من الداخل في بحثه بشأن مسئولية الإدارة الأمريكية عما حدث في 11 أيلول، وفي تعيينه أنابيب النفط كمعايير أو محددات للسياسة الأمريكية الملفقة على أساس الأمن القومي، والسلام، وحقوق الإنسان، أو المبادئ والأخلاق الإنسانية الكونية. ولا يفوتني أن أشير، بل أؤكد على دور الوكلاء في العالم من حكام دول أو زعماء قبائل دينية، أو قومية، أو اقتصادية، أو ثقافية .. إلخ، وما في الخصوصيات الإثنية والعرقية، أو العنصرية من روابط، أو قيم، أو مثل، أو مبادئ ومعاني تزعم لنفسها البعد الإنساني في عالم بات "قرية كونية" .. لا شك في أنها مفارقة مذهلة، وتدعو إلى الريب والشك أن تزدهر الدعوات أو النزعات الإثنية، وكل أشكال الخصوصية (وهذا لا ينفي أن يكون بعضها على حق)، حيث الوحدة أو العولمة الإنسانية أهم معلم حضاري، بل هي الواقعة الحية والملموسة في عالم اليوم.

وثمة الخطر الأكبر، والأفدح ضرراً وأذى، في استعداء الشعوب والقوميات والإثنيات، تحت مختلف الذرائع، ضد بعضها البعض. بل استعداء الشعب الأمريكي بالتهويش وتربية الكراهية في نفوس أبنائه ضد الآخرين، باعتبارهم أعداء .. وليسوا بأعداء، مع ملاحظة أن تكون القدرات والإمكانيات الأمريكية وغيرها في خدمة أو ضحية ممارسات وأغراض ذلك الحلف المشبوه. وبالمقابل أن يكره الآخرون الشعب الأمريكي .. أي أن تقوم حالة العداء، وصولا إلى الحرب والقتال بين بني البشر، بتأثير الفخاخ المنصوبة - عقيدة ومصالح. وهذا ما نجد له مثيلا في الهتلرية وروما الإمبراطورية، وأمثالهما، مع التأكيد على الفارق الكبير جدا في القدرة والتأثير (أضعاف ما كان عليه الأمر في الماضي)، أو من حيث البشاعة والفظاعة والأهوال .. وحتى الرعب والغثيان. وما هو أمرّ وأدهى، إطلاق الحملة الشريرة تحت مظلة مكافحة الإرهاب وتحرير الإنسان، وبخاصة في العالم العربي، أو من خلال تزييف وعي الشعب الأمريكي خصوصاً .. والغرب عموماً، تعميم وترويج الظاهرة الخبيثة، التي يعملون لها منذ عقود وأجيال، في مقارعة أعداء وهميين يلبسونهم لباس التخلف والجهل ومعاداة التقدم والحضارة. إذ هم المطلوبون أمام العدالة، لإيمانهم بقيم ومبادئ أو نهج الشرق المناهض والمعادي للغرب وحضارته، كما يدعون، ولاتباعهم سجايا عيش وأنماط حياة غريبة أو متناقضة مع ما هو متبع في الغرب (وهذا قولهم بصراع الحضارات). وبالتداعي مع هذا الأمر، أتلمس رؤية السلفية والأصولية، وما يمت إليهما بصلة، على نحو يكشف زيف دعواتها الملتبسة إلى الجهاد، ويفضح خدمتها أغراض الظاهرة الخبيثة والحملة الشريرة، حيث يلتقي الطرفان، على الأقل، في تلفيق الوعي الشرقي عموماً .. والعربي خصوصاً، من أجل تكريس التخلف والانقسام ومشكلات الإثنيات القومية والدينية. وصولا إلى تسويغ الاستبداد وقمع الحريات العامة والمدنية، ما يبرر الادعاء الأمريكي أو الغربي بسيادة الباطل والظلام والضلال، أو الفراغ وما يسد مسد الذرائع في حملاتهم المقدسة، بعد تزيينها بالقيم والمبادئ الإنسانية، مع ملاحظة أن تكون كونية حسب المثقفين الأمريكيين، من أجل تحرير الإنسان العربي من ظلم وعسف حاكميه، ومن ظلامية وتخلف واقعه.

هكذا يكون غير صحيح، بكل تأكيد، أي ربط بين الحضارة الغربية، أو أي حضارة، وبين الجشع والأطماع والعنصرية، أو العدوانية التي تستدرج إليها البشرية، وفي مقدمها شعب الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا، أو الغرب عموما .. مع التشديد، أن قولي عن التعدد الحضاري، إنما هو على سبيل المجاز، لأن رؤيتي إلى وحدة الحضارة الإنسانية في تنوعها .. وحتى في اختلافها.

وهكذا يصبح المطلوب، أو هذا ما يقتضيه البحث والتفكير، أن يكون التحديد والدقة والوضوح في القول. وحبذا أن تكون المواقف كذلك، بعيدا عن الوقوع في فخ التلفيق والتضليل والاستخدام كذريعة أو أداة .. ليس سعيا إلى مجرد تحسين صورتنا في عيون الآخرين، بل أن تكون صورتنا عن أنفسنا، وكذا صورة الآخرين في عيوننا، على هذا النحو الصريح والواضح.

__________

* كاتب سوري - دمشق
 

 



#محمد_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد ديوب - بعض مظاهر الخروج على العولمة الإنسانية