|
استراتيجية مواجهة اثار موجة البرد بالمغرب - في افق ترسيخ -حكامة مخاطر صاعدة--
محمد البكوري
الحوار المتمدن-العدد: 4697 - 2015 / 1 / 22 - 05:59
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
اضحت "المخاطر" سمة من سمات العصر الراهن ،كما انها اصبحت بمثابة"ضريبة من الضرائب"التي يدفعها العالم مكرها ،نظير تقدمه و تطوره ونيابة عن "العولمة" .فالمخاطر توجد في كل مكان و تغطي كل مجال وتهدد كل كيان. الشيء الذي حتم ويحتم على صناع و متخذي القرار ،وعلى جميع المستويات الدولية و الوطنية و المحلية ،التفكير مليا و بعمق، في ايجاد الطرق الناجعة لادارة و تدبير هذه المخاطر. وعلى راس هذه الطرق القيام بالتشخيصات الضرورية لبلورة التصنيفات الممكنة للمخاطر وجعلها في متناول جميع المتدخلين ،حتى تتاح الفرص المواتية للحد او التخفيف من الاثار الوخيمة للمخاطر وتداعياتها السلبية .وبذلك يكون التصنيف اداة منهجية تساعدنا على المعرفة العميقة لانواع المخاطر، وبالتالي على تحديد درجات و مستويات خطورتها و تاثيرها، وفق منطلقات فهمية و تحليلية و تشخيصية .وهي المنطلقات التي افرزت لنا تعددية على مستوى النظرة الى التصنيفات الممكن طرحها للمخاطر . هكذا نجد، ان هناك من يرى -وفي اطار التصنيف البسيط والمتداول للمخاطر- وجود ثلاثة مستويات للمخاطر: اولا:مخاطر جسيمة من الواجب تفاديها من الاساس، لانها ممكنة الوقوع . ثانيا:مخاطر من المفروض وضع حد لها ، لانها واقعة وتتسم بصعوبة معالجتها . ثالثا: مخاطر مقبولة وخفيفة على مستوى ايجاد الحلول لها ، ومن المنتظر تدبيرها بشكل سلس وسهل . هذا بخصوص مستويات المخاطر( الدرجة و الحدة). اما بخصوص التيبولوجية النوعية لها، فنجد الانواع التالية :مخاطر الحياة اليومية، المخاطر التكنولوجية ، المخاطر السياسية ، المخاطر الدولية ، المخاطر الاقتصادية ، المخاطر البيئية ، المخاطر الطبيعية . ان المخاطر الطبيعية مثلا ،تتحدد في كونها، هي التي تتحكم في دواليبها الطبيعة ،و يبقى الانسان في مناى عن التسبب في وقوعها ، في حين قد يعمق اسباب زيادة حجم الخسائر الناجمة عن حدوثها، نتيجة الاهمال و اللامبالاة و التقصير وعدم اخذ الاحتياطات الضرورية وبلورة الخطط الملائمة لتفادي تلك الخسائر او على الاقل التخفيف من وطاة اثارها . وتنقسم هذه المخاطرالى اربعة اقسام : مخاطرجيولوجية ،مخاطر بيولوجية، مخاطر كونية ، مخاطر مناخية . هذه الاخيرة هي الاكثر تواجدا في شتى اصقاع العالم ،اذ تؤكد العديد من الدراسات ان 90في المائة من المخاطر الطبيعية ،هي ذات الصلة بالمخاطر الجوية(الطقس و المناخ و الماء).ومن ابرز هذه المخاطر،نجد الاعاصير ،العواصف الرعدية، الفيضانات ،السيول الجارفة، الجفاف و موجات الصقيع و البرد.. . هكذا يمكن القول ان المخاطر المناخية تشكل احدى اقوى التحديات المعاصرة، التي اضحت تواجه العنصر البشري .وذلك بالنظر لكون هذه المخاطر المترتبة بالاساس عن الظواهر الطبيعية الجوية و المرتبطة بالطقس و المناخ ينجم عنها بالغ الاثر و كامل التاثير على الانشطة الانسانية .فالمجال المناخي يمثل المحيط المواتي ،الذي تتبلور فيه هذه الانشطة و الحيز الانسب الذي تنتعش في احضانه ،واي تغيير قد يطرا على مستواه ،قد يكون له المردود السلبي او الايجابي، حسب الظروف والاحوال المرتبطة بهذا المكون المناخي .ومن ثم تفسر المكانة التي اخذت تحظى بها استراتيجيات و سياسات وخطط تدبير المخاطر المناخية ،حيث ان طريقة التحكم في المناخ كمعطى طبيعي ،وادارة المخاطر المرتبطة به، اخذت تستلزم تبني اليات جديدة تمتح قوتها وتستقي اهميتها من مبادئ حكامة المخاطر. وهو النمط من الحكامة التي املت الرهانات و الاكراهات المناخية المعروفة او المستجدة، من قبيل ظواهر: اعصارEl nino،موجات تسونامي او المد البحري العارم ، الفيضانات، موجات البرد والصقيع ، ضرورة الاستعانة بالياته ،كنمط قادر على استشراف و استباق المخاطر المناخية ،وبالتالي القدرة على الحد من اثارها الوخيمة على البنيان و الانسان او على الاقل التخفيف منها . ومن ابرز هذه الاثار، التي قد تنجم بسبب المخاطر المتعلقة مثلا بسوء الاحوال الجوية ، خاصة في المناطق التي تعرف تساقطات ثلجية قوية ،يمكن ذكر خسائر في الارواح البشرية، نتيجة عدم تحمل موجة البرد من طرف بعض الفئات العمرية الهشة صحيا الاطفال )في هدا الصدد سجلت ، مثلا في الاسبوع الثاني من شهر يناير لهذه السنة ،وفاة اطفال سوريين لاجئين بلبنان ،ومنهم رضع بسبب حوادث مرتبطة بالعاصفة الثلجية "هدى" ،حسب بيان لمنظمة اليونيسف ،وقد بلغ عددهم سبعة اطفال حسب ما ادلت به احدى الهيئات الحقوقية السورية) والشيوخ اوبعض الفئات الاجتماعية المقصية المتشردين ،سكان اعالي الجبال والمناطق النائية ، اووفيات تخص جميع الفئات وفي جميع البلدان ( عرفت اوربا مثلا ،سنة 2012 وفاة حوالي 500شخص خلال عشرة ايام، خاصة في دول اوربا الشرقية و بالضبط اوكرانيا التي عرفت وحدها وفاة136شخص جراء موجة البرد و الحوادث المرتبطة بها) ومن بين الثار السلبية نجد انتشار حالات مرضية بسبب البرد ،خاصة الالتهابات التنفسية المزمنة ،وكذاخسائر عديدة في البنيات التحتية المتعلقة بالشبكات الطرقية ، الكهرباء ،الاتصالات ... هكذا ،يمكن القول ان المخاطر المتعلقة بموجة البرد و انخفاض درجة الحرارة تشكل تهديدا حقيقيا للعديد من الحقوق الاساسية للانسان كالحق في الحياة و الحق في الصحة و الحق في العيش الكريم ... وبالتالي فهي تمثل اخطارا محدقة باهم راسمال تنموي ، الاوهو الانسان، الذي بدونه يستحيل معنى الوجود في حد ذاته وتتوقف المسارات التنموية ،وبالتالي تتعطل عجلة التطور و التقدم .من هذا المنظور المجسد للاعتناء بالعنصر البشري و توفير الفرص المواتية لاستمراريته و استمرارية باقي العناصر التي تدور في فلكه ،حرصت جل دول المعمور على توفير الاجراءات الضرورية و اتخاذ التدابير المطلوبة ،لمواجهة كل ما من شانه تهديد المكون البشري ،وعلى راس ذلك مجابهة مختلف الحوادث و الاخطار و الكوارث و الازمات المحتمل حدوثها، وذلك كله في اطار حكامة لتدبير المخاطر ،التي اضحت رهانا استراتيجيا وعمقا ديناميا، من المفروض على الجميع الانخراط -في اطار تضافر الجهود -بوعي ومسؤولية في صيرورة تحقيقهما .في ظل هذه السياقات ، حرصت بلادنا في الاونة الاخيرة على ضمان انتقالية سلسة من منطق "تدبيرالازمات الواقعة "الى منظور" تدبير المخاطر المحتملة"، وهو الشيء الذي يمكن توضيحه على مستوى تعامل الدولة مع الطوارئ المناخية والكوارث الطبيعية التي المت ببلانا في السنوات الفارطة ،خاصة في اواخر السنة المنصرمة ،التي عرفت فيضانات عارمة خلفت وراءها خسائر بشرية ومادية فادحة، اذ تم التعامل معها بمنطق ازمة ينبغي تدبيرها ،الشيء الذي يفسر المجهودات الجبارة، التي عبئت من اجل هذا التدبير، وهي المجهودات التي يبدو انها اتت باكلها في احدى مراحل حدوث هذه الفيضانات-المرحلة الثانية- من حيث عدم تسجيل اي خسارة على الاقل في الارواح البشرية-مقارنة مع المرحلة الاولى- وهو المعطى الذي يؤكد الانتقالية السالفة الذكر، وخلق ارهاصات ل"حكامة مخاطر" ،منبثقة في الافق .وهي الارهاصات ،التي اخذت تترسخ بمؤشرات قوية ،عبر تبني المغرب لابرز المبادئ المؤسسة لحكامة المخاطر ،خاصة المخاطر المناخية : الجانب الوقائي (التنبيه المبكر عبر النشرات الانذارية حول التقلبات المناخية و التواصل و التحسيس و الاخباربحالة الطقس المتوقعة )الاستشراف بالمخاطر المحتملة، الاستباق بوضع خطة لمواجهة هذه المخاطر. كل هذه المبادئ وغيرها، يمكن ان تستشف من التعليمات الملكية التي اعطيت لمختلف اجهزة الدولة (على وجه الخصوص وزارة الداخلية ووزارة الصحة) في الاسبوع الفارط للتجند وتعبئة كل طاقاتها لمواجهة موجة انخفاض درجة الحرارة ،خاصة في الاطلسين المتوسط و الكبير.وذلك ماتم القيام به ،عبر توفيروسائل بشرية ولوجيستكية هامة لمواجهة الانعكاسات السلبية و المحتملة لموجة البرد القارس بعدد من مناطق المغرب :تعبئة بشرية مهمة5000من الاطر،من ضمنهم اطباء و ممرضون واعوان الدولة و السلطة المحلية، احداث لجان مركزية و اقليمية ومحلية للتتبع و اليقظة، اقامة مستشفيات ميدانية و اخرى متنقلة ،تدعيم مخزون الادوية المتعلقة بالامراض ذات الصلة بموجة البرد ، وضع مروحيات على اهبة الاستعداد للتدخل وتقديم الدعم ،توفير عدد كبير من سيارات الاسعاف، تعزيز المؤسسات الاجتماعية و الصحية و التعليمية بالكثير من وسائل التدفئة:اغطية ،مدفئات كهربائية، حطب الاهتمام بالاشخاص الذين لايتوفرون على ماوى ونقلهم الى مراكز الايواء ، توزيع كميات هامة من المواد الغذائية و الاغطية على السكان المقيمين في الدواوير النائية بالجبال العالية(جماعة تلوات بورزازات ،جماعة امسمريربتنغير، جماعة اميلشيل بميدلت...)وغيرها من التدابير الرامية الى الحد من الاثار السلبية الناجمة عن موجة البرد ،وهي التدابير ،التي وبعد مرور بضعة ايام على انطلاق العمل بها في اطار المواءمة و المسايرة لمخاطر موجة البرد ،يبدو انها تمكنت من بلوغ الاهداف المنتظرة من ورائها . مما يؤكد على نجاعة الفعل التدبيري المرتبط بمواجهة هذا النوع من المخاطر ، في اطار حكامة للمخاطر -تقوم على استراتيجية استشرافية وخطة استباقية - تم ارساء بعض تجلياتها وتجليات انتقالياتها المتعددة ،بدءا ب"ادارة المخاطر"، مرورا الى "تدبير المخاطر" ووصولا الى "حكامة المخاطر" ،و التي من من الصعب الحسم في الوقت الراهن بان بلادنا قد ارست اسسها بشكل كامل ،وانما فقط يمكن الحديث عن مخاضات ارهاصية لنشاتها ،اي انها "حكامة انتقالية /صاعدة "،في ظل "مغرب انتقالي / صاعد".
#محمد_البكوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اوهام السر
-
الفهم الفيبري للاسلام 1)- الاسلام و المدينة (
-
لعبة صغرى لعبة كبرى
-
اختلالات نمط الحكامة بالمغرب - الفساد الاقتصادي نموذجا- اليا
...
-
لحظة صباحية
-
هلوسة الربيع الشتوي
-
مكونات الحكامة وادوارها في المشاركة السياسية بالمغرب: التسجي
...
-
الميمية
-
الفعل الجمعوي بمناطق الواحات واحة أحميدي بورزازات نموذجا -ال
...
-
الفعل الجمعوي بمناطق الواحات واحة أحميدي بورزازات نموذجا -
...
-
النسيج الجمعوي بالمغرب :مخاضات النشأة وارهاصات التطور - قراء
...
-
المسؤولية و المحاسبة-التلازم المطلق من اجل الادراك المنشود-
-
الديمقراطية المترنحة
-
فرنسا،الفاجعة الكبرى و الفهم الاكبر لسوء الحكامة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|