أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح الانباري - عرض استقرائي لمرثية ثامر مطر (جمهورية الحب)















المزيد.....

عرض استقرائي لمرثية ثامر مطر (جمهورية الحب)


صباح الانباري

الحوار المتمدن-العدد: 4697 - 2015 / 1 / 22 - 01:30
المحور: الادب والفن
    


عرض استقرائي لمرثية ثامر مطر (جمهورية الحب)


يا صاحبَ السرورِ ... أعرني سمعك
يراودني هاجسُ إن الرحيلَ قريبٌ .. وعليَّ التزوَد بالكثيرِ قبل
التوجّهِ نحو الربعِ الخالي
لعلّ الأمر يبدو كما لو أن الشاعرَ أيقنَ أنه قابَ قوسين أو أدنى من الغياب الأبدي على الرغم من هاجسيّة المراودة.. وهذا هو سرُّ مناداتهِ على صاحبِ السرور الذي طالت غيبته وأوبته، ولا بدَّ له أن يسمع صوتَ الشاعر الذي أحسَّ بقربهِ منه كقربِ الأجلِ ممن بلغه الاحتضار. إنَّ الشاعرَ يسعى للتزوّد بقطرةِ ماء أو بضعَ قطراتٍ تعينه على اجتيازِ الممرِ الطويلِ، المقفرِ، المجدبِ وهو العارف باليباب في حياة نشبت في مفاصلها أنيابُ الخرابِ، والدمارِ، والجفافِ الموغلِ في أنهارِ الروحِ إلى أبعد قيعانها. عطش في الحياةِ، وفي الممر العابر منها إلى ربعٍ خالٍ صار أدنى للشاعرِ من حبلِ الوريدِ وهو المتمسّك بآخر خيط علّه يفضي به إلى الغيابِ المشروط بالإيابِ فثمةَ من سينتظره على قارعةِ الحياةِ طويلاً ولا مناصَ له إلا أن يتّكأ على صاحبِ السرورِ فكلاهما كتبت عليه الغيبةُ ومن أجلها أراد التزوّد بالكثير.
"عبر خيوط الوهم أرى ملامح أحبة رحلوا عني منذ زمن بعيد"
ثامر مطر يقف على أرضه بثبات ولكنه وهو المشتبك مع الوهم بسرِّ الحقيقةِ، يرى من سبقه من الأحبةِ وكأن موعده معهم قد أزفت ساعتُهُ وحانت لحظتُهُ وانصهرَ الزمنُ بالزمنِ فبدى البعيدُ قريباً وسهلَ عليه أن يمسّه مساً إن أراد إلى ذلك سبيلاً وقد طوى الموجُ زورقَهُ الأثيريّ منفرداً إلى حيث الانتظارِ على بابَ الغياب الكليّ الرهبة:
"كم تمنيت قبل القلوع لو أنّ أيدي من أحببت تدفع زورقي نحو اللجّة"
إنها الأمنية المستحيلة فليس للرحلة من أيدٍ تدفعها برقّة نحو اللجّة العميقة وإن على الشاعر أن يرحلَ منفرداً بضميره، أو بذاتِهِ المنفردةِ فثمة من يقودُ المركبَ نشواناً بسكرةِ الموتِ إلى الضفةِ الأخرى.
"حين تحلّ ساعة الوداع لم اتعود أن اتلفت نحو الخلف لأنني أكره الوداع
وعزائي أن وجوهكم هي آخر من أراه"
تلك لحظة ينقطع فيها الزمن بين ضفتيه ولا أحد يفضي إلى الآخر فما من أحد يعرف ماذا هناك في مكانٍ ذي زمنٍ سرمديٍّ ممتدٍّ إلى آخره أو إلى لا آخرةَ فيه، ولا يمكنُ للممكنِ فيه أن يكونَ ممكناً. إنها اللحظةُ الحاسمةُ، واللحظةُ الفاصلةُ التي ليس لها ما يشبهها إلا لحظةَ الولادة. أن تودع عالما معناه أن تغيبَ أو تمعنَ في غيابِ عالمٍ آخرَ بلا حدودٍ، أو تخومٍ تؤطّرُ ذلك العالم المجهول. سيشدّ الشاعرُ رحالَهُ وسيتقدمُ المسيرةَ نحو اللجّةِ وليس له أن يلتفت إلى الوراءِ ذلك هو قانون الغيابِ المحتوم، وسيكتفي بنظرةٍ خاطفةٍ - لكنها أعمق من لجةٍ عصيةٍ على البلوغ - لوجوه من أحَبّ، وستكون عزاءُه الأخيرُ قبل المغادرة. إنه الانفصال الذي أدرك ثامر مطر أنْ لا اتصال بعده إلا بالمحبةِ الأزلية.
"إذا اشتقتم لرؤية وجهي ... تصفحوا أي قصيدة كتبتها"
الشاعرُ يتشبث بعالمه وهو العارفُ أن لا بقاء في عالم محكومٍ بالفناء، وهو لهذا أو بسببه يتركُ أثراً طيّباً حرصاً منه على مفارقيه. إنه يتركُ قصيدةً لها تعابير وجهه، وسحنته، وملامحه التي تعاند النسيان وتكيده كيدا. ليست ثمة قصيدة واحدة حسب، بل كلّ قصيدة يرثها الأحبة ممهورةٍ بمهر المحبة الأزلية. إذا اشتقتم - وهو العارف إنهم سيشتاقون إليه - تصفحوا وجهي أو قصيدتي فسيّان عند الراحل ما بين اثنتين: الوجه والقصيدة. إنه يماطلُ الموتَ بالاشتياق، والغيابَ بالقصيدةِ ليؤجّلَ اعلانه الرهيب:
"سيأخذونني لا أدري إلى أين .. مكان اسمه المجهول"
لم يبلغْ حقيقتَهُ الغائبةَ، ولم يسبرْ كنهَهُ الغامضَ، وما من أحدٍ عاد منه ووضع تخوماً لمساحاتِهِ القصيّةِ، وفقط بلغت به الرؤيةُ استبطانَ جوهرِهِ المكين.
ثامر مطر لم يتردد في الذهابِ، ولم يتلكأْ في المسيرِ أو الإسراءِ إلى رحبتِهِ المجهولة التي لا إرادةَ فيها لمن وصلَ إليهِ وما من قوةٍ تؤويهِ، أو ساندٍ يسندُهُ إلا روحَهُ الشفافةَ النقيةَ التي تتموضعُ في يقينها الساطعِ داخلَ ظلماتِ النفسِ القصيّةِ التي لها القدرة أن تَعِدَ بما لا يمكن أن تَعِدَ به.
"أعدكم إذا كان هذا المجهول جحيما.. أو فردوس
سأقيم هناك جمهورية للحب أسمها
جمهورية ثامر مطر"
إنها قدرةُ محقِ المألوفِ من المعلومِ، والإتيانُ بما لم يسمحْ المجهولُ به من قبلُ، وما استطاعَ الأوّلونَ بلوغَ مأربهِ أو العملَ على نيلِ أولهِ أو آخرهِ. إنه الوعدُ الذي ألزم ثامر مطر نفسه به دون الاكتراثِ لهويةِ المجهولِ الذي قصدَهُ ففي الحالين: إن كان المجهولُ جنةً أو ناراً فهو عازمٌ على تشييد جمهوريةِ الحبّ التي هويتها الفارقة اسمه الأرضي: ثامر مطر.
"قرآنها العشق.. دينها الحب.. وصلاتها القبل"
إنه يريدُ التشييَد في عالم مشيّدٍ أصلا ولا مجال فيه لرصفِ لبنةٍ واحدةٍ خارج مؤثثاتهِ القدرية. إنه يريدُ التشييدَ ربطاً بين عالمينِ مختلفينِ في طبيعة كلّ منهما، وفي أنساقِهما الأساسية. ولكي يستطيع إلى ذلك سبيلا فإنه يضعُ لمشيّداتِهِ الجديدةِ دستورَها (قرآنها العشق) الجامع للقصص، والوعودِ، والنصوصِ، وأحكامِ العشقِ وفرائضِهِ. ولكي يضمنَ انطلاقَ تلكَ الطقوسِ من وحي دستورها فإنه يقرر أن (دينها الحب) ثم لا يني يؤكد أن (صلاتها القبل). هكذا يشهر ثامر مطر في وجوهنا محبته الأزلية، وهكذا يريد الاجتماع بنا مرة أخرى فهو بمعنى من المعاني يحجز لمحبيه مقاعد في جمهوريته الأثيرة التي جعلَ أركانها الثلاثة: العشقَ، والحبَّ، والقبل. وفي هذا ابتكارٌ للتواصل الأبدي. وإذ يخرج بنا من عالمه (من جمهورية المحبة) فإنه يعود لينادينا بمحبته الأرضية:
أحبتي
قال من ليس كمثله أحد !! علي
"أبغض الصدق مدح النفس"
"وأنا احجم أن أنعت حالي بالشاعر"
إن إحدى أكبرَ ما تميّزَ به ثامر مطر في حياته هو نكرانه لذاته، ولهذا وجدناه يلوذُ (داخل القصيدة) بمن ليس كمثلهِ أحد في نكران الذات مضمنا قصيدته بقول مأثور فيه من الرقيِّ قدرَ ما فيه من الحكمة. وليس أدلّ على هذا من إحجامه عن نعت نفسه بمفردة صغيرة (الشاعر) يرى أنها من رفعة الشأن ما يجعله أكثر تواضعا في حضرة قداستها. وامعانا في تواضعه فانه يقتبس جملة أخرى ليس من قرآن محبته ولكن مما يرويه الرواة:
" آن لهذا الشاعر ان يترجل "
وفي هذا اشارةٌ لمأساويةِ الحياةَ التي عاشَها معلّقاً بجذعِ نخلةٍ سامقةٍ من نخيلِ العراقِ مصلوباً عليها كالمسيح، وحاملاً خطايا بعقوبتهِ، وناسِها، وعذاباتِها، ونزيفِها الذي ما من أحدٍ وضعَ على جرحِهِ لفافة من ضماد. لقد تيقن ثامر مطر من رحيله وهو العارفُ أنَّ أوانَهُ قد حانَ ولا مفرَّ منه ومع هذا اليقين بالمغادرة فإنه يعلن أن لا رغبة له بالوداع وإن كان لا بد من ذلك فليكن بلا دموع. يقول في ختام مرثيته لنفسه:
"لا أحب الوداع لكن يسعدني أن تسبح في أحداقي صوركم
وهي أعز واجمل ما أملك
...
بلا دموع"



#صباح_الانباري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عسكرة عطيل في الجنوب الاسترالي/ رؤية اخراجية محدثة
- التعاقبية وافتراضاتها الفنية في المونودراما
- قراءة أولية في قصيدة سعد جاسم (هو يشبه أنكيدو)
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الخامس شخوص م ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الخامس شخوص م ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الرابع شخوص ع ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الرابع شخوص ع ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الثالث شخوص م ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الثاني تمهيد ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الثاني تمهيد ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين/ الفصل الثالث/ شخوص ...
- شكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين الفصل الثالث شخوص ما ...
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين/ الفصل الأول 2/2
- إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين/ الفصل الأول 1/2
- قراءة في قصيدة الشاعرة د. اسماء غريب (اليكَ شمسي في عيد العش ...
- الاحتراق عِشْقاً في مجموعة السماوي (أطفئيني بنارك)
- سيرة ذات حروفية.. قراءة في سرة أديب كمال الدين الابداعية
- كتاب موت الرواية.. أزمة الخيال الفني بعد عام 1985
- العنونة وجمل القص في مجموعة صالح الرزوق (تشبه القصص) أوراق ف ...
- القواسم المشتركة في قصص د. صالح الرزوق حضور بصيغة الغائب


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح الانباري - عرض استقرائي لمرثية ثامر مطر (جمهورية الحب)