شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 23:17
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

من المفتريات التاريخية التي يؤمن بها بعض ممن ينتسب للعلم التاريخي أنه يقبل تفسيرات مبنية على تأملات وتصورات خارجية تتعلق بمواضيع وأحداث مضت عليها عصور ساحقة لمجرد أنها يمكن أن تنتج من خلال الربط والاستنتاج والتتبع لمفردات متباعدة وشائكة ثم يستخرج من كل ذلك نظرية تؤيد حدثا و تنشئ حدث بناء على معطيات ظرفية وأجزاء قد تكون بالضرورة من نسيج واحد أو من سياق متشابه , المهم أنها جميعا تؤكد على ما يزعم بحصول حدث ويسجل على أنه تاريخي ومحترم .
في الوقت الذي في قضية لها السند التاريخي الروائي المعزز بوقائع لا تقب الدحض ولا تنفي مجرد الشك بالحصول وممتدة بأثر واقعي وبشواهد مادية وفعلية لها من القوة ما لا يمكن تجاوزها كقضية ولادة النبي محمد ص وتربيته وانتقاله من رعاية الجد للعم ثم النشأة والصحبة والوجود والبعثة والحركة وكل ما دار بأشخاصه من أحداث ووقائع وما ترك من إرث مادي وفكري ضخم وتاريخ سجلته أقلام أخرين ,يتم تجاهله لمجرد أن المؤرخ الذي يريد أن يثبت العكس أنه م تتوفر له المستندات المادية التي يتم التعامل بها اليوم وينسى أن القضية أصلا ولدت في جو غير مهيأ أساسا للقضية ووسط ظروف معاندة ومضادة حاولت بكل قوة أن لا تؤشر لمثل هذا الحدث .
فمثلا لا يمكن لباحث أن ينكر وقائع خطابات ورسائل الرسول مع زعماء العالم القديم ولا مع قيصر عظيم الروم ولا مع المقوقس وهناك نسخ ما زالت تحتفظ بها بعض المتاحف العالمية منها ,كما لا يمكن نكران تاريخ الأمم الأخرى التي كانت في تماس مع حركة الرسالة كفارس والحبشة ولا أحد ينكر مثلا معركة القاسية والصراع بين المسلمين بقيادة رجال النبي وجنده وبين الدولة الساسانية التي يزخر تاريخها بالتدوين .
لقد أكثر البعض من هؤلاء الدارسين من أهمية أن يسعى البعض من المسلمين من إعادة النظر بموقفهم من حقيقة الوجود التاريخي للنبي محمد ص زاعما أن الوقت حان لقول الحقيقة بتجرد مدعيا أن الطعن بالتاريخ والتشكيك بمصادره وأحداثه الأساس الأهم في ذلك , في الآونة الأخيرة اُقترح البعض بأنَّ الوقت قد نضج لبحث مشابه بصدد حياة نبيِّ الجزيرة العَرَبِيّة ، ولهذا بوسعنا أنْ نستعرض تقييمياً العمل الّذي تحقق ، وجمع النتائج المؤكّدة التّي تمّ بلوغها ، وملاحظة اتجاهات العِلْم النَّقديِّةِ الّتي تٌظهر خطوط البحث الواجب تتبعها مستقبلاً ,يمكن لنا أنْ ننتظر طويلاً بزوغ عالمٍ إِسْلاَميٍّ يتحلّى باستعدادٍ أصيل و مجدٍ نظير شفايتزر ، ليأخذ على عاتقه هذه المهمة ، بيد أنّ في مكننا إجراء محاولة رسم مختصرة لهذه المعالم الأساسية لمثل هذا الاستقصاء بكثير أو بقليل من النجاح .
القضية هنا ليست جهدا تأريخيا بقدر ما هو حرص من جهات لها مصلحة بنسف التاريخ المدون والذي أساسا لا يمكن تزكيته بمقابل ما تناثر فيه الكثير من التزييف والتحريف , ولكن يبقى للحدث الإجمالي بالصورة الواقعية لا يمكن تجاوزه تحت عناوين وأوهام البحث عن الحقيقة ,الحقيقة يمكن تلمسها عندما نضع أسس منطقية علمية وعملية صارمة خالية من التحيز وعامة وتطبق في جميع الأحوال والظروف وفوق كل العناوين والمسميات لأجل العمل النزيه الغير متقصد الوصول لنتائج افترضت سلفا وسعى البعض لتحريرها من خلال التزييف والتحريف .
نحن هنا معنيين في الفهم العلمي بمسألتين مهمتين الأولى أحترام القواعد العلمية للبحث العلمي وطرائق البحث والمقارنة والقياس وغيرها من الوسائل والمناهج , وثانيا معنيين بأحترام العقل العلمي الذي يتنزه أن يكون خصما للحقائق لمجرد أن لا تنتمي له أو لا شعور بالتوافق بينها, العلمية الرصينة والجادة هي التي تتمسك بالحقائق بالقدر الذي يمكنها أن تكون الأقرب إلى وجه العقل المنطقي والملائم للصورة الطبيعية للأشياء , ومن هنا مجرد الدعوة لأن نقتص من الفكرة الفلانية أو الحقيقية التي تمس وجود أخر لا لشيء فقط لأنها لا تتلائم مع مقدماتنا ومعطياتنا لا يحق لها أن تمر عبر الزعم العلمي وتحت عنوان حرية البحث .
الإسلام كدين ورسالة بغض النظر عن موقوفنا منه مؤيد أو معارض عندما نريد أن ندرسه كفكر علينا أن نكون حياديين وككل النظريات في تطبيق الشرط العلمي في منهجية البحث ,قد نقرأ وتتوالد لدينا نتائج مباشرة وقد لا تظهر هذه النتائج في الأفق المنظور لأننا ندرس القضية من جانب تاريخي أيضا ومن جانب أنثروبولوجي وسيسيولولوجي وبمختلف فروع العلم لأننا أزاء فعل وحدث وفكر ومجتمع وقيم وأفكار ونتائج وتاريخ وبيئة بالملخص نحن أمام حضارة لا يستوعبها الزمن أن تدرس بواسطة شخص أو مجموعة أشخاص يمكنهم أن يقيموا حركة مجتمع ممتد من وسط أسيا مرورا بأفريقيا إلى منتصف أوربا ,إنها حضارة أكثر من مليار مسلم الآن ليس من العلم أن نخضعها لمزاج فردي للتقييم والتقدير .

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات