|
الصور القاتلة كيف تستخدم الصور في صناعة الحروب
رمضان عيسى الليموني
الحوار المتمدن-العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 14:56
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مثّلت الصورة في عصر العولمة الثابتة منها والمتحركة أداة لا يمكن تجنيبها تلك الخطورة المعروفة عن الأسلحة النووية أو الكيميائية، وفي ظل تدفق ملايين الصور عبر وسائط الإعلام المختلفة فإننا أصبحنا أمام واقع تعمل فيه الصورة بفعلٍ وتأثيرٍ يتعدى المحتوى والشكل إلى تغيير ثقافة المجتمعات رغم هوّيتها عميقة المحلية، في الوقت الذي لا علاقة للمتلقي تماماً بعملية إنتاج تلك الصور ويتوقف دوره فقط عند ذلك التأثر غير المحصن بأي حال، حيث تُحِدث في المتلقي فعلها المخطط والنافذ والذي لم يعد هذا الفعل في حاجة بشكل مهم إلى خطاب موجه بشكل مباشر يستقي منه المتلقي دلالات هذا الخطاب، فالصورة خلقت كما أشار رولان بارت خطاباً موازياً لخطاب الكلمة عبر " علامات"، هذه العلامات تستخدم في خدمة المضامين المرسلة عبر المحتوى، وتلعب هذه العلامات دوراً استراتيجياً وحاسماً في إجراء عملية تغييب كامل للسؤال الذي يتوجب طرحه ببداهةٍ عند المتلقي وهو: لماذا تحديداً هذه الصورة دون غيرها؟ لقد اتاحت الصورة فرصة لافتعال حرب ضد تنظيمات إرهابية وضد بعض الدول بشكلٍ ما كان يمكن إحداثه لولا اختلاق آلاف الأكاذيب والحقائق المزيفة، حيث إنّ الغاية العميقة التي تحدثها الوسائط المصوّرة دائماً هي إحداث استنفار كلي لكمٍّ هائلٍ من المشاعر التي تتوسل بالرؤية البصرية للمشاهد التي نراها أكثر مما تستدعي التحليل والتفسير المنطقي لإدراك ما يمكن مشاهدته. إن الصورّة الحيّة تحديداً تمثل وسيلةً للاستثارة تعمل على استثارة الانفعالات والتداعيات السلبية المقصودة أكثر من كونها تحاول الإحالة إلى التأمل حيث تستهدف بالأساس تحييد العقل حتى تضمن عدم إمكانية لجوءه إلى مقولاتٍ أو أفكار إيديولوجية يفسّر بها ما يراه، ومن ثمّ فإن الصور الحيّة تسهم وبشكل سحري في إضفاء طابع التقبل السهل لكل ما نراه والسير نحو الافتراض بأنه حقيقي ولا يمكن التشكيك في الوقائع المقدمة. قد احتار البعض كثيراً في تلك المصادفة العجيبة التي تم بها إلتقاط صور حيّة لانهيار برجي التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، وما انتاب الضمير الإنساني في العالم كله من مشاعر استياء بالغة وعميقة لما شاهده من دمار وذعر وإزهاقٍ لأرواح بريئة، وبعد سنواتٍ تفجّر لدينا استياء مختلف نوعاً عندما شاهدنا تصوير حيّ للحظة إعدام الرئيس العراقي السابق صدّام حسين في ساعة مبكّرة من صباح عيد الأضحى الذي يحتفي به المسلمون في جميع أرجاء العالم، وبعد سنواتٍ أيضاً فاجئنا بيان عسكري أمريكي( كلياً) بمقتل زعيم تنظيم القاعدة الأرهابي" أسامة بن لادن" دون أن نرى حتى الآن توثيقاً مصوراً لتلك اللحظة التاريخية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، والآن وربما بشكلٍ شبه دوري تُشحن الشبكات الإعلامية والمعلوماتية بمقاطع مصورّة لممارسات ما يُطلق عليها " التنظيمات الإسلامية المتطرفة "( تنظيم القاعدة سابقاً " داعش حالياً"، بوكو حرام)، حيث تُظهر تلك الوسائط الحيّة المدى غير الإنساني للمعاملة الوحشية التي ترتكبها تلك الجماعات ضد معارضيهم سواء بقطع الرقاب باستخدام " السيف أو السكين "، أو باستخدام الأسلحة النارية، إنّ تلك التنويعات والمفارقات الغريبة يدفعنا إلى إثارة علامات استفهام حول ما لغز عمليات النشر الإنتقائية الممنهجة لصور لتلك الأحداث المتنوعة؟ سنتجول في تحليلٍ موجز لتأثيرات تلك الفيديوهات والحقائق التي استطاعت أن تزييفها لأبعد مدى أمكنها الوصول إليه، فقد استطاع هذا الكمّ من الصور الحيّة والثابتة للحظة انهيار برجي التجارة العالمي والمبنى رقم 7 والذي يبعد عنه بمسافةٍ والانهيار الجزئي في مبنى البنتاجون أن يسحب هذا الفيض الهائل من الطاقة الانفعالية لمتلقي تلك الصور في اتجاه كسب التأييد للحرب على " الإرهاب "، ونجحت في إعماء المتلقي عن تلك الجرائم الإرهابية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية بحق الشعب العراقي وما يمارسه الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، إن الصور التي تم بثّها للحادي عشر من سبتمبر قد هزّت مشاعر الإنسانية بشكل مؤثر أوقف تماماً لدى الآلاف من المتلقين فرصة التحليل والبحث عن إمكان حدوث هذا الانهيار السريع والذي قد لفت بعدئذٍ انتباه العديد من الخبراء المعماريين الذين كشفوا حقيقة أن البرجين قد صمما بشكل يسمح لهما بمقاومة أي اصطدام مع طائرة مدنية بحجم تلك التي قد اصطدمت به، وبما لا يسمح لأن توثر به حرارة النيران التي قد اندلعت بفعل وقود الطائرة، بالإضافة إلى أن سرعة انهيار الأبنية الثلاثة بشكل عامودي دون أن تواجه الطوابق العليا أية مقاومة من الطوابق السفلى هو ما لا يمكن أن يحدث دون زراعة مواد متفجرة في الأعمدة الرئيسية للمبنى ذاته، وهو ما أكده شهود عيان من رجال الإطفاء في نيويورك حيث قد أكدوا سماعهم لسلسلة من الانفجارات في كل مبنى من الأعلى إلى الأسفل، ناهيك عن عشرات التساؤلات عن حجم الطائرة التي يفترض أنها قد ضربت البنتاجون وأحدثت به ثقباً لا يتناسب تماماً مع حجم الطائرة التي أدعت الحكومة الأمريكية أنها قد اصطدمت بالمبنى. لقد فطن الكثيرين فيما بعد إلى فضيحة مراسلة قناة البي بي سي من منطقة الانهيار عندما أشارت إلى انهيار المبنى رقم 7( مبنى الإخوة سلولومن) والذي يبعد عن البرجين بمسافةٍ وذلك قبل سقوطه بحوالي 23 دقيقة بينما كان المبنى خلفها في الفيديو لازال قائماً، برغم أن المبنى لم يتعرض لأي هجوم بالطائرات ولم تمتد إليه ألسنة اللهب المتصاعدة من برجي التجارة العالمي نظراً لبعده عنهما بمسافةٍ كبيرةٍ. لقد أشار بعض المحليين إلى وجود بصمات هليوود في صناعة تلك المشاهد خاصة أنهم قد أعادوا التذكير بالفليم الشهير الذي أنتج عام 1988 Day Hard من بطولة الممثل بروس ويلس والذي يتضمن سيناريو ضرب البرجين، بالإضافة إلى لقطة من فيلم ماتريكس الذي أنتج عام 1999 يظهر فيه إنتهاء صلاحية جواز سفر البطل نيو تماماً في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. لقد استطاعت الإدارة الأمريكية أن تستثمر الصور ببراعة لافتعال الحرب ضد التنظيمات الإرهابية التي تهدد الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها في أفغانستان ثم العراق ثم سوريا وغيرها من دول " محور الشر". ومن ثم فإن عرض الصور الحيّة للحادي عشر من سبتمبر استطاع أن يصل بمدلولاته لكافة المجتمعات الإنسانية وقد قضت تماماً وقتها على إمكان إخطاعها للتأويل أو التفسير أو البحث عن معقوليتها ومصداقيتها حيث قد ظهر لدى المتلقي قدراً من منطقية حدوثها، وقد أدى تكرار تلك الصور وإشباعها بالتحليلات السياسية والمقالات الصحافية عن خطورة الإرهاب إلى عدم إتاحة الفرصة للشك في زيّفها، وجعلت المعنى الضمنى لمدولولات تلك الصور مغلقاً لا يمكن بحثه وتجزئته، وهي ما تعبر عنه بامتياز فلسفة ما بعد الحداثة. كهذا كان الترويج الضخم لصور انهيار برجي التجارة العالمي وكذلك صور إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين والذي تم نشره بسرعة مثيرة للدهشة دون فاصل زمني طويل بين وقت الإعدام ووقت نشر الفيديو في صبيحة عيد الأضحى والذي يحتفي به ملايين المسلمين حول العالم، وهو ما كشف عن الوجه البشع وقتها للنظام العالمي الجديد وفلسفة الفوضى الخلاقة التي كانت إدارة جورج بوش الأبن تتبناها بامتياز. إن الإسراع الشديد بنشر فيديو إعدام صدام حسين ربما كان بمثابة الإعلان عن احتكار كامل المشهد في قبضة الولايات المتحدة الأمريكية لتعلن عن حرب تكسير لكل خلايا القوّة في العالم والتي قد تفكّر يوماً أن تتمرد، وهي فكرةٍ تحتاج كثيراً إلى صناعة مسرح عمليات ومشاهد تبدو واقعية تغذّيها وتصنع ما يبررها: مثلما حدث في حرب الخليج، والحرب في أفغانستان، وحرب العراق، وما يليها من محاولات تدمير خريطة الوطن العربي.
إنّ نشر فيديو إعدام صدام حسين أضاف إلى الصور بالإضافة إلى الإيهام بواقعيتها رعشة رعب إضافية ينبئ بإعادة صناعة واقع جديد في تلك المنطقة أكثر رعباً مما يمكن تخيله إذا ما أمكن لأحدٍ أن يفكر في التمرد ومواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، دون أن يكون هناك أدنى اعتبارٍ لما يمكن أن ينتاب المسلمون من مشاعرٍ سلبية ومنفعلة والنابعة تحديداً من التوقيت في حد ذاته أو يجلب مزيدٍ من العدائية تجاه أمريكا، وهي المفارقة التي انعكست تماماً عندما رفض ذات النظام الأمريكي نشر صور مقتل بن لادن خوفاً من أنها قد تحدث مزيداً من الهجمات ضد الأمريكيين وضد المصالح الأمريكية، وما يزيد الموقف غرابة أن ذات النظام قد نشر صور لأبني صدام حسين " قصي وعدي " بعد مقتلهما بزعم أن بشاعة صورهما مختلفة تماماً عن صور بن لادن، وأن الحاجة لإثبات مقتل صدام وابنيه للشعب العراقي كانت الدافع وراء نشر صورهما، ومن ثم لماذا لم تكن هناك حاجة لإثبات مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة للعالم؟!
داعش استراتيجية هليوودية جديدة: هكذا الأمر قد حدث، لقد نجح تنظيم داعش في بثّ الرعب في نفوس المتلقين، فهذا الكم الهائل من فيديوهات التفجيرات والاغتيالات والإعدامات الجماعية وتجنيد الأطفال والمصوّرة بتقنيات عالية كلها كانت كافية لأن تجعل المتلقي يرتجف نظراً لما انطوت عليه من مستوى عنفٍ غير مسبوقٍ بالتوازي مع إصرار أعضاء التنظيم في الذهاب لأبعد مدى يمكن بلوغه في إظهار القسوّة والوحشية بأعدائه. ومبدئياً تعتمد داعش ومثلها بوكو حرام على تنفيذ الفعل أكثر من مجرد التهديد به، فلم يعد التصريح بالنوايا فيما يرغبون في فعله أمراً ذات أهمية في الوقت الحالي مثلما كان الحال مع تنظيم القاعدة، وهنا لابد من الإشارة إلى مغزىً جوهري لنشر فيديوهات داعش، حيث يتجلى الأمر في تلك التصريحات التي قد سبق أن صرّح بها بن لادن من أن شنّ العمليات العسكرية على الأراضي الأمريكية لن يؤدي إلى نتائج كبيرة إلى جانب تكلفته العالية، في حين أن جلب الأمريكان إلى الشرق الأوسط لقتالهم في ميدان المعركة كما حدث في العراق وأفغانستان يمكن أن يلحق بهم الهزيمة خاصة أنها ميادين لم يعتادوا عليها كثيراً، وهو ما كان غطاءً وذريعة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها للحرب في أفغانستان والعراق، فهل يمكن اعتبار أنها ذرائع قد صممت لاستخدامها فعلياً كغطاءٍ للحرب على " الإرهاب"، وهل تعيد داعش نفس السيناريو مرةً أخرى؟!. إن هذا التساؤل يثيره تلك الأحداث الغريبة التي حدثت خلال الأشهر القليلة الماضية عندما أخطأت العديد من طائرات التحالف الذي يشنّ هجوماً على داعش في العراق في المواقع التي كان يفترض أن يُسقط فيها أسلحة الدعم لقوّات البشماركة وكذلك حدث الأمر في إنزال بعض المواد الغذائية لذات القوّات والتي وقعت جميعها في قبضة تنظيم داعش، وهو الأمر الذي قد يكشف أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تنتوي القضاء على هذا التنظيم وإلحاق الهزيمة به مثلما كان هدفها مع تنظيم القاعدة خاصة أنها لا يمكنها بشكلٍ سهل إعادة سيناريو أفغانستان والذي استخدمت فيه القوّة العسكرية الأمريكية بشكل مباشر كما فعل بوش وكلينتون من أجل القضاء على الإرهاب وتوفير الحماية للعائلات الأمريكية، ومن ثم فربما يتكشّف استخدام ذات الهدف الذي قد صرّح به بن لادن مرة أخرى لدى تنظيم داعش والذي يرغب من وراء نشر فيديوهات عملياته الوحشية والإجرامية كقطع رؤوس الرهائن لأن تقاتلهم الولايات المتحدة الأمريكية داخل ميدان المعركة في العراق ليلحقوا بها هزيمة جديدة من نوعها عبر نصب " فخّ جديد" لها في العراق، فهل يمكن أن تمثّل تلك الأعمال الوحشيّة المصورة بتقنيات ومهارة عالية لأن تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية ذريعة لإنشاء تحالفٍ عسكري جديد تحت زعم القضاء على هذا التنظيم ليس فقط هذه المرة في العراق وحدها بل وفي سوريا أيضاً؟ نعم، وهذا ما حدث خلال الأشهر القليلة الماضية. حرب الفيديو: لقد تفوّقت فيديوهات داعش على كافة الفيديوهات التي كان يبثّها تنظيم القاعدة، بما يكشف عن امتلاك داعش لمحترفين في مجال صناعة تلك النوعية من الفيديوهات والتي قد تمكّنت من تغيّير استراتيجيات مضمون الرسائل التي كانت تستخدمها التنظيمات الإرهابية سابقاً مثل تنظيم القاعدة والتي قد تركّز مضمونها على مفهوم " الاستعطاف " تجاه القضية التي يجاهد تنظيم القاعدة من أجلها، لكنّ داعش قد قضت تماماً على ذلك المفهوم عبر فيديوهات تعبرّ عن تنظيم قويّ ومتوحش لا يمكن ردعه، ويمكنه من القضاء على معارضيه، حيث لا يحرص بحالٍ على وضعيّة صورته الإعلامية أمام الرأي العام، بل يحرص على أن يظهر أنه تنظيم قاسٍ ومرعب، ويفعل أكثر مما يقول. لقد اعتمدت فيديوهات تنظيم القاعدة على التهديد، فيما لا يكترث داعش تماماً بهذا الأمر، بل كل ما يكشف عنه هو قدرته على الفعل، بحيث يتحول التهديد والابتزاز المعنوي إلى أفعالٍ مادية في الواقع، لقد اعتمد تنظيم داعش في البداية على استراتيجية تخويف المجتمع المحلي الداخلي فقد فوجئ سكان مدينة الموصل بأعضاء التنظيم ينصبون شاشات عرضٍ عمّلاقة وسط إكبر ساحات المدينة عرضوا عبر تلك الشاشات مقاطع فيديوهات لإعدام الرهائن، وهو العرض الذي حضره المئات من الأشخاص دون علمٍ مسبق بما سيعرض، الأمر الذي سبب صدمة مروّعة وذعراً لأهالي الموصل الذين قد فهموا مغزى هذا العرض، فلم يظهرواً قدراً من التفكير في أية مقاومة تذكر. إن أغلب تسجيلات الفيديو التي تبثها داعش على مواقع التواصل الاجتماعي لإبراز جرائمه وعمليات قطع الروؤس عن " حرفية وتقنية عالية " تشبه التقنيات الهوليودية والسينمائية، ففي الفيديو الذي نشرته داعش لإعدام ما يقرب من 15 عسكرياً سوريا، لوحظ تلك الحبكة السينمائية عالية التقنية التي استخدمت في التسجيل، حيث يشعر المشاهد منذ اللحظة الأولى بحالةٍ من الذعر والرعب الشديدين، في اللحظة التي يسير فيها أعضاء التنظيم وراء بعضهم وكل منهم يحمل سكيناً، ويدعم هذا المشهد مؤثر صوتي لصوت السكين والتي ستكون في نهاية الفيديو أداة لنحر رؤوس الجنود. إن تسجيلات الفيديو تعطّل عمليات الإدراك لدى المتلقي وعدم إتاحة فرصةً لتحليلها واستكشاف ألغازها، بل كل ما يحدث هو الاستسلام التام لمعقوليتها وهي الحالة التي تشابه تماماً حالة استسلام الضحايا قبل لحظات من ذبح رؤوسهم في مشهد يطرح أكثر من علامة استفهام على تناقضات تلك اللحظة المغرقة في الوحشية، خاصة أن دلالات التسجيلات تظهر قسوة التنظيم بأعدائه ومخالفيه خاصة عندما يكون الضحية من المدنيين، إذ وصلت سكين مقاتلي داعش إلى رقاب رهائن أجانب من جنسيات مختلفة لا علاقة لهم بالمواجهات وفي بعض الأحيان امتدت تلك السكين إلى رقاب مسلمين( سنة وشيعة) ربما قد رفضوا الخضوع لأصحاب الراية السوداء، إن بث مشاهد الوحشية على هذا النحو تعد استراتيجية منخفضة التكلفة بغرض جذب انظار العالم تجاه قوّة وقسوة التنظيم من جانب وكوسيلة لتوسيع كوادر التنظيم من كل أنحاء العالم الحالمين بمجد " الخلافة الإسلامية " والانتقام من النظام الأمريكي وحلفاءه. ثمّة ملاحظتان هنا؛ تتبدى إحداها في أن تلك التسجيلات قد تحولت إلى مسرحٍ متنقل تقام عليه طقوس عمليات ذبح الرؤوس وقطعها وإلقاءها في الطرقات، وثانيها أنها استراتيجية تضمن إمكان استعادة المشهد ومشاهدته مراتٍ بما يضمن توليد نفس النتائج النفسية الوحشية في كل مرة، خاصة أنها تنقل بشكل فوري عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى تلك الحشود المتراصة أمام تلك المواقع وهو ما يعمل على خلق وعيٍ جماعي يقارب التأثيرات النفسية التي تخضع لها الحشود الحقيقة أمام مسارح الأحداث. إنّ القوّة المدهشة لمشاهد الذبح والتي تروّج عبر مواقع التواصل الاجتماعي- والتي يمكن " حذفها فور تحميلها " وهو ما لا يحدث أصلاً- تكمن بالإضافة إلى مهارة إخراجها وتقنيات الأدوات المستخدمة في التصوير، إلى السرعة الفورية في نشرها عبر تلك المواقع بعدها حدوثها مباشرة، لكنّ الغريب أن الموقع الخاص بشركة " سايت " حسب تصريح النيويورك تايمز في 13 نوفمبر الماضي هو أولّ من يقوم ببث تلك التسجيلات، وتشير الجريدة إلى تلك العلاقة بين شركة " إنتل سنتر " الإعلامية التي كانت بمثابة الوسيط بين مؤسسة " السحاب " الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة ووسائل الإعلام العالمية. إن شركة " إنتل سنتر" ونظيرتها " سايت " شركات متخصصة في مجال الوسائط الإعلامية خاصة بمنطقة الشرق الأوسط، وهي شركات يديرها عناصر سابقة بالاستخبارات الأمريكية وتعنى أيضاً بالرصد والمتابعة الإعلامية لبؤر الصراعات المشتعلة في الشرق الأوسط. إنّ الأمر يبدو وكأن الولايات المتحدة الأمريكية تصنع نوعاً جديداً من الحروب باستخدام التسجيلات المصوّرة كاستراتيجية شحن عالمي لكسب مزيدٍ من تأييد الحلفاء واستسلام الرأي العام العالمي لما يمكن أن تمارسه في منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد فشل حلفاءها في تلك الدول بعد ثورات الربيع العربي من تحقيق مخططاتها الجديدة.
#رمضان_عيسى_الليموني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التبصر الأعمق
-
أطفالنا يُسرقون منّا
-
الحياة التي يجب أن نعيشها
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|