|
شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح1
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 00:55
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في سنة 1906 ظهر في الألمانيّة كتاب يتناول حياة السيد المسيح بعنوان "Von Reimarus zu Wrede," تأليف ألبرت شفايتزر العالمُ الشّابُ ،الّذي لم يكن معروفاً حتّى ذلك الحين ،وقد قام مونتغومري بترجمته إلى الإنجليزيّة تحت عنوان " بحثاً عن يَسوع التَّاريِخيّ ",كانت في المحاولة في الحقيقية عمل تاريخي ممنهج ومسحاً شاملاً لمختلف أنماط " سِيَر المسيحِ " ، الّتي أنتجتها شتّى مدارس الفكر الّلاهوتيّ في أوربا ،من مدارس الورع الأرثوذكسيّ ،البعيدة كلّ البعد عن قواعد النّقد ،إلى تلك المسرفة في التّفسير الآخرويّ وحتّى الأسطوريّ . كان شفايتزر يهدف من ذلك إلى إجراء مسحٍ لمختلف المحاولات التي أُجريت من أجل تفسير حياة سيدنا وبعبارة أخرى إجراء بحثٍ إحصائيٍّ لوضعية العِلْم بصدد هذه المسألة ، وأنْ يقيّم سنواتٍ من البحث النّقديّ الصّبور ،الّذي كُرس لهذه الإشكاليات التي تثار في كل مرة حول وجود وحقيقية شخصية السيد المسيح التأريخية التي يتقاذفها الجدل بين منكر لها تمام الإنكار وبين الطاعن أصلا بأسباب وجودها أنتهاء بالمشككين في حصول الأمر برمته البته . الحقيقية هناك ميل متزايد ومضطرد ناشئ من أصلية التركيبة الفكرية التي تقف خلف هذه الإشكاليات والدراسات وتتمحور حول رفض فكرة وجود المسيح الحقيقي أو التأريخي التي تتخذ منه موقف عدائي وأخلاقي بل يعتقد البعض جازما أن أتجاهات توراتية إسرائيلية متعصبة في الفكر التاريخي والتي ساهمت كثيرا في طمس حلقات مهمة من التاريخ الإنساني بجوانب متعددة منه تدور خلف هذه الدراسات والتشكيكات كما ساهمت هي أيضا في كل الحروب والتحريفات التاريخية التي كانت في زمن السيد المسيح ,طبعا المفترض هنا أو حتى التي ساهمت بقتله أو صلبه أو بيعه حسب الروايات الحدثية التي تفسر أجزاء من سيرة المعلم الناصري . ومن أجل تحقيق هذا الهدف وضعت تلك الجهات صورا متعددة متناقضة وأحينا محرفة وقد تكون خيالية عن السيد المسيح تهدف للتشويش على حقيقة أن وجود السيد المسيح إنما مرتبط أصلا مرتبط بوثاقة بالرواية التاريخية, وكلما تناقضت الرواية التاريخية وتعددت أثبتت للعالم أن الأساس الذي يمكن أن تعود له بالتحكيم في الإقرار واهن وضعيف وبالتالي الأصح عقلا ترك ما لا يمكن إثباته أو الأتفاق على خطوطه العريضة ,وقد نجحت بالفعل هذه المنهجية بإثارة الكثير من الشكوك وخاصة بالفئة الأكثر قربا والتصاقا بقضية السيد المسيح . أسس البعض من الذين أستهوتهم الفكرة منهج جديد مقارب ومقارن لهذه المحاولة الهدف منها التشكيك بالوجود التاريخي للنبي محمد صل الله عليه وأله وسلم معتمدا على قراءات تنطلق من نفس الدوافع التي شككت وشوهت تاريخية وجود السيد المسيح بدعوى أن المصدر التاريخي يكشف لنا تناقض بين صورة النبي العقدية الولائية وبين الصورة الحقيقية الركيكة والضعيفة بالسند الروائي معتمدا على تفسير الروايات التاريخية وفق مزاج أنتقائي يترك جوانب مهمة ويتمسك بما ينتصر لفكرته. مثلا عندما يتناول الكاتب الغربي المطعم بالفكرة السالفة والتي يريد تثبيت معالمها يعود لدراسة الشخصية من خلال المصدر التاريخي الروائي بكل ما فيع من تناقض وتضارب في مصادره يضعف حدث يخدم القضية ويعزز أخر في سبيل الوصول إلى نتيجة محددة بنقطة هامة أن المسرود التاريخي ليس كافيا لتثبت من صحة الوقائع ,(( إنّ المَصدرَ الأوّلَ المهم الّذي وصل إلينا بالحقيقة هو كتابُ المغازي للواقديِّ . مات الواقديّ سنة 822 م ، ولعلَّ أفضل نصٍّ يمكن الرجوع إليه هو ترجمة أجزائه المهمة في عمل فلهاوزن " مُحَمَّدٌ في المدينة "( برلين 1882 )وعلى أيِّ حالٍ يتسم عمل الواقديِّ بقصورٍ جديٍ ،ذلك إنّه يتعامل فقط مع حملات مُحَمَّدٍ)) . ومنذ البدء طرح التشكيك بجدية النص وقدرته على إثبات وجود الشخصية دون أن يلاحظ أن فصل الفعل عن الفاعل لا يعني غياب الأخير أصلا , فلو لم يكن للرسول من وجود لا داع لذكر حملاته العسكرية وعليه أن يبحث عن عائدية هذه الحملات ولمن تنتسب ,بعد ذلك بقليل تأتي السِّيرَة النّبويّة لابن هشام ( تحرير فوستنفيلد ، غوتنغِن 1859 ،وقد تُرجمت إلى لغة ألمانيّةٍ مبهمة من قبل فايل ، و كتاب الطّبقات الكبرى لابن سعد ( تحرير إدوارد زاشاو، بمساعدة عدد من الدَّارسين الآخرين ، في تسع مجلدات ، طُبعت ما بين 1904 ـ 1921 في ليدن ) مات ابن هشام سنة 933 م ، و ابن سعد 844 م . و الأعمال اللاحقة بالعَرَبِيّة لها قيمة ثانويّةٌ مقارنةً مع هذه الأعمال . في كل النصوص التاريخية التي جعل منها الكتاب المشار إليهم كمصادر أولية يتضح من خلال الدراسة والفحص الخاص بهم أنها ليست ذات قيمة وجدارة وأهمية لبعدها التاريخي أو أنها تناولت جوانب محددة من الصورة لا يمكن أن تكون كافية بالقدر الذي يسمح للإثبات وبالتالي علينا العودة لمصادر أجدر في تتبع وجود الشخصية وتحديد الوصف الحقيقي لها , وحيث أن أقرب تلم المصادر هما الكتاب المجيد القرآن الكريم والسنه بشقها المكتوب الحديث . هنا المسألة تكاد تكون أصعب أمام نص موثق ومحفوظ ومجمع عليه أنه لم تتناوله أيادي التحريف والتخريب خلال اربعة عشر قرنا ماضية وبالتالي لا بد من الطعن من خلال عنصر أخر وهو مسألة تجميعه أو كتابته ,( سنعتبر القُرْآنَ الّذي حُرر تقريباً في الشكل الّذي لدينا خلال جيلٍ من وفاة مُحَمَّدٍ مصدرنَا الأوَّلَ لحياة مُحَمَّدٍ بالطبع ، سيكون جليّاً إلى أيِّ قارئٍ للقُرْآنِ ، كم هي المواد المتعلّقة بالسِّيرة ضئيلةٌ . وكان نلدِكه أول من أشار إلى أهمية الشاهد في القُرْآن في طبعة (1860 ) لعمله " Geschichte des Qorans " ، و من الممكن أنْ يكون عمل كانون سِـل " تطورُ القُرْآنِ التَّاريِخيِّ " ( مَدراس ، 1909 ) خلاصةً مدروسةً بصيغة سهلةٍ لعمل نلدِكه ،حيث اشتغل سِل على مخطوطة مترجمة تمّت لأجله في الهند) .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح2
-
من يحمي الدين من سطوة التاريخ
-
أنتظار المنقذ التاريخي شكية الصورة أو شكية الإمكان
-
الإنسان وعالم يعيش واقع مخيف
-
على وقع ما جرى في فرنسا
-
الحروف التي حللها الرب
-
عن الثقافة والمثقفين وأزمة الهوية
-
رواية الغريب _ الجزء الرابع , ح1
-
رواية الغريب _ الجزء الرابع , ح2
-
رواية الغريب _ الجزء الثالث , ح2
-
رواية الغريب _ الجزء الثاني , ح2
-
رواية الغريب _ الجزء الثالث, ح1
-
رواية الغريب _ الجزء الأول , ح3
-
رواية الغريب _ الجزء الثاني , ح1
-
صلاة في باحة المخمر
-
رواية الغريب _ الجزء الأول , ح1
-
رواية الغريب _ الجزء الأول , ح2
-
بعض آيات من كتاب الغضب
-
هم وأنا ..... وهم
-
هل يستحق الأمر أن نتفكر بالموت أم نحرص على أحترام الحياة
المزيد.....
-
تطورات الحادث الجوي في واشنطن.. طائرة ركاب اصطدمت بمروحية عس
...
-
مصادر لـCNN: اصطدام مروحية عسكرية بطائرة ركاب بالقرب من واشن
...
-
فيديو استقبال محمد بن سلمان وأداء صلاة الميت على الأمير محمد
...
-
كيف تتم عملية تبادل الرهائن في غزة؟
-
اصطدام مروحية عسكرية أمريكية بطائرة ركاب تحمل 60 شخصا بالقرب
...
-
يكثر استهلاكه في المنطقة العربية.. الحليب الحيواني الأكثر فا
...
-
إسرائيل: 11 رهينة محتجزين في غزة سيتم الإفراج عنهم هذا الأسب
...
-
تصادم طائرة ركاب مع مروحية عسكرية قرب مطار ريغان بالعاصمة ال
...
-
عاجل | رويترز: طائرة ركاب تابعة لخطوط جوية أميركية اصطدمت بط
...
-
ترامب يستعد لإعلان قرار يهم طلاب الجامعات المتعاطفين مع حماس
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|