أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الطيب بن رجب - التجارة والاختلاف والتسامح لدى فولتير















المزيد.....


التجارة والاختلاف والتسامح لدى فولتير


الطيب بن رجب

الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 19 - 20:16
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


التجارة والاختلاف والتسامح
في التنوير الفرنسي

الطيب بن رجب
كاتب ومترجم
لقد لعبت التجارة البعيدة دورا عظيما عبر التاريخ في التعارف بين الشعوب. ولكن كان لابد من مراحل وانقطاعات لنصل إلى ما هو الحال عليه اليوم أي إلى القرية الكونية. ولقد كانت فعلا التجارة وراء اكتشاف القارات والطرق المؤدية إليها وبصفة عامة وراء الاكتشافات الجغرافية والفلكية الهامة. وأما أميز مرحلة تاريخية لعبت فيه مثل هذا الدور فإنما هي المرحلة الحديثة. وقد عكس التنوير الفرنسي ذلك بشكل واضح ومواقف بينة.
ففي القرون الوسطى وما قبلها كان الاختلاف يعني الرفض للآخر. فإذا ما قرأنا الملاحم القديمة وقصص البطولات أدركنا هذه الحقيقة عارية. ففي الهلالية أو في الملحمة الفرنسية "نشيد رولان" يعامل الآخر على أنه كافر ومتوحش. مما يعنى أنه مرفوض رفضا باتا. أما في الملاحم القديمة فإننا نكون بإزاء آخر مشوه. فثمة آلهة أنصافها بشر وأنصافها حيوانات مختلفة وثمة عرائس أوليس تظهر في البحر بأنصافها البشرية وأنصافها السمكية. وثمة في ألف ليلة وليلة بشر غريبو الشكل هم أقرب إلى الحيوانات منهم إلى البشر كما ثمة مجتمعات غريبة مثل أن تكون فيها النساء نساء والرجال كلابا. وحتى في القرن الثامن عشر لا تزال هذه المعتقدات منتشرة. ففي "كنديد" لفولتير وردت هذه القصة: "وكانت الشمس قد رنحت للمغيب حين سمع التائهان (وهما كنديد وككمبو) بعض الصيحات الخافتة بدت صادرة عن نسوة. لكنهما لم يتبينا إذا ما كانت الصيحات من الألم أم من الفرح. فهرعا لينظرا في الأمر بذاك القلق وذاك الهلع اللذين يوجس بهما كل شيء في أرض مجهولة. وكان هذا الصياح صادرا عن فتاتين عاريتين كما ولدتهما أمهما كانتا تجريان برشاقة على حافة ذاك المرج بينما كان يتبعهما قردان يعضان على عجيزتيهما. فغمرت الشفقة كنديد وكان قد حذق الرماية عند البلغار فكان بمقدوره أن يصيب حبة بندق وسط أجمة دون أن يمس بالأوراق. فأخذ بندقيته الإسبانية ذات الطلقتين وأطلق النار فأردى بذينك القردين قتيلين." ومرد هذه الصور المشوهة هو بلا شك الجهل بالآخر ـ الجهل بالشعوب الأخرى. وهو جهل ناتج عن التقوقع الجغرافي. فليس ثمة وسائل تجعل الشعوب تقترب من بعضها. إذ ظلت وسائل النقل متخلفة لوقت متأخر تعتمد على الحيوانات. وعدا بعض الحالات القليلة التي اتصلت فيها الشعوب بعضها ببعض فقد ظلت في الغالب تعيش بمنأى عن بعضها البعض. أما إذا حصل اتصال ما فسرعان ما يقع التراجع عنه. فقد عبر القرطاجنيون البحر المتوسط إلى ضفته الأخرى بل ثمة دلائل على أنهم وصلوا إلى أمريكا حتى أن منتسكيو يقول بأنهم لم يستطيعوا البقاء فيها بسبب قلة عددهم. فهم وصلوا إذا وغلبوا واحتلوا لكنهم لم يستطيعوا الاحتفاظ بما احتلوا بذاك السبب. وهم كما يقول المؤرخ الفرنسي ميشوليه قد فتحوا بفتحهم طريق الآلب طريقا للبشرية. فقد كان هذا الجبل يفصل بشكل قاطع بين إيطاليا وفرنسا. أما الرومان فقد أسسوا إمبراطوريتهم على ضفاف البحر المتوسط فأحاطوا به من كل الأشراء. والعرب كذلك قد أسسوا دولتهم السامية على امتداد ثلاث قارات. ولكن بالرغم من ذلك كان كل شيء يعود أدراجه القهقرى وكأن شيئا لم يقع. فقد لاحظ فولتير في كتابه: " قرن لويس الرابع عشر" أن ثمة حضارة أخرى توجد وراء البحر ويقصد البحر المتوسط لا تزال مجهولة لديهم أي لدى الفرنسيين والغرب عامة. ولكن سرعان ما تدارك الرجل الأمر في كتابه: "المبحث في أعراف الأمم " فكتب عن الحضارة العربية الإسلامية ما به غير الرؤية إليها في فرنسا بله في الغرب عامة. وقد كان في جملة ما غير موقف "الموسوعة" ذائعة الصيت من الإسلام. فقد كانت هذه إلى حد الحرف ميم اللاتيني (M) معادية للإسلام ولكن في الحرف سين الفرنسي (S) تغير موقفها من سلبي إلى إيجابي وذلك بعد صدور كتابه سالف الذكر.
وهذا كله سيقودنا إلى الحديث عن النهضة الأوربية. فالغرب الغافي قبلها قد استفاق وانطلق يبني حضارة شاملة. ولم يبدأ بالصناعة. فهذه كانت تستوجب تراكما بدائيا لرأس المال أي تراكما مركنتيليا. وهذا لا يمكن أن تحققه سوى التجارة. ولذلك انطلق المكتشفون يبحثون عن طريق الهند. فوصلوا إلى أمريكا بصدفة البحث. وليس العامل العلمي فحسب هو ما كان يحدو الجميع إلى القيام بهذه المغامرات بل البحث عن منافذ جديدة للتجارة البعيدة وطرق لها. وحتى الغزوات المشهورة لم تكن بغاية الغزو الخالص أو لنشر دين أو مبدأ. فالعرب لم يفتحوا العالم من أجل شيء آخر غير تأسيس الدولة الكبيرة التي تشمل الحيز السامي وذلك بهدف تأمين طريق التجارة. فالتجارة البعيدة هي ما صنع قوة تلك الحضارة التي صارت بعد توسعها تدعى بالحضارة العربية الإسلامية. ولهذا كانت حضارة مدن في بدئها. وحين افتكت منها التجارة تدهورت وآل العرب إلى بداوتهم الأولى بله إلى توحشهم الأول.
وههنا لابد من الإشارة إلى تلك الرحلات التي استفاد منها الكتاب الفرنسيون واستفاد منها منتسكيو في عمله الموسوم بـ "الرسائل الفارسية" مثل رحلات شاردان Chardin وتفارنييه Tavarnier. ولكن الأهم من تلك الرحلات هو الكتاب الذي نهل منه الجميع واستقوا منه معلوماتهم عن الشرق ألا وهو "المكتبة الشرقية" لصاحبه داربولو M.d’Herbelot. كما لابد من الإشارة كذلك إلى ترجمة أنطوان غلان Antoine Galland لألف ليلة وليلة بين 1704 و 1717 تلك التي أغرقت أوربا بأسرها في لذة نصها.
وما ليس من بد لنصل إليه هو أن أوربا بدأت تكسر قوقعتها وتخرج منها حين انخرطت في التجارة البعيدة. ولعل أبرز من لاحظ ذلك هو فولتير. فقد نفي الرجل في لندن مدة عامين كانا كافيين ليتعلم اللغة الأنقليزية ويكتب بها كتابا هو الرسائل الأنقليزية الذي سيصبح لاحقا الرسائل الفلسفية. وقد أثر هذا الكتاب تأثيرا كبيرا على مجرى الحياة الفكرية والفلسفية في فرنسا. وقد بين فيه صاحبه بالخصوص ثلاث ميزات تميز بها الأنقليز عن غيرهم. أولا: براجماتيتهم المعروفة بهم. 2 ـ تسامحهم الديني. وقد أطنب متحدثا عن تسامح إحدى الفرق الدينية لديهم ألا وهي فرقة الكوايكر أو الصاحبيين. 3 ـ سعيهم في التجارة. وقد خصها برسالة كاملة هي العاشرة. وأهم ما جاء فيها هو ما لاحظه من أن الأنقليز مولوا حربا واستعادوا مالهم وفوقه ربح زائد عليه. وقد كانت كذلك نتائجها السياسية في صالحهم أكثر مما هي في صالح من قام بها. يقول فولتير: "لقد زحف الأمير أوجين من أقصى ألمانيا لنجدة دوق إمارة سافوا. ولكنه كان يعوزه المال الذي بدونه لا يسعنا أن نأخذ مدنا أو أن نحميها. فلجأ إلى تجار أنقليز. فأقرضوه في ظرف نصف ساعة خمسة ملايين. بها خلص تورين وهزم الفرنسيين. وقد كتب لأولئك الذين أقرضوه ذلك المبلغ هذه التذكرة: أيها السادة لقد تلقيت مالكم وإني لمقتنع بأني استخدمتها في إرضائكم."
وكل ذلك يقودنا إلى الترابط الوثيق بين الروح البراجماتية الأنقليزية القائمة على النفع الملموس المرتبط بالعقلية التجارية والتسامح الضروري لجريان تلك التجارة وحق الاختلاف الذي لابد مه حتى يكون التسامح تسامحا.
ولنا ما يدعم هذا الرأي في ما قاله فولتير في روايته "زديق أو القدر" في الفصل الثاني عشر منه. فقد جرت مناقشة رائعة في مدينة البصرة بين مختلف التجار الذين حلوا بها من كل أقطار العالم. ونوردها كاملة ثم نعلق عليها. وهذا نصها:
"فبدا له أن العالم ليس سوى عائلة كبيرة اجتمعت في البصرة وقد ألفى نفسه منذ اليوم الثاني جالسا على نفس الخوان مع مصري وهندي من الغنج وأحد سكان كاتي ويوناني وسلتي والعديد من الغرباء وقد تعلموا جميعا في رحلاتهم المتكررة في الخليج العربي اللغة العربية بما يكفي للتواصل بينهم. وكان المصري مستشيطا غضبا. فصاح قائلا: يا لها من مدينة مقيتة البصرة هذه أيرفض لي فيها ألف أوقية من الذهب مقابل أفضل سند في العالم. فقال ستوك: وكيف ذلك ؟ ومقابل أي سند رفض لك المبلغ؟ فأجابه المصري قائلا: مقابل رفات خالتي. إنها أشجع امرأة في مصر. وقد كانت تتبعني دائما في رحلاتي. ولكنها ماتت ونحن في الطريق. فجعلت منها أروع مومياء مما لنا من مومياوات. ولو كنت في بلدي لحصلت على كل ما أطلب عند رهنها. وإنه لمن الغرابة أشدها ألا يعطونني ألف أوقية من الذهب مقابل هذا السند الثابت أيما ثبوت. وكان وهو غاضب على أهبة أن يصيب شيئا من دجاجة سمينة أعدت أحسن إعداد عندما أمسكه الهندي من يده وصاح فيه والألم يمزقه: أي أنت بم تهم أن تفعل؟ فقال صاحب المومياء: أن أصيب من هذه الدجاجة. فقال رجل الغنج: احذر. فقد تكون روح الفقيدة قد حلت بجسم هذه الدجاجة وأنت لا تريد بلا شك أن تعرّض نفسك لأكل عمتك. واعلم أن في طبخ الدجاج انتهاكا بينا لحرمة الطبيعة. فرد المصري الحانق قائلا: ماذا تعني بقولك طبيعة ودجاجا؟ نحن نعبد ثورا (هو الثور أبيس الذي هو إله) ونطعم منه ما شئنا. فقال رجل الغنج: أتعبدون ثورا؟ أذلك ممكن؟ فأجابه قائلا: ليس ثمة أكثر إمكانا منه. ونحن نجري على هذه العادة منذ خمس وثلاثين سنة. وليس من بيننا واحد يمكن أن ينقضها. فقال الهندي: أثلاثين ألفا؟ بل هذا حساب مبالغ فيه. واعلم أنه لم تمض غير ثمانين ألفا منذ عُمّرت الهند. ومن الأكيد أننا أسلاف لكم. ولقد حرم علينا براهما أكل الثيران قبل أن تفكروا في وضعها في المذابح وشيّها بالسفافيد. فقال المصري: يا له من حيوان طريف براهما هذا إذا ما قارناه بأبيس. فما الذي أتاه براهما هذا من مأتى هو على غاية من الروعة؟ فأجابه البراهمائي قائلا: إنه هو من علم البشر القراءة والكتابة. وهو الذي تدين له الأرض سائرها بلعبة الشطرنج. فقال الكلداني الذي كان يجلس بالقرب منه: "إنكما على خطأ. فالحوت أوأناس (إله كلداني نصفه بشر ونصفه حوت وهو في اعتقاد الكلدان من علم البشر القراءة والكتابة) هو الذي ندين له بأعظم المنافع. وإنه لمن أعدل العدل ألا نسبّح إلا باسمه. وكل العالم يقول لكما بأنه كان كائنا ربانيا وأنه كان له ذيل مذهّب ورأس بشري بهي وأنه كان يخرج من الماء ليتعبد على اليابسة لمدة ثلاث ساعات في اليوم. وقد كان له أولاد كثر مُلّكوا في الأرض كما يعرف الجميع. وأنا أملك صورة له في بيتي لا أزال أعبدها كلما أردت ذلك. وإنه لبوسع المرء أن يأكل لحم الثيران ما طاب له الأكل. أما شيّ الحيتان فتعلق به أعظم زندقة. علما أنكما كليكما من أصل قليل النبل وغير مؤثل حتى يمكنكما منازعتي. فالأمة المصرية ليس لها غير خمسة وثلاثين عاما ومائة والهنود لا يفاخرون بغير ثمانين ألفا بينما نحن نملك تقاويم منذ أربعة آلاف قرن. صدقوني. عليكما أن تعودا عن جنونكما وأنا سأعطي كل واحد منكما صورة رائعة لأوأناس.
فتناول رجل كمبالو(مدينة بيجين قديما)الكلمة. فقال: إني أحترم كثيرا المصريين والكلدانيين واليونانيين والسلتيين وبراهما والثور أبيس والحوت الرائع أوأناس. ولكن ربما ساوى ‘لي‘ (كلمة صينية تعني الضوء وتعني العقل) أو ‘تيان‘ (كلمة صينية تعني السماء وتعني الرب) كما يريدون دعوته أكثر من الثيران والحيتان. ولن أقول شيئا عن بلدي. فهو أكبر من أرض مصر وبلاد الكلدان والهند مجتمعة. وإني لا أجادل في أمر التاريخ القديم لأنه يكفي المرء أن يكون سعيدا. أما أن ينتسب لتاريخ قديم فذلك مما لا يعني شيئا كثيرا. أما إذا كان لابد من الحديث عن التقاويم فإني أزعم أن آسيا اعتمدت تقاويمنا وأننا نحظى منها بتقاويم على غاية الصلاح حتى قبل أن يكتشف الحساب في بلاد الكلدان.
فصاح به اليوناني: لأنتم جاهلون جهولون ما بقيتم على وجه الأرض. ألا تعرفون أن السديم هو أب الكل وأن الصورة والهيولى قد جعلا العالم على الحال الذي هو عليه[اليوم]؟" وتكلم هذا اليوناني. فأطنب. ولكنه ما لبث أن قوطع من قبل السلتي الذي خال نفسه وقد شرب كثيرا من الخمر عندما كانوا يتناقشون – خال نفسه أعلم من الجميع. فأقسم أنه ليس ثمة غير توتاه (إله غولي) ودبق البلوط اللذين يستحقان أن نتحدث عنهما وأنه كان يضع في جيبه الدبق وأن السكيتيين أسلافه كانوا وحدهم الخيرين الذين وجدوا على وجه الدهر والأرض وأنهم والحق يقال قد طعموا في بعض الأحيان من لحم البشر. ولكن ذلك لم يمنع من أن تُحترم أمته احتراما جما. ولو تكلم واحد بشرّ عن توتاه فإنه سيعلمه معنى الحياة. وحمي وطيس الخصام وأدرك ستوك أن اللحظة التي ستسيل فيها الدماء على الخوان قد حان."
وهكذا نتوصل إلى أن الاختلاف في العقائد هو الاختلاف الكبير الذي يفرق بين البشر. وهذا الاختلاف سيقود إلى العنف إذا لم نسع للتسامح في ما بيننا. يقول فولتير في المعجم الفلسفي في فصل التسامح ما يلي: " ما التسامح؟ إنه الامتياز الذي تحظى به البشرية. نحن سائرنا مفعمون بالنقائص والأخطاء. فلنغفر لبعضنا البعض حماقاتنا. وهذا هو أول قانون من قوانين الطبيعة." ولذا سيسعى زديق بطل فولتير نيابة عن فولتير نفسه إلى التقريب بين وجهات النظر بإقناع التجار المتناقشين بوجود مبدإ يوحد بينهم ألا وهو مبدأ الربانية. وسندرك أن مبدأ الربانية الرافض للأديان والمتمسك بوجود إله واحد هو توحيدي مثل مبدأ التوحيد نفسه مع فارق أن مبدأ الربانية هو توحيدي على أساس كوني ومبدأ التوحيد هو توحيدي على أساس قومي.
وههنا لابد من الإشارة إلى أننا نتحدث عن القرن الثامن عشر أي عن عصر مليء بالمفارقات. إذ هو عصر منعوت بعصر التنوير. ولكنه في ذات الوقت عصر مليء بالأوهام. فالعلوم لم تتطور بالدرجة الكافية والاكتشافات الكبرى لم تقع بعد. ويكفي أن نذكر أن البيولوجيا لم تزل في خطواتها الأولى. فنحن في عصر بوفون Buffon الذي كانت آراؤه تشوبها التناقضات والأخطاء. ولكنه كان يرى على خلاف ما تعتقده الكنيسة أن الإنسان لا يختلف فيزيولوجيا عن سائر الحيوانات بالرغم من أن له روح تفكر. وهو واحد في جوهره. إذ ليس ثمة غير نوع بشري واحد. فإذا ما أخذنا مجموعة من الرجال البيض ووضعناهم في ظروف مختلفة تحولوا إلى سود بعامل الزمن الذي هو "صانع الطبيعة الكبير" على حد قوله وأخذا بنظريته القائلة بالتدهور التي ستصبح نظرية التطور عند داروين. وهي تقول بأن الحيوانات يلحقها تدهور مثل أن يتحول الحصان إلى حمار في ظروف طبيعية ما. إلا أن ذلك التدهور ليس انحطاطا في النوع. إذ يمكن للحمار أن يعود إلى حال الحصان الأول.
أما النتيجة الأخرى التي بإمكاننا التوصل إليها فهي فهم فولتير لعامل التجارة البعيدة في تشكيل الحضارة العربية الإسلامية. فالبصرة ليست إلا عائلة صغيرة أي قرية صغيرة لم يجتمع فيها التجار فحسب ولكن اجتمعت فيها المعتقدات والأفكار. فكما السلع تنتقل من صقع إلى صقع باتت الأفكار تنتقل بانتقالها. فالتجارة إذا هي عامل تقارب بين الشعوب تقر بحق الاختلاف وتشرعه. ولذلك كان العرب والمسلمون عند فولتير أشد الغزاة رحمة وأشد الملل تسامحا عقائديا.
وهكذا ندرك كيف كانت التجارة عاملا مهما في الاكتشافات الجغرافية وعامل تعارف بين الشعوب وكيف قاوم هذا التعارف غلواء العقائد يعضده في ذلك التقدم العلمي وازدهار حركة التنوير. فأُقر بحق الاختلاف وتبعا له بمبدأ التسامح الذي تطرق له فولتير في كتابه الموسوم بـ "مصنف التسامح". ولا شك أنه يستحق لوحده وقفة خاصة به نقدمها للقارئ في فرصة لاحقة ما أسعفنا الوقت والجهد.



#الطيب_بن_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل انتصرت غزة؟
- لا أعراب ولا أمازيغ


المزيد.....




- حاول تثبيتها فسقطت منه في البحر.. شاهد ما التقطته كاميرا تحت ...
- علماء يكتشفون سببًا محتملًا لإعادة بناء نصب -ستونهنج- قبل آل ...
- أحبّها بعمق.. قد يصدمك ما فعله رجل ليبقى بقرب حبيبته
- فيديو يظهر محاولة اقتحام سجن مكسيكي بعد أعمال شغب دامية.. شا ...
- -العنف الطائفي بعد الإطاحة بنظام الأسد أقل حدة مما كان متوقع ...
- آلاف السوريين يحتشدون في ساحة الأمويين في الجمعة الثانية بعد ...
- إل ألتو البوليفية: -المنازل الانتحارية- مهددة بالانهيار والس ...
- فنلندا تجدد رفضها فتح الحدود مع روسيا
- ليبيا.. ضبط شبكة نشطت في تصنيع وبيع الخمور المغشوشة في بنغاز ...
- مصر تدين اعتداء الدهس في ألمانيا وتؤكد رفضها كل أشكال الإرها ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الطيب بن رجب - التجارة والاختلاف والتسامح لدى فولتير