|
من يحمي الدين من سطوة التاريخ
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 19 - 20:13
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الإشكال الأساسي في هذا السؤال مما يخاف الدين أولا وثانيا كيف يكون للتاريخ سطوة وهو صنع الإنسان الذي يؤمن بالدين ؟., الحقيقة المرة أن أكثر أعداء الدين الطبيعيين هم المنخرطين به حد الثمالة فلم يعودا لهم القدرة على الفصل بين وجودهم ووجود الدين , هذا يستدعي الأنا الذاتية لهم لتناور وتباغت الحدث العادي بفعل سيكون هناك من يدعمه ويوثقه تاريخيا مقابل برغماتية إنسانية تبادلية لا تهتم للحقيقة ولا تتقيد بموضوع الخير والشر , إنها تتعامل مع القضية من باب الربح والخسارة ليس إلا . إذا الإنسان هو مصدر قوة التاريخ عندما ينحاز للطين للمادة للواقع الذي يلتصق به وهو مؤمن أن الله لا يريد ولا يقر له هذا السلوك ولكن تدفعه العزة بالإثم كما يصفها النص الديني للمناورة والتخفي والتعدي الجزئي الذي يتراكم مع الزمن ليتحول لخطيئة عظمى وجريرة كبرى لا يمكن الفكاك منها أو تعريتها أمام الناس فيضطر لألبساها الديني لتخرج قبيحة مقبولة كما يقول بعض المتكلمين . الدين دائما وأبدا كان ضحية الإنسان الأناني الضعيف الذي لا يمكنه مواجهة ذاته بذاتها فتسولي عليه بوتها الغاشمة ليكون هو البديل عن الشريعة وعن الدين وحتى بعض الأحيان بديلا مناسبا للسطوة الجبروتية للرب الأعظم , كل المحاولات التي جرت تاريخيا وسطرها التاريخ كأحداث ذات طابع ديني كتبها الإنسان المتدين الذي يملك وحده اللعب بالمفاهيم والتوصيفات والألفاظ , لم يكتب التاريخ رجال العلم والفضيلة ولا الإنسان البسيط ,بل كتبها الكهنة وعباد المعبد وألهه الدينار والدرهم الذين لا يخشون الكثرة الكاثرة لأنهم مسلحين بالقوة الغاشمة سياسيا . الدين لا يعني أنه بالقوة الطبيعية له ينصاع للخوف ولإرادة الإنسان وهو أصلا جاء كحل مفصلي وكلي لسيطرة الإنسان الأناني على الواقع وعبثه بالنظام الطبيعي من خلال تفعيل قوة الأنا المتضخمة لديه كما في قصة فرعون مع موسى وأبو سفيان وأبي جهل مع النبي محمد ص .الصحيح أن كلما أشتد أوار الصراع وتنتهي النتيجة لأحد الطرفين لا يمكن حسم النهاية له بالمطلق , ولا يتم ترتيب أي نتائج نهائية على هذا الصراع بل تتحول كلا الفكرتين إلى مدارس تؤطر نفسها بالتاريخ وتعتمد على النص بقراءة مناسبة لتاريخها حتى لو أدى ذلك إلى تغيير في مفهوم الدين وتعديا على أساسياته وفق إرادة طرفي النزاع وتستمر المعركة تاريخية دينية تعطل حركة الوجود وتستنزف كل قوة يمكنها أن تمنح الإنسان بارقة أمل لأن كلا الطرفين سيكون نقيضا طبيعيا لها لذا نشهد مفهوم تحالف الأنداد . إذن فكرة الخوف على الدين فكرة واقعية ومشهود لها تاريخيا ولا ينكرها الإنسان كما يمكن أن يدينها لو رجع أصلا إلى المقدمات التي دفنها الأنداد الأضداد وجعلوا التقوقع الحتمي داخل الدائرة التي يحيون بها هي المدار الوحيد , الخوف يمتد من زيادة مساحة التحريم وتقليص حد الإباحة وإبدال مبدأ البراءة الطبيعية بالشك القريب من التحريم ما لم يقوم دليل التحليل وهو ما يسمى كسر الأقلي لصالح تضعيف الأكثري في الأمر الرباني . الخوف بهذه الصورة محاولة إبدال رؤية كونية طبيعية شمولية بقراءة وتنصيب رؤية تستمد مشروعيها من هدف الإنسان أن يتخطى بحريته عالم الحق لأنه لا يرى مثلا مبرر للفكرة الدينية أو أنها بالنتيجة تحد من قدرته على التعامل مع الواقع باشتراطات الأنا وشروط مسايرة خط الإنحراف الذي له جذور في العقل المطبوع البدائي . يبقى هناك تساؤل مهم وحقيقي يغني عن الكثير من السؤلات المتتالية , ما هو دور الدين في القسم الذي يقاوم في التصدي لمرحلة التخويف وكيفية الثبات على الموقف المقاوم ؟, هنا في هذه الجزئية يمكننا أن نجزم وبلا تردد تنبع قيمة وأصالة وجدارة الدين في أن يكون عنصرا لإيجابيا في الوجود الحياتي من خلال الكيف والكون الذي يفعله في هذه المرحلة وبالذات فعله الأساسي تجاه عوامل التخويف والمباغتة . كلما كان الدين أصيلا وحقيقيا ومستجيب لوجوده الكامل ومبررا بكل قناعة دوره الأساسي عليه أن يلاحظ في نقطتين الأولى بقاءه في محل الإرشاد القيادي والفعل المؤثر مهما حاول المخوفون والفاعلون باتجاه التغريب أن ينسبوه للدين ومن ثم محاولة جره عن الهدف الأساس له وهو خدمة الإنسان وتمثيله الحقيقي لقانون طبيعة الطبيعة , والثانية أن لا يتغير وينجر نحو ردات فعل معاكسة ولا مغايره للمسيرة الأساسية بل يحاول أن يمثل منهجه أصدق تمثيل وأن يكون صادقا وجادا ونموذجيا في طرح أراءه وأفكاره على مستوى التنظير والممارسة . الدين كفكر وكقيم عليه أن لا يخضع للإرهاب التاريخي لينحرف عن طريقه الأساس ويتحول لسلطان أو سيف أو قوة غاشمة للتدمير , على الدين أن يبقى خلاقا وأخلاقيا وإنسانيا وطبيعيا في كل الظروف والحالات وأن لا يدع المنهج العدائي الموجه ضد لله والإنسان أن يجره إلى الموقع الذي لا وجود له في ظله . على الدين أن يمتلك الحصانة والمعصومية الطبيعية والقدرة على النفاذ في ظروف يتعرض لها سعي الله وسعي الإنسان المؤمن بحقه في الوجود طبيعيا وعمليا وأفتراضيا إلى أن يتحول الفعل التاريخي المصبوغ بلون ديني لأن يكون البديل المقترح والمسيطر على الواقع ,على أن لا يسلك نفس عوامل ومسببات وقوى الصراع التي يستخدمها الطرف الثاني , فلو أنه أستعملها ونجح فإنه يكشف في اللحظة تلك غير أهل لتمثيل إرادة السماء ومنهجها السامي .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنتظار المنقذ التاريخي شكية الصورة أو شكية الإمكان
-
الإنسان وعالم يعيش واقع مخيف
-
على وقع ما جرى في فرنسا
-
الحروف التي حللها الرب
-
عن الثقافة والمثقفين وأزمة الهوية
-
رواية الغريب _ الجزء الرابع , ح1
-
رواية الغريب _ الجزء الرابع , ح2
-
رواية الغريب _ الجزء الثالث , ح2
-
رواية الغريب _ الجزء الثاني , ح2
-
رواية الغريب _ الجزء الثالث, ح1
-
رواية الغريب _ الجزء الأول , ح3
-
رواية الغريب _ الجزء الثاني , ح1
-
صلاة في باحة المخمر
-
رواية الغريب _ الجزء الأول , ح1
-
رواية الغريب _ الجزء الأول , ح2
-
بعض آيات من كتاب الغضب
-
هم وأنا ..... وهم
-
هل يستحق الأمر أن نتفكر بالموت أم نحرص على أحترام الحياة
-
البحث الممل _ قصة قصيرة
-
ملامح عصر الأزمة
المزيد.....
-
إيلون ماسك يصف محاربا قديما بـ -الخائن- والأخير يرد بسخرية..
...
-
سفير القاهرة في مجلس الاتحاد الروسي: -لن ننسى ما فعلته روسيا
...
-
العواقب النفسية المتأخرة لدى الشباب بسبب إجراءات الإغلاق
-
جنود أوكرانيون يؤكدون فقدان خطوط الإمداد في كورسك
-
السيناتور -الخائن- ينتقد وقف المساعدات العسكرية والاستخبارات
...
-
جباروف: قرغيزستان تدرس إمكانية استعادة رئيس البلاد الأسبق با
...
-
بوتين يقترح تحديد -يوم المجد العسكري- في التاسع من أغسطس
-
زاخاروفا: الاتصالات بين موسكو وواشنطن أصبحت كثيفة
-
من هو ديوك بوكان الثالث ولماذا عينه ترامب سفيرا جديدا لواشنط
...
-
هل تتجه سوريا لتجريم إنكار جرائم الأسد؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|