|
فيلم دراكولا 2014 *Dracula ntold* يفتح الملفات الوحشية لتاريخ الأتراك
إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة
(Ereiny Samir Hakim)
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 23:33
المحور:
الادب والفن
جاء فيلم Dracula Untold بمعالجة جديدة لقصة أشهر مصاصى الدماء فى تاريخ الروايات الأسطورية، وهو "دراكولا"، إلا أن دراكولا هذا يتميز عن باقى الشخصيات الأسطورية عامة، بأنه ينتسب إلى واقع تاريخى بُنيَت على جذوره أفرع المعالجات الخيالية التى تعرضت لسرد حياة تلك الشخصية، حتى تحولت لدى العالم إلى شخصية فانتازية، وقد استغل صُنَّاع هذا الفيلم أوراق فى ملفات دراكولا وهو من يعرف باسم الأمير فلاد فى الواقع، لكى يُعبروا عن تاريخ الأتراك الوحشي، ربما لهدف سياسي، أو لإنارة التاريخ بطريقة غير مباشرة سينمائيا.
وقبل أن نتعرف على المعالجة الجديدة لهذا الفيلم المستندة على جانب تاريخى من حياة دراكولا الواقعية، حيث تم إخراج هذا الجانب للمرة الأولى إلى النور فى الملفات الدرامية، فعلينا أن نتعرف أولا على بعض الحقائق المتعلقة بتلك الشخصية.
حسبما ذكرت مصادر تاريخية عن دراكولا الحقيقي، انه من مملكة فالاكيا الجبلية القديمة، حيث تقع رومانيا المعاصرة الآن، بلغ رجل برع فى استنباط أساليب مستحدثة للتعذيب والقتل الجماعى، حيث كان يتحكم بمصير جميع أبناء رعيته، ففى فترة حكمه أثار الفزع فى قلوب رعاياه وخصومه على حد سواء، فهو مازال يُذكَر إلى يومنا هذا بإسم "فلاد تيبيش" اى فلاد الرهيب.
عن تاريخ الأمير فلاد (دراكولا)
ولد الأمير فلاد فى عام 1413 فى مملكة فالاكيا، حيث كانت غارقة فى الفتن والصراعات، فقد كانت فالاكيا فى القرن الخامس عشر مقاطعة صغيرة ومتخلفة، واجهت قوتين كبيرتين، الإمبراطورية العثمانية إلى الجنوب من نهر الدانوب، ومملكة هنجاريا إلى الغرب منه، وفى ظل الخلاف والصراع المحتدم بين القوتين بينهما، تدور قصة فلاد.
كان الجيش التركى من اكبر وأضخم الجيوش العالمية فى القرن الخامس عشر، لم يستطع احد أن يقف فى مواجهته، كان هناك والد فلاد اميرا على عرش فالاكيا مُلقبا بـ دراكول اى التنين، وهو لقب يعود لترئسه فرقة التنين المنتقاه من الأوربيين أصحاب النسب الملكي، ونشاطها ينحصر فى تنفيذ حملات ضد الأتراك، (ومن ثم فلاد سمى نفسه دراكولا تيمنا بأبيه)، وعندما واجه عرش الأمير الخطر أمام أعدائه الهنجاريين، فقد أبرم اتفاق مع السلطان العثمانى، حيث رأى السلطان انه من الأفضل ألا يفتح هذه البلد بالحرب، بل بدفع الجزية ومد فالاكيا لجيشه بالمحاربين إذا احتاج جيشه لإمداد بشري، وبرهانا من أمير فالاكيا على الوفاء أرسل ابنيه الشابين إلى السلطان العثمانى، اى إلى داخل عرين الليث مباشرة، فقد وجد انه لابد من إرسال ضمان معين، وكان اكبر ضمان فى هذه الحالة، هو ترك ابنيه عند خصمه لأنه فى هذه الحالة لن يجرؤ على شن حرب مخاطرا بحياتهما، وكان هدف السلطان أن يصنع منهما أميرين سوريين لصالحه على بلدهما، حيث أجريت تهيئتهما لان يعتليا العرش بإسم السلطان، إلا أن فلاد كان يفهم أغراض العدو وينتظر الفرصة لينقلب عليه.
وقد عُثر على رسالة من والد فلاد إلى رعاياه يقول فيها: كيف تشُكّون بأحكامى وأنا ضحيت بابنيَّ لأجل قضيتنا الوطنية.
أما فلاد فكان فى الثالث عشر من عمره تقريبا حين بُعث كرهينة عند السلطان العثمانى، فتى يافعا تركه والده عند عدوه، بالإضافة إلى رجوع شقيقه إلى أبيه بعد ذلك، اى انه ظل وحده مع غرباء لا يعرف لغتهم ولا أسلوب حياتهم، وغاد فى وضع سئ لا يُحسَد عليه.
ولقد اثر عليه هذا الوضع بالسوء بالتأكيد، لاسيما انه أرسى طريقة تفكيره خاصة وانه كان مراهقا وكُرِّسَ فيه بغضا شديدا للأعداء، ورغبة قوية فى الانتقام، فقد كان إحساس فلاد بالتخلى عنه والغدر به مصدر تغذيته بالكره الذى كنَّه للسلطان وبلاطه، وقد تشرَّب رادو أخيه التعاليم العثمانية أما فلاد فقد ظل حذرا منها، فأصبح رادو دمية طيعة فى يد السلطان، أما فلاد فقد ظل يحلم بعودته إلى فالاكيا ليصبح حاكما مستقلا بها.
المعالجة الدرامية بين الرمز والحقيقة
أما المعالجة فقد أتت بهذا الخيط من الجانب الوطنى (تاريخيا فى نظر أمير فالاكيا)، حيث اسلم دراكول طفليه للسلطان العثمانى لافتداء وطنه من الذبح، كما أضاف الفيلم مستوضحا ما ذكر من استعانة الأتراك برهائن كإمدادات بشرية من فالاكيا، إلى انه سعى أيضا لاستعباد 1000 فتى من ترانسلفانيا، حتى يكونوا عونا للجيش التركى عند الحاجة، حيث تم جلدهم وضربهم بلا رحمة ليؤهلوا أن للقتال بلا ضمير والقتل بلا قلب.
كما اظهر الفيلم مدى تمكن السلطة الوحشية للأتراك حينها من فالاكيا، ومن دول أخرى عدة، فقد كان أقوى جيوش الأرض حينها واتضح ذلك تاريخيا ودراميا، حيث صدقَّت الدراما على تلك الحقيقة وبَنَت عليها سبب لجوء دراكولا (فلاد) إلى قوى الظلام، حتى يتمكن من حماية بلده بقواه الخارقة المعتمدة على قوى الشر، فقد وضع الفيلم بتلك المعالجة مؤشرا للمشاهد ليجد توازنا معنوى ومادى (بصورة ما)، بين قوى الأتراك الوحشية وقوى الشر، ليُظهِر مدى شر الأتراك التنفيذى فى التعدى على حقوق البشر، لتحقيق مطامع فى كسب بقع أرضية تحققها بقع متسعة من الدماء.
وحشية فلاد
أما فلاد الحقيقي فيذكر التاريخ انه قد سطَّر فيه قصة رعب حقيقية، هى قصة تفوق الخيال لكنها حقيقية، فقد كان يُعاقِب بالخازوق على الأخطاء الكبيرة والصغيرة بلا تفريق، فقد خَوزَق المسنين والأطفال لأنهم بلا فائدة، ولم يكن حكم الإعدام يُنفَّذ للعقاب وحسب، إنما كان بمثابة تسلية الأمير المفضلة، كان فلاد يقتل وفقا لنزواته، فقد كان ذاك الأمير المهووس بالدماء يُحبِذ تناول طعامه أمام جثث ضحاياه المُخَوزَقين فى مدينته الرئيسية، وكان يطلب جَمع الدم فى أوعية توضع أمامه، وكان يأخذ خبزا يغمسه بالدم ثم يأكله!!، وفى هذا المسعى المنحرف فى تطبيق القانون والنظام، قضى على أرواح الآلاف من أرواح مواطنيه وحول العاصمة الملكية إلى مقبرة نتنة.
فلاد الواقعى والسينمائى
فقد كانت تصرفات فلاد تخالف جميع الأديان والأعراف البشرية، فهو رجل سادى لديه شهوة غريبة للقتل، ولكنه كان مادام يقاتل الأتراك فهو مقبول من ملوك الدول الأوروبية الأخرى، فقد حارب الأتراك ومنع تقدم جيوشهم المرعبة إلى المدن الأوروبية الداخلية، لذا حظىَّ بمساندة وتأييد كبيرين من جميع الأمراء والملوك حينها، وحتى من رجال الدين فى تلك المدن، ولم يبالون بالفظائع التى كان يرتكبها مدام يحارب الأتراك بدلا عنهم، ويؤَّمن لهم الحماية من خطرهم، وقد قتل قرابة مئة ألف شخص فى حياته، وخُلدَّت قصته على أنها أسطورة لمصاص الدماء، ذاك الشخص الذى قصته تثير الفزع فى قلوب عارفيه.
أما دراكولا بطل فيلم 2014 فقد كان حليم راقى الطباع، بشري حتى النخاع قاوم التحول الظلامى فى جنسه حتى آخر قطرة فى كأس احتماله، وذاك بالطبع ليجد العمل منفذا لتقبل تلك الشخصية فى قالب من الرومانسية والعاطفة والإنسانية، متأثرا بفيلم دراكولا الأشهر Bram Stocker s Dracula، والذى اعتمد على أسباب عاطفية وإنسانية فى لجوءه إلى إتباع قوى الظلام، وربما لجأت السينما إلى ذاك المنعطف الانسانى فى عرض شخصية دراكولا، لا فقط لأجل تقبله جماهيريا أو لتلوين شخصيته بصبغة نفسية جديدة، إنما لان هناك أسباب تاريخية تشير إلى الجانى الحقيقى على إنسانية هذا الأمير، وتحويله إلى شخص دموى بفظاظة منقطعة النظير.
الاراضى التركية الجذور لوحشية دراكولا
فالحقيقة أن وحشية فلاد لم تبتعد كثيرا عن وحشية الأتراك، فلقد تربى عسكريا فى ببيئتهم، وتلقى فنون القتال على يدهم، وكانوا من الوحشية أن ينفذوا حكم الإعدام علانية حتى يضمن السلطان الطاعة المطلقة له، وهذا ما قام به فلاد مع رعاياه فيما بعد، فقد اختبر جيدا كيف يمكن لذلك أن يثير الفزع والرهبة فى قلوب الناس، بل ولقد تعلم القتل بالخوزقة فى ادريانوبل حين كان فتى تحت السيطرة العثمانية!، فقد لجا فلاد الحقيقي إلى عنف أكثر وحشية من الأتراك، بهوس الباحث عن اى وسيلة لغلبة هؤلاء المتوحشون الذين كانوا حينها يتمشون بسلطة فى بقاع الأرض، على سجادة من جثث ضحاياهم، وهذا ما عكسته تلك المعالجة إنما بصورة أكثر درامية، بأنه لجا إلى قوى الظلام ليصبح خارقا لطبيعة البشر، مُزوَّد بطاقة هائلة من الشر غير البشري، لتمنحه الصمود أمام تلك القوى المتوحشة من البشر.
وأخيرا فإنه لا شك انه توقيت ذكى لفتح ملفات تاريخ تركيا المشبوب بالوحشية، عن طريق فيلم يستعرض قصة أسطورية، يلهث جماهير العالم على كل معالجة فنية جديدة تستعرض فيها حياة دراكولا ومغامراته الأرضية والروحية، فإنها المعالجة الأولى التى تعرضت لطفولة دراكولا، واستخلصت جانب من حقيقة هى بكر فى الاستخدام فى معالجات تلك القصة، حتى يتم توظيفها بصورة تجمع بين الواقعية والفانتازيا، للكشف عن تاريخ تركيا فى بوتقة من حبكة هولودية تشبع شغف جمهور بطل تلك الحكاية.
خاصة فى هذا التوقيت الذى يُسعى فيه لإثبات حقيقة المجازر التى فعلها الأتراك بالأرمن، من إبادة جماعية فى مطلع القرن العشرين، ومازال الاستنكار التركى يتمشى فى طرقات المشهد.
وهذا المقال ليس دفاعا ولا تبريرا لوحشية فلاد، إنما تحليل لتاريخ ولدراما، حيرتهما قصة حياة هذا الشخص التى التهمت حياة العديدين، فى عهد من زرعوا فيه تلك الرغبة القوية فى الانتقام واكتساح اى قوى بشرية تفوق رغبته فى الحياة والدماء.
#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)
Ereiny_Samir_Hakim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وإن طال صمت السماء على النيران
-
خذوا السياسة من أفواه الراقصات
-
مرتزقة البطولات
-
عند أعتاب المزود يقف الصليب متخفيا
-
لما تبحثون عن الطفل يسوع فى قصور الملوك؟!
-
ملائكة فى إعداد الأرض لميلاد يسوع
-
لقد أعلنت التمرد فيا ويل شرنقتى ويا وجع القيود
-
ألا تخجل من دمائى؟!
-
رحيل شمس الإيمان حتى عودتها بالنور
-
المجتمع بين جن ريهام سعيد وتنوير خالد منتصر
-
الجن لريهام سعيد محاولة للرد على القس مكارى يونان مع طونى خل
...
-
أما قانون الله فهو يحمى المغفلين!
-
يوسف الصدّيق بين سلم الخَدم وسلم المجد
-
العمى ليس قدر مولود الذئب ولا العتمة قدرك
-
عبيد الحرية
-
أنا كَون جديد لله
-
فيلم فيلا 69 يربط بين قيمة الإنسان والأثر والفن
-
كرامة الأنثى وقبول الأرض
-
الغرور علف الحمقى والكبرياء معلفهم
-
يواجهنا الله بأنفسنا فى الطبيعة
المزيد.....
-
قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل
...
-
ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية
...
-
حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
-
عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار
...
-
قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح
...
-
الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه
...
-
تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
-
مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة
...
-
دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
-
وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|