مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 23:31
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الطب الشعبي في صيدنايا - وأوائل الأطباء
الطب الشعبي في صيدنايا عريق ومُتوَارث أبا عن جَدّ
الحديث عن الطب في بلدة صيدنايا قصة طويلة غائرة في القدم تعود الى الإنسان الأول الذي احتمى واختبأ وسكن في كهوفها ومغاورها , أو في الأديرة والمحابس فيما بعد من قبل الرهبان والنسّاك الذين امتلأت بهم تلالنا وجبالنا وجرودنا قبل الإستقرار في التجمعات السكنية وبناء المنازل على سفوح جبالها وأوديتها وسهولها فيما بعد ...
وإن ما أعطى إسم صيدنايا هذا , كما يفسّره بعض الكتاب والباحثين قد أخذ من الأدوية والأعشاب فيها أي من " الصيدنة وصناعة الأدوية " من وفرة تواجد الأعشاب المتنوعة وكثرة ينابيعها وغاباتها وتلالها .
إن تنوع الطبيعة الجغرافية للبلدة من الجبال والتلال والسهول والأودية والجرود , وماضيها الغني بالغابات ومناخها الصخري الجاف البعيد عن الرطوبة ساعدعلى تنوع النباتات والأزهار والأشجار والثمارالمفيدة للغذاء والصحة والأمراض , وقد عرف الإنسان الأول الساكن فيها , ورهبان أديرتها وكنائسها المحفورة بالجبال والتلال منافع كل نبتة وزهرة ووردة نتيجة التجارب والملاحظات والصُدف , ومن ثم القراءة والعلم والإتصال بالعالم الخارجي ,, هكذا الحياة وتطورها واكتشاف بعض أسرارها ..
فالطبيعة تعلمنا مجاناً عندما يكون العقل والعيون والحواس مُستنفرة وصاغية لكل همسة وتبدل وملاحظة .
-----------
هناك عوامل عديدة ساعدت على نشوء وتطور الطب الشعبي في صيدنايا منها : العوامل الطبيعية , المناخية , البشرية , والدينية
كان وما تزال في بساتين وسهول , وروابي وجبال صيدنايا العديد من الكهوف والمغاور الأثرية منذ العهود الغابرة منحوتة في الصخر ومزودة بمعاصر حجرية ضخمة , أو معامل بيتية يدوية , استخدمت لعصر العنب والزيتون وصنع الخمر والعّرّق وغير ذلك من الثمار البرية التي تزخر بها قريتنا
وقد شاهدناها في ذهابنا وإيابنا لكرومنا وأرضنا , حيث بعضها كان على الطرقات عندما شق الفلاح و إبن البلد الطرق الترابية للمشاة أمام المغاور -
لقد كان لموقع البلدة وقربها من العاصمة دمشق , وموقعها على طريق الحج إلى الأماكن المقدسة في فلسطين , والحجاز , أصبحت محط زيارات من قبل المستشرقين والباحثين والرهبان الغربيين والتجار والسائحين , وأهل المنطقة والمدن السورية , , ونظراً لوجود المكتبة التاريخية اللاهوتية في دير السيدة , وغيرها من تراث ومخطوطات * , ووجود " الأيقونة " التاريخية للسيدة العذراء في " الشاغورة " .. ( أيقونة الرسّام لوقا الإنجيلي ) تلميذ السيد المسيح , كل هذه العوامل العديدة - الدينية والعلمية والطبيعية جعلها مقصداً للدارسين والباحثين والمؤمنين واللاهوتيين - قد ساهمت بشهرتها العالمية وقصدَها الناس من كل أنحاء العالم ..... وبالتالي أعطت لأهل البلدة انفتاحاً على الاّخر والغريب وتطوراً وثقافة متنوعة وتاّخيا شعبياً وتضامناً وانفتاحاً للمعرفة والعلم والطموح والخبرات العديدة , أي تراكم معرفي ... وقد قصدها الكثير من المعلمين والأساتذ ة من كافة بلدان العالم من اليونان وروسيا وروما والغرب والشرق عامة إلى الأميريكيتين وأفريقيا وشرق اّسيا , وعبر الحجّ المسيحي إلى القدس أو الإسلامي إلى مكة والمدينة , ومن المدن السورية كلها , وسكن ومكث فيها واستوطنها بعض الأجانب - من الروس الهاربين من الثورة الإشتراكية البلشفية وغيرهم من الشعوب ,, أيضا وأيضاً كانت مَصيفاً لأهل الشام - حيث كان الأطباء يصفهونها للعليل والمريض للنقاهة والصحة نظراً لطيب هوائها , ويخبرنا التاريخ أن كثيراً من الأباطرة والملوك والخلفاء والرؤساء مروا واستراحوا بها ,,,
- بنفسي تلك الأرض ما أطيب الرُبا .. وما أحسن المصطافَ والمتربعا -
بالإضافة إلى الإتصال اليومي المباشر بين لبنان وسوريا عبر الزيارات للدير تبركاً ونذوراً وقرابة للراهبات وبنات الميتم وغيرها ,, فكل هذه الخلفيات والأرضية والدوائر التي اجتمعت فيها من الإحتكاك والتفاعل والتواصل قد ساهم في تطور البلدة وانفتاحها وتحررها على كافة الأصعدة وفي طليعتها الطب والمعارف والخبرات ..
لقد كانت فعلاً قرية جاذبة لمحيطها , ومن صفات شعبها محبة الضيف والغريب واللاجئ إليها ..
بلادنا وأرضنا المعطاءة الخيرة المتميزة بجمالها وموقعها ومُناخها الصخري ومواردها ..
أرضنا المليئة بالحقول والأشجار والخضار والفواكه والأعشاب الغذائية والطبية والصحية والجمالية وأنا إبنة هذه الأرض التي انغمستُ في حُبها ودراستها والتباهي بها , قد لملمتها وجمعتها في كل فصل وموسم ومناسبة واحتفال ..
ترعرعتُ بين كرومها وحقولها وشعابها .. ينابيعها جبالها وروابيها . خبأتُها شكلاً ولوناً وطعماً وشذى .. فقد تغذيتُ من إنتاجها وخيراتها وشمسها وهوائها , و تعالج أهلي منها أيضاً وعالجتني أسرتي بها وأنا طفلة ويافعة بأعشابها ونباتاتها , فاختزنتُ بداخلي وتعلمتُ على احترام الأرض وحبها وما تنتج والمحافظة عليها والإعتناء بها واستنبات أرضها بعد أن نعطيها حقها ومتطلباتها من جهد وعرق ووقت وملاحظة ... وهذا تقليد ريفي متوارث جيل عن جيل ...
إن عادة وتقليد وجود الحدائق المنزلية وتربية النحل , في بيوت صيدنايا القديمة كلها دون استثناء مهما كانت المساحة صغيرة , حتى النوافذ والشرفات وأسطحة المنازل والأحواش وأمام البيوت التي كتبت عنها في مقالات سابقة - كانت تزرع بالورود والأشجار المزهرة الصحية العطرة والنباتات المفيدة كل هذا باعتقادي له ارتباط " بماضيها الذهبي " الإمبراطوري - اليوستنياني - و دليل أيضاً على تراكم وعي ووراثة معرفة و إهتمام أهلها بفائدتها واستخدامها للغذاء والصحة والمداواة ..
.......
ترعرعنا ونحن نهتم بذلك الجانب من الطب الشعبي الذي يعتمد على التجربة وحملناه بوعينا وذاكرتنا زاداً و " باكاج " للمستقبل .. فأدركتُ باكراً نعمة الصحة ونشوة العافية وجمال الجسم وقوته من أكسيرها وروعة وحب هذه البلاد وأرضها وفائدة أعشابها .. ولقد أصبح لدي مع السنين معرفة متراكمة من الفائدة والخبرات إلى جانب القراءات والإطلاع والتجارب الشخصية .
كيف لا , والطبيعة أمنا غمرتنا بعطفها وأرضعتنا حليبها وغذتنا نباتاتها وعالجتنا ورودها وأزاهيرها وثمار أشجارها ؟!
الطبابة والطب كما في كل بلد وحضارة لم تلد وتنشأ دفعة واحدة بين يوم واّخر فلقد مرت بمراحل ومتعرجات وتراكم معرفي .. فشل وأخطاء وصواب وما زالت تتقدم يوماً بعد اّخر بفضل العلم والتكنولوجيا والإختبارات وأصبحت تسمى ( الطب البديل ) .
خلق الإنسان - والحيوان أيضاً - وخلق معه طعامه فما عليه إلا أن يكتشف ويلاحظ ويتعلم ويجرّب ويختبر وهكذا كان :
لقد اّمن بعض السكان في صيدنايا القديمة بالمعتقدات والخرافات الشعبية والأساطير القديمة المتوارثة مثلهم مثل بقية سكان الوطن العربي وشعوب الشرق عامة , بل شعوب العالم قاطبة :
بالأرواح الشريرة , صيبة العين , الخرزة الزرقاء , الرَقوة , الرِقية , الحِجاب , الكتيبة , الكبسة , القرينة , التبصير , التنجيم , الجن , التبخير , والكحل وغير ذلك ... من معتقدات تلاشت اليوم أمام العلم والواقع والوعي الصحي الفردي والجماعي ..
يُحكى أن ..؟
يحكى أن كان هناك تقليد قديم وفريد في طقوسه في بلدتنا صيدنايا وهي : عادة إنزال الطفل إلى البئر وهو مُمسك باليدين من قبل الأهل أو كاهن البلدة من أطرافه العلوية , وذلك لاعتقادهم المتوارث لكي يعيش بعده الأطفال - خاصة الذكور - حيث كانت الأمراض تحصد الكثير من الأطفال في تلك الحقبة البعيدة - بداية القرن الماضي - وكان يلازمها تلاوة هذه الترنيمة : " يا راس يا راس يربى ورائي راس ويحرم عليّ اّكل لحم الراس حتى يربى ورائي راس " - قصة عمتي المرحومة مريم الهامس أبو سكة - وهي طفلة مرّت في هذه التجربة في البئر القريب من " الشاغورة " في دير السيدة كما حدثتنا عنها !
لا أدري من أين وكيف أتت هذه التقاليد البالية المخيفة والمرعبة للطفل في مثل هذا المشهد والموقف !؟ حظّ الطفل أنه لم يكن يدرك ويعي جيداً ذلك الموقف وهو في أعوامه الأولى !!
أيضاً , هناك تقليد وحكايات شعبية عن العقم لدى النساء إذا تأخرت بالحمل , فينصحونها الأقارب بالذهاب هي وزوجها إلى بحر بيروت ويسمح لها بغطس أرجلها بالماء أو يجولوا في قارب صغير , فاذا ما ارتعبت تفك الرعبة فتحمل - فقد سمعتها من والدتي عندما تأخرت بعد بأربع سنوات دون أطفال - فقد حملت بعد مدة ليس بسبب الرعبة ولكن لزواجها المُبكّر الذي كان سائداً في الريف في تلك الظروف حيث كانت في عمر ال14 عاماً ..!
****
.
أولى الطبيبات الشعبيات.. وأولى الأطباء :
ما زلت أتذكر ..
* السيدة مُهجة نجمة قصقوص ( أم عوض ) -
إبنة عم والدي - كانت تداوينا أثناء " النزلات " البسيطة , فقد كانت تأتي لزيارتنا عندما تلتهب اللوزات عندي وأنا صغيرة أو عند إخوتي , تزورنا في الصباح , تضعني في حضنها أرضاً وتبدأ بتمسيد رقبتي بيديها بعد أن تمسحهم بالزيت وهي تردد هذه الترنيمة : " ياستنا مريم يا بنت عمران يا ستنا مريم بنت عمران عليك أشرف السلام بجاه الشمس اللي ارتفعت على الحيطان ترفعي وتشفي بنتنا مريم بنات الذنان ...." !؟
ومن ثم تأتي بمقص وتلف عليه قطعة من القطن وتغمسها ب ( الميكركروم ) اللون البنفسجي أو الأحمر , وتمسح بها اللوزات من داخل الفم , وتدوم هذه العملية على فترة ثلاثة أيام حتى تطيب وتذهب الحرارة والألم .
هكذا كان التداوي قديماً إيمانياً ..وبأشياء أخرى .. وبأدوية بسيطة يتوارثها ويتعلمها الناس أبا عن جدّ .
هناك إسم اّخر كان يردّده أمامي أهل القرية كطبيبة شعبية للأطفال والكبار هي :
* السيدة ( أم خليل ) سعادة , طبيبة شعبية تقيم في حارة التحتا قرب دير مارجريس - جارة جدتي لوسيا
أولى " الدايات " القابلات الشعبيات :
*
السيدة أماليا التلي - كانت داية مشهورة في صيدنايا .. بيتها في حارة التحتا - وإلى جانب هذه المهنة كانت تمارس مهنة الخبازة أيضا لأهل الحي .
وسيدة أخرى لم أعد أتذكر إسمها الأول من عائلة بيت طلب ( ... أم يوسف ) طلب - بيتهم في حارة الفوقا جيران عائلة حنا الهامس ويوسف خليل .
قديماً كانت كثير من النساء الحاملات يمتن أثناء الولادة بسبب عسرالوضع أو مرض الأم وسوء المواصلات للذهاب لمستشفيات دمشق..
.
أما أسماء الأطباء الشعبيين الأوائل , فهم :
* الأب : الخوري نقولا ( الطبيب الشعبي . والمعلم في مدرسة الدير أيضاً ) كان معلم والدتي وهي التي خبرتنا وحدثتنا عنه , كذلك حدثنا عنه عمي حنا الهامس .
* الأب الخوري أيوب قزما ... أيضاً طبيب شعبي
* السيد حبيب الخوري ( أبو الياس ) مجبّر الكسور .. ويداوي بعض الأوجاع والأمراض الشعبية البسيطة - في حديقة منزلهم الكبيرة الكائن في حارة التحتا كانت شجرة الزيزفزن بجانب ساقية الماء عابقة برائحتها الشذية , وهم جيران جدتي لوسيا , وإبنتهم ليندا صديقتي .
* السيد ابراهيم صوفيّا - ممرّض ومساعد طبيب ك ( إعطاء الحقن والتخدير للألم وبعض الحبوب والوصفات في النزلات البسيطة وبعض الإستشارات .
* الحلاق السيد عوض الزهر - إلى جانب وظيفته كحلاق , كان يقلع ويداوي الأسنان والأضراس للموجوعين من أهل البلدة . أوتخدير ألم الأسنان بحشي الضرس بقطنة مبلولة بالعرّق أو بحبة القرنفل , فتتخدر اللثة وتوقف النزيف .
مداواة الأمراض والأوجاع البسيطة الخفيفة والطب الشعبي , هو نتيجة خبرات وملاحظات فردية وجماعية .
كانت الأمثال على لسانهم دوماً : إسمع مجرّب ولا تسمع حكيم . الحمية ثلثين الشفاء - درهم وقاية خير من قنطار علاج - هضم النباتات أسهل من هضم اللحوم - الغذاء النباتي يزيد القوة ويساعد على إطالة العمر -
- كول دبس وزيت وانطح الحيط - البرد أساس كل علّة - خبز الحاف بعرّض الاكتاف - نم بكير وفيق بكير وشوف الصحة كيف بتصير - نم بالبرية ولا تنام أمام طاقة مهوية - البرغل مسامير الركب - إذا فاتك الضان عليك بالحمصاني - المعدة أصل الداء - إلى اّخره ...
-
استخدموا العامة : زيت الزيتون لوجع البطن للأطفال والكبار ( بتسخين ملعقة صغيرة على النار ودهن البطن ووراء الاّذان والأنف والصدر به ) .
استخدموا أيضاً .. ( نبات الاّس مع الزيت ) بتدهين جسم الطفل حديث الولادة به لفترة أسبوع - كمطهّر ومقوي ومغذي للجسم
استخدموا المرهم الأسود , ( اليود ) ودهن النسر , ودهن الريشة , والكافور , ولصقات وكمادات ولبخات بذر اليقطوني أو بذر الكتّان - لأوجاع وجروح لم تندمل او الخراجات , والدمامل -
كان يقال بالعامية : إصبعه مدوحيس , أي محمر وملتهب - و " طفرة سخونة " تظهر على الشفاه - نتيجة عفونة بالمعدة أو لفحة برد دافع الجسم عنه - و" عرِق الأنسر " وهو الم في أعصاب الرجل حتى الظهر
وقد استخدموا ( اللصقات الأميركية ) الشهيرة لوجع وألم الظهر - كانت تباع في محلات ودكاكين أهل البلدة -
وقد تداوى السكان قديماً بالكيّ , لأوجاع عديدة كما يقال في أمثالنا : واّخر الدواء الكيّ " .
عرفوا وأستعملوا الحجامة وتشطيب الأطراف السفلية مكان العضلات من الخلف - والأذان , لإخراج الدم الفائض والزائد في أيام الربيع عند وجع الرأس أو عند ارتفاع ضغط الدم , أو الصوم عدة أيام دون طعام .
وعرفت أهل البلدة مداواة السعال والنزلات الصدرية والرشوحات ( الأنفلونزا والكريب ) ب ( كاسات الهواء ) الزجاجية بحرق قطعة من الورق ووضعها داخل الكأس ولصقها على صدر وظهر المريض لكي تسحب الرطوبة ,, بعدها يتناول المريض كوب من الشاي الحار أو النعناع , أو الزهورات مثل ( البيلسان , الميرمية , الزيزفون , الورد , شباشيل الذرة , الخطمية . البابونج , التين والعسل .. والدبس والزبيب ... الخ ) .
أو كان يتناول المريض بمجرد شعوره بالقشعريرة في جسمه والبرودة أو الحرارة ( بحبة إلإسبرين ) ويغسل وجهه وقدميه حتى الركب ويديه " بمغطس " ماء الحار والنعناع .. وينام فوراً بعدها في سريره حتى يعرق وتذهب الحرارة أو الرطوبة من جسمه .. مع أكل اللوز والزبيب .
وقد استخُدمت المناشف المبللة بالماء الحار ( كمادات ) ووضعها على الرقبة موضع الحنجرة واللوزات الملتهبة عدة مرات , أو على الجبين لتخفيض الحرارة . قبل اكتشاف البنسلين والأنتيبيوتيك والمضادات ضد الإلتهابات ..
أمّا شرحات حبات البندورة فكانت تستخدم لإلتهاب العين والرمد .. وغسلهما بماء الورد أو الشاي .
ولعقصة النحل والزلاقط والعقرب , كان يفرك مكان اللسعة بسن الثوم أو الليمون بعد تقشيره وأخذ شريحة منه , أما العقرب فيجرح مكان العقص ومص الدم وبصقه وشرب الحليب او اللبن .
كان الطفل الذي تصيبه الحصبة أي ( الحميرَة ) يجلس في سريره مع الدفء جيداً .. ويتناول شراب دبس العنبي أي العنب , وليس دبس الزبيب .
أما غذاؤهم في ليالي الشتاء الكانونية الباردة فقد اعتمدوا على الجوز واللوز والتين والقضامة والزبيب والشاي والكعك الشامي أو رشفات من النبيذ صنع محلي يدوي للدفء والصحة
وها هو الشاعر هنا يجود بالوصف
في قول الشاعر ابن عنين في وصف صيدنايا وطيب خمرها:
" اذا لاح برق من سنّير تدفقت .. سحاب جفوني في الخدود سيول
ومدامة من صيدنايا نشرها .. من عنبر وقميصها من صندل " .
نحن نملك رصيد دوائي لا ينضب هو أعشابنا ونباتاتنا البرية ..
لقد استخدموا أهل صيدنايا : جذور نبات العسلج .. والزلوع .. والزعتر.. والميرمية .. والروميران , المستحضر من منطقة الجرد من قبل العشّاب والفلاح ( أبو أسعد ) , لكثير من الأمراض الشعبية البسيطة والصناعات الغذائية ... وجمعن النساء الزوفى والبيلسان والزيزفون والخطمية والبابونج والشُمرة وشباشيل الذرة وبراعم الورد وغيرها , لإستعمالها كالشاي للصحة أو السعال , ولوجع البطن النعناع أواليانسون , والقرفة..
وهكذا ... كانت أجسام الأجيال الماضية من البشر أمتن وأقوى وأسنانهم أمضى وأثبت والمناعة لديهم أروع رغم انهم لم يكن قد تعرفوا بعد على البنسلين أو السلفات أو التيتراسيكلين المضادات ضد الجراثيم والإلتهابات .... ولم تكن بعد هموم العالم فوق رؤوسهم وانشغالهم "" بالنِت "" وفضاء بحرها اللامتناهي !
أيضاً وايضاً .. استعملوا المضمضة بالكحول وكبش القرنفل لألم الأسنان والماء والملح لإلتهاب الفم واللثة .... وهكذا دون أن يحتاجوا إلى الطبيب إلا في الحالات القصوى - فالحاجة أم الإختراع " ... وهذه هي العبقرية الشعبية !
--------------
لقد كان أبناء صيدنايا سباقين وطموحين في مجال الطب والعلم والإختصاص والثقافة والسياسة .. نظراً للظروف التي ذكرتها أعلاه ,, اكثرهم تخرج من كلية الطب من جامعة دمشق في الأربعينيات من القرن الماضي ,أو من فرنسا , في الوقت الذي كان أبناء قرى المنطقة المحيطة في صيدنايا تفتقر إلى المدارس والتعليم وحملة الشهادات ..
أسماء أوائل الأطباء والطبيبات المتخرجين من الجامعات , السادة :
* الدكتور موسى أسعد رزق - طبيب قلب - كان أشهر طبيب في سوريا -
* الدكتور موسى حبيب رزق ( دريدر ) -طكتور صجة عامة - سكنوا في " الأنطوش " التابع لكنيسة أجيا صوفيا -
* الدكتور إميل الخوري - صحة عامة كان يداوم أحياناً في دير التجلي - حارة الفوقا
* الدكتور فؤاد مطانيوس الخوري - صحة عامة - عيادته في وسط القرية - مبنى الجمعية الخيرية - وعيادة في دمشق فيما بعد - حي برج الروس وباب توما -
* الدكتور عازر اليان التلي - درس الطب في فرنسا - وعمل في القرية أولاً عيادته كانت في صيدنايا كذلك في دمشق - حي القصاع -
أما أولى الطبيبات فهي :
* الطبيبة : السيدة ناديا الجوجو أبو سكة . أول طبيبة أطفال وصحة عامة فتحت عيادتها في صيدنايا عام 1975 في محل سكنها في رأس العمود
------
أول أطباء الأسنان هم السادة :
* الطبيب إيليا شاهين- عيادته وسط سوق البلدة
* الطبيب نادر جورجي معمر - عيادته في ساحة العين .
---
أول أطباء العيون :
* الطبيب : ابراهيم شحاذة نجمه .
-------
أسماء الصيادلة الأوائل المتعلمين الذين تخرجوا من الجامعات السورية , أول صيدلي تخرج من أهالي صيدنايا هو :
* الصيدلي : نيقولا جريس الزهر - إبن خالتي هيلانة - صيدليته في دمشق - حي العباسيين , وقد فتح أولاً في قرى القلمون - عسال الورد وجيرود
-------
أولى القابلات الإختصاصيات :
* القابلة والممرضة القانونية السيدة مريم نقولا الزهر .. التي تخرّجت من معهد التمريض في دمشق - إبنة عمة زوجي - وقد عملت في المركز الصحي في صيدنايا -
* القابلة والممرضة الفرنسية أيضاَ المرحومة زوجة الدكتور عازر التلي - ولّدت الكثير من نساء صيدنايا بتواضع وخدمة ومحبة , خاصة أيام الشتاء والثلوج تذهب لزيارتهن ..و كانت تعامل الحوامل والمرضى بمنتهى الإنسانية -
أما اليوم , وبعد انتشار العلم والوعي وسرعة المواصلات والسفر والإتصالات أصبح في صيدنايا أكثر من 75 طبيباً وطبيبة وفي كل الإختصاصات ..وعشرات الصيادلة والصيدلانيات .. وسوريا عامة بعد الحرب العالمية الثانية ونيل الإستقلال وبناء النظام البرلماني الوطني , فتوزعت وتكاثرت العيادات والمخابر والمشافي والمراكز الصحية في كل زاوية نظرا للنهضة العلمية والصحية الواسعة التي عمت الوطن .
...
إحملوا تاريخكم أيها القراء والأصدقاء على ظهوركم وفي حقائبكم وذاكرتكم أينما ذهبتم وجلستم , دونّوا ما عشتموه وسمعتموه عن أبائكم وأجدادكم فنحن شعوب مُطاردة ومُهجّرة كالهنود الحمر , وتفريغ بلادنا وأوطاننامن شعوبها يجري على قدم وساق فواجبنا الوطني أن ندون ونؤرشف للأجيال والتاريخ ما عشناه وما سمعناه وما نعرف فهو ملك للإنسانية نعتز ونفتخر به لأنه سلسلة من مسيرة شعب ساهم بأولى الحضارات البشرية ...
الأجداد والجدات هم قاموسنا وتاريخنا الشفهي الذي نهلنا وسمعنا وحفظنا منهم هذا الإرث الثمين الذي ندونه ونفتخر به
شكرومحبة للأستاذ جريس الهامس زوجي العزيز ساعدني في بعض المعلومات والأسماء , في تثبيت هذه المعلومات في الذاكرة وتدوينها في قصاصات , أو في الدفاتر.. .. بالإضافة لوجود بيت أهلي , وبيت زوجي فيما بعد , في وسط شارع السوق الرئيسي للبلدة , مما أعطاني إطلاعاً ومعرفة ورؤية واستيعاب ما يجري في البلد من أخبار وتحركات والسيطرة على جغرافيتها البشرية والإقتصادية والثقافية .. والحمد لله على هذه النعمة والفرصة الثمينة فهي بركة ومعلومات مجانية لكتابة التاريخ والتدوين لفترة زمنية من ماضينا بحلوها ومرها هي في الحصيلة النهائية هدية لخير البشرية وتقدمها .... " و من ليس له ماضي ليس له حاضر ولا مستقبل " ومن ليس له قديم ليس له لجديد " .
صفحات من ملعب الزهر- ( سيرة حياة ) ......... وكل عام والجميع بخير وسلام
----------------------------------------
* أكثر الكتب والمخطوطات والنفائس التي كانت في مكتبة دير سيدة صيدنايا أحرق وسُرق في عصور جهل وتخلف مظلمة وصراعات دينية , أو خلافات مقصودة للإستيلاء على كنوزها مع كل الأسف , لأننا خسرنا مكتبة فريدة وغنية بأخبار وتاريخ البلد والمنطقة والشرق , كان يقصدها الباحثون وعلماء اللاهوت والرهبان نظراً لمخزون إرثها الغني الذي يضاهي مكتبة تكريت والرُها والقدس والإسكندرية وأنطاكيا وأورفة وغيرها من المكتبات في شرقنا المسيحي ..
مريم نجمه / هولندة
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟