أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - فاتن حمامة، احملي هذه الرسالة














المزيد.....

فاتن حمامة، احملي هذه الرسالة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 21:47
المحور: الادب والفن
    


أمي، مشغولةً هذا المساء. أنظرُ إلى السماء فأراها تتنقلّ بين أرجاء الجنة مثل نحلة نشطة لا تعرف الكسل. هي الآن ترتّبُ أيكةً باسقةً وارفةً، تخاتلُ الشمسَ إذا أشرقت؛ فترسمُ على أرض الفردوس بقعةً شاسعة من دانتيلا الظلال. أمي تعلم أنها في صباح الغد، سوف تجالسُ تحت أوراق أيكتها حبيبتَها التي تتأهب للصعود إليها من أرض العناء إلى أرض الأحلام العلوية. أسمعُها تنادي العصافيرَ لكي تهجر أعشاشَها وتأتي لتسكنَ أغصانَ أيكتها الجديدة. ثم ترسل رسولاً إلى أم كلثوم لتدعوها على العشاء تحت أيكتها، وتحضر معها التخت الشرقي كاملا، لتغني "يا مسهرني" حينما تأتي صديقتها. فتجيبُ شاديةُ السماء أن الموسيقار سيد مكاوي سيكون رفقتها. تمضي أمي إلى الكوثر، وتسأل ملائكةً تجلس على ضفاف النهر أن يساعدوها في حفر جدول نحيل يصل بين جسد النهر وجذع شجرتها. بعد برهة تهاجر الأسماكُ من أنهار الجنة لتسكن المياه الجديدة في جدول أمي وصديقتها القادمة وشيكًا. بعد هذا تسرع البجعاتُ من أرجاء الجنة لتسبح في مياه الجدول الوليد وترقصُ على أنغام تشايكوڤ-;-سكي. البجعات تودُّ أن تُسرّي عن الصبيتين الجميلتين، سهير وفاتن، اللتين تجلسان تحت ظلال الأيكة في صباح الغد.
أمي الحبيبة،
بعد برهةً افتحي باب الجنة للسيدة التي أحببتِها جدًّا وجعلتها نموذجًا للمرأة المصرية الفاتنة، فقلّدتِ موديلات فساتينها، وقصصتِ شعرك كما تقصُّه، وحتى زوايا صورك كنتِ تحاكينها حين تجلسين أمام عدسة مصوّر التقاط الصور. أرسلتُ لك معها رسالةً فاقرءيها فور وصولها، لتعرفي كم أحتاج إليك الآن. كان وجود تلك الجميلة التي أحببتِها في الدنيا إلى جواري، بديلا عنك على نحو ما. رغم أنني، حين صافحتُها في عيد الفنّ الماضي، لم أجرؤ أن أخبرها كم أحبّتها أمي. خجلت!. طارت إليك دون أن تعرف أسرارًا كثيرة كان يجب أن تعرفها. فلا عرفتْ أنكِ أسميتني على اسمِها، لولا صلافة جدتي ذات الدماء التركية الحادة التي أمرتك بتغيير اسمي إلى اسمها، فأصير "فاطمة"، بدلا من "فاتن"، ولا عرفت أنك طلبت من الخياطة اليهودية ميس راشيل أن تخيط فستان زفافك ليحاكى فستان زفافها في "سيدة القصر". طارت إليك وهي لا تعرف أن وجودها في الحياة كان يُشعرني بالأمان، لسبب غامض. كانت تذكرني بكِ، فأشعر بوجودك وأسامحك قليلا، بعدما تركتني وطرتِ إلى حيث تطير الأمهاتُ ولا يعدن أبدًا، ولم ترأفي بيدي المعلّقة في طرف ثوبك.
الآن تأكد لي موتُك يا أمي، الذي ظلّ "نصفَ موت" سنواتٍ سبع سنوات منذ 2008، وصار الآن بموتها "موتًا كاملا".
أنا الآن في دول الإمارات لبعض مشاغل، وحين أعود غدًا إلى بلادي لن تكوني أنتِ هناك كالعادة، ولا هي أيضًا ستكون هناك! لن يكون أمامي إلا صورة بالأبيض والأسود في بهو بيتي لك مع أبي في ثوب زفافك بعدسة المصور الإيطالي "ڤ-;-ان ليو". سأعكف على مشاهدة أفلامها برهةً طويلة من الزمن كي أراكِ فيها وأرى في عينيها زمنًا جميلا نظيفًا كانت فيه مصرُ بهيةً أنيقة، وكان المصريون فيه يتقنون درس الجمال والمحبة والاحترام والذوق الرفيع. وسوف أقول كعادتي، كلما شاهدتُ تلك الأفلام بالأبيض والأسود: “طوبى لكم يا من سبقتمونا، ليتنا نُعيد للقاهرة جمالَها الذي وأدناه بأيدينا واستبدلنا به زمنًا ركيكًا.” وسأظل أكتب مقالات وقصائدَ تنادي بعودة الجمال والمحبة والاحترام بين الناس. وسيظل قرائي ينعتونني بأنني "ماضوية" لا أعيش الواقع وأسبح في افتراضات طوباوية خيالية لم تعد موجودة. وسأظل أجيبهم بأنني حين لا أجد الجمال في الواقع، أصنعه في خيالي وأعيش فيه، لأن البديل صعبٌ لا أقوى عليه. وسأظلُّ أبكي كطفلة كلما راودني الحنيُ إليكِ يا أمي، وأسأل: لماذا تموت الأمهاتُ؟!

فاتن حمامة، سيدة الشاشة العربية التي حصدت قلوب المصريين رجالا ونساء، مع السلامة يا حبيبة أمي، طيري إلى الفردوس وقبّلي لي سهير التي تنتظرك بشغف على باب الفردوس الأعلى.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا معشر الثيران، متى يشبعُ الأسدُ؟!
- الدهشة
- انظر خلفك دون غضب (2)
- (تحيّة للمناضلة المصريّة فاطمة ناعُوت)
- اسمُها -حسناء-
- شكرًا لطبق السوشي
- نُعلنُ التنويرَ عليكم
- انظر خلفك دون غضب - 1 -
- حواديت ماجدة إبراهيم
- انظر خلفك دون غضب (1)
- عماد ديفيد
- صالون حجازي
- خبر مدهش: عودة الصالونات الثقافية
- حذارِ أن تصادق شربل بعيني
- يا معشر الثيران
- حكاية الآنسة: ربعاوية وبس!
- ناعوت ل«الوطن»بعد إحالتها للجنايات:لا توجد دولة تحاكم شخصا ع ...
- ناعوت تدفع ضريبة التنوير ومناهضتها الإخوان
- جِنيّةُ الشجر
- صباح الخير يا تونس


المزيد.....




- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - فاتن حمامة، احملي هذه الرسالة