موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 12:00
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
كلمة قبل الخوض في تكملة السلسلة :
موضوع العولمة موضوع [معاصر] كما أنه لا يخفى على أحد أنه يدفعنا إلى [تشريح] النظام القائم لفهمه , و كثيرة هي المواضيع التي تتناول العولمة .. و التي في مجملها تتسمى بالتكرار و التسليم , و قلة هي تلك التي جاءت بمميز فيه أو تثير الشك في حقيقة ماهيتها أو تحقيقها , و مع الإستعمال الساذج لمصطلح العولمة و إطلاقه على ما هبّ و دبّ .. قد تم بذلك سلب ماهية و حقيقة العولمة إن لم يكن تشويهها .. و بالتالي إلى تشاخيص غير صحيحة للنظام القائم .. بل و تشخيص غير صحيح للقضايا المطروحة ضمن إطار هذا الإستعمال الساذج للعولمة كقضية الإرهاب .
و قد وجدت ميدان العولمة ميدان يحتاج حقا لسد النقص الحاصل فيه و العجز الذي يعتريه , و أرجو أن أؤدي ما أقدر عليه في ذلك , و قد إخترت كتاب (العولمة) للدكتورة سعاد خيري لأني وجدتها تقدم قراءة جدّية و مركّزة .. و لأنها فيه تصف هذه القراءة بالماركسية , و إني و إن كنت أدعي النقد إلا أني بذلك أريد أن أضم جهدي إلى جهدها لنسهم في تطوير فهمنا للعولمة و ما يرتبط بهذا الموضوع بشكل مباشر (( الإقتصاد السياسي المعاصر )) .
و أعلم أن هذا ليس من المواضيع الجاذبة و التي تثير حولها [كما ً] من القراء .. و ذلك خير كي لا أنحرف بدوري طالبا المجد و الشهرة , و إن كان يهمني فيهمني حقا [نوعية] القراء من أرجو أن يصل إليهم جهدي ليقيموه فيطوروه .. أو ليقيموه ليصححوه .
===============================
:: تكملة ::
في الفصل الثالث / السمات الإقتصادية لعولمة الرأسمال :
(خامسا) دمج رأسمال الأطراف بالرأسمال العالمي و تحويله إلى رأسمال تابع :
{ إعتمدت الإمبريالية خلال هيمنتها على البلدان التابعة على أجهزة بيروقراطية تابعة تنفذ مخططاتها لقاء إمتيازات إقتصادية و سياسية , و من خلال قاعدة إجتماعية ترتبط مصالحها بمصالح الإمبريالية من كومبرادور و بقايا الإقطاع و العلاقات القبلية } و في ذلك لا خلاف .. و تكمل الدكتورة سعاد : { أدت حركة تحرر الشعوب إلى إضعاف هذه القواعد , فقد لجأ الرأسمال العالمي إلى سلاح الإغراق بالديون مستغلا طموحات هذه الشعوب و حكوماتها إلى القضاء على التخلف بأسرع ما يمكن } .. لو أن الدكتورة لم تمرّر هذه النقطة بدون بعض التفصيل و التحليل لكانت توضحت معالم هذه العولمة _مع التحفظ_ أو للدقة مفاصل هذا التحوّل و الذي تسمّى باللجوء إلى سلاح الإغراق بالديون _وقد أشارت الدكتورة سابقا لإعلان رامبوييه و التي تضمنت إحدى بنوده مسألة الديون , و في ذلك يُنصح بالرجوع لإحدى إطروحات الرفيق سعيد زارا الذي ترجم أهم ما جاء في الإعلان (1)_ , و قد قدمت الدكتورة تحليلا تُشكر عليه فيما يتعلق بالأنظمة الحاكمة في الدول التابعة أو النامية يا حبذا لو ننتبه لكل كلمة : { و عن طريق العمولات و الرشوات إستطاع أن ينشىء فئة برجوازية بيروقراطية طفيلية تابعة تشاركه في إستثمار شعوبها , و إستطاعت هذه البرجوازية البيروقراطية في بعض البلدان التي تمتلك ثروات طبيعية غنية مثل النفط أن تتحوّل بسرعة فائقة إلى طغم مالية } .. لا يوجد خطأ فيما أوردته الدكتورة ها هنا , جميل حقا أنها أشارت إلى دور ((العمولات و الرشوات)) و إستعمالها النبيه لمصطلح [[فئة]] لا [[طبقة]] .. و تسمية الدكتورة لهذه الفئة ب [[البرجوازية الطفيلية]] و وصفها بالبيروقراطية , هذا عدا عن تحوّل هذه الفئة إن توفرت لها الظروف إلى [[طغم مالية]] , لكن كل ذلك لا يعفي عن التساؤل : كيف للفئة البرجوازية الطفيلية أن تؤدي إلى بناء رأسمالي وطني عدا إمكانية بناء رأسمالي تابع ؟! , و لا يمكننا في إطر ذلك إلا أن نتأوّل مقصد الدكتورة الذي سبق و إن تأوّلناه في كثير من مواضع هذه السلسلة .. فالدكتورة على ما يبدو ترى في [[الطغم المالية]] التي تتحوّل لها الفئة البرجوازية الطفيلية هو تحوّل إلى الرأسمالية _و أظن (و أتمنى أن يكون ظني غير صحيح) أن بذلك تعني تحوّل البرجوازية الطفيلية إلى رأسمالية أي تحوّل إلى طبقة أخرى هي أعلى بالضرورة! .. و قد لا تعني الدكتورة ذلك و إنما عنت تحوّل البلد التابع أو النامي إلى رأسمال تابع فقط بدون تحوّل البرجوازية الطفيلية إلى رأسمالية .. و إن كانت تتحوّل هذه الفئة إلى طغمة مالية_ .
{ إزدادت عوائد النفط في العراق خلال السبعينيات من 500 مليون دولار سنويا حتى عام 1972 إلى 25 مليار دولار سنة 1975 و إلى 35 مليار دولار عام 1981 } .. و قد أوردت الدكتورة سعاد ذلك في إطار إستشهادها بظاهرة تحوّل البرجوازية الطفيلية إلى طغمة مالية (وكانت تعني صدام حسين) , إذ تكمل : { إندمج رأسمال الأطراف بالرأسمال العالمي على إختلاف مصادره , فرأسمال العائلة المالكة السعودية و مشايخ الخليج و عوائل الديكتاتوريين مثل صدام و سورهارتو و ماركوس و رأسمال مافيات تجار السلاح و المخدرات فضلا عن الرأسمال الصهيوني تسهم جميعها في تكوين الرأسمال العالمي و في تحقيق أهدافه دون أتعاب و لا تكاليف للمراكز الرأسمالية الكبرى و لا سيما الولايات المتحدة } , ذا البدء جدير بالإنتباه عوائد النفط العراقية و الصعود الكبير و المثير للريبة .. و علّ أحدهم يقول أن ذلك نتيجة الأوضاع الدولية و أولها الحرب العراقية الإيرانية .. نعم قد يكون لذلك دور لكنه ليس الوحيد أو الرئيسي , خصوصا أننا نلاحظ و بقوة أن الإرتفاع في غضون سنوات قلال كان كبيرا جدا فمن (500) مليون إلى (25) مليار بين 1972 و 1975 .. بينما أخذ ليصعد ل(10) مليار أخرى سنة 1981 , و لا شك أن لإلغاء معاهدة بريتون وودز و إعلان رامبوييه و ما إتفق معها و إرتبط في تلك الفترة له دور رئيسي في هذا التغيير و مجمل التغييرات التي شكلت نقلة نوعية عالمية فترة السبعينيات .
و يبدو أن الدكتورة تسير إلى القول أن رؤيتها (المالية) هي ذاتها (الرأسمالية) في تعبير لها عن الفئات الطفيلية , و أستغرب رؤيتها هذه .. فهذه الفئة تعجز عن الإنتاج حتى و لو إفترضنا إنها خادم للرأسمالية فهي تسلب ما أمكنها سلبه من الرأسمالية .. و ذلك عكس ما تورده الدكتورة سعاد من أنها تحقق أهداف الرأسمالية دون أتعاب و تكاليف ! , و لنذهب أبعد مع الدكتورة في إعتبار الرأسمالية كما هي تعتبرها (أي المالية) .. كيف لها أن تجعل من كل تلك الفئات الطفيلية مع تجار السلاح و المخدرات (( رأسماليين )) تابعين مع رأسمالية المراكز _لا ننسى الرأسمال الصهيوني!_ لما أسمته [الرأسمال العالمي] ؟!! , إن عنت المال فحسنا هو .. لكنه لا ينتج لأنه لا يدخل في عمليات إنتاج .. و ليس لأن الفئة البرجوازية الطفيلية ليست مُنتجة فقط بل لأن المال ذاته بدخوله عملية الإنتاج المادي _أي السلعي_ في أحسن الأحوال يخرج كما دخل _أي يظل ثابتا .. هذا إن لم يخسر_ .. و ذلك لأسباب نوجزها في سببين رئيسيين : الأول في أن [الثقة] حلت محل [الذهب] كغطاء للعملة مما جعل الأسعار في وضع متغير و غير مستقر مقارنة بالقيم التي تبقى في ثبات نسبي _الذهب كسعر و كقيمة على سبيل المثال_ .. و الثاني في كون هيكلية النظام العالمي اليوم الإقتصادية في مجملها ضد الإنتاج المادي _أي السلعي_ , ففي حين كانت الخدمات في صالح الإنتاج السلعي فقد أمسى العكس .
{ إن نهم الرأسمال العالمي لإستغلال رأسمال الأطراف سمح لهذا الرأسمال مشاركته الأرباح و لكن على أساس الشريك التابع , فرأسمال المراكز هو الذي يهيمن على مصادره من خلال هيمنته (...) مما يمكنها من إفلاس أي منهم في يوم واحد } , رغم أن الرأسمال العالمي (المراكز) [نهم] و هو مهيمن على مصادر التوابع _أو الأطراف_ مما يمكنه من إفلاس أي منهم في يوم واحد .. إلا أنه سمح للتوابع _أو الأطراف_ بمشاركته الأرباح على أساس الشريك التابع ! , و فيما لو أن الدكتورة وضحت طبيعة المشاركة أو كيفية التفليس التي تقدر عليها المراكز .. فالدكتورة بعد ذلك تقول : {الرأسمال التابع لا يعتمد في إعادة إنتاجه على الإقتصاد الوطني بالدرجة الرئيسية بل على الأرباح التي تجنيها الشركات متعددة الجنسية و على المضاربات في أسواق البورصة , أي أنه يفقد السمة الوطنية و لذلك لم يعد يهتم بالإقتصاد الوطني إلا بمقدار ما يؤمن ثبات قاعدته الإجتماعية } .. فإن كان الرأسمال التابع يعتمد على الشركات متعددة الجنسية _أو عديمة الجنسية_ و المضاربات و البورصة و ليس على الإقتصاد الوطني , كيف له أن يوصف بأنه رأسمال ؟ و كيف له أن يصبح بذلك شريك حتى و لو تابع ؟ , هذا الطرف و إن كان تابعا لا يوصف بالشريك .. فإن الشركات المتعددة الجنسية إن هربت من المراكز لتحمي الإنتاج السلعي ما أمكنها أن تحميه .. فهذا لا يعني أنها في الطرف في أفضل حال .. و لكنه أهوّن عليها من المراكز , فالطرف يقوم بسلب قيمة منها مهما بدت بسيطة .. و هذه [البسيطة] لا تجعله شريكا , أما و في معرض الحديث عن البورصة و المضاربة فما تقدمه الأطراف ليس شراكة بل منافسة .
و قد قامت الدكتورة بخلط لا داعي له في محاولة لرأسملة الدول الأطراف (النامية) .. فلأنها كذلك [رأسمالية] فهي تابعة للمراكز التي تسفيد من فقدان الأنظمة في الدول الأطراف (النامية) لسمتها الوطنية لعدم إهتمامها بالإقتصاد الوطني إلا بمقدار ما يؤمن لها ثباتها و إستقرارها .. و بذلك :{ يستغل الرأسمال العالمي عزلة هذه الأنظمة عن شعوبها ليبتزها في تنفيذ خططه لقاء حماية سلطتها فيعمل على خلق و تعميق التناقضات الداخلية و الإقليمية و جعلها تعيش بقلق دائم و يزجها في سباق التسلح (...) و يستخدمها كمخالب لإخضاع الشعوب المجاورة و يضطرها لطلب حماية أداته العسكرية } .. و لم يكن هناك أي داعي لهذا الخلط الذي يدلنا إلى أن الغاية منه هو إثبات رأسملة الدول الأطراف (النامية) .
(سادسا) تعميق التطور المتفاوت و إشتداد التنافس بين العمالقة رغم تطور وسائل و أساليب ضبطهما :
{ منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية و المراكز الرأسمالية الكبرى تبحث عن وسائل لضبط الإقتصاد العالمي بما يؤمن درء تطور التنافس بين الأقطاب الرأسمالية إلى الحرب التي أصبحت لا تعني سوى تدمير الجميع و عملت لتحقيق ذلك على خمس مستويات :
1- الإتفاقات بين المراكز الرأسمالية الكبرى و خاصة المراكز الثلاثة : أوروبا و الولايات المتحدة و اليابان لتثبيت سعر الصرف و التنسيق في مجال السياسة المالية و النقدية و التعاون في الحد من التلاعبات المالية فيما بينها .
2- إقامة منظمات دولية لتنظيم الفعاليات الإقتصادية مثل منظمة التجارة العالمية "الغات" .
3- إقامة التكتلات الإقتصادية مثل الإتحاد الأوروبي و NAFTA , الأمر الذي يجعل الأسواق كبيرة تمكنها من الصمود أمام الضغوطات العالمية .
4- على المستوى الوطني لتنظيم التعاون و التنافس بين المؤسسات الإقتصادية الكبرى (...) .
5- وضع سياسات منطقية لتقديم الخدمات الإجتماعية للمناطق الصناعية و حمايتها من المنافسة الخارجية } .
و على الرغم من (بحثها عن وسائل لضبط الإقتصاد العالمي بما يؤمن درء تطور التنافس إلى حرب) .. سقطت من الدكتورة سهوا مقارعة المد الإشتراكي و بالتالي التحوّل إلى الإشتراكية بالنسبة لهذه المراكز , و إلا فليست القضية الحقيقية عند [الرأسمالية الحقيقية] هو درء تطور التنافس الذي قد يتحوّل لحرب .
و كان من الجميل حقا أن تورد الدكتورة سعاد رأيا آخر يتناول العولمة و قد أعقبت على ذلك : { و لكن هذه الإجراءات تعرضت للتعويم كما يقول مؤلفا كتاب Globalism of Question بول هرست و كراهام ثومبسون (...) و هما يقدمان كل ذلك لإثبات الشك في وجود عولمة الرأسمال التي يسمونها العولمة , لأنهما يتصوران العولمة تعني تكوّن مركز رأسمالي عالمي واحد ينفي التناقض و التنافس بين المراكز الرأسمالية الأمر الذي يتناقض مع طبيعة النظام الرأسمالي و علاقات الإنتاج الرأسمالية , و لذلك فهما يركزان على إستمرار و تعمق التنافس بين المراكز الرأسمالية و إختلاف المصالح التي تتصاعد أكثر من أي مرحلة من مراحل الرأسمالية السابقة لإثبات عدم صحة مفهوم العولمة } .. مثير حقا رأي كل من هرست و ثومبسون , فهما كما سبق يذهبان إلى أن العولمة هي تكوّن مركز رأسمالي [واحد] .. نافيا بذلك التناقضات و التنافس بين المراكز الرأسمالية .. و هي درجة من تطور الرأسمالية , و أذهب أنا هذا المذهب اللهم الإختلاف فيما يتعلق بموضع العولمة التي تأتي بعد هذه الدرجة حيث إنهيار الرأسمالية و العولمة يسيران بموازاة , و نعود لهرست و كراهام حيث نظرتهما للأحداث الجارية من تنافس بين المراكز الرأسمالية و إختلاف المصالح تتصاعد دليلا على عدم صحة العولمة .. و إن كنت أتفق معهما فيما يتعلق بالعولمة إلا أني أختلف معها بإقرار أن ما نحن فيه رأسمالية (ما قبل العولمة) , و لعلنا بالنقطة المتفق عليها ننطلق بتحليل أكثر علمية و موضوعية بعيدا عن أدلجة ما هو كائن و دائر .
و تتناول الدكتورة سعاد { أهم الضوابط العالمية في عصر العولمة } و التي تعني بها ما هو كائن في الوقت الراهن بغض النظر عن تسميته [عولمة] أو [عولمة رأسمالية] .. فالخلاف في الآتي هو خلاف على التسمية و بضع تفاصيل لا أكثر سبق و تناولنا إحداها _ما تناولناه إستنكارا على الدكتورة من خلط لا داعي له_ , و قد صنفت الدكتورة هذه الضوابط إلى ثلاث هي : [الضوابط المالية] و [الضوابط التجارية] و [ضبط الإستثمارات و توجيهها لخدمة عولمة الرأسمال] .
و لنبدأ ب { الضوابط المالية } :
إذ تبدأ بالقول : { الإنتقال من نظام بريتون وودز (...) إلى النظام المالي العالمي الجديد الذي فرضته سمات عولمة الرأسمال :
1) تدويل الرأسمال الوطني و تحرير حركته .
2) تراجع دور البنوك بالنسبة للأسواق المالية .
3) زيادة أهمية البورصات .
4) تحديد أسعار العملات من قبل الأسواق المالية وفقا لنسبة نمو التبادل المالي إلى نمو التبادل التجاري .
5) تعويم الأسواق .
6) إستعمال نظام الأسهم الذي يعود بدرجة كبيرة إلى تطور تكنولوجيا الإتصالات .
7) تركز الأسواق (...) في الأسواق العالمية في آن واحد و تستخدم أساليب واحدة في التحليلات و التصرف .
8) فرض سعر الصرف على جميع البلدان .
9) ضعف إمكانية الدولة في ضبط قيمة عملتها وفقا لسياستها الإقتصادية } .
مع أن الدكتورة تقرّ ب [الإنتقال من نظام بريتون وودز] إلى [النظام ((المالي)) العالمي الجديد] إلا أنها مصرّة على ما يبدو أن تسميه هذا التحوّل (رأسمالية) بل و (عولمة) ! , هذا رغم ذكر مجموعة السمات التي ترافقت مع هذا الإنتقال ! .
و العجيب هو الآتي : { و لمواجهة هذه السمات أوجدت المراكز الرأسمالية الكبرى ثلاثة ضوابط :
أولها : إجراء لقاءات بين القوى الثلاث أو الدول السبع الكبرى دون قوانين محددة أو مواعيد محددة و بدون محاسبة خارجية لتنفيذ القرارات المتخذة إلا في أحوال نادرة حيث جرت مقاطعات طفيفة للمخالفين و لذلك لم تحقق هذه اللقاءات سوى نجاحات طفيفة .
ثانيها : إتخذت إجراءات لضبط سوق المال العالمية في مجال الدفع العالمي و تسوية القضايا المالية (Clearing) بين البنوك .
ثالثها : شكلت المراكز الرأسمالية الكبرى أجهزة رقابة على المؤسسات المالية و البنوك و السوق المالية منذ إتفاقية بازل المعقودة عام 1975 , و وضعت مجموعة قوانين و تم تحديد كمية الأموال الضرورية ليدخل أي بنك في المعاملات الدولية و حساب مجازفات السوق } .
الضوابط هذه إن قصدت شيئا فهي لا تقصد إلا المال و كيفية ضبطه , و نقطة التحوّل كما أوردت الدكتورة في البداية هو التحوّل عن إتفاقية بريتون وودز , و مسألة المال مسألة جد حساسة و خطيرة إذ تمثل النخاع الشوكي للرأسمالية (الحقيقية) و تطرح تساؤلات لا بد منها في حقيقة الرأسمالية و مدى قابلية إستمرارها في إطار ذلك _إن كانت قائمة_ .
و ننتقل إلى النقطة التالية { الضوابط التجارية } :
فتبدأ بالقول : { منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية و حتى الآن يجري البحث عن تنظيم التجارة و ضبط المنافسة بين المراكز الرأسمالية الكبرى و فتح الأسواق أمامها بدون حدود و لا قيود درءا للحروب بين المراكز الرأسمالية الكبرى :
(1) تم إعداد الإتفاقية العامة للتعرفة الكمركية و التجارة "الغات GAT" .
(2) أضيفت إلى إتفاقية الغات لتجارة السلع تجارة الخدمات و الإستثمارات المالية و الجوانب التجارية للملكية الثقافية و الفكرية .
(3) طوّرت الغات إلى منظمة التجارة العالمية "WTO" (...) و تشكل هذه الإتفاقية أحد أضلاع المثلث إلى جانب صندوق النقد الدولي و البنك الدولي , المسيطر على الإقتصاد العالمي } .
كنا قد أشرنا سابقا إلى نقطة سقطت سهوا من الدكتورة و نعود هنا لنكررها .. إذ ليست مسألة ضبط المنافسة بين المراكز الرأسمالية هي لدرء الحروب (على الأقل ليس هذا فقط) بل و لمقارعة المد الإشتراكي أيضا إن لم تكن هذه المقارعة هي الأساس لهذه المسألة , من الجدير أن ننتبه لتطور إتفاقية الغات .. ففي المرحلة الثانية أضيفت (( الخدمات و الإستثمارات المالية و الجوانب التجارية للملكية الثقافية و الفكرية )) ! .
و تضيف الدكتورة : { و لكن منطق عولمة الرأسمال و رأس رمحه الإمبريالية الأمريكية المدعومة بالقوة العسكرية الجبارة إستطاعت و من خلال المادة 301 في الإتفاقية أن تكون القوة القادرة على إتخاذ إجراءات الحماية و الثأر لمن تريد حمايته , و في الوقت الذي تريد , و لتلافي هذه الصراعات أنشئت عام 1995 هيئة عامة تتخذ القرارات بأكثرية الأعضاء الذين يمثلون حكوماتهم } .. أستهجن من جهتي و بشدة الإستعمال السابق (العولمة) و (الرأسمالية) و (الإمبريالية) لوصف مرحلة واحدة تجتمع فيها كل هذه المسميات معا ! , فإن كان الإختلاف الجائز فيه الإختلاف في تناول (( العولمة )) و حقيقتها .. و لو تجاوزنا عن مسمى (( الرأسمالية )) و حاولنا آلا نآخذ الدكتورة عليه خاصة و أنها وصفت الواقع في كثير من المواقع كما هو إلا أنها بعد ذلك تنسبه للرأسمالية ! .. إلا أنه لا يمكن غض النظر عن إستعمال صفة (( الإمبريالية )) و قد أشرنا إلى ذلك في مواقع أخرى في السلسلة .
و تعلق الدكتورة فيما يتعلق بإتفاقية الغات : { و من أسوأ بنودها حماية الملكية الفردية , التي لم توضع لحماية حقوق المفكرين و المبدعين و إنما لفرض رسوم عالية لمصلحة الشركات التي إستملكت حقوق المفكرين و المبدعين لتحرم البلدان الفقيرة من إمكانية التمتع بها و التعجيل في القضاء على تخلفها بفرض شروط ليس أصعبها التكاليف الإقتصادية لإستخدامها } و تضيف : { و الجانب الإيجابي الوحيد في الإتفاقية الذي جاء ككلمة حق أريد بها باطل هو فرض حد أدنى للأجور و الضمان الإجتماعي و التعويضات و الخدمات و الإجتماعية المباشر .. و إلخ على جميع الدول الموقعة على الإتفاقية , الأمر الذي يفرض على البلدان النامية ضمان حقوق الشغيلة , و على الرغم من أن المنظمة لم تعمل على مراقبة تنفيذ هذا الجانب فإنها تهدف من ورائه حرمان البلدان النامية ميزة المنافسة الوحيدة لسلعها و هو رخص أسعارها مقارنة بأسعار الدول المتقدمة نظرا لرخص الأيدي العاملة و قلة الضمانات الإجتماعية فيها , الأمر الذي تستفاد منه المراكز الرأسمالية في إستثماراتها الغازية لهذه الدول } .. و على الرغم من أن مسألة الملكية الفردية هي مسألة مرتبطة بالطبقة الوسطى إلا أن ذلك لا يعني ألا تكون في صالح الإنتاج المادي _أي السلعي_ .. فهل هي في صالحه ؟ .. لا بل العكس , أما فيما يتعلق بما أسمته الدكتورة (( كلمة حق أريد بها باطل )) .. إن مجرد إقرار ذلك يعتبر خطوة تقدمية و على صعيد عالمي حتى و إن عانى بعض القصور فهو في جوهر إقراره مضاد للرأسمالية و ذلك ما كان ينبغي للدكتورة الإشارة إليه .
و تنتقل الدكتورة بعد ذلك فتقول : { لعب صندوق النقد الدولي و البنك الدولي دورا في الضغط على الدول النامية للإنضمام إلى الإتفاقية مستغلين المديونية التي ترزح تحت كاهلها هذه البلدان و فرض التكيف معها , الأمر الذي سيؤدي إلى :
1) فتح أسواقها أمام البضائع الأجنبية .
2) القضاء على صناعتها الوطنية الناشئة .
3) تهديد منتجاتها الزراعية .
4) إطلاق حرية إنتقال الرأسمال الوطني إلى الخارج ليصبح جزءا من الرأسمال العالمي و لكنه جزء تابع و لا يرتبط أو يخدم الإقتصاد الوطني .
5) تدويل المصارف الوطنية .
6) إلغاء الدعم على المواد الإستهلاكية الضرورية } .
و كل ذلك سيؤدي كما تؤكد الدكتورة سعاد قائلة : { الأمر الذي ينسف مقومات السيادة الوطنية } .
و من الجدير بالذكر شكل من أشكال التناقض أو بالأحرى تلاعب تحاول المراكز أن تحتفظ من خلاله على ما يبدو بطريق تعود بها إلى ما كانت عليه قبل السبعينيات (( الرأسمالية )) الحقيقية و إن إختلفنا مع الدكتورة في ذلك : { و مع كل ما تحقق (...) فقد جرى خروج المراكز الرأسمالية عنها عن طريق إتفاقيات ثنائية في البداية ثم بين مجموعات مثل الإتحاد الأوروبي "EU" و إتفاقية النافتا "NAFTA" و هذه الإتفاقيات تناقض الغات , التي تقضي بعدم التمييز و إعطاء صفة العميل المفضل , و تواجه إتفاقية التجارة الحرة ثلاث مشاكل هي : حماية المنتجات الزراعية – حماية البيئة – حماية مصالح البلدان النامية , و كل منها يتضمن الحماية المناقضة للتجارة الحرة } .. لكن كما هو معلوم و متفق عليه لا يمكن إحياء ميت .. لا يمكن العودة إلى ما قبل السبعينيات (بعث الرأسمالية) .
و ننتقل إلى النقطة الأخيرة { ضبط الإستثمارات و توجيهها لخدمة عولمة الرأسمال } :
و تتناول الدكتورة كل من (( صندوق النقد الدولي )) و (( البنك الدولي )) و تطورهما أو للدقة [تحوّلهما] .. فتقول : { جرى تطوير مجالات نشاط كل من صندوق النقد الدولي و البنك الدولي (...) و كان هدف البنك الدولي IBRD تشجيع رؤوس الأموال للإستثمار لإعادة ما خربته الحرب و إعمار البلدان الأعضاء عن طريق تقديم القروض إما مباشرة إلى الحكومات أو إلى الأشخاص و الشركات بكفالة حكومية , على أن تكون الدولة مساهمة برأسمال البنك بنسبة مئوية من حصتها في التجارة العالمية , و لكنه في مرحلة عولمة الرأسمال و لا سيما منذ عام 1980 أصبح أداة الرأسمال العالمي للهيمنة على إقتصاديات الدول النامية و الحكم بسياستها الإقتصادية من خلال فرض التعديلات الهيكلية على إقتصادياتها } .. من الجيد أن ننتبه إلى نقطة التحوّل , و تكمل : { و بدأ صندوق النقد الدولي IMf (...) ليتولى المساعدات القصيرة الأمد لضمان السيولة لموازنة المدفوعات عند الأزمات و ضمان إستقرار سعر الصرف للعملات و تشجيع التعاون الدولي لإزالة القيود التي تعرقل التبدل الخارجي , و في مرحلة عولمة الرأسمال توسع صندوق النقد الدولي حتى أصبح عام 1990 يضم 152 دولة و قام بتسليف الأعضاء بإستثمارات هائلة بلغت 40 مليار دولار لكل من إندونيسيا و كوريا الجنوبية إبان الأزمة عام 1998 , و تقدم هذه القروض وفقا لشروط تفرضها الهيئة العامة للصندوق بأغلبية الثلثين (...) و لما كانت الولايات المتحدة تملك 20% من القوة التصويتية و الإتحاد الأوروبي 25% فإنهما يتحكمان في قرارات الصندوق } , و التالي مهم لنركز فيه و نعاود قراءته أكثر من مرة : { و لكن بعد التحرر من إتفاقية بريتون وودز و تعويم العملات في السبعينيات ضغف دور هاتين المؤسستين بعد أزمة الديون و تعاظم دور البنوك التجارية في تمويل ديون البلدان النامية و كذلك التكامل الإقتصادي في الإتحاد الأوروبي , و لذلك حوّلت هاتان المؤسستان نشاطهما من مساعدة جميع الدول إلى مساعدة الدول التي تنهض بتعديلات هيكلية و في مقدمتها الخصخصة التي تعني بيع جميع المؤسسات الحكومية للشركات العالمية الكبرى , إذ ليس بإمكان الرأسمال الوطني الضعيف شراءها و فتح الأسواق أمام البضائع الأجنبية دون أية إجراءات لحماية الصناعة الوطنية , الأمر الذي يؤدي إلى تحطيم الصناعة الوطنية و تخفيض مخصصات الدولة على التعليم و الصحة و الضمان الإجتماعي و دعم المواد الضرورية , و لستر كل هذه الجرائم بحق شعوب هذه البلدان أدخلت في قاموسها عبارات جديدة فضفاضة يصعب مراقبتها و ضبطها و تسمح لها بالتدخل في شؤون الدول الفقيرة مثل القضاء على الفقر و تطور الإنسان و إنتاج المعرفة و نقل التكنولوجيا و حماية البيئة و إلى جنب المصطلحات التقليدية } .. نلاحظ المفاصل الرئيسية التي تمثلت ب (( التحرر من إتفاقية بريتون وودز )) و (( تعويم العملات )) في [السبعينيات] و كيف إرتبط ذلك ((بتحوّل)) البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و دور الأخيرين في الإسهام في [تحطيم الصناعة الوطنية] .. و هنا ننصح بالعودة لإعلان رامبوييه لفهم الصورة بشكل أوضح .
و تمهد الدكتورة لذكرة معاهدة آيار بقولها : { و مع كل هذه الخدمات التي قدمتها هاتان المؤسستان لعولمة الرأسمال فهناك إقتراحات بدمجهما أو إلغائهما و إنشاء مؤسسات جديدة لا سيما بعد إشتداد التنافس و التناقض بينهما فضلا عن ضعف قدرتهما على مواجهة الأزمات المتصاعدة و التي تهدد بشمولها جميع المراكز الرأسمالية } .
{ و لإحكام هيمنة المراكز الرأسمالية الكبرى بزعامة الولايات المتحدة على إقتصاديات الدول النامية و حتى الرأسمالية المتطورة من الدرجة الثانية (...) تم صياغة و مناقشة مشروع إتفاقية الإستثمار متعددة الجنسية في آيار 1998 الإتفاقية التي ما زالت تواجه معارضة شديدة حتى من قبل العديد من البلدان الرأسمالية فهي تتضمن :
1) فتح كل قطاعات الإقتصاد الوطني للمستثمرين الأجانب (...) في جميع المجالات ما عدا الدفاع و الشرطة و إصدار أسهم و سندات و حق تحويل الأموال و إمتلاك براءة الإختراع .
2) معاملة المستثمرين الأجانب بنفس إسلوب معاملة أبناء البلد و مشاريعهم و عدم التمييز بين المستثمرين الأجانب .
3) رفع كل القيود على المستثمرين الأجانب من ناحية تشغيل العمال و معدلات أجورهم و إتفاقيات تشغيلهم و .. إلخ .
4) على الدول الموقعة على إتفاقية آيار أن تلتزم بجميع هذه القواعد و أن تقبل بقرارات محاكم مستقلة لحل الخلافات بين الحكومات و المستثمرين , و من حق هذه المحاكم أن تطالب بإلغاء التشريعات الوطنية و تحكم بالتعويضات في حالة تأميم المشروع .
5) لا يحق للبرلمان أو الحكومة إصدار قوانين جديدة أو خطوط إقتصادية عامة تتعارض مع إتفاقية آيار , و عليها إلغاء جميع القوانين و القواعد القديمة التي لا تتفق مع الإتفاقية .
6) يسري مفعول إتفاقية آيار لعشرين عاما و لا تستطيع الحكومات الموقعة سحب توقيعها إلا بعد خمس سنوات و تبقى مع ذلك المشاريع و الإستثمارات الأجنبية في ذلك البلد التي وظفت قبل إنسحابه من الإتفاقية تحفظها الإتفاقية لعشرين سنة مقبلة } .
و رغم أن معاهدة آيار متعلقة بالشركات المتعددة الجنسيات _أو عديمة الجنسية_ .. إلا أنه يمكننا أن نجس نبضا نازعا نحو الإنتاج المادي _أي السلعي_ , و معارضة الدول لها و من بينها ما إعتبرتها الدكتورة رأسمالية يطرح تساؤلا عن حقيقتها ك [رأسمالية] .. بالإضافة إلى دلالات آيار الإقتصادية الكامنة فيها و التي منها أنها إتفاقية لصالح رأسماليين بالدرجة الأولى ! .
و تختم الدكتورة بتساؤل : {فهل ستضمن هذه الإتفاقية إستمرار العلاقات الرأسمالية لعشرين سنة مقبلة دون تفجر تناقضاتها و أزماتها ؟ } .. و كان الأجدر طرح تساؤل في حقيقة وجود هذه [العلاقات الرأسمالية] قبل التساؤل عن مدى إستمراريتها , رغم أن موضوع التفجر و الأزمة أمر حتمي في ظل كل ذلك .. إلا أن التشخيص الصحيح العلمي للحالة العالمية المعاصرة هو ما يضعنا على طريق الحل .
(سابعا) الأزمات الإقتصادية و سبل حلها :
و تقول الدكتورة في ذلك : { إن كل من الكينزيين و النقديين يرجعون سبب الأزمة الإقتصادية الكبرى إلى السياسة الخاطئة للدولة أو البنوك و ليس للقوانين الأساسية للرأسمالية و تناقضاتها } .. و تضيف : { و يشير بعض الإقتصاديين إلى أن أحد الأسباب الرئيسية للركود الإقتصادي هو التوزيع غير العادل للدخل , و آخرون منهم رافي باترا يشيرون إلى أن السبب الرئيس لكارثة 1929 هو تمركز الثروات و الدخل بأيد قليلة بلغ ذروته في عام 1929 دون أن يشيروا إلى السبب الرئيس لهذا التمركز و عدم عدالة التوزيع الكامنة في القوانين الأساسية للرأسمالية و هي إستغلال العمل و المنافسة بين الرأسماليين } .. و تكمل في إشارة منها لرافي باترا : { و يصف بموضوعية التأزم الإقتصادي العالمي الذي سببته عولمة الرأسمال فيقول : يحدث الركود الإقتصادي بسبب إنخفاض في مستوى الطلب حيث يبدأ الدخل القومي الإجمالي في الهبوط و يبدأ معدل البطالة بالإرتفاع , بينما تحدث الأزمة الإقتصادية عندما يكون الركود الإقتصادي مصحوبا بإنهيار متسارع في النظام المالي و في مستوى الطلب يستمر لعدة سنوات عندئذ تفلس العديد من المؤسسات و يفقد الناس الثقة بالمصارف و تأخذ بسحب مدخراتها , و كلما تمركزت الثروات يرتفع عدد البنوك التي تتعامل بالقروض المهزوزة و يزداد عدد البنوك المعرضة للإفلاس , و إلى جانب ذلك يظهر مع تمركز الثروات إرتفاع نسبة الإستثمارات بالمضاربة و المجازفة في الإستثمارات للحصول على الأرباح السريعة فيندفع الأثرياء إلى شراء الأصول الثابتة و السلع ليس لهدف إنتاجي بل لإعادة بيعها من أجل الحصول على الربح السريع و يندفع وراءهم قسم من الناس في سعيهم ليصبحوا أغنياء دون إدراك حقيقي لمحتوى هذه العمليات حيث تزدهر مشروعات النصابين فيسيرون في الطريق الجنوني و الفقاعي الذي لا يلبث أن ينفجر } .. من الجدير بالذكر أن الكتاب صدر عام 2000 فهو لم يشهد أزمة 2008 المالية , و تحليل [التأزم] ينتهي إلى أن الأزمة ليست في قيام عمليات الإنتاج الرأسمالية أو تصريف المنتج .. بل [[غياب عمليات الإنتاج]] بالذات هي السبب إذ كما يورد باترا (( يندفع الأثرياء إلى شراء الأصول الثابتة و السلع ليس لهدف إنتاجي بل لإعادة بيعها من أجل الحصول على الربح السريع و يندفع وراءهم قسم من الناس )) .. و نظرا إلى أن تحليل باترا بالنظر إلى أزمة 1929 فقد عزى ذلك إلى الركود الذي حصل , و رغم أن 2008 هي الأخرى أزمة إلا أن هناك فروقا بينها و بين 1929 .. أول ذلك في حقيقة المال و قيمته و ثانيها في حقيقة وجود نظام رأسمالي من عدمه أو تحوّله _و نعني بالنظام الرأسمالي حيث يبلغ الإنتاج المادي أي السلعي ذروته_ .
و نأتي لنلتمس الحل من الدكتورة حيث تعلق على رافي باترا :{ لم يؤكد حتمية وقوع الأزمة الكبرى بل و يشير إلى إمكانية تلافيها إذا ما إتخذت الدولة إجراءات حاسمة و سريعة في الحد من تمركز الرأسمال و غيرها من الإجراءات , و لكن كلها ضمن إستمرار علاقات الإنتاج الرأسمالية التي ليس فقط تعيد إنتاج الأسباب الرئيسية للأزمات و الكوارث بل و تزيدها عمقا و بالتالي تزيد هول تأثيرها على البشرية } .. و من ذلك نعي أن هناك دور رئيسي لل [الدولة] تقوم به من خلال الضبط على حد ما يقول باترا , و لكن الدكتورة سعاد تتجاوزه إلى أكثر من مجرد الضبط إلى إستهداف صريح لعلاقات الإنتاج الرأسمالية و التي تناولتها الدكتورة سعاد طيلة هذا الفصل بشكل متعسف و متقشف ! , و الغريب أن الدكتورة تكتفي بذلك مظهرة شكل من العمومية و السطحية في تقديم (( الحل )) دون تعمق أكثر بالتفاصيل أو حتى تصريح واضح إلى إنتهاج الإشتراكية ! .
{ فالفقاعة الأمريكية التي يستند إليها عموم النظام الرأسمالي العالمي في مرحلة عولمة الرأسمال لا بد أن تنفجر نظرا لتضخم ما تحتويه من تناقضات هائلة لا يمكن لأية إجراءات تجميلية مهما إستطاعت أن تطيل أمد بقائها و تتفادى إنفجارها } .. و نكاد نتفق مع الدكتورة تماما في ذلك اللهم في تسمية المرحلة ب (عولمة الرأسمال) , و أما فيما يتعلق بالتناقضات .. فعلى العكس تماما , إنما مسخ الإقتصاد و الخطر الذي يتربص البشرية على غفلة منها يكمن في غياب هذه التناقضات ! .
==============================
و بذلك ننهي الفصل الثالث المعني بتناول (( السمات الإقتصادية لعولمة الرأسمال )) , حيث تم إستعراض الآتي :
(1) تعمق التناقض بين العمل و الرأسمال .
(2) إلغاء الفرق بين العمل الفكري و العمل اليدوي .
(3) تعميق التمايز الأفقي و العمودي بين المراكز و الأطراف .
(4) الشركات المتعددة الجنسية .
(5) هيمنة الرأسمال المالي على الإقتصاد العالمي .
(6) دمج رأسمال الأطراف بالرأسمال العالمي .
(7) الأزمات الإقتصادية و سبل حلها .
*********
إرجع إلى :
(1) إعلان رامبوييه , سعيد زارا , الحوار المتمدن – عدد : 2974 , الرابط التالي /
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=211495
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟