|
التستر على الارهاب الناعم يخلق الارهاب المتشدد
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 17 - 15:30
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ما نلمسه يوميا من المواقف المختلفة من الاسلام السياسي من جهة و من المتشددين المتنوعين فكرا و خلفية من جهة اخرى، يخلق للجميع مجموعة من التوجسات التي تفرض الحذر على الجيل الجديد المقبل على تقبل و التعمق في الفكر و العقيدة والثقافة التي يتلقوها في بداية حياتهم الجدية و نضوجهم، و التي تصدرها المنابع العديدة في المنطقة و تستوردها المنفعيين . الارهاب المنتشر الان في العراق و سوريا و الذي امتد و توسع اخيرا الى العالم الغربي هو نتاج بدايات مرنة من المثيرين و الداعمين لتلك الافكار الشمولية العقيدية المثالية المحددة النابعة من التعصب الديني و تشدده و المؤسسة لتلك الاخلاقيات وا لسلوك و النظرة الى الحياة و الى الانسان الاخر . الفترة الحرجة من حياة الشاب الذي يكون في صراع وجودي حاد مع ذاته و مع الاخر تؤثر فيه ولو كلمة واحدة كانت في تحديد مساره الحياتي العام . الاوساط العقيدية العديدة غير الطبيعية المنتشرة في دولنا و التي يمر فيها و يلتقيها الشاب تكون ملقنا و ممليا عليه بكمية هائلة من الافكار الجاهزة المعلبة المتوارثة التي تبرزها المصالح المختلفة في البلدان الاسلامية اولا و من ثم تستغل الديموقراطية و الحرية الموجودة في الدول الغربية لتنتقل اليها بسهولة تامة ثانيا . لا جدال حول منبع الارهاب و موقعه، انه الشرق في المقدمة دائما و ما توارثته الاجيال من الاطر الفكرية المؤثرة على الواقع الاجتماعي و الثقافي من اساسه، و المدعومة مباشرة من الظروف الحياتية و النقص الذي يعاني منه الشاب من كافة النواحي الخاصة به و ما لم يلقاه من الضرورات المادية و المعنوية، و هذا ما يستغله الماوراء الطبيعيين و يشجعه على التوجهات الغيبية و منها ينتقل تدريجيا الى التشدد و التصلب في الموقف و التعنت و نفي الاخر المخالف في النتيجة، و هذا ما يبني الارهاب لبنة لبنة . من المعلوم ان العنف و القتل و المستجدات الاخيرة لسمات الارهاب التي ابتدعها داعش او بالاحرى ورثها تاريخيا لم تات من الفراغ، بل كان الارهاب حاضرا في كل مكان، البيت و المدرسة و الشارع و يفعل فعلته المؤثرة بلين و نعومة و طيب خاطر و يتقبله الجميع و من خلال الاسلام السياسي الذي يعتبر نفسه معتدلا و يدعي عدم ايمانه بالعنف الديني في ظروف ما، و لكنه يمارسه لو اتاحت له الفرصة المناسبة في اي وقت كان . من جانب، ان ممارسة العنف و تحت حجة القانون امام الملا كما تفعل السعودية الوهابية حكما و شرعا و اخيرا ما حصلت لامراة ميانمارية حكمت عليها المحكمة بقطع الراس في الميدان العام كنموذج للارهاب المستور و العلني و المحرض على العنف و القتل بشكل مباشر ايضا و على الرغم من استحقاق المتهم من الحكم الصادر بحقه ام لا، من جانب اخر . انه نوع اخر من الارهاب من نوع الرعب و اخافة الناس و التاثير على نفسيتهم و ما يفرض عليهم تقبل القتل و سفك الدماء و الاعتداء على الاخر نفسيا . ليس الارهاب مقتصرا على الدين و تعليماته و اركانه و كيفية تطبيقه فقط و انما العقلية الشمولية سواء كانت عرقية او اثنية او سياسية او عقيدية صرفة هي التي تدفع الى الارهاب بعينه ايضا، النازية و الشوفينية و الفاشية من العوامل الرئيسية للتحريض او الدفع الى الارهاب و افناء الاخر المخالف، و هذه هي الافكار التي تبشر بها و تُفرض على المتلقين و التي تنتج الارهاب هي الارهاب الناعم بعينه، و يمكن ان تتحول في اساسها الى ممارسات القتل و الانتهاك لجميع معاني الحياة، و بدورها هي التي تتحول الى الارهاب الخشن و المتشدد، عدا عملية طرح ما يحمل كل طرف من اي فكر مستند على اية ارضية او فكرة داعمة للتطرف الذي هو الارهاب الناعم بعينه ايضا . اي العوامل التي تؤدي الى صياغة فكرة او عقيدة او نظرة شمولية و تعمل على بثها و نشرها كجزء من مهام المعتنق لها هي التي تؤدي الى الارهاب بنوعيها الناعم و الخشن المتشدد . و لكن الغريب في الامر ان المملكة العربية السعودية وبحكمها الوهابي و ما لها من تاريخ المستلهم من نشر الاسلام و الفتوحات، تستنكر الارهاب و هي في الاساس و بشكل غير مباشر و من خلال سلوكها و تعاملها تدعم الارهاب الناعم بقصد او غيره . و انها تدعي محاربة الارهاب سياسة و لكنها لا تعلم بان سلوكها هي التي تدعم صلب الارهاب، و ليس هناك من الفكر الارهابي المتعدد الموجود كالقاعدة و داعش و ما لف لفهما و هي غير مستلهمة من الشرائع الدين الاسلامي و العقائد المتشددة الغيبية الاخرى الموجودة فيها. و الاغرب انها السعودية نفسها تنظر لافكارها على انها لا ترهب او ترغب على الاقدام على الارهاب و تريد ان تستنكر ما يجري لفظيا، و كل همها هو ان تضع اللوم على الاخر فكريا كان ام سياسيا، و تتقصد في ما يهم صراعها مع العديد من العقائد والافكار الاخرى، فنجدها تنظر مذهبيا لتُلقي اللوم على الاخر من جهة و تلصق التهم بايديولوجيا معينة لتبعد عنها ما يدور، و توافقها في ذلك من القوى العالمية المصلحية لامور خاصة بها، نلمس القاء اللوم على اليسارية بكافة مشاربها و تريد ان تجمع ما لديها من النظرة المسبقة و تصب جام غصبها عليها لاغراض متعددة و تدعمها في ذلك القوى الراسمالية الكبرى . و كمثال على ذلك انها تقف و تتهم اليسارية و بالاخص اللينية و تجمعها مع النازية و الشوفينية لتلصق تهمة الارهاب عليها موازية مع ما لا تقدر ان تنكره من ارهاب الاسلام السياسي و اخره ما يرتكبه داعش، و هي الاعلم قبل غيرها بانها حاملة لنواة الارهاب ان كان ناعما او خشنا فكريا و ايديولوجيا قبل غيرها . على الرغم من الخلاف المصلحي الظاهر بين الاخوان المسلمين و الوهابية الحاكمة في المملكة السعودية، الا انهما المصدران الاساسيان لبناء و تصدير الارهاب في العالم بعلمهما ايضا، غير انهما مخالفان بناءا على مصالح سياسية و ربما تصل الى اجزاء معينة فكريا من عقائدهما، و لكنهما في الاساس و من حيث تبنيهم الارهاب فكرا و تاريخا لا يمكن التفريق بينهما على ارض الواقع كثيرا .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماهي العلة الرئيسية للتغيرات الاجتماعية السلبية ؟
-
تركيا تقدر على منع الكورد و ليس داعش ؟!
-
اردوغان و من يشجعه على احلامه
-
ماذا اصاب العالم في هذه المرحلة ؟
-
لماذا الاهمال في قيادة محاور البيشمركة مع داعش
-
الوضع الداخلي الايراني الى اين ؟
-
البرلمان العراقي و لجان التحقيق
-
اهل القلم الموالي للسلطة اشد من أهل السيف
-
المجتمع الدولي يغض الطرف عن السبايا الايزيديات
-
ليس حبا او كرها بامريكا
-
لحد الان لم يعثروا على قتلة ساكينة جانسز في باريس !
-
لازال العراق مبتلى برجال العهد المباد
-
ان تقوم بمهام ليس من اختصاصك !!
-
هل فرضت ايران منطقة عازلة في الاراضي العراقية الحدودية ؟
-
التناقض البنيوي للمجتمع العراقي الى اين ؟
-
هل يمكن انتاج الفاشية من اتباع مجريات التاريخ الاسلامي ؟
-
من يتمكن من هزيمة الارهاب في منطقتنا، و كيف ؟
-
هل تتحقق المواطنة الحقيقية في العراق ؟
-
منظمات المجتمع المدني و دورهم في العراق
-
يمكن الاستفادة من انخفاض سعر النفط في العراق ؟
المزيد.....
-
حزب الله يحدد 23 فبراير موعدا لتشييع نصرالله وصفي الدين معا
...
-
رئيس كولومبيا: سياسات ترامب فاشية
-
خبير عسكري يكشف سر زيارة زيارة نتنياهو لواشنطن
-
ترامب: لدينا مناقشات مخطط لها مع أوكرانيا وروسيا
-
المهاجم الدولي الجزائري أمين غويري يدعم هجوم مرسيليا
-
المكسيك ترفض البيان الأميركي وترامب يقر بتداعيات الرسوم الجم
...
-
تدشين معبد هندوسي ضخم في جنوب أفريقيا
-
سياسي بريطاني سابق يعلن انضمامه إلى المرتزقة الأجانب في أوكر
...
-
تبون: الجزائر تحافظ على توازن علاقاتها مع روسيا وأمريكا
-
رئيس كوبا: الضغط الأمريكي على المكسيك يهدد استقرار أمريكا ال
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|