برهان المفتي
الحوار المتمدن-العدد: 4693 - 2015 / 1 / 16 - 10:49
المحور:
الادب والفن
هنا، معهد لتعليم فن الرسم، ندخل كل يوم فيأتي أستاذ الرسم ويوزع علينا لوحات رائعةً جاهزة، وعلينا أن نفك خطوط اللوحة وألوانها ونعيد اللوحة بيضاء فارغة إلى الأستاذ ومعها علب ألوان نسحبها من اللوحة موضوع الدرس.
اليوم أستلمتُ لوحة " اليد" ، لوحة رائعة، ألوان حارة مدهشة، أصابع فيها حركة عازف بيانو ولهفة عاشق.
أبدأ بتفكيك اللوحة من الإبهام، أسحب منه الخطوط، حتى أصل إلى طفل يمص أبهامه، يبكي حين يختفي أصبعه وأنا أسحب الخيوط. يركض مني إلى السبابة، أسحب الخيط، أراه جندياً خلف ساتر ترابي وأصبعه على زناد بندقية ، ينظر لي بعينين فيهما سؤال بحجم خوذته : " ثم ماذا " ؟ أرى في الجهة المقابلة قناصاً يترصده، أسحب خيوط الجندي بسرعة فيختفي من غدر القناص.
أصل إلى الأصبع الطويل في وسط الكف، أراه في حضن الليل شاباً رمى ملابسه المتربة تلك، وأصبعه ذاك ينشط بالعبث على جسد الحياة في ملهى ليلي ... ترتفع الضحكات ، أراه يطلب مني أن يستمتع بليلته، أسحب ضوء القاعة، ثم أجعله هناك وأنا أسحب ألواناً صاخبة تشبه ليلة صيف.
أنتقل إلى البنصر، أرى حفلة صاخبة، فتيات يرقصن، أراه الآن في بدلة عرس جميلة وهو يتبادل خاتم الزواج مع شريكته، أم في عينيها حكاية عُمْر. عند باب غرفتهما، تتمنى لهما السعادة، وهي تقول ذلك، أسحب خيوط الرسم فيختفيان في السعادة.
ها أنا الآن في الخنصر... لا أراه هنا، منظر فوضوي، وجوه فيها الخوف وصرخات لم تجد طريقها، هناك أرى الخنصر بين قطع اللحم المتناثر ، أسحب الألوان التي صارت الآن بشعة جداً ، أفك خيوط الفوضى، كلما سحبتُ لوناً جاء لون أبشع، كلما فككتُ خيوطاً وجدتُ شبكة متداخلة، ألفها حول رسغ الكف بعد أن إختفت اليد.
لا زلت أسحب خطوط الرسغ، الخيوط صارت أسلاك شائكة لمعتقل موحش، لون الدماء العفنة تسيل من الرسغ، أسحب اللون، وأستعجل بفك الخيوط، حتى صارت لوحتي فارغة، لكن حولي الآن علبٌ لا أعرف أعدادها وهي مليئة بألوان متداخلة، غير أن الألوان من حرارتها أراها تغلي في تلك العلب حتى تنسكب منها، صار لوناً يشبه لون بشرتي، يزحف نحوي ، يصعد على قدمي ....أهرب إلى تلك اللوحة الفارغة.
ربما.... موضوع الدرس القادم سيكون، تفكيكي، ولكن، ماذا أكون بعد أن يسحبوا لوني وخطوطي.
...........
#برهان_المفتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟