محمد حسين العيسى
الحوار المتمدن-العدد: 4692 - 2015 / 1 / 15 - 21:44
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
قد لا يخالفني أحد في أنَّ العام المُنصرم (2014) كان عام داعش وأخواتها والتطرف الإسلاموي عموماً بعد أن أسهمت الخيبات التي لحقت بثورات الربيع العربي_ والناجمة عن تعنت الحُكَّام الطُغاة وتعدد الأجندات التي سيَّست تلك الثورات ورافقتها منذ بداياتها وحتى الآن_ إلى بروز وتنامي قوة التيارات الإسلامية المسلحة التي حملت شعارات الجهاد في وجه أعداء الله (كما تدَّعي) وإعادة نشر الدين بحد السيف بعد مرور أكثر من 1400 عام على بشاعة وفشل هذه النظرية الدموية.
وقد استطاع ما أطلق على نفسه اسم: تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يسمى اختصاراً ب: داعش, أن يكون اللاعب الأبرز بلا منازع على ساحة الأحداث خلال العام الماضي, بعد أن فرض سيطرته على العديد من المناطق والمدن والبلدات في كل من سوريا والعراق؛ مُستغلاً في ذلك الحرب الأهلية التي تعيشها الأطراف المتنازعة في سوريا وتفكك الدولة العراقية ومؤسساتها الأمنية.
فعلى الصعيد السوري استطاع /الدواعش/ إعلان عودة الخلافة الإسلامية إلى واجهة الأحداث السياسية الساخنة في منطقة الشرق الأوسط بعد أن أعلن المجرم: (أبو بكر البغدادي) من إحدى جوامع مدينة الموصل العراقية تنصيب نفسه /أميراً للمؤمنين/, وذلك بعد أن وضعوا حجر الأساس ل /دولة الخرافة الموعودة/ في محافظة الرقة (ولاية الرقة حالياً), والتي ارتكبوا فيها أبشع الفظائع بحق ما تبقى من جنود الأسد, الذين تركهم الأخير لقمةٌ سائغة بيد هؤلاء القتلة الموتورين.. المتربين على ثقافة الدم ولغة القتل الوحشي.
وما أن أطلق /الداعشيون/عبر زعيمهم البغدادي إعلانهم /المشؤوم/ لدولة الخلافة حتى بدؤوا بالتوسع عبر حربٍ بلا هوادة أعلنوها حتى على التنظيمات الإسلامية الأخرى؛ كجبهة النصرة وسواها وعلى كل من تسول له نفسه التغريد خارج سرب التعاليم الإسلاموية المتشنجة مستخدمين في حربهم هذه صنوفاً من الإرهاب لم يألفها البشر منذ بدء الخليقة.. من جَزِّ الرؤوس وطبخها وأكلها, صلب المرتدين, رجم الزُناة, قطع أوصال السارقين, اغتصاب المعتقلين من كلا الجنسين وخاصة النساء أمام أزواجهم وآبائهم وأبنائهم, دفن الناس أحياء في مقابر جماعية وبيع النساء /غير المسلمات/ في سوق النخاسة أو ما يسمى بسوق السبايا (كما حصل للنساء الإيزيديات والمسيحيات في كل من الموصل وكردستان العراق) إلى ما هنالك من جرائم لا تسعفي الذاكرة المذبوحة في تذكرها كلها.
إذ تعيش الكثير من المدن والمناطق السورية التي يحكمها تنظيم داعش المتوحش_ وعلى رأسها محافظة الرقة المسكينة_ مُسلسلاً دموياً لا ينتهي عبر الإعدامات اليومية التي تُنفَّذ بمختلف الطرق التي ذكرناها سابقاً من قبل محاكم داعش اللاشرعية وقضاتها المعتوهين بغرض بث الرعب والقضاء على أي حلم بأبسط شروط الحرية, مهما كان صغيراً. هذا بالإضافة للقرارات الجائرة واللاإنسانية التي تصدرها هيئات التنظيم ومؤسساته بين الفينة والأخرى في سعيها الحثيث لقولبة الحياة في إطارٍ مُتَخشِّب يصعب التعايش معه أو تقبله, ذلك أن هذه /القرارات والفرمانات الداعشية/ أعادت الناس إلى عهودٍ من الظلام والتخلف والرجعية ظنوا أنها أصبحت أسيرة كتب التاريخ وأساطيره المنسية.
ولم يتوقف جحيم داعش عند هذا الحد بل تمكن التنظيم المتطرف عبر شبكة من المتخصصين في برامج التواصل الاجتماعي من استقطاب وتجنيد العديد من الشباب والفتيات في شتى بلدان العالم.. العربية منها والأوروبية وغسل أدمغتهم وتوزيعهم بين قنابل موقوتة في بلدانهم, أو جلبهم إلى مناطق /الجهاد المقدس/ في كل من سوريا والعراق على وجه الخصوص.
وقد استطاع الكرد في كوباني_ رغم كل الدمار والتهجير الذي حلَّ بالمدينة_ أن يلقنوا داعش درساً لن ينسوه أبداً بعد مساندة ضربات التحالف الدولي والمقاومة الأسطورية التي أبدوها في وجه إرهابهم وتوحشهم اللامنتهي واللامحدود.
على الجبهة العراقية نالت_ كلٌّ من مناطق الكرد الإيزيديين في سنجار وسواها ومناطق العرب السُنَّة وخاصةً محافظة الموصل_ الحجم الأكبر من إرهاب وتوحش داعش بعد عمليات الإعتقال, القتل, الاغتصاب, التهجير, الإبادة, القتل الجماعي والإعدامات الميدانية التي مُورِست بدمٍ بارد بحق المدنيين العُزَّل. وقد استطاع الكرد دحر إرهاب داعش عن مناطق الإيزيديين في سنجار بعد خسائرٍ فادحة في أرواحهم ومقدساتهم, ولا تزال المقاومة البطولية مستمرة بين مدٍ لصالح الكرد وجزرٍ لصالح داعش بالتزامن مع ضربات التحالف الدولي على مناطق التنظيم في العراق.
وكعادة كل التنظيمات الجهادية السابقة؛ وكما كان متوقعاً لم يتوقف إرهاب داعش وحدود طموحه لدولة الظلام والخرافة الإسلاموية الموعودة عند حدود سوريا والعراق والمناطق المشتعلة في الشرق الأوسط فقط, لا بل تجاوزه إلى شتى أصقاع الأرض عبر خلايا قاعدية جهادية نائمة تم تحريكها في دولٍ لم يعرف الإرهاب لها طريقاً بحكم عوامل الجغرافية وطبيعة الأنظمة الديمقراطية الحاكمة فيها. كما حصل قبل فترة في وسط العاصمة الكندية؛ أوتاوا, وحادثة المقهى الشهيرة في سيدني_ استراليا. وكان أخيرها وليس آخرها ما حدث في قلب أوروبا عبر أحداث (شارل هيبدو) في باريس؛ والتي راح ضحيتها قرابة العشرين شخصاً بعد عمليةً إرهابية وُصِفَت بالنوعية بمقاييس داعش.. الكارثية بمقاييس الدولة الأكثر علمانية في أوروبا, والتي كانت ولا تزال أيقونةً للديمقراطية والمدنية والتسامح مع كافة الطوائف والأقليات التي تقطنها, بما فيها الإسلام.
ً ندخل العام الجديد إذا والمخاوف تتعاظم مع تعاظم قوة داعش ومناطق انتشاره وتزايد مؤيديه الذين وجدوا في داعش ومؤسساته ما يشبع شبقهم المجنون للدم والذبح والقتل تحت شعارات الإسلام وإعادة عهود الخلافة الدموية.. ندخل العام الجديد والدم البريء يُسال بحجة تطهير الأرض من الكفرة والملحدين والزنادقة وسط ذهول شعبي عام وتردد دولي في الاتفاق على خطة متكاملة للحسم مع هذا السرطان الرهيب الذي بثَّ الذعر وبدأ بالتوغل والانتشار رويداً رويداً في شتى أنحاء العالم.. أوقفوا آلة القتل الهمجية قبل أن يخيم ظلامٌ لن تشرق من بعده شمس.. أوقفوا داعش وتوغله وأضربوه في كل مكان.. وبيدٍ من حديد قبل فوات الأوان.
#محمد_حسين_العيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟