|
مِن الدِّين ما قَتَل!
أحمد أمرير
الحوار المتمدن-العدد: 4692 - 2015 / 1 / 15 - 15:34
المحور:
الادب والفن
نص مسرحي :
(على سكة القطار التقيا والمطر ينهمر فوق مظلة شارل وينادي على البعري ليغطيه في انتظار لحظة الركوب ) شارل (مبتسما) : أنعمت مساء هل اشتد بك البرد ؟ البعري : شكرا .. إيه نعم .. لم أتوقع سقوط المطر لأصطحب معي مظلتي وأرتدي معطفي ... شارل : خذ لك سيجارة .. البعري (ممتعضا ): لا لا أدخن يا رجل .. لا يجدي ذلك نفعا .. وفوق ذلك فهو في ملتي حرام ... شارل : ألست فرنسيا ؟ ماديانتك إذن ؟ البعري: آه .. نعم .. أنا فرنسي يا رجل .. لكني من أصول مشرقية .. أمي شيعية وأبي سني .. أعيش الآن وحدي مع زوجتي وهي فرنسية أسلمت ... هل أنت مسيحي مطبق للشعائر أم لا ؟ شارل : (مستغربا) : أوه .. أنت محظوظ تعيش ثقافات متنوعة .. لكني لا أحب الإيمان والأديان .. أعيش حياة روحانية عميقة بالتأمل .. وأتبنى مذهب الإنسانية .. أجد في ذلك متعتي أكثر ... (ركب الاثنان على متن القطار وجلسا معا وعلى المقعد المقابل لهما تجلس امرأة ستينية ذات أصول أرمنية متهمكة في قراءة كتاب ) شارل : تفضل بالجلوس .. مسرور لمعرفتك يا رجل ( ثم فتح كتابا وشرع في قراءته ). البعري : العفو شكرا لك ( وضع حقيبته الممتلئة بين قدميه وظل يقلب نظره بين المرأة أمامه والرجل بجانبه ). شارل : أستسمحك صديقي هل تعرف جلال الدين الرومي ؟ البعري : أوه .. لا .. ربما قد سمعت به لكن لا أعلم عنه شيئا . شارل : هو عالم صوفي مشهور يا رجل .. ومن خلاله أتعرف على الاسلام .. لديكم ديانة الحب والرحمة الانسانية .. أعشق ذلك ... اعذرني صديقي أيضا فأنا لا أعلم لماذا يحصل هذا القتل في الشرق والغرب باسم دينكم .. وترددون الله أكبر خلال ذلك ..!! البعري (غاضبا) : وهل رأيتني الآن أقتل ...!!؟ هل أُصبت بحمق ... ؟ هكذا أنتم عنصريون دائما ضدنا ... نعم أنتم استعمرتم بلداننا طويلا ولا زلتم تقتلوننا .. فكيف نحبكم يا رجل ..؟!! آه لكن لا تتهمني بأني من يقوم بهذا .. إنما أصرح لك بما يؤمن به الناس في أوطاننا ... المرأة (في حيرة) : ماذا تقول أنت ..؟!! كلامك فيه تعارض .. تتحدثون ولا تفهمون ما تقولون ... يا رجل أنا امرآة أرمنية.. عائلتي من آبائي أُبيدوا بالعشرات على يد العثمانيين الأتراك باسم الدين ولا زلتم تقومون بنفس القتل .. تقتلون قبل الاستعمار وبعده ... يا رجل ماذا كنتم تفعلون بالأندلس حين استعمرتموه بالسلاح وقمتم بتهجير سكانه وقتلهم لقرون عديدة ..؟!! برابرة سفاحين ...! تعيشون تحت سماحة الحرية في بلدان الغرب ثم تنقلبون كالعملاء والخونة ... !!( وتوجه الكلام لشارل) كيف له أن يعرف جلال الدين الرومي وفلسفته ...!!؟ هم في حاجة إلى تطهير فكري يغسل كراهياتهم الدينية وعقمهم الثقافي ويحرق العشب السام الذي انتشر في تربة عقولهم .. يحتاجون إلى حداثة عقلانية مثل جرار يحرث الأرض ويقلب الأحجار المتصلبة في جوفها ويفتت تربتها المتكلسة حتى تصلح للزراعة من جديد ... البعري : ( يتداخل صوته مع صوت شارل ثم يغالبه بالصراخ): الدين لا يتحمل يا سيدتي وزر التاريخ والسياسة ... فديننا دين وسطية وتسامح وليس دين قتل ولا أعتقد أن المسلمين هجروا أهل الاندلس .. وإنما أسلموا ..ومن لم يقبل منهم فهذا شأنه ... يقول الله تعالى " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه" . شارل : آه إذن فما تقوله الآن يؤكد خلاف ما تدعيه من تسامح .. أكيد أنك لن تقبل مني إن كنت مسيحيا أو يهوديا أو ملحدا ...!! لأنك لا تعتقد سوى بصحة دينك ... !!غير أنك تعلم جيدا أن المسلمين أنفسهم يتناحرون فيما بينهم تارة بين السنة والشيعة وتارة بين السنة والسنة ... !تتعايشون مع التناقضات !! لا وجود لديكم لاعتدال وتشدد .. متى تسنح لكم الفرصة يتحول الجميع إلى مصاصي دماء ثم تغيب مزاعم الاعتدال والرحمة والتعايش ... لا نعرف بماذا تؤمنون وماذا تريدون .. ! في السياسة استبداد وفي الدين قتل واستعباد ... ! المرأة : ( يتوقف القطار ) أعتذر أرجو لكما مساء سعيدا شكرا لكما .. ( قبّلت شارل على خديه وامتنع البَعري من مصافحتها ومضت حائرة مستغربة) ( أصدر القطار صوتا زعيقا يصم الآذان قبل أن ينطلق من جديد) .. شارل :مع السلامة ..مساء سعيد سيدتي .. البعري: (بعد برهة صمت) لو تعلم يا رجل لذة الإيمان بالله وحده ستخضع لكل أوامره ونواهيه .. حينها ستضمن هدوءا نفسيا ونجاة من العذاب في الآخرة .. فدين الاسلام هو آخر ديانة سماوية .. وبديهي أن تكون هي الديانة الختامية التي يرتضيها الله لعباده .. وأنت في أعماقك لو جلست مع نفسك لا بد أنك ستصل إلى الحقيقة .. شارل : بالقتل؟ هل سأعيش سعادتي وهدوئي النفسي حين أقتل أحدا ما ؟ أليس هناك من الوسائل ما يمكّنكم من التواصل والحوار والنقاش أفضل من السلاح ...؟!! ماذا سيجديني إذا أرغمت أحدا على تبني ديانة أو موقف ما ... وما الفائدة من شخص يعتقد بديانة أو رأي تحت الضغط والترهيب والعنف ..!! اشتغلت يا صديقي لسنوات في مجال البحث في الحشرات .. تنقّلتُ إلى مغارات وغابات إفريقية وآسيوية عديدة ... هناك تبيَّنتُ الله وآمنت به .. وأشعر به قربي .. وأعلم عظمته .. واستشعر حبه في قلبي و عملي .. لا أحتاج إلى ديانة تُبعدني عن الله يا صديقي ... ( تلقى البعري مكالمة وفتح الخط دون استئذان أغلق هاتفه.. فتح حقيبته وأطلق صيحة مدوية مرددا : الله أكبر الله أكبر ... وانفجرت العربة محدثا دويا مرعبا على سكة الحياة والدخان يلوث بياض السحب في السماء ويعم المدى
#أحمد_أمرير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|