|
الحذر من تعويم مفهوم الإرهاب
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4691 - 2015 / 1 / 14 - 21:24
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
إرهاب أم جهاد ؟ مفهومان يحيلان سياسيا إلى ما يسمى بالعنف السياسي المنتشر اليوم في العالم العربي والإسلامي وفي أوروبا كما جرى في تفجيرات باريس قبل أيام ، هذا العنف الدموي غيِّب في عالمنا العربي قضايا جوهرية كان يفترض أن يكون لها الاولوية كالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية وبناء الدولة الوطنية وحمايتها من التفكك ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي للاراضي العربية وعلى راسها القدس الشريف ، ودوليا أوجد التباسا ما بين إرهاب (الجماعات الإسلامية ) المتطرفة والمقاومة المشروعة للاحتلال ، وهو الأمر الذي استغلته إسرائيل وعلى لسان رئيس وزرائها نتنياهو ليوحِد ما بين الإرهاب الذي تعرضت له باريس والعنف المنتشر في سوريا والعراق واليمن وليبيا الخ ، وما يقوم به الفلسطينيون من أعمال مقاومة . أعمال العنف السياسي الموسومة بالإرهاب لا تختلف ماديا من بلد إلى بلد ومن زمن إلى آخر، وكلها تحمل درجة ما من الإرهاب والخوف والدمار، ولكن الاختلاف يكمن في تبريرها ومدى مشروعيتها، والمشروعية تحددها الثقافة السائدة في المجتمع، وحيث إن الثقافات متباينة باختلاف الدين والهويات والمصالح ، بل وداخل الثقافة الواحدة ، فأن الجدل حول التوصيف والهدف – مقاومة أم إرهاب سيستمر ما بين الدول والمجتمعات. ومن جهة أخرى لا يمكن لعنف سياسي يزعم ممارسوه أنه جهاد أن يكون ناجحا إلا إذا التفت حوله الجماهير وشكلت لها الحاضنة ، وهذا لا يتأتى إلا إذا كان – من حيث الهدف والوسائل- منسجما مع الثقافة السائدة في المجتمع ومع تطلعات أغلبية الشعب كما يتم التعبير عنها عبر القنوات والمؤسسات الديمقراطية والشرعية وحسب المراجع الدينية الرسمية ، وفي حالة عدم توفر هذه القنوات أو الخلاف حولها ، فبالعقل الذي يُعلي من قيمة درء المخاطر وجلب المنافع وإعمار الأرض ، وهو عقل لا تختلف حوله وعليه الأمم والديانات السماوية . الجهاد كشكل من أشكال العنف السياسي يعبر عن نمط من ثقافة دينية تنبني على تفاسير وتأولات محل خلاف علماء الامة الإسلامية منذ الفتنة الكبرى ومقتل عثمان بن عفان . منذ ذاك التاريخ إلى اليوم قُتِل علي يد المسلمين تحت راية الجهاد أكثر مما قُتِل من أعداء المسلمين . حتى في حالة توافق فئة من المسلمين على الجهاد المسلح فإن هذا الضرب من العنف السياسي الديني يكون محل خلاف ومرفوض عند جماعات ودول إسلامية أخرى ، ولا يُقبل ولا يُفهم عند أصحاب الثقافات غير المسلمة . الجدل ما إذا كانت هذه الأفعال جهادا أم إرهابا مدانا ليس جديدا بل يضرب جذوره في التاريخ، إلا أنه أصبح أكثر بروزا في السنوات الاخيرة مع تحولات النظام الدولي والعولمة وانعكاساتهما على المجتمعات وخصوصا في الجنوب وبعد ما يسمى بالربيع العربي المتزامن مع سياسة (الفوضى الخلاقة ) الامريكية . وهنا نلاحظ التزامن ما بين تصاعد وتيرة العنف السياسي – جهادا أو إرهابا وعدوانا- منذ عقد من الزمن مع كثافة الحديث عن الحرب الحضارية والصليبية وصراع الثقافات، بل لم تتورع الولايات المتحدة عن تقسيم العالم إلى محور الخير وتمثله الولايات المتحدة وإسرائيل والعالم المسيحي المتحضر، ومحور الشر وتمثله الجماعات الإسلامية والأنظمة المناوئة للسياسة الأمريكية . فما هو الإرهاب ؟ وهل هو صناعة عربية إسلامية كما يروج الغرب ؟ أم إنه صناعة غربية المنشأ ؟ وحتى اليوم الغرب ليس بعيدا عن صناعة جماعات إرهابية تمارس العنف تحت راية الجهاد ؟ وما هي الحدود الفاصلة بين الإرهاب العابر للقارات من جانب والمقاومة الفلسطينية للاحتلال من جانب آخر ؟ وهل أن الأرهابيين الذين قاموا بتفجيرات مقر صحيفة شارلي إبيدو وغيرها من المواقع في باريس قاموا بهذه العمل ردا على الرسومات المسيئة للرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام ؟ أم أن وراء ذلك مخططات جهنمية تريد توظيف الدين وتوريط المسلمين في لعبة كبرى تخدم الصهيونية العالمية وإسرائيل والغرب وخصوصا واشنطن ؟ وأليس من المثير للانتباه ان هذه العمليات جاءت مباشرة بعد التحول في مواقف الرأي العام والدول الأوروبية لصالح الحق الفلسطيني وضد السياسة الإسرائيلية ؟ أليس من العقل والمنطق الربط بين هذه التفجيرات الإرهابية وتحليلات سياسية إسرائيلية وأمريكية تقول بأن التحول في مواقف الدول الاوروبية جاء نتيجة لتحول مواقف الراي العام في تلك البلدان ضد إسرائيل ولصالح الحق الفسطيني ، وهو تحول كما يقول أصحاب التحليلات الإسرائيية يرجع لزيادة عدد ونفوذ المسلمين في اوروبا وبالتالي يجب تشويه المسلمين في أوروبا وإظهارهم كأرهابين ؟ . كما يحدث بعد كل موجة من الإرهاب يقف وراءها (جماعات إسلامية) تسارع واشنطن وتل أبيب ودول الغرب للدعوة إلى عقد مؤتمر دولي حول الإرهاب ، وفي كل مرة تجري محاولة تعويم الإرهاب ليشمل كل فعل موجه لإسرائيل واليهود وللمصالح الغربية ، وتجاهل إرهاب الدولة الذي تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينين ، وإرهاب واشنطن من خلال دعمها لأنظمة استبدادية وتدخلها العسكري المباشر في أكثر من بلد عربي وإسلامي . لذا على المفكرين العرب والمسلمين والفلسطينيين ومن يناصر عدالة قضيتهم الحذر من تعويم مفهوم الإرهاب كما تسعى تل أبيب وواشنطن ، وإن كان من الواجب إدانة الإرهاب وإدانة ما جرى في باريس ، فمن الواجب أيضا الإشتغال بجد على تفكيك ظاهرة الإرهاب بتوضيح القضايا التالية : - 1- إن السياسة الإرهابية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني والسياسة الامريكية المؤيدة لإسرائيل والمنكِرة للحق الفلسطيني بالإضافة لسياساتها في المنطقة العربية ، كذلك الإساءة لمشاعر المسلمين كما جرى مع الرسوم المسيئة للرسول ، كل ذلك يولد ثقافة حقد وكراهية توفر المبررات والذرائع لبعض العرب والمسلمين ليمارسوا ما يعتقدون أنه ردا على هذه السياسات . 2- التمييز بين هذه الجماعات الإرهابية التي تمارس العنف تحت راية الجهاد ، والإسلام كدين تسامح ، فهذه الجماعات لم يتم تفويضها من طرف أية مرجعية دينية رسمية ولم تفوضها الأمة ولا تملك تفويضا إلاهيا لممارسة ما تقوم به من أعمال ، وبالتالي لا تمثل هذه الجماعات إلا نفسها ولا تخدم إلا الجهات المموِلة لها ، وإذا حكمنا عليها من خلال نتائج أعمالها والجهة المستفيدة منها سنصل لخلاصة أنها ليست سوى أذرع لأجهزة استخبارية إسرائيلية وامريكية أو ليست بعيدة عنها . ونظرا لأن كلمة جهاد وجماعة جهادية تُحيل عند المسلم العادي للشان المقدس وهو شأن متعمِق ومؤثِر في العقل والوجدان وخصوصا عند المسلمين البسطاء ، فإن الأمر يتطلب خطابا دينيا عقلانيا يُحرر الإسلام مما لحِق والتطى به من مفاهيم وممارسات ليست من الإسلام بشيء . 3- التفريق والتمييز بين هذه الأعمال سواء التي جرت في باريس أو التي تقوم بها جماعات تحمل مسميات دينية كما هو الأمر في بلدان عربية كسوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر من جانب ، والمفاومة الفلسطينية المسلحة في مواجهة الاحتلال . فإذا كانت كل الشرائع الدينية والوضعية المحلية والدولية تُدين الإرهاب ،فهذه الشرائع نفسها تعطي للشعوب الخاضعة للاحتلال الحق بمقاومة الاحتلال بكل الطرق بما فيها الكفاح المسلح ، وفلسطين ما زالت خاضعة للاحتلال وإسرائيل دولة استعمارية . لذا يجب قطع الطريق على إسرائيل قبل أن توظف تفجيرات باريس والمؤتمر القادم حول الإرهاب ، من خلال التأكيد على حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة ، وأن ما يجري في فلسطين من أعمال مقاومة أمر مختلف عن ما يجري في البلدان الأخرى . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف ستنجح حكومة التوافق الفلسطينية في ظل غياب التوافق !
-
المؤتمر السابع لحركة فتح : عليه المسؤولية والرهان
-
فشل التصويت على القرار العربي في مجلس الأمن (رب ضارة نافعة)
-
الفريضة الغائبة وطنيا
-
حول مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن حول فلسطين
-
إسقاط صفة الإرهاب عن حركة حماس إنصاف لحق المقاومة
-
مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني بعد الحرب على قطاع غزة
-
اغتيال زياد ابو عين : حدث عابر أم لحظة فارقة
-
داعش فلسطينية ضرورة إسرائيلية
-
الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال لا يلغي الحق بالمقاومة
-
إعمار غزة أكبر وأخطر من كونه مسألة إنسانية
-
ما سر هذا الاهتمام بذكرى استشهاد أبو عمار ؟
-
تفجيرات غزة الإرهابية وردة فعل حكومية خاطئة
-
معركتنا الوطنية الأساسية في القدس والضفة وليس في غزة
-
وعد بلفور : قراءة مغايرة
-
إسرائيل تريد فرض معادلة : إما غزة أو القدس
-
العلاقة الجدلية بين المشروع الوطني الفلسطيني والبعدين العربي
...
-
الانقسام الفلسطيني وصناعة دولة غزة
-
سر صمود ومقاومة غزة
-
الأبعاد الهوياتية القاتلة للقضية الفلسطينية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|