أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - (سِكس) طابوق















المزيد.....

(سِكس) طابوق


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4691 - 2015 / 1 / 14 - 02:33
المحور: كتابات ساخرة
    


كلمتان انكليزيتان مختلفتي المعنى تكتبان بالعربية بنفس الطريقة (سكس)، إما بفتح السين (سَكس) وهو ليس موضوعنا، أو بكسرها لتعني الرقم (ستة)، وهو ما يُطلقه العراقيون على الشاحنة القلابة ذات الحمولة الكبيرة (الدبل)، وهناك بعض الدول العربية تُسمي هذا القلاب (سقس) وهو أيضاً مشتق من الرقم ستة !

ولكن لماذا نسمي اللّوري القلاب بـ (سكس) ؟
هل يعني أن حمولته ذات ستة أطنان أم أن السيارة تتحرك على ستة مجموعات من العجلات وهي طريقة لتمييزها عن شاحنات أخرى ؟

ما يلفت النظر، أن ست أطنان من الطابوق مرتّبة إلى بعضها البعض لا تكُن بالحجم الذي يمكنه ملأ فضاء (السكس) الكبير، وهو الأمر الذي دعاني أضرب طول فضاء (السكس) في عرضه في ارتفاعه أقسمه على حجم الطابوقة لأجدُ أن عدد الطابوقات والتي يُمكن أن تشغل ظهر صاحبنا (السكس)، يكون حوالي ستة آلاف طابوقة أو أكثر، وهو الأمر الذي كان الأقرب بتفسير الرقم ستة.
والعلم عند الله، كم عدد طابوقات (السكس) في العراق اليوم.
× × ×

في فترة حرب إيران في الثمانينات، وزّعتْ الدولة على امتداد مساحة العراق أراضٍ للعسكر المتطوعين بالجيش، فهبّ (السادة) الضباط يتسابقون ببناء بيوت لهم، بأشراف وأحياناً (بتمويل) من جنودهم، واستُخدمَ عمال مصريين رخيصي الأجر، تنقصهم الخبرة ويدفعهم نشاط من أجل كسب المال وتحويله لبلدهم.
وكم استطاع هؤلاء العمال بأسلوب لبق وأحياناً ملتوي في استمالة العراقيين الذين كانوا لطيبتهم وبراءتهم وحسن نيتهم في تلك الفترة، لقمة سائغة لتلك الأساليب الجديدة عليهم!

في يوم دخلتْ إحدى الجارات الطيبات بنقاش (عقيم) مع فلاح مصري متجول، كانت قد اتفقتْ معه على إعادة ترتيب وتشذيب حديقتها الواسعة مقابل أجر زهيد جداً، ذلك بعد أن استطاع أقناعها بأنه سيُحيل حديقتها لروضة.
وما إن انتهى النهار حتى صُدمتْ بأنه لم يفعل شيء مما اتفقا عليه سوى تقليب بعض السواقي و(حَش) بعض الأدغال، وراح يحاول إقناعها بأن ما كانت تود أن يُنهيه لها إنما يحتاج لشغل أيام...

قال الرجل وهو يحاول ويتوسل ويكرر بلهجة عراقية مُقلدة: ياحاجّة خل أحاشيش...
لكنها كررت بغيظ وبصوتٍ مرتفع: خل الحشيش، أريد كذا وكذا...

ولمّا سمعْتها تُطلق صوتها الحاد، اقتربتُ منها بعيداً عن الرجل وقلتُ: كيف تطلبي منه أن ينجز الشغل خلال يوم واحد وأنتِ مقتنعة بأنه يحتاج أياماً، هو استدرجك وحقق ما أراد لأنه اشتغلَ طيلة ساعات النهار وصار الحق معه.
وأضفتُ بعد أن هدأتها: كان عليكِ أما أن تتفقي معه، إما بتمديد العمل لأيام أخرى لإنجازه وهو ما يوده، أو أن تُحاسبيه ليوم عمل كامل كي لا يُغبن، وهو سوف لن (ينقلع) دون أن يأخذ حق يومه، أرضي ضميرك وناوليه أجره.
وبينما أخذ فلاحها ما أتفقا عليه... دمدمتْ (الحاجة) بإستياء شديد وعينها على دنانيرها الزرق...
ـ توبة بعد أتفق مع مصري أو أدخله حديقتي، حتى ما شال (الحشيش) اللي خبصني به!
قلت: خل أحاشيش كان يعني بها... خل أحاجيج (دعيني أكلمكِ)!

هذه الأخطاء ورغم أننا كنا جميعاً ندركها، إلا إننا كنا نقع بها، فحين وسّعتُ شقتي بشارع حيفا وضممتُ لها الشرفة في التسعينات، طلبتُ من (خلفة) مصري تبييض الحائط الخارجي، ورغم أن العمل كان سهلاً فوق حائط (ستندر)، لكن وبعد أن أنجزَ العمل، بدا الحائط متموج، وحين اعترضت عليه كان له (كعادتهم) قابلية رهيبة بإقناعي بأنني على خطأ، وطلب إن اُمرر يدي عليه لأتحسسه وأطمأن على سلامة العمل، وأكد لي بأنني لو أتركه يجف لأسبوع ثم أقوم بصبغه، سيكون كل شيء على ما يرام...
أنتظرتُ بدل أسبوع... اثنين، وصبغته بدل الوجه... ثلاث، ثم نظرت له من كل جهة، وبكافة الزوايا والمساقط، ولحد اليوم لا أدري كيف أقنعني وأخذ أجوره وضرب الغدة والإكرامية !
× × ×

كان التعامل في الجيش مع ضابط مرتشٍ لمقايضة الإجازات بخدمات أخرى مع جنوده، عملية غاية بالبساطة، كون اللعب يكون على المكشوف على مبدأ (شيـّـلني وأشيلك)، لكن مع ضابط نزيه لا يرضَ استغلال جنوده فالمسألة أصعب بكثير، فكيف يمكن للجندي التمتع بإجازات طويلة المدى، لو لم يكن من سبيل لإقناع ضابطه؟

ففي بناء بيت لآمر أخي (صلاح) في عام 85 على قطعة ارض في حي الضباط خلف حي العامل، كان ضابطه نزيه فعلاً، فأقنعه بمنحه إجازة من زاوية أن لنا صديق صاحب معمل طابوق، وقال له أن بإمكان الصديق تجهيزنا (سكسات) طابوق بسعر السوق وبشكل مستمر، في وقت كانت حملة بناء واسعة متسببة بأزمة حادة بتجهيز الطابوق من المعامل الأهلية...

كان كلامنا مع الآمر فيه بعض الصحة ... كيف؟

كان (ولا يزال) لي صديق عزيز رافقني أيام الجامعة والجيش، طيب جداً من أهل العطيفية اسمه (مكي صالح حيدر آل شبيب)، والده ـ رحمه الله ـ أكثر طيبة منه، حاج بغدادي بسيط تقي من أهل الله، كان من شباب عهد الملوك بقاط (زبون) وسدارة، بقي يرتديها في كبره، يمتلك معمل (شبيب) للنسيج، يقع الى جانب عدة معامل أهلية للدباغة منتشرة بمدينة الشعلة، وكانت مكاتبها تتجاور بالكاظمية مع مكاتب معامل الطابوق المنتشرة في منطقة التاجي شمال بغداد قبل نقلها لمنطقة النهروان حنوباً خشية على (تلوث) سماء العاصمة بالدخان كون الرياح غالباً ما تهب على العاصمة شمالية غربية...
وبحكم علاقة الحاج الطيبة بأصحاب معامل الطابوق، فقد ساعدنا وبصعوبة بالغة بتدبير (سكس) بعد أن لففنا أكثر من مكتب، وكانت النتيجة جيدة أمام الآمر مما دفعه لسؤالنا عن مزيد من (السكسات) بمزيد من الأجازات.

إلا إننا ولأن العم الطيب قد بذل جهداً وهو كبير السن، فقد ارتأينا عدم تكليفه مرةً أخرى، وهو ما يعني تدبير الوجبات الأخرى من السوق السوداء دون أن نُخبر الآمر شيئاً خشيةً من رفضه مما يعني عودة أخي للجبهة...
فوقف (الحظ) لجانبنا مرةً أخرى، حين دلنا حارس البناء (المصري) على صديق له يقول انه يشتري (دبل الطابوق) من أصدقاء له في المعمل ولا يبيعه بأي زيادة، فقط يسأل عن إكرامية ندفعها حسب رغبتنا.
تعرفنا عليه ... شاب في السابعة عشر، نشيط ومجازف، يقول أنه يعمل لدى صاحب اللوري بالنهار، لكنه يعمل خلسةً بالليل فيأتي بالطابوق إلى (وكفة) على طريق التاجي ليبيعه وينقله فجراً بطرق يعيدة عن عيون الشرطة.
وفعلا قام بنقل وجبات طابوق متتالية على مدار أسابيع، وكنا سعداء به وبخدماته، وكان أخي سخياً معه ويناوله المزيد كلما عاود تجهيزنا بـ (سكسات) الطابوق هذه...

في فجر يوم شتاء ممطر، وبعدما تسلل الشاب بلوريه للوصول لموقع البناء حيث كنا بانتظاره، (طمس) بالطين بالقرب من موقع العمل، مما استحال على هذه الآلة الضخمة التحرر، فأعلنتْ عجزها التام !
استدعينا (تركتور) بساحبة من (مَسطر) عمال قريب على عجل، لأن كشف الشرطة (للسكس) غير مرخص يحملنا المسؤولية.
وما أن بدأ العمال بنقل الطابوق على دفعات، اتضح أن صاحبنا يقوم برص صفي طابوق بعناية كحائط على ظهر (السكس) ويملأ الفراغ بشكل عشوائي ثم يغطيه بصفين نظاميين، وبهذا يحصل على الحجم المطلوب (بثلثي) كمية الطابوق، وللتمويه كان يقوم بتغطيته (بجادر) بعناية فائقة حتى لحظة سكبه على الأرض مما لا يدع مجالاً للشك.

كنا بحاجة لهدوء ورويّة، فتعاملنا مع الأمر ببرود وكأنه قد مر دون إنتباهنا، لأننا لو نقوم بإثارة الموضوع معه بشكل مباشر، لكان قد ولى دون رجعة ولأحرجنا أمام الآمر، لذا قررنا أن نستدرجه ثانيةً ونمسكه متلبساً بالجرم.
وهكذا مر الأمر يسلام، لكننا قررنا أن نُكيد له ولشريكه الحارس الذي بدا واضحاً أنه يتحرك أمامنا بخفة للتمويه...

في الأيام اللاحقة وحينما راقبنا الحارس، لاحظنا بأنه كان يقوم بالتمهيد لصاحبه بتهيئة أماكن لسكب الطابوق، ويقوم (بتصغير وتقزيم) ركامات (السكسات) النظامية لتتناظر وتبدو نفس حجم (سكساتهم) !
بعد أيام وبعد أن هدأ الموضوع، طلبنا منه (سكس) آخر، وفي فجر يوم الاستلام، اصطحبنا صديقين بلباس عمال للموقع، تعجب الحارس لوجودهما، فأخبرناه بأنهم (صنف) جاءوا ليثبتوا على السائق تلاعبه بالكمية ويكشفون غشه، لأنه ـ قلنا له ـ يتلاعب بكمية الطابوق دون (علمه) وعلمنا،
ثم (ولكي تنجح الخطة) طلبنا منه أن يذهب على (البايسكل) لحي العامل (نفس طريق صاحبه) بحجة جلب قيمر للفطور طالما الشاي على الحطب، وكان القصد من ذلك أن يخبّر صاحبه بكشف أمره، كي يلغي (صفقة) اليوم ويعوضها بأخرى كاملة يثبت من خلالها... (نزاهته).

عاد الحارس متأخراً كما توقعنا متذرعاً بالبحث عن القيمر... بعد ساعة حضر السائق بسيارة أجرة وكأنه لا يدري شيئاً، وتحجج بوجود دوريات شرطة على الطريق، بينما عيناه تراقب الموقف ليشاهد الرجلين يترابصان به، فأكد أنه قادم بالحمولة في الغد ليثبت للصنف نزاهته، وهكذا بدا أنهما قد وقعا بالشرك.

في اليوم التالي كنا أنا وصلاح بالانتظار، وكانت الخطة تسير بشكل سليم، جاء (السكس) من بعيد يتحرك عنوة من شدة الوزن، رفع السائق (الجادر) ببطأ وكشف أمامنا الحمولة كاملة كما توقعنا، نظر يميناً ويساراً باحثاً عن (الصنف).

قلت له : أقلب ياصاحبي (الدبل) ولا تقلق...

... وبينما أخذ ثمن (السكس) وبالسعر الرسمي، ناولناه دينار واحد (إكرامية)، فلم ينبس بكلمة واحدة لأن اتفاقنا أن نكرمه بما نراه يستحق، وقد فهم (الموقف) بقوة...

ولما همّ بالمغادرة، قلنا له: خذ شريكك معك، فلسنا بحاجة لخدماته أيضاً.

قذف الحارس (يطغه) وحاجياته على ظهر(السكس) بصمت وصعد لجانب السائق وأطلقا الاثنان تحية خجولة دون أن يرفعا رأسيهما...
حييناهما بأحسن منها، وقلنا: لا تنسيا أن تتقاسما الإكرامية...

النظرات والهمسات التي تبادلاها الشريكان فيما بينهما، كانت لا تدعُ للشك بتواطئهما معاً، ليتحركا (بالسكس) بخجل شديد ويمضيا على غير أمل رجعة...



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمرأة التي تحب عمرها... وتعشق الحياة
- هل أنّ الشاعرَ موسيقارٌ؟
- أميريغو فسبوتسي
- أول مَن نطقَ (أحبكِ)... مجنون!
- مورفي... مورفي
- كارتير... بوري
- قوم الآنسة (بك كي)
- قضية أمن دولة!
- مجرد كلام قادسية الذبان
- صرخة الحبانية
- شمسنا الغالية
- دعوة سياحية
- غضب سانت هيلنز
- هل تخلع (أنتركتيكا) ثوبها الأبيض؟
- سيفن فل يُشهرْ
- جرذ... جرذين... جرذان
- عقول من تراب
- طوكيو تحت الصدمة
- وصيّة البابا البطران
- طليان


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - (سِكس) طابوق