أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي داخل فرج - هكذا تكلمت جثة آدم البغدادي. قراءة في رواية (مشرحة بغداد) لبرهان شاوي














المزيد.....

هكذا تكلمت جثة آدم البغدادي. قراءة في رواية (مشرحة بغداد) لبرهان شاوي


علي داخل فرج

الحوار المتمدن-العدد: 4689 - 2015 / 1 / 12 - 17:48
المحور: الادب والفن
    


هكذا تكلمت جثة آدم البغدادي
قراءة في روية (مشرحة بغداد)* لبرهان شاوي

(هل نحن اموات وهذه هي أرواحنا تعيش، مثل ابطال الفيلم، أم نحن احياء فعلا؟).
بهذا التساؤل الذي ينبثق من لحظة اشتجار داخلي يفكر فيها (آدم) حارس مشرحة بغداد بعد أنْ شاهد فيلم (الاخرون) للمثلة الامريكية (نيكول كيدمان)، بهذا التساؤل يمكن أنْ تختزل ثيمة رواية (مشرحة بغداد) لبرهان شاوي. فلعبة التداخل بين الموت والحياة التي تدور أحداثها في بيت بطلة الفيلم المذكور التي تكتشف في نهايته أنها وأبناءها ليسوا سوى أشباح لموتى كانوا يسكنون البيت، تتكرر في الرواية وتُمارس في فضاء أوسع هو مشرحة بغداد، المكان الذي تلتقي فيه جثث القتلى والمغدورين من مختلف الطبقات الاجتماعية والسياسية في البلاد لتتحاور وتحكي قصة الرعب والموت الذي أصبح سمة لبغداد، تلك المدينة تسكنها الأشباح، وتسير في شوارعها الجثث، وتعبر على جسورها، بحسب ما تخبرنا الرواية في أكثر من موضع منها:((رأى الحارس آدم حركة الناس عابرة الجسر، وبدأت الحياة الميتة تدب في شوارع بغداد. كانت الشوارع مكتظة بالجثث الهاربة، كان هو يعرفها، بل يعرف الكثير منها، متأكدا من موتها..)).
في (مشرحة بغداد) يأخذنا السرد الى عوالم غرائبية قد تحيلنا إلى معتقدات قديمة لبعض الشعوب التي تؤمن بأنَّ الإنسان عندما يموت لا يعي هذا الحدث الخطير ويظل هائما على وجهه مدة من الزمن، قبل أنْ يكتشف الحقيقة المرعبة التي واجهها الحارس آدم الشخصية الرئيسة في نهاية الرواية، فالموت يتماهى بالحياة، او يلتبس فيها، لتنكشف لنا عوالم اخرى مسكوت عنها أو مغيبة، نتعرف عليها من خلال الشخصيات/ الجثث التي تسرد احداثا وقعت ابان اشتداد الصراع الطائفي ببغداد وبقية مدن العراق في الاعوام 2005، و2006.
وجدير بالذكر أنَّ برهان شاوي يواصل في هذه الرواية التنويع على شخصيتي ادم، وحواء، اللتين استحدثهما في روايتين سابقين هما (متاهة آدم)، (متاهة حواء)، فتتفرع شخصية ادم، أو تنفتح على آدم صاحب فندق السعادة، وآدم الخباز، وآدم أبو الكرامات، وآدم أبو المحاسن، وآدم كاشف الليل، وآدم أبو المجد، وغيرها، أما شخصية حواء فتتفرع أو تنفتح على حواء المفتي، وحواء البغدادي، وحواء هانوفر، وحواء الشقراء، وحواء المحجبة. والقاسم المشترك لكل هذه الشخصيات (الأوادم) و(الحواءات)، هو انها تخاطبنا من عالم اخر، هو عالم الجثث الذي تنتمي اليه، فهذه الشخصيات، بل شخصيات الرواية كلها ليست سوى جثث تتكلم وتتشارك في سرد قصة الموت الذي أصبح سمة لبغداد. وإذا كان الموت هو مأزق المدينة، فانه من جهة ثانية يبدو حلا وخلاصا من الزيف الذي اسمه الحياة في هذه المدينة، فالموتى بحسب حواء هانوفر احدى شخصيات/ جثث الرواية ((لا يكذبون. أنتم تعرفون ذلك. لقد عبرنا من تلك الضفة حيث الكذب والنفاق والحقد والاقنعة من صفات البشر. نحن لسنا بشرا. نحن مجرد جثث، مجرد أموات، اليس كذلك؟)).
وتبقى شخصية آدم الحارس تعيش المأزق الأكبر الذي يتمثل بأنْ يكون الانسان عالقا بين عالمين، او متأرجحا بين الحياة والموت، لا يدري الى أي منهما ينتمي، فهو لم يستوعب ما أخبره به آدم الطفل في نهاية الرواية من كونه ميتا هو الاخر وأنَّ ثمة أثر لطلق ناري في جبينه، ومن ثّمَّ نجده يكرر السؤال على جثة الطفل آدم:
((عليَّ أنْ اعرف هل انا ميت ام حي يا آدم، لكن كيف لي أنْ اعرف ذلك؟
نظر الصبي اليه نظرة مليئة بالطيبة والحزن والشفقة، وقال للحارس آدم وكأنه يخاطب طفلا:
- لا اعرف كيف ستعرف ذلك، وأنا لا أستطيع أنْ اجيبك هل انت حي أم ميت؟
- من يستطيع أنْ يجيبني إذاً؟
- لا أحد.
- لا بد أن يأتي أحد ليقول لي الحقيقة.))
وهكذا هي الحياة في بغداد بحسب ما توحي به الرواية، لا تختلف عن (الحياة) في المشرحة، إذ هي تقوم على الزيف والوهم، بل إنَّ حياة الجثث في المشرحة –وياللمفارقة-أكثر صدقا، وأكثر حزنا أيضا، فهي حزينة كحياة البغداديين الذين يعيش كل منهم مأساة الحارس آدم إذ هو عالق بين عالمين لا يربط بينهما سوى جسر قلق من الحزن والالم. وربما تلك هي حياة/زمن القراءة التي يعيشها القارئ مع (مشرحة بغداد)، وليس مستبعدا أنْ يتساءل هو الآخر مع نفسه كما تساءل آدم الحارس في الرواية: أنحن أموات وهذه ارواحنا التي تقرأ، أم نحن أحياء فعلا؟! لا بد أنْ يأتي أحد ما ليقول لنا الحقيقة! ولا شيء ثمة غير صوت تنتهي به الرواية نهاية مفتوحة على المأـساة البغدادية:
- لا أحد يأتي.

* مشرحة بغداد، برهان شاوي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2012م.



#علي_داخل_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبق المكان الشعري: قراءة في (ديوان طنجة)* لسعدي يوسف
- وفاء العلماء.. تحية للدكتور شجاع مسلم العاني
- إشكالية الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر العربية، قراءة في جهو ...
- إشكالية الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر العربية، قراءة في جهو ...
- أنا و الملائكة و صحيفة الدعوة: اعتداء أم اغتصاب
- ثوَّار قذافيون
- نازك الملائكة: قصيدة النثر و اغتصاب شكل القصيدة الحرة


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي داخل فرج - هكذا تكلمت جثة آدم البغدادي. قراءة في رواية (مشرحة بغداد) لبرهان شاوي