|
ليلة القدر
حسين الموزاني
الحوار المتمدن-العدد: 4689 - 2015 / 1 / 12 - 08:40
المحور:
الادب والفن
لحظة اقتحام "جهاز أمن الدولة" في القاهرة إبّان الثورة المصرية. وكان بطل الرواية قد أخضع إلى الاستجواب والتحقيق
حسين الموزاني ليلة القدر فصل من رواية "اعترافات تاجر اللحوم"
كان البيت الذي يسكن فيه صديقي يقع على خمسة أميال عن قبور الفراعنة، إِلاّ أنّه من ناحية أخرى، يبعد ثلاثة آلاف عام عن زمنهم، ثلاثة آلاف عام كاملة من القطيعة والغربة والخراب. كان البيت الصغير يقع في ناحية كالحة متربة ومهملة تماماً، بالقرب من كنيسة قبطية عالية الحيطان، بلا أبراج ولا سمّاعات، إِنّما علّق على واجهتها صليب ضخم من الحديد. وكان هناك أيضاً عدد لا يحصى من الجوامع التي أعلنت عن وجودها عبر مكبّرات الصوت المتفاوتة الحدّة والقوّة. فوصلت إلى هذه الناحية في اللحظة التي كان يتأهّب فيها المؤذنون والقرّاء لاختبار قوّة أصواتهم، فبدأت مباراة الانطلاق نحو السماء بشيء من التعجّل، ربّما لأنّ هذه الساعة هي ساعة الإِفطار. فأخذت السمّاعات التي خصّصت لهذا الغرض المقدس تشقّ الغبار الكثيف لتحصل إلى السماء السابعة، دون أن تشغل أنفسها فيما إِذا كان هناك من يصغي للصراخ حقّاً. واستطعت أنّ أميّز من بينها صوتاً مثيراً قلقاً يلفت السمع في تعثراته وتهدجاته المترعة في الحزن، بل إنّه بدا لي مثل جدول رقراق تقف في مجراه حصاةٌ ناعمة فتصدّه لحظة قبل أن يواصل الجريان، كان لشدّة حزنه وكأنّه استغاثة يائس يرثي الحياة الدنيا الفانية برمتها. سألت بائع خضروات عن بيت عبد التواب، وعندما لاحظ الرجل لهجتي، أصرّ على أن يرشدني بنفسه إلى بيت صاحبي. وتعجبت من أنّه كان يردّد عبارات الترحيب بلا انقطاع بعدما علم أنّني قادم من العراق: «ياهلاً وسهلاً بيك، يا خسارة عَ البلد اللي ضاعت، يا خسارة عَ الناس اللي راحت، نورت مصر، نورت مصر...». فتحت أم عبد التواب الباب وحالما رأتني قفزت عليّ وكأنّها تعرفني منذ ثلاثين عاماً، وأخذت تقبلني وتهتف «مش معقول يا حبيبي، حمدان، بصيت عليك من القزازة، حسبتك الأوّل الخباز عبد العليم، أصله هو عنده الجلابية نفسها.» أدهشتني السيّدة المصريّة حقّاً بحفاوتها وبحرارة عاطفتها. «تفضّل يا حبيبي، يا ضناي، تفضّل يا حبيب قلبي!» أي كلمة ساحرة هذه التي أطلقتها أم عبد التواب؟ يا ضناي، الله كم هي جميلة. سألتها «امّال عبد التواب فين؟» فقالت: «موجود، يتفرج عَ الكورة!» وجدت عبد التواب مستلقياً على أريكة مكسورة المسند، ومكسوّة بقطيفة حمراء غامقة، عاقداً يديه خلف رأسه ومدلياً قدميه عبر الثغرة المشروخة تحت المسند، ويتطلع بهدوء وكسل إلى مباراة نسوية بكرة اليد. قلت له محيياً: «إِختشي على دمّك يا عبد التواب، بتبص ليل ونهار على الستات؟» فقال دون أن ينهض «أهلاً أبو حميد، كنت قلقان عليك!» ثمّ أردف بعد أن وقف ليعانقني: «ما الذي جعل هؤلاء يقتربون منك؟» كنت أعرف أنّه يتعمّد معي الحديث بالفصحى دائماً. أجبته أنّني لا أعلم السبب على وجه الدقة، لكنّهم ربّما يعتقدون أنّني زرت مصر سرّاً من قبل، قلت ذلك بسرعة وكأنّني أريد أن أحسم الموضوع وأمنع عبد التواب من الاستمرار في الاستجواب. فجلست إلى جانبه وربتُّ على كتفه. قال: ـ «مبروك! الجلابية حلوة عليك». ـ «في الحقيقة يا عبد التواب أنا لم أزل مخضوضاً حتّى هذه اللحظة. أعرف أن ليس هناك ما يدعو إلى القلق، لكن الدردشة معهم كانت بنت كلب. ومع ذلك لم تنته، بل إنّهم يريدون أن أشرفهم بزيارتي بعد الإِفطار!». ـ «يعني حيفطروا الليلة دي مرتين، بس على أيه؟» ـ «عن المعارضة يا صاحبي!» ـ «لكن من الذي جعل الموضوع يتطوّع إلى هذا الحد، أنت أم هم؟» ـ «أعتقد أنّهم بحاجة إلى معارضين، لأنّ العراق، مثلما تعرف، لا يمثل للآخرين أكثر من لعبة للتسلية وقتل الوقت، أو في الحقيقة قتل الناس، دي مسألة مش مهمة، أمّا أبناء البلد أنفسهم فهم الأغنام والحمير دوماً. تلك هي المأساة، ربّما أنا من غواة المشاكل!» ـ «لا شك في ذلك. إنّني قادر على تصوّر الطريقة التي تحدّثت بها، أعرف التخرّصات والاستفزازات التي تفتعلها لكي تثير الارتباك عند الآخرين، دي طريقة ألمانية في الحرب النفسية، لكنّها لا تنفع هنا، كلّ هذا لكي يقولوا: هذا هو حمدان، إنّه موجود: أنا أخلق المشاكل، إِذاً أنا موجود! مش كده وإِلاّ إِيه؟». ـ «تخرّصات إِيه ومشاكل إِيه؟ ليس صحيحاً تماماً هذا الرأي، فلوسهم وجبروتهم وقوّتهم هي التي تجعلهم عنجهيين متطرفين في استفزازهم للناس. طيّب قل لي: مين اللي قادر يوقفهم عند حدّهم غير اللي جابهم؟» ـ «إنّني أعرف مزاجك العراقي بشكل جيّد، فأتيت بك إلى هنا لكي يتغيّر هذا المزاج ويصبح رائقاً خفيفاً بعض الشيء، ومن هذه الناحية فأنا معني بالأمر. كان من المفروض أن تقول لهم إنّك جئت سائحاً وإنّك مجرد رجل غلبان، تعبان من صحراء أوروبا فجاء يبحث عن الراحة والأمان». هتفت معترضاً: ـ «يا حبيبي، قلت لهم إنّني بقّال وتاجر لحوم، أبيع الفول والباسطرما في الشمال الأوروبي. ماذا حسبتني أقول لهم؟ جئت لكي أعمل انقلاباً عسكرياً، أم لكي أتجسّس لمصلحة السودان؟» ـ «التجسّس والانقلاب العسكري ده قميص عربي قديم ممزق ومهترئ، محدش يلبسه إِلاّ المجرمين دول، الكلام ده بيني وبينك، لو سمعنا واحد آخر حنروح بستين داهية. طيّب قلت لهم إِيه؟» ـ «أنا؟» ـ «أمّال أبوي؟» ـ «مقلتش حاجة، قلت المعارضة تلطش فلوس من كلّ فجّ، وستنتهي مصلحتهم لو سقط عدوهم فعلاً...».
قال عبد التواب بدهشة: ـ «هو ده كلام؟» ـ «حديثك يا عبد التواب ذكّرني بحكاية صغيرة كدت أنساها، فهل تحبّ أن تسمعها؟» ـ «هات يا حمدان!» فبدأت أقصّ: ـ «يحكى أنّ رجلاً اصطاد سمكة كبيرة، لكنّه عندما جذب الصنارة لاحظ أنّ السمكة لا تريد الخروج من الماء، فحاول معها محاولات عديدة، لكن من دون جدوى. وأخيراً مدّ يده إِليها لكي يحرّرها من الصنارة، فعلقت يده بشيء ما. فبات الرجل غير قادر على إِخراج يده من الماء، فصاح به أصحابه أن يترك السمكة في سبيلها ويبحث عن سمكة أخرى، فقال لهم إنّه تركها، لكنّها هي التي لا تريد أن تترك يده». علّق عبد التواب ومطّ الياء مطّاً: ـ «طيّب. من ذا الذي أدخل يده في الماء، بل من الذي أدخل يدك في النار؟ من ذا الذي يعشق العناد سواك؟ كلّ ذلك من أجل أن تختبر قوّة أعصاب الأعداء الوهميين وقدرتهم على تحمّل الإِهانة، وكأنّك باحث استراتيجي وليس تاجراً للفول واللحوم. حاول يا ابني أن تجد لنفسك مشغلة ثانية غير مهنة العلاج بالصدمات. أرجوك أبحث عن مشغلة ثانية...». ـ «طبعاً أنت تعرف يا عبد التواب أنّ سيكولوجية الإِنسان هي البحث، فأنا عملياً أبحث عن المباحث والأمن مثلما أبحث عن الفول واللحوم والتوابل وهلمّ جرّاً، والمباحث بدورها تبحث عنّي وعن أمثالي قبل يخطفهم خطّاف المنايا. إنّ رجال المباحث يا عزيزي رسل الدنيا. فهم يعلمون علم اليقين أنّني جرماني بشعر أسود وشيعي بقلب أحمق ساخن، أنا الشيعي التائه، أنا جان جنيه...». ـ «أنت جنّ جنونه...». ـ «صحيح، يمكن أن يكون معك الحق كلّه، إنّني أريد في الواقع تجربة أساليب المباحث، ذلك هو الحلم الرومانسي القديم. عشت أكثر من خمسة وثلاثين عاماً ولم أخضع مرّة واحدة للتحقيق الأمني...». ـ «(تعلّمت من الإِمام الحسين أن أكون مظلوماً فأنتصر)، ألم تنسبوا أنتم هذا القول إلى المهاتما غاندي؟» ـ «نعم، نعم. ما الذي سوف يحدث لي لو أنّني شتمتهم مثلاً؟ فهل يهددونني أنا يا عبد التواب بالأمن والمباحث؟». ـ «تريّث قليلاً، كن حذراً»، قال بنبرة رقيقة هادئة، «لا تكن دائماً عراقياً أحمق. إنّهم يقدّرون في كلّ لحظة أن يهدروا دمك، ولهم في ذلك ألف طريقة وأسلوب، من أنت يا حمدان ليصبحوا عاجزين عن إزاحتك؟» ـ «هل جئت إلى هنا لكي أقتل أم لكي أعيش من جديد؟» ـ «الناس هنا، أنت تعرف ما الذي أعنيه بالناس، لهم حق القتل وحده، وليس لك حتّى الحق في الاعتراض على قدرك وقسمتك، هذه هي المحرقة الجديدة، محرقة العرب! على أي حال، كن عاقلاً ولا تجلب لي ولك المصائب، فقد يبعثون لك برجل معتوه ليطعنك بخنجر أو يضع في قلبك الشيعي رصاصةً. أرجوك أن لا تجعل من الموضوع مشهداً بطولياً مفتعلاً، كلّ الأشياء معروفة، كلّ الأشياء مكشوفة، والقاتل والضحية والشاهد كلّهم من )أهلنا). هذه الأشياء نقولها فيما بيننا. الناس يا حمدان مش لاقيه عيش تعيش! بعدين أنت لسّه ما شبعتش من الثورات، ثورات العرب الكاذبة والمعفنة؟ كن يا أخي لطيفاً مؤدباً معهم، وإن شاء الله سيجري كلّ شيء على ما يرام. وأنا متأكد تماماً من أنّك إِذا ما اتبعت نصائحي فسوف تنقذ جلدك على الأقل». ـ «لكنّك أنت الذي نصحتني بالمجيء إلى هنا؟» ـ «طبعاً طبعاً، دون شك، مصر بلد أمين، وهذا مذكور نصّاً في القرآن الكريم. فضلاً عن ذلك، فإنّ رجال الأمن أنفسهم مخلوقات مسكينة. الناس هنا يا حبيبي مغلوب على أمرهم، ويتصرّفون كما لو أنّهم ينتظرون عقوبة من الله على شيء لم يقترفوه، كما لو أنّهم قوم يونس الذي انتقم الله منه ووضعه في جوف الحوت، لأنّه كان يهدّد قومه بدمار النار والسعير. الناس هنا غارقون في أحزانهم، وأحزنهم لا تنتهي، فنحن شعب قديم افتتحت به البشرية سعادتها مأساتها. عليك أن لا تقارن الناس هنا إِلاّ بأصلك، وليس بما أنت قادم منه، فعندنا هنا لا يفكر حتّى رجل الدولة نفسه إِلا بإشباع بطنه، وليس في ألمانيا مثلاً عندما وضع ناحوم غولدمان كتاباً عن رجل الدولة الذي بلا دولة، محدّثاً ثورة في مفهوم رجل الدولة، وهل تعتقد أنّ بشراً مثل غولدمان عاجزين عن خلق دولة من لا شيء؟ لقد خلقوها يا عزيزي على الرغم من أنوفنا، وماذا فعل أصحابنا؟ أنّ لهم الفضل في تحويل الدول العظيمة القائمة منذ آلاف السنين إلى مزابل ومقابر! فمن شأن الناس الذين رفعهم الله إلى أعالي المعمورة أن يفكّروا بالترف الفن والإِعمار وأنماط الحياة الحديثة، فهناك حتّى الفلاح البسيط يفكّر على نحو استراتيجي. فهو يفكّر على الأقل من موسم إلى موسم، أمّا هنا، فالعياذ بالله، العياذ بالله والله أكبر، حتّى ملك الجزيرة بعظمته وجبروته يفكّر بالمنسف والغلمان ليلاً ونهاراً. إنّ أصحابنا يا أخي يطبقون الحكمة العليا (اشبع بطنك كأنّك تموت غداً) فكفاية ظلم، كفاية ظلم ومسخرة يا حبيبي!». فأجبت محتداً بعض الشيء ـ «وما شأني أنا وهذا الكلام؟ ثمّ إنّ ليس هناك ما يدعو إلى الانفعال يا دكتور!» ـ «نعم»، ردّ الدكتور عبد التواب، «تلك هي الإِجابة الصحيحة. عليك أن لا تنجذب إلى الكلام المجاني. فهذي الأمّة ثرثارة دوماً ولن تتعلّم الصمت يوماً. لكّني أريد أن أكشف لك أمراً مهماً: إنّك لا شك تجهل تماماً كم عميقة ودفينة هي النفسية المصرية! دعني أوضح لك هذه الفكرة: هناك تراكم تاريخي هائل ومتنوّع ومتنافر من الخبرات العملية والمعرفية، وهناك أيضاً تاريخ كامل من الظلم والقهر والشقاء. لكن لم يظهر من هذين التراكمين التاريخيين إِلاّ الأوّل منهما، أمّا الآخر فهو مختمّر منذ آلاف السنين، لكنّه ما زال مطموراً غائراً، ربّما بسبب الخوف، أو بسبب الحكمة المصرية. لكن إِذا ما قُدّر للمطمور والمطموس أن يكشفا عن نفسيهما ذات يوم، فإنّك ستجد النفس المصرية حينئذ وقد تجلّت في أشدّ صورها تجلّياً وبهاءً. لكن دعنا نعود إلى الحاضر: لقد تمكّن الغرب من وضع الأسس الضرورية للرقي بالإنسان من مستوى الذل والانحطاط إلى مستويات حسيّة ونفعية وجسدية ونفسية إلخ وذلك منذ قرون. بالطبع إنّني أتكلم هنا عن الجانب الإِيجابي وحده. أمّا نحن، ولا سيّما أنتم المساكين الساذجين من أهل العراق، فقد دخلتم إلى القرن العشرين حفاةً عراةً وجائعين ودائخين لا تعرفون أين صار ربكم. تلك هي المصيبة الكبرى. فأدمغة الناس في شمال المعمورة تحرّرت من سطوة المعدة، فتجلّت ذواتهم، ثمّ تفرّغوا لنا نحن البداة الأعراب فيما بعد. فمشكلتك أنت يا سيد حمدان هي باختصار رغبتك المحمومة في جعل الناس الغلابة يفكّرون على نحو أرستقراطي، وهذا أمر مستحيل، مستحيل إلى يوم القيامة. المهم في الموضوع كلّه هو أنّهم يريدون الانفراد بك، شأنهم شأن الضباع الجائعة...». طلبت من عبد التواب أن يحضر لي فنجان قهوة، فقال يجب عليّ أن أنتظر مدفع الإِفطار. وعرض عليّ أيضاً أن يرافقني إلى مبنى الأمن، فرفضت شاكراً له شجاعته. 4 تركت عبد التواب غارقاً في تأمّلاته ومتابعة كرة اليد للسيّدات، وخرجت إلى الغروب الموحش الباهت الصفرة. فرأيت بضع مركبات تفرّ مذعورة في الأزقة الجانبية كالفئران. ومن بعيد سمعت إطلاقة مدفع وحيدة، انطلقت بعدها مكبرات الصوت خلال ثوان كما لو أنّها انعتقت تواً من عبودية الصمت، لكنّ الشوارع كانت مقفرة تخيّم عليها صفرة الغروب. وبعد لحظات توقّف الأذان، فساد الصمت من جديد. ففكرت في الرجوع إلى بيت عبد التواب، بيد أنني خفت من عاقبة الأمن، فرفعت جلابيتي إلى الركبة وأخذت أقفز في اتجاه المدينة. إذ أنني أردت أن أصل إلى مكان ما، إلى نقطة استقرار صغيرة، لكن ذلك كان حلماً، فتوقّفت لحظة أنهج كالجمل المتعب ثمّ تابعت القفز. وسمعت صوتاً يهتف من خلف طاقة مشرعة «وحدوه، وحدوه، خفّف شوية يا صعيدي، حتلحق إن شاء الله على الإِفطار!» في هذه اللحظة رأيت سيّارة سوداء تنحرف باتجاهي، وتقف تماماً إلى جانبي. ودون إِذن أو سؤال فتح لي السائق باب وأمرني بالركوب. بدا سائق التكسي حيوياً نظيف الهندام وفي عجلة من أمره. فسألته إن كان قد أنهى إفطاره في هذه السرعة. فقال إنّه قبطي وقد ظنّني قبطياً مثله. فشجعتني تلك المعلومة الصغيرة على أن أسأله عن حانة مفتوحة في هذه الساعة. فقال القبطي إنّ «البلد مفتوحة كلّها عن آخرها يا أفندم.» فطلبت منه أن ينزلني عند حانة قريبة من ميدان لازوغلي. فأجاب بتواضع جمّ «حاضر من عيني الاتنين، حنزلك في أجمل بار في البلد كلّها». أنزلني حقّاً أمام حانة في الحيّ القديم، تحمل اسماً فرنسياً. كانت واجهتها سوداء معتمة وقد تدلّت منها أغصان نباتات لا تعرف إن كانت طبيعية أو من المطاط الاصطناعي. وكان هناك أيضاً بوّاب بثياب أنيقة وصديري أسود لامع الأزرار وقرديلة النادلين التي تشبه ذيل طائر السنونو. في البدء نظر إليّ باستهجان وترفّع، لكن بعد أن ألقيت عليه التحية بالإنكليزية والعربية معاً ودسست في يده خمسة جنيهات ابتسم وقال «متأسف جداً! في الأوّل افتكرتك مصري». مضيت فوراً إلى المرحاض، دون أن أسأل أحداً، إنما عثرت عليه هكذا، فكان واسعاً نظيفاً فيه مرآة مذهبة الإِطار ومنشفة كهربائية. فتبولت وغسلت وجهي لكي أتهيأ لطقس الشرب. كانت الحانة كبيرة خالية، إِلاّ من طاولة جلس عليها بعض الأجانب. فأوصيت على نصف قنينة من الكونياك. جاء النادل بزجاجة كونياك مصرية. كنت أعلم أنّه سيجلب لي هذه الخمرة البنية الشديدة اللمعان، لكنّني سألت نفسي في الوقت ذاته هل يمكن لهذه الحانة ذات اللقب الفرنسي أن تقدّم الكونياك المغشوش؟ وحاولت شيئاً فشيئاً أن أزيح وهم الخوف من رأسي. فتأمّلت السائل البنّي وهو يشعّ أحمر بنياً في الكأس. وأغمضت عينيّ وأخذت الجرعة الأولى: (لا بأس بها!) فألحقتها بأخرى ثمّ ثالثة حتّى بدأ مفعول السائل السحري يتصاعد من أسفل البطن إلى قمّة الرأس، ليظل مستقراً هناك... نقّبت في مخيلتي عن الصور المحبوسة التي لا تريد التحرّر من النفس، عن صور قاطع الربيعاوي الذي يقبع ابنه في هذه الزاوية المعتمة من العالم، ينتظر ساعة الحساب، ابنه حمدان اكما لو أنّها تبحث عن قطعة أثرية نادرة، ابن قاطع الواحد الوحيد المقطوع الذي نفد صبره. الله يرحمك يا قاطع الربيعاوي الذي تحضرني حكمته الآن: «إِبني، ترى أبو گريوه يبيّن بالعبر. لكن يا عزيزي قد عبر أبو گريوه الهور دون أن «يشلّه» سراويله! لقد كثرت القراوي يا أيّها الغائب المدفون والذي ضاع قبره، كثرت في هذا الزمن العجيب، ولم يعد أحد منشغلاً باكتشافها، فيا لهذا العمى، يا لهذا العمى. ومثلث أمامي صورة الجائع البورتريكاني وهو يهوي بسيفه الصدئ المثلوم على عنق صاحبه بسبب علبة كارتون فارغة ويحزّ رأسه، تذكرت الشيخ الدرزي الذي أعدم ببندقيته الأوتوماتيكية عجوزاً مارونياً من «ظهور الشوير». وتذكرت موت جان جنيه الغامض والموحش والبعيد، هذا اللص العتيق الجميل الذي ليس له أم ولا أب، «أنا طفل وحيد مهجور، وكلّ ما جرى لي في حياتي لم يكن من صنع يدي. فحاولت أن اتّخذ الأشكال جميعها لكي لا أصبح مجرماً. فصرت في البدء كلياً، ثمّ صرت هرّاً، وحصاناً بعد ذلك، حتّى أنّني حاولت ذات مرّة أن أصبح وردة، حينذاك اتهمني الناس باختلاف التوازن». شعرت بالألم يعصر قلبي الذي تحوّل إلى كومة لحم نيئ، هذا القلب المحصور في الظلام القاهري الكبير. فتطلعت إلى بقايا الكونياك الذي خبا بريقه. وارتشفت بقاياه دفعة واحدة، ثم اختبرت مفعوله في رأسي، فوجدت الرأس خفيفاً فارغاً، فأثقلته بربع زجاجة آخر، حتّى شعرت بأنّني أصبحت جاهزاً تماماً لساعة القصاص. 5 خرجت من حانة «البوليفار» أجرجر تلابيب جلابيتي قاصداً ديوان الأمن في الميدان القرغيزي واضعاً يديّ الطليقين في جيبي الورك، صافراً لحن بحارين خليجيين لأشد به من عزيمتي. واقتربت من ساحة الميدان. فجأةً هبّت ريح متسارعة عنيفة، فتشتت فلولُ الغفر الفقراء في الجهات الأربع. ودفعتني الريح إلى بوابة الدخول دفعاً يكاد يكون ذاتياً. كنت ما زلت أردد اللحن الخليجي الجميل، وعندما اجتزت عتبة الباب طفقت أغني بصوت مرتفع. فلم يوقفني أحد، ولم يسألني أحد، هكذا كما لو أنّني أدخل إلى سوق الخضار. وربّما حسبني الحراس مخبراً جديداً، فقد يحتاج الشهر المبارك دوماً إلى مخبرين جدد. وإِلاّ برب السماء من ذا الذي يجرؤ على الدخول إلى دائرة الأمن الوطني والقومي بجلابية صعيدية وفي ليلة القدر؟ مسح البواب الداخلي جسدي بعدسة كهربائية ضخمة ثمّ شكّ العلامة الأمنية وقال «خش!». فدخلت مشتت الذهن، خائفاً ومقتنعاً في وقت ذاته بأنّ دخولي دار الأمن يعني الانقطاع كليّاً عن العالم الخارجي، ومن السهل تماماً أن أخرج جثّة هامدة دون أن يشعر بي أحد. كنت مضطرباً لدرجة أنّني لم أستطع الالتفات إلى النخيلات المتفرقة المنتفخة الجذوع. ولا شكّ أنّ هناك قوّةً جبارةً أخرى، إلى جانب قوّة الله، ستتحكم في مصيري الآن، قوّة لا تخشى أحداً في هذا الكون. وصعدت السلم الحجري قفزاً، درجتين درجتين، وفي الدور الثالث اصطدمت دفعة واحدة بجسد العقيد سرور أبي سعدة شخصيّاً، فبادرني بصوت بارد متثلج «رايح فين؟» فقلت دون تفكير «رايح لحضرتك!» فقال اتبعني، فتبعته إلى الطابق الأرضي. في تلك اللحظة أدركت أنّ المراتب الدنيا تجلس عادةً في الأدوار العليا، إِذاً إنّني سوف ألتقي بجنرال في الأمن القومي. وفي الطريق سألني أبو سعدة عن الجلابية، فأجبت بأنّني ارتديتها احتفاءً بالشهر المبارك ورغبةً في العودة إلى النبع الأصيل. قادني العقيد إلى غرفة كبيرة وضعت في وسطها طاولة رمادية ضخمة مصنوعة من الحديد، جلس خلفها رجل بدين ببذلة صفراء وربطة عنق عريضة، لونها بين الأسود الفاتح والأخضر. كان متغضن الوجه وشديد الشبه بالممثل الأمريكي جاك ليمون في خريف حياته، بيد أنّ أرنبة أنف المحقق المصري كانت فطساء مفلطحة بعض الشيء. ولمحت بريقاً خافتاً يرقد في عينيه، ليس هو بالماكر ولا بالخبيث، إِنّما كان يتوزع بين الطيبة ودماثة الخلق. فحييته ومددت له يدي، فنهض وناولني يداً خشنة مشعرة، رصصت عليها بسبب الخوف. فقدم لي سيجارة، لكنّني اعتذرت بأدب. ثمّ جلست على قنفة قبالة المحقق الكبير في حين أخذ العقيد سرور مقعداً إلى جانبه، وبدأ يدوّن شيئاً، قد يكون لا علاقة له بي. ورمقني جاك ليمون المصري بنظرة حادة قصيرة، لم أدرك مدى عمقها ثمّ جذب نفساً من سيجارته وأخرج صوتاً غليظاً مختلطاً بالدخان: ـ «أهلاً بيك، نورّت مصر!» ـ «شكراً جزيلاً!» ولم يطرق في ذهني شيء آخر غير هذه العبارة الميتة. ـ «اسم حضرتك لو سمحت زي ما هو وارد في جواز السفر؟» ـ «حمدان قاطع الربيعاوي». فقال جاك: ـ «عاشت الأسامي!»، ثمّ استدرك بعد أن التفت إلى أبي سعدة ليرى وقع الاسم في نفسه، «الربيعاوي ده لقب العايلة، مش كده؟» لفظ حرف الراء بالفتح بدلاً من الكسر المألوف عند عشائر الأهوار. ـ «نعم يا أفندم، من بني ربيعة!» ـ «بلا مؤاخذة، مش سامع فيهم!» ـ «من عشاير نجد، من بقايا الخوارج!» ـ «مش مهم»، قال ثمّ صمت وكأنّه لا يعرف من أين يبتدأ ثانية.ً وبعد حين تمكّن من طرح السؤال الأكثر خطورة «ودي الوقت مهنتك إِيه؟ أقصد بتشتغل إِيه؟» ـ «تاجر مفرق. أقصد مفرد. عندي دكان خضروات ولحوم في برلين». ـ «وكمان صحفي!» أكمل العقيد المبهوق. فأجبت على الفور: ـ «الصحافة هذه مشغلة ثانية. هذا العمل كان أيام زمان، أيام الزعرنة مع الإخوة اللبنانيين والفلسطينيين، اللي نصفهم الآن صاروا تجّار والنصف الآخر صاروا خولات. آسف، يعني صاروا قوادين لثقافة ما بعد السلام. كنت صحيح محرر في جريدة صغيرة. يعني بصراحة زي ما يقول الإخوة اللبنانيين (تفنيص)، آسف على التعبير، يعني ولا حاجة». سأل جاك بنبرة تشي بالضجر: ـ «والوالد؟ الوالد عايش فين النهار ده؟» ـ «الوالد، نعم، الوالد يقيم الآن في دار الآخرة». ـ «ربّنا يرحم الموتى قبل الأحياء. بس الوالدة تعمل إِيه في حالة زي دي، الزوج راحل والابن غائب؟» شعرتُ حقّاً بنوع من المجاملة، لأنّ الأستاذ جاك ليمون المصري فكّر بمصير والدتي، فقلت مبتسماً: ـ «الوالدة امرأة شاطرة، تشتغل بياعة دجاج وريش وصوف إلخ...». ـ «فين؟» ـ «فين؟ في سوق العورة يا أفندم. في سفارة بيت سويري!» ـ «أنا عارف السفارة دي لحسن الحظ. فيه واحد مصري حكا لي لما كنت أعمل في بغداد أنّ العراقيين خذوه للمكان ده لما كان بيسأل عن السفارة المصرية.» ثمّ قال جاك بلهجة حادّة «هو أنت بتمسخر علينا وإِلا إِيه؟» ـ «لا والله يا أفندم! أهلي كلّهم كانوا ساكنين في السفارة». ـ «سوق العورة، السفارة، ما شاء الله كلكم تجار! باين المهنة راسخة قوي في الدم؟» ـ «لا يا أفندم...». ـ «بطل سيرة الأفندم!» ـ «حاضر. أعتذر جدّاً. مش كلّنا تجار، أبوها، أقصد أبو الوالدة، كان في الأصل قاطع طريق. يعني مش بالمفهوم الحديث، وإِنّما كان يشن غزوات على نجد وعربستان في زمن المرحوم الملك عبد العزيز آل سعود، يعني لو كان الجد حنش ذكي شوية مثل المرحوم عبد العزيز، كان صار اليوم ملك، أو على الأقل سلطان، أو أمير إلخ. بس السيد حنش أبو الوالدة كان مشغول بخطف النساء والإِبل والأبقار. أعتقد لأنّه كان يعتبر السياسة عمل الجبناء»، قلت وضحكت، لكن جاك ليمون، مساعد بطل الفيلم الأمريكي زمّ براطمه وغرس بصره في عينيّ، ورأيت أيضاً يده المتينة تتحرّك على نحو آلي باتجاه الطقطوقة لكي ينقض رماد سيجارته. نطق من جديد: ـ «ظريف قوي. قاطع طريق مودرن! على طريقة الجماعات السوء نية! عمر حضرتك كم لو سمحت؟» ـ «مش عارف بالضبط. يمكن أربعين سنة». ـ «معقول الكلام ده، وإِلاّ مجرد الرقم السحري اللي يعشقه العرب؟». ـ «يمكن أقل شوية من أربعين، أو أكثر شوية. اللي سجلوني في سجل النفوس هم اللي كتبوا عمري.». ـ «هم مين؟» دهشت حقّاً لسؤاله الشديد التلقائية الذي ليس له علاقة مباشرة بالتحقق من هويتي، غير أنّ الأسئلة التافهة تنم أحياناً عن عبقرية فذّة، أو تنم على الأقل عن مهارة أمنية. وربّما أراد جاك أن يخدر يقظتي التي خدرها الكونياك أصلاً. ـ «أمي وأبوي». ـ «يمكن تكلمنا شوية عن المرحوم أبوك؟» ـ «يا أستاذ صارلي أكثر من ثلاثين سنة ما شايف أبوي، حتّى قبره أندثر». ـ «أقصد قبل أن تعاجله المنية كان بيشتغل إِيه؟ يعني كان قومي، رأسمالي، بعسي، بس أرجوك ما تقولش إنّه كان بياع خضرة!» قال وابتسم كمن كان فرحاً بمواهبه وصراحته. ـ «أنا في الوقع كنت أعرف أنّ هذا اليوم هو يوم الحساب! كويس جدّاً إنّ الأمن العرب تعلّم الحكمة من رب العالمين! المرحوم الوالد كان ميكانيكي في ورشة تصليح سيّارات الحزب الشيوعي، وفي الليل يشتغل حارس في معمل. وكان يصلي ويصوم وراح للحج كمان». ـ «يا أستاذ حمدان، معقول أنّه في كلّ أرض الله الواسعة دي مفيش شغلانة لأبوك إِلاّ في ورشة ناس زي دول؟» ـ «جت كده يا أستاذ. ربنا أراد...». ـ «أيوه، أيوه، مجراش حاجة»، قال جاك وقد اشتدّ البريق في عينيه: «سايح والنبي سايح، والجلابية حلوة مقصبة وقاعدة على الكتفين، والأب غلبان وحاج وشيوعي والأم بياعة دجاج والابن صايع وضايع، والله حلو، والله حلو!» هنا رفع المحقق من صوته الذي كان مرتفعاً إلى حدّ ما: «طيب، خبرنا، وحياة الجلاليب، حضرتك شغال في أي ورشة ده الوقت؟ يا عبدو شوف الأستاذ عايز يشرب إِيه؟» (عبدو؟ يشرب إِيه؟ هذه هي نهايتك يا حمدان!) وتطلع جاك إليّ وسألني ثانية: ـ «تشرب إِيه؟» ـ «شكراً جزيلاً. ولا حاجة!». ـ «شكراً على إِيه؟»، هنا تدخل المبهوق بصوته الناعم كالخيط. «مفيش هنا حاجة اسمها ولا حاجة. يا عبدو هات للأستاذ حمدان واحد شاي». ـ «أرجوك، أرجوك، مقدرش، أنا لسّه شارب دوا معدة». ـ «هات له واحد شاي يا عبدو. شاي عراقي!» قال المبهوق بنبرة حاسمة لم أستطع تبيان سخريتها من جديتها، ولا يمكنني إِلاّ أن أتخيّل المعنى السرّي لمصطلح (الشاي العراقي) تخيّلاً أمنياً، وفي الحالة هذه تكون الاحتمالات كلّها مفتوحةً، فهل أنّ الشاي مثلاً كلمة سرّ؟ وهل هو شاي طبيعي أم ضيافة مخابرات؟ ولأنّني لم أصل إلى رأي قاطع، فقد انقطعت عن التفكير. ـ «أيوه يا أستاذ، تكلم، انطق يا حبيبي!» فقلت في نفسي (حبيبك يا مستر جاك؟ الله يخسى عليك يا جنرال!) لكن جاك عاد يكرر من جديد: "انطق، قول، إِيه جابك لحد هنا؟» ـ «رجليّ، رجليّ»، قلتُ وربتّ على ساقيّ معاً. "رجليّ هي اللي جابتني. بعدين أنا رجل سايح، ومصر بلد سياحة، فلذلك من الطبيعي أن يأتي السيّاح من كلّ مشرب ومسرب، أميركان، يابانيين، عراقيين، إسرائيليين، سعوديين، إِيه المانع يعني؟» ـ «مفيش مانع خالص»، قال المحقق. «لكن أرجو أن ما تزعلش من ملاحظتي: كلمة عراقي ما عاد لها أي لزمة، أقصد ما فيهاش أي ثقة. العراق دي كانت زمان بلد وماتت!» ـ «أنا أوردتها مثلاً. بعدين حضرتك تعرف أنّه أنا مواطن ألماني، ألماني الجسية والتفكير كمان. وفي الوقت الحاضر مفيش أي حاجة تربطني بجذوري. صحيح أنا تولدت هناك بين نخلتين، في العراء، في الهور. بس ده كان زمان، كان زمان... في الواقع أنا أعرف أنّ العراقي صار غير مرغوب فيه، وأعرف أنّ البلدان تموت أيضاً. بس حنعمل إِي يا...» أوشكت أن أقول (يا مستر جاك)، لكنّني تداركت الأمر في الثانية الأخيرة، «يا سعادة الباشا، يعني لازم نصبغ وجوهنا؟» جاء الشاي، ووضعه الخادم فوق المنضدة النحاسية المدورة. وبدا بارداً عكر اللون، وامتنعت من أن أمدّ يدي إِليه. فلاحظ المحقق تردّدي، وكذلك العقيد سرور. وعلى حين غرّة صاح بي سرور «اشرب، اشرب، الشاي!» غير أنّني ازددت تمنّعاً، فاغتاظ العقيد وصرخ بي هذه المرّة بلهجة آمرة «اشرب شايك، اشرب، اشرب الشاي العراقي!» فشربت. ـ «كده كويس»، قال بارتياح. «يلّه، يلّه، طيّر عصافيرك، زي ما يقولوا في اللجهة بتاعتكم، متتعبناش معاك. من الذي أتى بك إلى مصر؟» ـ «رب العالمين، أو القدر. أمّال إِيه اللي جابني غيرهم؟ بصراحة أنا سمعت في مرّة من المرّات سيدة مصرية تقول إنّه إِذا كان الواحد معاه شوية فلوس وشوية مزاج، يقطع تذكرة ويروح لمصر على طول، من غير تفكير، ولا حسابات، وهناك راح يشوف أنّ مشاكله كلّها ممكن تنحل من الجذور...» قلت ثمّ شعرت بخدر خفيف يدبّ في طرف لساني، فتوقفت عن الكلام. وانتبهت أيضاً إلى أنّني كنت أطيل في الاستطراد دون ضرورة. وتأمّلت الشاي الذي غلفته غشاوة شفافة من التأكسد، فرأيت ورقه الدقيق يترسب كلّه في القعر. فأحسست بشيء يشبه الدوار، أو دوخة الغشيان، وأتتني رغبة في التقيؤ. وقلت في نفسي لا بد أن يكون مفعول الكونياك المصري قد اشتدّ بفعل الشاي، إِلاّ أنّني استدركت مقتنعاً على وجه السرعة بأنّ أقوى حالة سكر لا يمكن أن يكون تأثيرها بالضرورة أقوى من مفعول امتحان الأمن، إِذ أنّ السَّكر الطبيعي يتبخر عادة مثلما يتبخر الحلم الجميل. وشعرت بحرقة في عينيّ وفي أرنبة أنفي وحتّى في فكي السفلي، فنشأ شكّ في نفسي وهو أنّ الشاي لم يكن قطّ طبيعياً وبريئاً. وكالحالم خطفت في ذهني المخدّر اعترافات الشاعر المصري الذي قال إنّهم أرغموه على تناول عقاقير لا يعرفها، كلّ مرّة قرصين صغيرتين، كانا يحدثان فيه اضطراباً شديداً وهلوسةً بصرية وسمعية كان يفقد خلالها الوعي بمعايير وقيم الزمان المكان، وتتخطفه أخيلة عجيبة شديدة الفوضى، حتّى تخيّل ذات مرّة بأنّه يعتدي على أمّه التي أنجبته. فهذه إِذاً هي حالتي الآن. وتأكدت لي صحة اعترافات الشاعر. ودفعةً واحدة أخذ جذعي يميل يميناً وشمالاً بلا إِرادة، في حين ظلّ بصري عالقاً في حثالة الشاي. وسمعت صوتاً غريباً يهتف بي، ربّما كان صوت جاك: ـ «ودي الوقت، بتحس إن شاء الله أنّ مشاكلك بقت محلولة خلاص؟» وتوقف ثمّ أردف: “مين هو السوريّ اللي كانت معك في المطار؟" وتابع صوت آخر: “ليه بصيّت على قصر الرئيس؟" فبقيت واجماً. ولا شك أنّ لساني أصيب بالشلل التام، وعندما تحسّست فمي وجدته جافاً مرتعشاً. هنا شعرت بيد خشنة صلبة تضغط على مؤخرة رأسي عند نهاية الخسوف الذي يقع بين القحفة وأولى فقرات العنق، وشعرت بيد أخرى تغرس منطقة الدماغ بإبر دقيقة. فاجتاحت جسدي رعشة عنيفة وبدأت خيوط العرق البارد تسحّ وترشح على وجهي ورقبتي. وأحسست بالخجل من نفسي وتساءلت: هل يمكن أن يكون تأثير السمّ سريعاً إلى هذا الحد؟ في الواقع لم تكن هناك يد أو أبر مغناطيسية، بل أخيلة وهلاوس. لقد كنت مضطرباً زائغ البصر، يكاد قلبي يسقط على الأرض من فرط الرعب. وتطلعت إلى المستر جاك فوجدته يصوّب نظراته النارية الخبيرة نحوي، تماماً مثلما يفعل طبيب التخدير قبل إجراء العملية الجراحية. وتظاهرت بالتماسك وضبط النفس، وقمت أعنّف نفسي وأشتمها وأتّهمها بالجبن. وفي هذه اللحظة رأيت جاك الأفطس وسرور المبهوق ينهضان معاً ويتجهان نحوي، وهما يهتفان: "الجلابية حلّوة، والنبي هات قهوة، وشاي عراقي كمان. دا الجلابية حلّوة ومن غير صديري، والنبي هات قهوة، من زهرة البستان”. فانتفضت أصرخ كالملسوع ثمّ قلبت الطاولة، فأحدث ارتطامها دوياً هائلاً في الليل، وشعرت بالكلمات وهي تشق روحي ساخنةً وعنيفةً هائجة: ـ «أنتم مين؟ عايزين منّي إِيه؟ أنا حمدان قاطع الربيعاوي، عراقي من الهور، شيعي، آشوري، جرماني، عربي، شيوعي، بس أنتم جنسكم إِيه؟ جنسيتكم أيه؟ هويتكم إِيه؟ عرب؟ فراعنة؟ أفارقة؟ أقباط؟ قوميين؟ إسرائيليين؟ أمريكان؟ قولولي عايز أعرف!» وحين نطقت بعبارتي الأخيرة هوت على فمي قبضة المبهوق، فترنّحتُ بعض الشيء، وسالَ خيطٌ من الدم على شفتي، لكنّني تفاديت ضربته الثانية. هنا أمره جاك أن يرفع يده عنّي «سيبو، سيبو، ده مجنون، مجنون خالص، فيه حل تاني يصلح للكلب الأجرب ده!» فتركني المبهوق ولطم يده في الحائط مغتاظاً حانقاً ومحبطاً. ثم دخل بضعة رجال إلى الغرفة وأحاطوا بي من جميع الجهات، فصرخ ليمون المصري «أخرجوه بره، العبيط ده إِبن العبيط، بره، بره، على طول!» 6 خرجت إلى الميدان مندفعاً بسرعة خارقة كما لو أنّني انطلقت تواً من فوهة مدفع الإفطار، واخترقت رهط الحراس الذين كانوا يتبادلون الصفير كالزرازير الضائعة والريح العنيفة المباغتة تعوي فوق خوذهم، وخطوت في قلب الظلمة، ظلمة القاهرة الساكنة الزرقاء، ورفعت كلتا يدي إلى الأعلى كمن يبلغ قوماً بانتهاء المعركة وحسمها، وكنت ساخناً وعنيفاً، فتوقفت لحظةً لكي آخذ نفساً، وتحسّست رأسي وجسدي، فوجدت برودة بين ساقيّ، انتبهت إلى أنّني لم أرتد سروالاً داخلياً، وإِنّما اكتفيت بعصابة عميرة وحدها. وضرطت ضرطة طويلة طنّانة. وانطلقت من جديد منتشياً ومنبهراً بدميّ العربي، فيا لنشوة الدم العربي. وعلى نحو خاطف استحضرت الساعة التي غادر فيها جنود بني إسرائيل أرض بيروت رافعين الرايات البيضاء وهم ينادون في الناس «دخلكن نحو مسخوبين، ما تقوصوا علينا، نحن مسخوبين مسخوبين، withdraw, withdraw... يا لعنة السماء، يا لعنة الأرض والسماء، إنّهم يقتلون الناس شرّ القتل ويسلبون العباد والبلاد ويحرقون الحرث والنسل ويقطعون الأرحام ويغتصبون وينهبون ويتسلطون كالآلهة، وبرغم ذلك كلّه لم يشف غليلهم ولم تستكن أرواحهم ولم تهجع غرائزهم، حتّى أتوا على الخرفان والدجاج والأرانب كلّها... فوصلت إلى محطة قطار الأنفاق، ولم تزل جذوة الثورة والعنفوان تستعر في جسدي، وصلتها بلمح البصر، كنت أشعر بقوّة خارجة في نفسي، قوّة ثور آشوريّ مجنح وهائج، وسرت حتّى بداية سكة القطار، حيث تقف النساء عادةً، ولم أكن قد فكّرت بالأمر، إنّما آلية المشي هي التي تملكتني وجعلتني أسير إلى أقصى نقطة. ووقفت إلى جانب السيدات، ثمّ ركبت معهن في مقطورتهن الخاصّة، ولم تشعرني أيّ منهن بأنّني ارتكبت خطاً؛ فقد كنت ساهماً دائخاً يكاد الصداع يمزق رأسي، شعرت بالصداع يتجمّع في نقطة واحدة، كان صداعاً مركزاً، في هذه اللحظة أوشك رأسي على الانفجار، واجتاحتني نوبة ألم تشبه الصرع أو الانفصام الجسديّ والروحيّ معاً، وأصبحت على وشك أن أمزق جلابيتي في المقطورة. وأخذت أحرّك كتفيّ على نحو آليّ وابتسم إلى السيدات كالمعتوه، وهن، ويا للعجب، كنّ يبتسمن أيضاً. وعلى حين غرّة اكتشفت أن جلابيتي لم تكن جلابية عادية مصنوعة للسياح، إِنّما صعيدية حقّاً، خُيطت بطانتها الداخلية بخيط متين ونُسجت مواضع الأزرار العريضة بدقة متناهية وذوق رفيع، غير أنّها كانت خالية من الأزرار، كذلك طُرّز الزيق الواسع المنفرج من أعلى الصدر بخيوط براقة من البريسم حمراء وبرتقالية. وأدركت أيضاً أنّ الزيق تُرك واسعاً عمداً ووفقاً للتقليد العريق، لكي يتيح للصديري البلدي أن يطل إطلالة صعيدية بخطوطه الرأسية مشكلاً دمغة مصرية رائعة. بيد أنّ المنطقة التي تقع في أسفل الخصر فكانت ضيقةً، فصرت أحرّك جذعي حركات بطيئة دائرية وراقصة لكي تتمدّد منطقة الخصر قليلاً، حتّى لو أدّى ذلك إلى تفتق الخيوط. وممّا أثار استغرابي فعلاً هو أنّ الجزء السفلي كان فضفاضاً كما لو أنّه تنورة رقص أندلسية أو خيمة مغولية، وكان الكمّان مهفهفين ومتسربلين كسروالين لرصد اتجاهات الرياح. وفجأةً سقطت عصابة عميرة على أرضية العربة، سقطت بيضاء كبيرةً فيها بقعة دم أحمر قان، فارتعدت النساء رعباً، وسمعت البعض منهن يلعنّ والبعض الآخر يكبرن ويستغيثن، ثمّ هرع صبّي صغير ليرفع العصابة، فنهرته أمّه بصوت هلع ومرتعد، فابتعد خائفاً. وتقدّمت منّي امرأة شابة لم يبد عليها أنّها مصرية الملامح، لكنّها كانت مصرية، أدركتْ ذلك من خلال فتنتها وتفتح جسدها قبل كلامها، فقالت لي بصوت بارد وحذر ومبالغ في حياديته «ممنوع يا أفندم تخش عربة الستات!» وتطلعتُ حولي، فأبصرت النساء المضطربات وكأنّ شيئاً عظيماً قد حدث، أبصرت نساءً ضخمات وكبيرات متلفعات بأخمرة وأحجبة بيضاء وزرقاء وصفراء، نساءً سافرات وصفراوات وحمراوات الوجوه من الخجل والترقّب، أطفالاً صغاراً أصابهم الهلع فاختبئوا وهم يصرخون مذعورين في أحضان أمهاتهم اللواتي أخذن يغمزن على نحو خجل، ويصنعن إشارات متردّدة نحو العبيط الذي رفع جلابيته بفعل الرطوبة النسوية. واستدرت نحو الفتاة الشابة أبحلق بعينين فارغتين، فوجدت وجهها جدياً صارماً، وبعد برهة تخيلتها تكركر كركرة مغرية. وأردت في البدء أن أعتذر لها، لكنّني وجدت نفسي أصرخ في المرأة: «عرب مضروب سربوت شلحوط فلحوط جالوق، عربان جربان زربان شامير شاحوم شالوم، جوعان مصلّخ وعريان جاعد بنص الزربان، يا حمد يا حمدان، واع واع وعواع، واع واع وعواع!» ثمّ أصابني العيّ وانثلم اللسان وتوقفت خطى الم في صدغيّ، يبدو أنّ الدم قد تخثّر بفعل السمّ، فشعرت بانشطار خلايا الدماغ وتفتتها، فعصرت جبهتي بالسبابة والإِبهام معاً، لكن الألم كان في قحفة الرأس، فقبضت على هامة رأسي بيديّ هذه المرّة، قبضت على القحفة المخسوفة والمنشطرة نصفين، لكن هيهات، إذ أنّ الانشطار كان قد وصل إلى خلايا جسدي، فأصبحت خائر القوى تماماً، و مددت يديّ على زيق جلابيتي لأمزقها، حتّى وإن كانت مصنوعة من الأقطان الطويلة التيلة. وتقدّمت منّي الفتاة التي كان مظهرها المتمرد هو الذي أغراني في الدخول إلى مملكة النساء. وتذكّرت أنّني كنت رأيتها قبل أن تنفصل في اللحظة الأخيرة عن زوجها الذي كان يطلّ برأسه بين الفينة والفينة ليرمقني بنظرة من الاحتقار البارد عبر الفجوة التي تفصل العربتين عن بعضهما البعض. إذ كان بإمكانها أيضاً أن تقف إلى جانب زوجها في العربة الأخرى! فقالت «لازم حضرتك تدفع غرامة عشرة جنيه!» فتطلعت إلى شفتيها الملمومتين المتوترين وكأنّني أريد الدخول فيهما، وبعد حين خرج شيء كالصرير من بين أسناني «أرجوك سيبيني في حالي، أنا رجل وحيد ومنفي وغلبان». وتذكّرت أيضاً، وأنا أغادر عربة النساء، ليلة عرس الممثلة المصرية الفاتنة ذات الجسد الملائكي الذي يقطر حلاوة وشهوة ما بعدها شهوة، ليلة العرس الذي حمل فيها إخواني السعوديون على هذا الجسد الكريم حملة رجل واحد، فسفدوا الفنّانة سفدة فرسان قريشيين حتّى اهترأت اللحمة اللدنة التي كانت تفصل بين المقدمة والمؤخرة فتهكتت تهتكاً كليّاً. وتمنيت في هذه اللحظة أن أحظى بابنة عم سعودية، امرأة من لحمتي وسداي، من شأنها أن تذيب كلّ هذا النكران والألم وكتل الجليد، فيا لهذا الجليد، ويا لهذا الإجحاف! وأخذت أهتف في المحطة العملاقة الكبرى، وأصرخ بصوت جريح يائس: «اسعدونا يا أهل الخلق والكرم بسعودية نجديّة أو حجازيّة لعلّها تذيب صحراء الجليد، اسعدونا يا أهل الحق والباطل بابنة عمّ شعثاء وعثاء، اسعدونا يا أصحاب الحُلّ والحرم بابنة صحراء حرّة كريمة المحتد والجسد والنسب، استعدونا يا أبناء العرب والكرد والعجم!» وانتقلت إلى العربة الأخرى في محطة حسني مبارك، ووقفت بين صاحب المرأة ذي الرأس الكبير الصلد وبين راهب قبطي متلفع برداء بنيّ طويل يتدلى من وسطه حبل أسود متين. كان وجهه لطيفاً ناعماً وحزيناً وفيه بقايا من حمرة الشباب وفي لحيته المسبلة شيب فضيّ خفيف اللمعان، ذكرني بوجه يوحنا المعمدان الموضوع في الطبق الذهبي. ونظر إليّ الراهب وهزّ رأسه باستغراب أو أسف، فقلت له بصوت يشبه الفحيح «يا جندي الله، متتعبش حالك، دا مفيش لا عقل ولا حكمة في هذه الدنيا!». ونزلت في محطة الميدان لأنّي رأيت ركاباً كثيرين يغادرون العربة. وقطعت ساحة الميدان الذي احتشد فيه المحتفلون بليلة القدر، كان البعض منهم يضع على رأسه فلنسوة أسطوانية وينقر في الدف ويضرب بالصنوج، منشداً «طلع البدر علينا من ثنيات السحاب». وكانت هناك إِطارات محترقة وبيارق خضراء وطنابير ومزامير وعلب صفيح. إنّه بلا شكّ الاحتفال الوحيد لباعة السجائر والترمس والجرائد والسميط وعرانيص الذرة والعتالين وعمال التراحيل. ولمحتُ، وأنا في نوبة الاندفاع العارمة، وجهاً كان يلمع تحت وهج النيران، وجهاً يشبه وجه المومياء التي نهضت تواً. كان يتطلع إليّ ويبتسم على نحو غامض ومخيف قبل أن ينطفئ بريقه ويخفت كالرماد. وحين التفتُ إليه مرّة أخرى، رأيت الابتسامة الغريبة مرتسمة على شفتيه، فأخذت أغذّ السير مبتعداً عن الميدان، غير أنّني شعرت فجأة باختلاف يصيب ساقي، وتراءى لي كما لو أنّني كنتُ أخطو في أرض مغناطيسية. ورأيت الوجه وهو يلحق بي ويقترب منّي حتّى كاد يلامسني، وسمعته يهمس في أذني «شكلك غريب قوي، كنت مدفون فين؟» فقلت بصوت مرتعب «أنا أخوك، ماكو داعي تتعب نفسك، أنا عراقي من دمك ولحمك، وسأتحوّل ذات يوم إلى مومياء مثلك!»لراعي الجرماني الشيعي الآشوري البابلي الأرعن الرقيق الذي احترق أهله ومعهم أهلهم كلّهم، حمدان قاطع الربيعاوي الذي تبحث عنه المباحث في كلّ مكان".
#حسين_الموزاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستجواب
-
الثورة المستجدة في مصر وسقوط الجدار العربي
-
الحلّاق الفرعوني
-
عندما يتحوّل الدين إلى سياسة
-
إرهاصات الحداثة
-
مفهوم الحرب لدى زيغموند فرويد
-
سياسة منح الجوائز الأدبية في ألمانيا
-
هل هناك هويّة ثقافيّة مشتركة في العراق؟
-
حوار مع حسين الموزاني
-
مفهوم الحرب لدى فرويد
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|