|
مورفي... مورفي
عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4688 - 2015 / 1 / 11 - 14:00
المحور:
كتابات ساخرة
مورفي... مورفي
Morphy Richards
هذه الماركة الانكليزية للصناعات الكهربائية المنزلية لم تكن شائعة في العراق، كان يغلب المنتوج الياباني الأنيق والمتين لعمالقة صناعتهم (سوني وسانيو وناشيونال وتوشيبا وميتسوبيشي و ...) وكان السيد الوقور (فيلبس) يناضل ـ كعذول ـ من أجل الصمود والبقاء بينهم ! كانت المساحة المتاحة لمشترياتنا الكهربائية من الشركة الافريقية العراقية ـ كما كانت تُسمّى ـ عريضة ومنوعة، وكل الاجهزة المستوردة طويلة عمر ومتقنة صنع وتعمل (مرتاحة) في البيوت لسنين طويلة. المعروف أن الصوتيات تتميز بها سوني والتبريد ناشيونال والاضاءة ... فيلبس.
وتَميـّـزَ سوق السبعينات بخلوهِ من البضائع البريطانية والامريكية إلا نادراً، في تطبيق لسياسة (المقاطعة) ولتذبذب وتخبط السياسة الخارجية العراقية وتأثيرها على التجارة بحكم تدخـّل الدولة ومسك جميع مفاصل الإقتصاد بيد من حديد.
وإختفت لـُعب الأطفال الإنكليزية المعدنية والخشبية التي تمتاز بمتانتها، وظهرت على الساحة الصين وملحقاتها (تايوان وهونك كونك) من خلال صناعة ألعاب بلاستيكية خفيفة بأشكال تجتذب الطفل أكثر، وبدأ هذا (التنين) يكشر عن أنيابه وصار يُقلق مضاجع الكبار، ويُنتج بضاعة حديثة ولطيفة لم تقتصر على اللعَب بل بقيّة الكهربائيات، يُميّزها سعرها المناسب، لكننا لم نتعود عليها، على بضاعة استهلاكية تعطل بسرعة... المجفف (السشوار)* الياباني ذو العمر الطويل، هو من بين البضاعة المتوفرة والمتينة، لا يُعيبه شيء سوى غلو سعره، يتحداه (السشوار) الصيني الرخيص... قصير العمر !
× × ×
كلنا يتذكر محل (علي محمود الساعاتي) في شارع الرشيد بواجهته الواسعة المقابلة لفرع غرفة تجارة بغداد، كان يزخر بمواد احتياطية كهربائية منوعة (مقاومات ولمبات وملفات وماطورات) لمكائن خياطة ولمختلف الاجهزة التي تستوردها الدولة، وكانت طبقة مستديمة من التراب تُغطي معروضاته لأنه قلـّـما يُغيرها.
كنت بسن مراهقة وألاحظ هذه المسألة كلما أمعن النظر في الفاترينة وانا بطريقي لشرب العصير من (حميد أبو الشربت) أو التمتع بالنظر للإطارات واللوحات الزيتية الجميلة لإستوديو كان إسمه (الحكيم) قبل أن يُغيّر صاحبه الإسم حين وجدت الحكومة بأن (الحكيم) أسم غير مرغوب فيه فأسماه صاحبه... (الحكمة) ! كان يتربع بين (ستوكات) الساعاتي، (سشوار) جديد يزهو به المعرض، أسم غريب بعلبة أنيقة... Morphy Richards ... مورفي ريجاردز .
هذا (السشوار) بتصميمه الجميل ولونه الجذاب، كان يَجذبني ويُغريني ويجعلني أتمنى اللحظة التي يلفظ فيها صاحبي الصيني ـ أبو 15 دينار ـ أنفاسة، وأدعو من الله أن لا يُباع لغيري.
جاء يوم مللت الإنتظار، (تحارشت) بمجفف شعري الصيني وأعطبته، ولأول مرة يسعدني عمل تخريبي أقوم به، ركنته على عجل ولم اُحاول إصلاحه، أسرعتُ لشراء صديقي (مورفي بن ريجاردز) بـ 25 دينار قبل فوات الأوان، تغمرني سعادة بالتخلص من الصوت الصيني المدوي النشاز، والتمتع بهدوء ورزانة السير البريطاني الـ (سوبر كوايت) !
كان يجمعني بـ (مورفي) صحبة جميلة، أعتني به وأمسحه واُعيدهُ لعلبته كلما أنتهي من تسريح شعري، ولا أسمح لغيري سوى النظر إليه، كنت ولأول مرة أتمتع بسماع الموسيقى عندما أستخدمه أو استمع لصوتي وأنا أردد موسيقى (ليلة حب) لعبد الوهاب التي أعشقها، ولِمَ لا وهدوء (مورفي) يفوق التصور.
لكن ... هو شهر واحد بأيامه الثلاثين، كان يُبلي إبن السير البريطاني (ريجاردز) بلاءاً حسناً بهدوئه المعتاد، وشعري طوع إرادته بنعومة... بعدها أصدر صوت عالٍ لم أئلفه، كأنه يطلب إستغاثة، ثم أبى أن أستكمل (تسريحة الأسد)، سرّب روائح (شعواط) وتوقف ماطوره عن الدوران ولم يعاود العمل بعناد شديد !
ـ ما هذا العطل المفاجيء يا(مورفي) وبهكذا سرعة، عد للعمل أرجوك؟ قد يكون هوائنا لا يلائمه، أو ربما كهربائنا، أياً كانت الأسباب فكلها تقود لنفس النتيجة المزرية، والطرق كلها تؤدي... للمصلـّح ! لم يستطع (علي حسين الساعاتي) إسعافه ولا فعل أي شيء لان ماطور إحتياط غير متوفر، المصلحون عجزوا لنفس السبب، وأخيراً أشار أحدهم لورشة (أبو محمد) بشارع الرشيد مقابل البنك المركزي، قال انه في دنيا المجففات... (لهلوبة) !
ـ الله يساعدك أبو محمد، الماطور... الرجل يتوسط محل صغير وهو ثلاثيني أشيب الذوائب يلبس عوينات (جعب بطل)، خلفه تلال من المجففات المستهلكة، نظر بحرص شديد من تحتها ناحية الكيس الورقي وقبل ان أستكمل إخراج العلبة صاح... - رجعه بالكيس، ما اكدر أصلحة، ماكو إله سبير. ـ عمو، شوفة زين... حاول... ـ ماكو فايدة مَ يصلـّح... يا أبني. كررت عليه: رهّم غير ماطور، أنت ما يعصاك شيء ! بتعصب: روح بابا روح، قلت لك ما عندي مواد تصليحة، هذا مايرهم أي شيء عليه، هذا نسميه ... حجي مورفي. ـ زين عمو... راح اترك (الحجي) يمك وانت براحتك حاول... ـ ماعندي مجال بالمحل. ـ شتنصحني عمي الغالي ؟ ـ ذبّه بالزبل. ـ شلون تقبل، بعده جديد... - دتشوف هذا الفرع مال خان مرجان... هززتُ رأسي على أمل أن يقدم النصح إليّ، وبسرعة أستكمل (نصيحته) بينما يديه تتعامل مع مجفف يحتضر... أكمل عباراته بأمر وبسؤال: أطلع كبل، وين راح توصل؟ ـ لشارع النهر. ـ أبعد... أبعد... ـ عمارة الدفتردار. ـ شنو خلفها؟ ـ بس الشط... ـ من توصلْ هناك... ذبّه بدجلة !
...هناك على ضفة النهر الجميل الهادئ، لم أتردد لحظة بتنفيذ نصيحته القيـّـمة كي أنهي مأساتي، أخرجته لألقي عليه نظرة الوداع، نظرة بحزن غامر كمن يودع عزيز، ثم أعدته بعلبته الأنيقة ووضعته برفق ليطوف على سطح الماء، وشيئاً فشيئاً أخذه التيار... ومعه كل آمالي !
من يدري، فقد يكون اليوم بأناقته وجاذبيته مثل (تايتنك)، بيتاً ومزاراً... للأسماك !
إنتهى الحال بتجربتي الحزينة هذه بعودتي (لأبو محمد) كي أخبره بأني نفذت تعليماته بدقة، و(ساعدني) الرجل بحجز موعد لإعادة الحياة لمجففي الصيني، حيث وَعدني خيراً (كمعميل) وبدا أنه عم نصوح. × × ×
كان ذلك اليوم وبرغم ألمي على إنتهاء صحبتي القصيرة بالسيد (مورفي) وعودتي للبيت خالي الوفاق، أفضل لدي من بوري* العم (نوكيا)* قبل عدة سنوات... فلما جئنا لأوربا، نصَحَنا الأهل بأن نصطحب معنا تلفونات حديثة معرّبة، ولأننا لم نتعود جو أوربا الماطر، فقد تسللت لهاتف أبني قطرة ماء ظالمة وهو بجيبه وأحرقت شاشته، وظل الهاتف المسكين يعمل بانتظام لكن بدون شاشةأ راجعت مصلّح قال يجب أن نعرضه على الشركة، وأن الشاشة بـ 25 يورو، وإرساله بالبريد وهامش ربح المحل 50 يورو أخرى، وأسعاره قطعية !
وافقتُ مكرهاً ومر أسبوعين واستعجلنا المعمل بأيميل ثم اتصل بي لإستلامه، اخذتُ 75 يورو وأسرعت له، لكنه فاجئني حين قال بأن الشركة إستبدلت الشاشة لكنها قالت ليس هو العطل، فأعادوه دون تصليح. ثم قال (سأعيده لك شرط ان تدفع الـ 50 يورو أجور البريد وهامش ربح المحل حسب الاتفاق).
لم يُجدي نقاشي معه نتيجة تُرجى، كان أمامي حل توافقي بأن أبيعه التلفون ليستفيد من بقية أجزاءه لأنه (أخو) الجديد، فوافق الرجل على مضض ودفع (مشكوراً) أربعين يورو فيه. يعني باختصار عليّ دفع عشرة يورو وأن (أطلع) من الشغلة خالي الوفاق، لكنه رأفَ بحالي وقال بما معناه (يلّة روح حلك بيدك).
أقفلت عائداً (أشحط) الخُطى، أمعن النظر في سواقي هولندا وأنهارها، وتذكرتُ نهاية (سالفة) السشوار ونهر دجلة، غمغمت مع نفسي دون وعي...
ـ وينك أبو محمد، والله لو ماخذ بنصيحتك هنا وذاب العم (النوكيا) من الأول بالنهر... مو كان أحسن ميت مرّة من هاللغوة والروحة والجيّة ودوخة الراس !
الله يذكرك (بالخير) صديقي المرحوم حجي (مورفي) ويسامحك ياعم (نوكيا) !
عماد حياوي المبارك
الفائدة :
(Sechoir) الـ (سشوار) كلمة فرنسية تعني مجفف، والتسمية تعود لنهاية القرن التاسع عشر، حيث إبتكره صاحب صالون فرنسي يدعى (ألكسندر) فالحاجة أم الاختراع، ثم أنتشر في بقية صالونات تصفيف الشعر، وكان عبارة عن نصف كرة تقوم على مسند، ولم يُستخدم (المحمول) منه للإستخدام الشخصي (المنزلي) سوى في عشرينات القرن الماضي.
NOKIA شركة فنلندية لتكنتوجيا الإتصالات والمعلوماتية الرقمية (خدمات الإنترنيت وتطبيقاتها). إنتاجها الرئيس الذي اشتهرت فيه ورفعها هو الهواتف النقالة، ففي العام 1998 زادت مبيعاتها على 35 مليار دولار، وصل تسلسلها الـ 143 بين أكبر الشركات ذات الربح المرتفع في العالم. لها أفرع في معظم دول العالم وعدد موظفيها يزيد على المائة ألف، وكان أسمها مُدوّي في بورصة نيويورك وهلسنكي، لكنها لاحقاً عانت من ضائقة بسبب جيل التلفونات الذكية المنافسة بشراسة من (أبل وسامسونك) وغيرها، مما أدى لتصفية وبيع بعض إصولها، وإعلان بعض فروعها للإيجار لتسديد نفقاتها.
BORI هذه ليست ماركة لشركة عالمية، وليس جهاز منزلي... وإنما تسمية لنظام عراقي محلي يعني إستغفال أو خيانة أو ما شاكل ذلك... ولمـّا قمت بالإستقصاء عن سبب إطلاقها، وما علاقة البوريات بالكلمة، أقرب تحليل من الواقع يقول... في أسواق الجملة (علاوي) الفواكه والخضار، يُعرض (الخيار) الناعم بضعف سعر الخشن وربما أكثر، ولكي يَستغفل المُزارع زبونه ويُموّهه، يضع في وسط الشوال أو الكيس (الكونية) البلاستيكي أولاً أنبوباً ليملأ وبحرص شديد خيار ناعم خارجه على أطراف الكيس، وبداخله آخر خشن، ثم يَسحب (البوري) ويُخيط الكيس بشكل جيد. وحين يتم تفريغه، يختلط (الخيار) الخشن بالناعم ويَصعب على المشتري إعادته كما كان. وهكذا يُباع الخيار الخشن بسعر الناعم، ولتذهب التسمية لمن يشتري هذا الكيس ويفرغه لاحقاً، بأنه قد إشترى بضاعة (مضروبة) بوري. وبالتالي فالمسكين قد إنضرب... بوري !
مورفي ريجاردز http://www.morphyrichards.com/
ليلة حب، محمد عبد الوهاب وأم كلثوم https://www.youtube.com/watch?v=d-cvdGBUfoA
#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)
Emad_Hayawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كارتير... بوري
-
قوم الآنسة (بك كي)
-
قضية أمن دولة!
-
مجرد كلام قادسية الذبان
-
صرخة الحبانية
-
شمسنا الغالية
-
دعوة سياحية
-
غضب سانت هيلنز
-
هل تخلع (أنتركتيكا) ثوبها الأبيض؟
-
سيفن فل يُشهرْ
-
جرذ... جرذين... جرذان
-
عقول من تراب
-
طوكيو تحت الصدمة
-
وصيّة البابا البطران
-
طليان
-
صغيرة على الحب
-
هدم زبناء
-
حياة متألقة ووفاة هادئة
-
الورث الذي سأتركه
-
أغضب ... كما تشاء
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|