|
كارتير... بوري
عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4688 - 2015 / 1 / 11 - 13:59
المحور:
كتابات ساخرة
كارتير... بوري
نحن العراقيون نسمّي الاشياء بأسم شركاتها، كلينكس وتايد ودلكو ونستلة وببسي و و ... .CARTIER كارتير. كارتير... دار فرنسية راقية تنتج عطور وساعات وإكسسوارات، ما يهمنا منها في هذا المقال أسمها الذي ارتبط بسيتات وأساور ودسكات ذهبية وفضية رجالية ونسائية. والكارتير الذي نصوغه للبيع عبارة عن حلقات متشابكة بعدة طرق تعطينا شكله و(موديله) النهائي الجميل، ويكون على شاكلتين، أما غير مجوف ويكون ثقيل ومنقوش (مطرش)، أو فارغ (أي مجوف) من أجل خفة وزنه، ولتمييزه عن الآخر كنا نسميه... (كارتير بوري). × كنت وابن عم لي وهو صديق عزيز قد فتحنا محل بشارع النهر ـ في سوق حيدر ـ بعد حرب الكويت مباشرة، وهو لبيع وشراء وتصفية الذهب، وكان عمل فيه مخاطر جمّة، لان كثير من الذهب يصلنا (مغشوش) في عياراته وفيه تلبيس وطلاء وحشو، كما أن الأرباح دائماً ما تكون محدود لا تتناسب ومخاطر العمل، فتصريف الذهب الخام يعتمد على نظافته وعلى نشاط السوق، زِد عليه مشاكل النقد العراقي المطبوع وانكشاف حركته لكبر حجمه، ومجازفات تداول الدولار في زمن منع تداوله وضرورة تمييز المزور منه.
مع ذلك كنا نعمل ونكسب ونذهب لدى قيامنا بتصفية الذهب، لدى أصدقاء أركنوا الشهادات ودخلوا كما نحن دخلنا السوق، ففتحوا ورشة لتصفية الذهب بمنطقة معامل بشارع النهر نسميها (الطمّة)*، فنجلس ونجدها فرصة أن نتحدث بالاقتصاد والسياسة وبصراحة، فيكون (سَدْنا) أمين!
وصادف لأحدهم معميل حِلاوي، رجل أعربي طيّب شُبه متعلم، كان يدعى (سيّد فاضل)، لا يعرف سوى أن يزن الذهب فيشتريه ويدفع نقد، بعد أن يدور بين قرى وأرياف الحلة، فيجمع أسبوعياً كيلو أو أكثر، حيث المجتمع الفلاحي هناك يعرفه ويثق به لدرجة أنه يقدر الوزن و(يشيل).
وكان إذا ما وصل محل تصفية الذهب، يستعد صاحبي وبكل ثِقله لاستلام العمل فيستنجد بي كي أعاونه بترتيب الذهب وتفريقه حسب المطلوب كي يتم العمل سريعاً ويبيع الرجل الذهب الخام ويقفل عائد بالنقد من جديد... وهكذا.
وبينما كنتُ و(سيّد فاضل) نضع الذهب بالبودقة، لفت نظري سوار (كارتير) مطرّش نظيف وموسوم 21 بوزن حوالي 50 غرام، فأقنعته باستبداله بنفس وزنه للاستفادة منه.
بعد ذلك قمتُ وشريكي بتنظيفه حسب الأصول وعرضه بالفاترينة، ثم أقنعنا زبونة معرفة لدينا تعمل موظفة بالبنك المركزي بشرائه، كان ربح محترم عوّضنا عن شغل أسبوع.
بعد أشهر، جاءت لتخبرنا بأنها قامت بإهداء الأسوار لابنتها (رشا) بمناسبة زواجها، وعلينا تصغيره وتصحيح وزنه في الوصل، وما أن ارسلناه للعامل حتى أرسل بطلبي، فقد وجد أن حلقاته مملوءة بالرصاص بما يعادل نصف وزنها!
طلبتُ منه تصغيره بأقل الخسائر، وتحملنا فرق الوزن بتعويضها كل وزن الحلقات ... وبلعنا الخسارة دون أن نتكلم! بعد أيام جاءت (رشا) وزوجها و... الاسوار. قلت: يا ستار... ـ أبو هاني هذا كبير على يدي، أرفع ست حلقات أخرى، وأعطنا فلوس فرق الوزن... رجاءاً. قلت: عمو، جمال الأسوار الكارتير بكبره على اليد! ـ لكنه كبير ويخرج من كفي مباشرة...
كان من سوء الحظ أن معصم (رشا) أرفع معصم شاهدته بحياتي، لم تنجح محاولاتي حتى بإقناع زوجها بأن يحتفظ به له، فقد كانت شخصيته (أضعف) من أن يتجرأ بهذا الطلب من زوجته!
تحملنا الفرق الجديد على مضض، ومرت أشهر، خطط زوج (رشا) شراء سيارة أجرة ليعمل عليها...
فهلّت (رشاوي) وخلفها زوجها كالخروف... ـ عمو أريد أبيعه بس ما أريدك تخبّر أمي لأنه هديتها.
فشلت محاولاتي بإقناعهما بخسارة الذهب لو يباع وأنه (زينة وخزينة)، ثم حاولت أثني زوجها عن مشروعه فقلت له أن العمل على سيارة الأجرة (فاشل) وفيه مخاطر ولا يليق بشاب مثقف مثله، لكني لم أفلح أبدا وكأن شخصيته (الضعيفة) تفجرت قوّة وتصميم على المُضي قدُماً بمشروعه... حاول شريكي كفرصة أخيرة: عليكِ أخبار أمكِ أولاً يا (رشا)، لأنه هديتها والوصل باسمها و و و ... أخذته وخرجتْ غاضبة، بينما تنفسنا نحن ... الصعداء، لكننا فكرنا بالعاقبة، فنحن المسئولون، وعلينا تحمل الخسارة !
وهكذا ومع مرور الوقت، نسينا (رشا) وأم (رشا) وزوج (رشا) وتيقنا بأن زيارتها كانت الأخيرة، وانهم إما عدلوا عن البيع أو رفضت الوالدة أو أنهم... (زعلوا)، وهو يعني أن (كابوس) قد أزيح.
بعد بفترة أراد شريكي الانسحاب من الشراكة ليفتح محل لوحده عندما نجح باستصدار إجازة صياغة خاصة به، فوجدتُ شريك جديد لحاجتي بتسجيل المحل باسمه كوني أملك محل آخر بشارع فلسطين ولا يجوز الدمج بمحلين لنفس المالك بقوانين ممارسة مهنة الصيلغة بالعراق، فتمت عملية بيع وشراء نصف المحل من شريك لآخر دون أن أتدخل في عملية البيع والشراء كون حصتي في النصف مضمونة بغض النظر عن القيمة التي سيرسو عليها المحل... توافق الطرفان ودفع الطرف الأول للثاني وصار لي شريك جديد بنفس المحل دون أن أحرك ساكن.
مرت شهور ودقّ جرس الهاتف، ليصدح صوت ملائكي السماعة: هلو أبو هاني... آني أم رشاااااااااااااا ! تلفون حطم (أحلامي) وأيقض مواجعي وضاعف دقات قلبي!! وما هي إلا ساعة واحدة، كانت أم (رشا) تشرب الشاي بالمحل ! ـ والله يا أم رشا حرام البيع، ستندمووووو... لم أكمل جملتي حتى كان (الكارتير) يتربّع بحلقاته تشع نوراً وتعكس أضواء المحل كالطلق في عيوني، فكفـّة الميزان تقرأ لي بوضوح مدى الخسارة التي سأتكبدها بكل ممنونية!
قبل أن أحسب بالحاسبة كم يبلغ سعره لها، تساءلتُ في قرارة نفسي... لما كان شريكي الجديد غير مسئول، والشريك السابق ذهبَ بحاله، وأم (رشا) تبدو أنها (قافلة) على البيع ... يعني عليّ أن أبلع (البوري) لوحدي، واشتري (حشوة) رصاص بسعر الذهب، ليس لها قيمة... ولا فلس!
غادرتْ أم (رشاوي) بفلوس (الكارتير) كاملة مكملة، وتركتني أحسبُ كم دولار راح تطلع من جيبي كي أعوض الخسارة لشريكي الذي لا ذنب له...
مائة وخمسون دولار... مائتان... مائتان وخمسة وعشرون... مائتان وسبعة وعشروووون دوووولار بالتمام والكمال، عليّ دفعها من جيبي الخاص.
قبل أن اُنهي حساب الدولارات وأضعها بالدرج، أشّر لي صديق بملابس عربية أنيقة من خلف الفاترينة ليُلقي عليّ التحية... ـ كيف حالك أخوية أبو هاني؟ ـ أهلاً وسهلاً عزيزي الغالي... (سيّد فاضل). وبينما ظل الرجل يبادلني التحيات بحرارة، دعوته (أستريح أخي أشرب الشاي) ثم عقبت بكل حرارة... (ألف رحمة على أجدادك)!
عماد حياوي المبارك ـ شارع النهر سوق حيدر 1992
× الطمّة: أثار قديمة لحمّام عباسي، وتمنع دائرة الآثار والتراث تجديده أو أعادة بناءه، ويملك معظم مساحاته رجل ثخين يدعى حجي (نوري)، رجل طيب ميسور يعمل تاجر سجاد ويعرفه كافة صاغة شارع النهر، وكان الرجل يعرف جيداً كيف له أن يستربح من تحويل عقود البيع والشراء (السرقفليات) خصوصاً عند إنتعاش السوق وتوفر العمالة المصرية، لتنتعش المنطقة بالمطاعم والمقاهي المصرية، وأظن (الطمة) اليوم ـ والله أعلم ـ مهجورة من ساكنيها ماعدا... الجرذان. وعلمتُ أن حجي نوري قد تم اختطافه عند عودة له من كندا وقاموا بقتله بعد أستلام مبلغ الفدية.
#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)
Emad_Hayawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوم الآنسة (بك كي)
-
قضية أمن دولة!
-
مجرد كلام قادسية الذبان
-
صرخة الحبانية
-
شمسنا الغالية
-
دعوة سياحية
-
غضب سانت هيلنز
-
هل تخلع (أنتركتيكا) ثوبها الأبيض؟
-
سيفن فل يُشهرْ
-
جرذ... جرذين... جرذان
-
عقول من تراب
-
طوكيو تحت الصدمة
-
وصيّة البابا البطران
-
طليان
-
صغيرة على الحب
-
هدم زبناء
-
حياة متألقة ووفاة هادئة
-
الورث الذي سأتركه
-
أغضب ... كما تشاء
-
المايسترو
المزيد.....
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|