احمد الطالبي
الحوار المتمدن-العدد: 4688 - 2015 / 1 / 11 - 01:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يستمد السؤال أعلاه مشروعيته من الراهن السياسي الذي أفرزه ما يسمى عند شرارته الأولى ربيعا ، و الذي شمل بعضا من بلدان الشرق الأوسط ، و شمال إفريقيا . والحقيقة أن الموضوع يحتاج إلى تناول عميق من قبيل تفكيك خطاب ما يسمى المرجعية الدينية و البحث في تاريخ نشأته و تطوره ، أي بتعبير ميشيل فوكو تناوله تناولا أركيولجيا ، حتى يتسنى لنا تكوين نظرة واضحة ،و غير ملتبسة ، و غير عاطفية عن هذا الخطاب... .
ومع أن ذلك ليس باليسير و لا بالعسير ، و بالنظر إلى أننا لا نبتغي في هذا المقال الذهاب بعيدا ، بقدر ما نريد كشف زيف و تهافت خطاب إنتخابي يستعجل الوصول إلى مواقع التسيير بتكلفة قليلة و في زمن أقل ،فلن نتناول كل الحركات ذات المرجعية المذكورة و دراسة تفاصيلها ، بل سنكتفي بحالة المغرب ، أي حزب العدالة و التنمية ...
وقبل التفصيل في الموضوع ، لابد من الإشارة إلى أن خطاب المرجعية الدينية ،و إن كان يمتد إلى ما قبل منتصف القرن الماضي ، فإنه لم يطرح كخطاب ذي جدوى ، إلا بعد انهيار منظومة دول أروبا الشرقية .و التراجع النسبي للخطابات الأخرى . ..
هكذا إذن بدأ هذا الخطاب يطرح نفسه كبديل سياسي ، بثقة زائدة في ذاته و بحماس زائد عن اللزوم .والحقيقة أنه تمكن من استقطاب العديد من الشرائح الإجتماعية بما فيها الإنتلجنسيا التي أضعها بين قوسين . وقد تيسر له ذلك بالنظر إلى أن العديد من الناس يبحثون عن بديل لإخراجهم من البؤس الذي يعيشون فيه ، و بالنظر كذلك إلى ما تمثله المرجعية الإسلامية في المخيال الجماعي للمغاربة ، و للطبقات الشعبية خاصة ، و التي تحن إلى يوتوبيا تعتقد أنها تحققت يوما في زمن مضى ، زمن الخلافة الذي لا يمتلك غالبية الناس معرفة تاريخية حوله ،و يكتفون بشطحات المهووسين ، والفصاميين الذين لم يتجاوزوا بعد مرحلة العقل النرجسي الرغبوي الذي لا يقدر على مواجهة حقيقته، والتخلص من أوهامه ..
هكذا ، ظل الفعل السياسي لحزب العدالة و التنمية منذ نشأته الأولى ، أي قبل أن يأخذ إسمه ذاك ، ظل فعله مرتبطا بما أشرت إليه في الفقرة السابقة ، بحيث كان حريصا و في عدة مناسبات أن يبدو خطابه مطابقا ، لما في أذهان الدهماء ، و نأخذ على سبيل المثال موقفه من الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي تصدت لها ظاهراته الصوتية كالمدعو أبو زيد الدي طاف المغرب ليشرح للناس أن تلك الخطة خطة وثنية . وليس من العبث أن يسميها الحزب كذلك ، ففي ذلك إشارة إلى تكفير الآخر وربط مشاريعه بالوثنية التي يجب رفضها ومحاربتها ، رغم ما في تلك الخطة من إيجابيات كان يمكن أن تحسن الوضع الإعتباري للمرأة المغربية ..
تلك إذن كانت هي التكتيكات السياسية للحزب ، إضافة إلى استثمار إضرابات نقابته التي أحجمت عن النضال الآن ، كما استفاذ من لغو أعضائه داخل قاعة البرلمان المكيفة ، التي ضبط فيها أبو زيد الإدريسي متلبسا بقيلولة مكيفة في يوم حار ، كغيره ممن يركضون إلى ضل المخزن . كما استثمر أيضا أعمال حركة التوحيد و الإصلاح التي تحث الشعب على التحلي بقيم الإسلام و التصويت على العدالة و التنمية لأنه حزب بمرجعية دينية.
قد يقول قائل : لماذا لا نتناول فصائل سياسية أخرى لها مرجعية دينية ، كالنهضة و الفضيلة و العدل و الإحسان و السلفيين على كثرتهم ، وغيرها ؟ الجواب بسيط ، فحزب العدالة و التنمية يتحمل الآن مسؤولية التسيير ، لذلك لابد من تقييم أدائه ، والوقوف على وهم توظيف الدين في السياسة ، هذا التوظيف الذي يشكل خطرا على الدين نفسه ، لأنه يضعه في محك الإختبار ...
هذه مجمل الشروط التي مكنت الحزب من الوصول إلى رئاسة الحكومة ، دون نسيان ما أضافه سياق 20 فبراير و حركات المطالبة بالديمقراطية و العدالة و الحرية ...
و إذا علمنا جميعا أن البرنامج الحزبي للعدالة و التنمية يتمحور كله حول شعار مركزي يلخض الظرفية بمطالبها و انشغالاتها ، و المتثل في : إسقاط الفساد و الإستبداد ، فمن حقنا أن نناقش إلى أي حد وفى الحزب بتعهداته تجاه المواطنين ، خاصة و أن قيادته و قواعده يعرفون ما معنى الوعد و التعهد في المرجعية الدينية التي يزعقون بها صباح مساء ..
لن أدخل في التفاصيل لكي أجيب ، فقط سأطرح بعض الأسئلة على القراء و الواقع كفيل بالإجابة عنها :
-1 هل ارتقى المغرب إلى مصاف الدول الديمقراطية ؟
-2 هل تحقق الرخاء و الرفاه الإجتماعي بالمغرب ؟
-3 هل تم توسيع الهامش الحقوقي ؟
-4 هل قضينا على الإعتقال السياسي ؟
-5 هل تحقق للمواطن هامش من الحرية يمكنه من الإحتجاج إذا تطلب الأمر ذلك ؟
6- هل تم القضاء على الفساد و الإستباد الذي وعدنا به الحزب ؟
7- هل يكفي أن أقول للمغاربة إنني حزب بمرجعية دينية لأصل إلى المنصب وانتهى الأمر ؟
هذه نمادج من الأسئلة التي تختصر الإشكال الذي أريد التطرق إليه ، وسأترك للقراء الإجابة عنها و تكوين القناعة التي يقتضيها واقع الجال ، لكن لن أنسى الإشارة إلى شيء له من الأهمية ما له ، لأن استجلاء بعض من وجوه المشكلة يقتضي ذلك ..
فإذا كان الذهاب إلى صناديق الإقتراع ،ليس غاية في حد ذاته ، و إنما الغاية منه هو تحقيق المزيد من المكاسب الديمقراطية و الإجتماعية لعموم الطبقات الشعبية ، فإنه لابد من تسجيل مايلي قصد إقامة الدليل و الحجة على من يحتقر ذكاء المغاربة ، ويوظف معتقدهم في مستنقع الإنتخابات :
-1 بدل السعي إلى تحقيق ما هو مطلوب ،أدخلنا بنكيران وحكومته في نقاش سفسطائي غير ذي جدوى حول مسألة تعتبر من البدع السياسية ، وهي ما سموه : التنزيل الديمقراطي للدستور . فالدستور إما أن يكون ديمقراطيا أم لا ، والمغاربة في اعتقادهم أنهم صوتوا على دستور ديمقراطي ،لكنهم لم يروا الديمقراطية إلى حدود الآن ، واختلاق ذلك النوع من النقاش إنما هو هروب إلى الأمام لمن سقطت مساحيقه و أقنعته .
-2 في أغرب موقف ، لم نسمع به من قبل ، قال عبد الله باها إن المغرب ليس في حاجة إلى الشعب الأدبية وهذا لعمري وجه الحمق و الجنون ، لكن في اعتقادي هو يعي جيدا ما يقول ، ومنسجم مع مشروعه ال‘ستراتيجي ، لأن الأدب و العلوم الإنسانية وحدها الكفيلة بفضح من يركبون على الدين للوصول سياسيا ، لذلك فالسيد باها يعبأ الطبقات الشعبية التي لا ترى الوجه الخفي في المسألة ، لضرب الأدب و العلوم الإنسانية ، وهي نفس الإستراتيجية المخزنية مند سنوات السبعينيات من القرن الماضي ، مع التأكيد على أن المدخل إلى تحليل الواقع و فهمه لن يتأتى لنا خارج مناهج العلوم الإنسانية ، كما أن تحفيز الطاقة الإبداعية للإنسان كذلك ، مرهون بجمالية الأدب و الفنون ، ألم تلهم لوحة الجوكاندا لليوناردو دافينسي ، عقل النهضة في أروبا .؟
-3 إنساجاما مع نفس موقف باها ، و انسجاما مع موقف الحزب من الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ، إبان حكومة اليوسفي ، فقد قال بنكيران أن أفضل مكان للمرأة المغربية ،هو بيتها ، تبقى فيه كالثريا ، وليس ذلك عبثا ، لأن فيه سعي إلى تحييد المرأة ووضعها تحت وصاية الرجل اقتصاديا مع استثمار ما يترثب عن ذلك سياسيا ..
4- يجب كذلك تسجيل استحالة الحديث عن الديمقراطية مع الأحزاب التي توظف الدين في السياسة ، لأنها بعيدة عن التمثل القيمي و الفكري و الإنساني للديمقراطية بل هي تتآمر على الديمقراطية عندما تختزلها في الصندوق فقط ، في حين أن الديمقراطية شيء آخر ، و أكبر من أن يتم تقزيمها في صون انتخابي ..
ليس الهدف من هذه الأفكار التطاول على الحزب و الإنتقاص من قيمته ، لأن التاريخ هو الحكم الذي لاتسقط أحاكمه ،و مرجع الحكم على أداء حزب ما هو ما يحققه من مكتسبات لعموم المواطنين على المستوى الإجتماعي و الحقوقي و السياسي ، بعيدا عن أوهام الأيديولوجيا ودغدغة العواطف و تحريض الناس بعضهم على بعض ، هذا إدا لم يتطور الأمر إلى احتقارهم كما فعل بنكيران عندما وصف حروف تفيناغ - حروف الشينوة - وكاد أن يتسبب في أزمة مع الصين وما أدراك ما الصين . وكما فعل كذلك ابو زيد عندما وصف أمازيغ المغرب بالبخل . و لا يوجد أكبر جرم من احتقار المواطنين ، إنه الإستعلاء الذي يترتب عن توظيف الدين في السياسة ، ليس الهدف هو التطاول كما قلت ، إنما ممارسة الواجب ، واجب ما تقتضيه المواطنة والمسؤولية النقدية التي يجب علينا جميعا ممارستها و بكل تواضع..
و لا أجد ما أختم به سوى أن أقول : نحن أحرار ، و ليسقط الفساد و الإستبداد ..
و لنا عودة ، عندما نستجمع أفكارا جديدة حول الموضوع ذاته..
#احمد_الطالبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟