|
العلامة طه باقر مرمم الذاكرة العراقية
نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث
(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)
الحوار المتمدن-العدد: 4687 - 2015 / 1 / 10 - 19:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
العلامة طه باقر مرمم الذاكرة العراقية نبيل عبد الأمير الربيعي تركت الكثير من الشخصيات العراقية بصماتها في مجال التأسيس المعرفي، فوضعوا بصماتهم الواضحة في كل المجالات أمثال العلامة طه باقر في علم الآثار وعبد الجليل الطاهر وعلي الوردي في الاجتماع ود. جواد علي في التأريخ ومصطفى جواد في اللغة وبشير اللوس وعبد الجبار عبد الله في علم الفيزياء ود. جليل كريم أحمد في الكيمياء ومير بصري وإبراهيم كبة في الاقتصاد وزها حديد في فن العمارة. وضع د. عبد الجبار عبد الله وطه باقر أسس جامعة بغداد التي أصبحت في مصاف الجامعات العالمية، فكانت لأبحاث طه باقر من ألمع العاملين في مجال ترميم الذاكرة العراقية، فقد ربط بين التاريخ وعلم الآثار بشكل وظيفي، و لجهود العاملين في مجال الآثار العراقية الجانب المهم الذي حفز على الاهتمام بالتاريخ العراقي القديم، يؤكد الرحل طه باقر من خلال كلامه "نحن العراقيين علينا أن نكتشف تأريخنا بجهدنا ودمائنا والمنطق الذي نحمله". ولد العلامة طه باقر في مدينة الحلة عام 1912 حرص والده على أن يتعلم على يد أحد مشايخ الحلة، فدرس الأجرومية والألفية لأبن مالك والنحو والصرف، أكمل في مدينة الحلة دراسته الابتدائية والمتوسطة، كما أكمل الدراسة الثانوية في بغداد عام 1932 وكان من الأربعة الأوائل على الثانويات العراقية، مما رشح ضمن البعثة الدراسية في كلية صفد الفلسطينية كدراسة أولية ثم انتقل إلى جامعة بيروت الأمريكية عام 1933 سافر برفقة الأستاذ فؤاد سفر لدراسة الآثار وتاريخ اللغات القديمة في المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو فنال البكالوريوس والماجستير بامتياز عام 1938 فكانت دراسته للغات التي كتبت بالخط المسماري (السومري والأكدي). بعد عودته إلى العراق عين العلامة طه باقر عام 1941 أمينا للمتحف العراقي، وكان له الدور في عرض تسلسل الآثار حسب أدوارها التاريخية والحضارية معتمدا على خبرته في التنقيب ودراسة اللغات القديمة، كما حل ألغاز اللغة السومرية، لذلك اهتم العلامة باقر بقسم الآثار في جامعة بغداد منذ التأسيس عام 1951 من خلال تطبيقه للعلوم في المتحف العراقي، كان العلامة الراحل طه باقر يرفض وبشدة تسمية الحضارة العراقية باسم (بين النهرين) وإنما يطلق عليها اسم (حضارة وادي الرافدين) ويعتبر ذلك حسب دراسته للتاريخ إن المصطلح خاطئ ومغلوط أساسا فهو يوناني استعماري في مغزاه يراد منه حصر العراق بين نهري (دجلة والفرات)، فهنالك أطماع استعمارية تنوي الحط من حضارة العراق وفق هذا المصطلح. كان العلامة طه باقر شديد الحذر في بحوثه ودراساته من نقل الأخبار من الكتب المقدسة التي تحتوي على الخيال والأساطير، كذلك حذرا من المؤرخين الكلاسيكيين أمثال زنيفون وهيرودوتس لأنهم يكتبون تاريخ الأمم حسب أهوائهم ورغباتهم، إضافة لأصالته و وطنيته العراقية و لشغفه بالآثار العراقية مما شجعه الزعيم عبد الكريم قاسم بعد ثورة تموز 1958 أن يكون وزيرا للتربية فكان جواب طه باقر "الآثار أفضل من الوزارة" فأبتسم الزعيم قاسم له وعينه (مديرا عاما للآثار) عام 1963، لكن بعد انقلاب شباط 1963 حينما سجنته وسأله المحقق عن (شغفه وعشقه لقاسم) فقال للمحقق الجنائي (نعم، وما الضير في أن يكون عبد الكريم رمز العراق). يتحدث الباحث كوركيس عواد عن علاقته بالعلامة باقر "حين عاد سنة 1938 من أميركا كنت يومذاك أمينا لمكتبة المتحف العراقي، فوجدت فيه مطالعا غريبا لا أغالي في القول إنه أصدق أصدقاء المكتبة حيث اطلع على الكثير مما زخرت به أمهات الكتب والمجلات الأجنبية المتصلة بعلم الآثار"، تناول العلامة طه باقر مختلف المواقع الآثارية بالدراسة والتحليل والكشف عن عصور ما قبل التاريخ في وادي الرافدين إضافة إلى مساهمته الواسعة في مجلة (سومر) ونشاطه في المجمع العلمي العراقي وشغل إضافة إلى أعماله الفكرية مناصب إدارية متنوعة، فعمل مديرا عاما للآثار ونائبا لرئيس جامعة بغداد مع الدكتور عبد الجبار عبد الله رئيس الجامعة بعد ثورة 14 تموز 1958 م. وساهم في تأسيس متاحف لبعض البلدان العربية كالمتحف الليبي أثناء فترة عمله هناك أعوام 1965 - 1970، ثم عمل في ميدان التدريس في جامعة بغداد / كلية الآداب / قسم الآثار عام 1971 كان العلامة طه باقر موسوعيا في ثقافته التي توزعت بين التاريخ واللغة والفن وتاريخ الإنسان والفلك، كما امتلك معرفة قديرة في إتقان اللغات ومقارنتها، فإتقن العربية والانكليزية والفرنسية والألمانية إضافة إلى لغات العراق القديم، وعرف عنه الانفتاح الذهني وابتعاده عن التعصب واحترام الرأي الآخر، كان شغوفا باللغة العربية الأمر الذي دفعه إلى تأليف مؤلفه (من تراثنا اللغوي القديم) عام 1980 . العلامة طه باقر رائد من رواد علم الآثار في العالم ومؤلفاته تعني مصدرا مهما من مصادر علم الآثار والحضارات والتاريخ القديم، ورغم كونه أستاذا في كلية الآداب ودار المعلمين العالية لكنه ظل متعلقا بالعمل الميداني، في مجال التحري والتنقيب فترأس بعثة للتنقيب في موقع (تل الدير) وعقرقوف أعوام 1941 - 1947، وأشرف على التنقيب في (تل حرمل) و (تل الضباعي) في بغداد 1945-1961 وأشرف على التنقيبات في حوض سد دوكان وسد دربندخان أعوام 1956-1961، إضافة إلى قيامه بأعمال الصيانة الأثرية في مدينة بابل سنة 1958 - 1963. قدم العلامة طه باقر مئات البحوث المنشورة وعمل رئيسا لتحرير مجلة سومر ، يؤكد الكاتب أقبال محمد عباس في مقال بعنوان (منجم عراقي للعلم والمعرفة) " يروي احد أصدقائه عنه انه رفض فتح المتحف العراقي لزائر بريطاني في يوم الجمعة رغم إن الأمر بفتح المتحف كان من نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك ". كان العلامة طه باقر يسعى دائما إلى كشف عظمة الشعب عبر عصوره الحضارية، وتجلى ذلك بترجمة كتاب "ألواح من سومر" الذي ألفه الاختصاصي في السومريات صموئيل كريمر، حيث تناول كريمر فى الكتاب منجز الحضارة كيلة وقد ابتكر ألف باءها العراقيون القدماء، فجاءوا إلى الحياة البدائية بالمدرسة الأولى والبرلمان الأول والقوانين المنظمة لتفاصيل الحياة، ورؤية ناضجة عن الحب والموت والولادة. وكأن طه باقر يسعى في جهده هذا وغيره الى ملء الفراغ الحضاري الذي خلفته عهود الظلام في البيئة العراقية. ترك العلامة طه باقر عشرين مطبوعا بلغات متعددة وتمتاز كلها بالثراء العلمي وبلاغة الأسلوب وجماله، كان واحد من منجزات طه باقر الكبرى لتاريخ بلده العراق وللبشرية ترجمته لملحمة كلكامش. وهي ملحمة سومرية مكتوبة بخط مسماري على أحد عشر لوحا. شغل العلامة طه باقر منصبين مهمين إلا وهما مدير الآثار العام ونائب رئيس جامعة بغداد ليسافر إلى ليبيا عام 1965 ليعمل مستشارا في مصلحة الآثار وفي الجامعة الليبية واضعا هناك اللبنة الأولى في حقل الدراسات الآثارية عبر خمس سنوات من العمل عاد بعدها إلى العراق بعد إعادة تعيينه تدريسيا في قسم الآثار - جامعة بغداد - حتى تقاعده عام 1978 م ، بعد عام 1980 تدهورت حالته الصحية اثر إصابته بجلطة دماغية اضطرته إلى العلاج في أحد مستشفيات لندن عاد بعدها مدركا إن وقت اللحاق بصديقه كلكامش إلى العالم الآخر قد اقترب بعد إن مل من مصارعة المرض الى ان جاء موعد الرحيل للقاء صديقه وكان ذلك يوم الثامن والعشرين من شهر شباط عام 1984. وللعلامة باقر كتب أخرى عديدة غير التي اشرنا إليها أهمها "المرشد إلى مواطن الآثار والحضارة" ستة أجزاء و "مقدمة في أدب العراق القديم" و "موجز في تاريخ العلوم والمعارف في الحضارات القديمة والحضارات الإسلامية" و "من تراثنا اللغوي القديم وما يسمى بالعربية بالدخيل "ولهذا الكتاب قصة طريفة اذ يرد فيه العلامة باقر على عجز المعجميين العرب عندما تعوزهم الحيلة في إثبات أصل أو جذر بعض الكلمات والمصطلحات فيردوها نتيجة لهذا العجز إلى الدخالة أو العجمة، لقد اثبت العلامة باقر أصل هذه الكلمات والمصطلحات السومرية والأكدية وبعضها شائع في اللغة العامية العراقية سيما في الجنوب العراقي، كما ساهم العلامة باقر في ترجمة الكتب التي تؤهل طلبة الدراسات العليا للبحث والتنقيب ومنها "بحث في التاريخ" للمؤرخ البريطاني الشهير ارنولد توينبي وكتاب "ألواح سومر" الشهير لنوح كريمر وكتاب "الرافدان" و "الإنسان في فجر حياته" إضافة إلى ترجمته فصول من كتاب "تاريخ العلم" لجورج سارتون.
#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)
Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديوانية زهرة الفرات
-
الكابتن جاسم محمد علي الهندي ... الهداف الأول لملاعب بابل ال
...
-
اشهر عوائل يهود الديوانية في ميدان الزراعة والتجارة (الحلقة
...
-
اشهر عوائل يهود الديوانية في ميدان الزراعة والتجارة (الحلقة
...
-
(نظرية الاصل الفضائي للسومريين)
-
الصابئة المندائيون في العراق ...تاريخهم . عباداتهم. عاداتهم
...
-
الأيزيدية .. للباحث والمفكر والإنسان زهير كاظم عبود
-
اشهر عوائل يهود الديوانية في ميدان الزراعة والتجارة (الحلقة
...
-
الحلة تحتفي بالشاعر العراقي سعد جاسم
-
حوار مع المناضل حميد غني جعفر الاسدي (جدو) , ليروي قصة النفق
...
-
سحر الحقيقة ..شخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي
-
واقع المرأة في المجتمع العراقي
-
كيف نصنع الديكتاتور
-
وداعاً ايها المناضل والصحفي سعد حمزة الغريباوي
-
د. برهان شاوي وأسرار رواية مشرحة بغداد
-
مأساة اكراد حلبچة والسلاح الكيمياوي
-
الباحث عدنان حسين أحمد وأدب السجون
-
الشخصية الوطنية موسى الطائي يروي المعالم المضيئة من تاريخ تن
...
-
حوار مع كاظم محمد الحسن (أبو بسيم ) عن تأريخ تنظيم الحزب الش
...
-
بغداد المحروسة
المزيد.....
-
-لا مؤشرات على وجود حياة-.. مشاهد صادمة تلاحق الفلسطينيين مع
...
-
كيف تضغط العقوبات النفطية الأمريكية على أساطيل الظل لروسيا و
...
-
رؤساء سوريا عبر التاريخ: رئيس ليوم واحد وآخر لأكثر من عقدين
...
-
السودان.. حميدتي يقر بخسائر قواته ويتعهد بطرد الجيش من الخرط
...
-
الجيش الإسرائيلي: إطلاق صاروخ اعتراضي نحو هدف جوي تم رصده م
...
-
برلماني مصري من أمام معبر رفح: الجمعة القادمة سنصلي في تل أب
...
-
السودان.. قوات الدعم السريع تتوعد بـ-طرد- الجيش من الخرطوم
-
السلطات النرويجية تبلغ السفارة الروسية بعدم احتجاز طاقم السف
...
-
الخارجية الأمريكية: إدارة ترامب تعتبر قناة بنما أصولا استرات
...
-
قوات كييف تهاجم مدينة إنيرغودار مجددا حيث تقع محطة زابوروجيه
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|