|
أنتظره
عبد الرحمن جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1311 - 2005 / 9 / 8 - 07:25
المحور:
الادب والفن
إلى سحر
أنتظره، لربما لن يأتي، وكل الشوق في قلبي سينكسر. أقرأ رسائله، أحسه قريباً ويبقى بعيداً. الساعة تنبئ بالفجر، وأنا لا أزال مستيقظة، ورسالة أخرى تصل منه، وأخرى، وكل الورود في قلبي لونها آخر. هل سيأتي؟؟ ليس لي مكان هنا؟ وحيدة أنا؟ لا أعرف، حولي عائلتي وليسوا حولي. كلٌ منهم عرف كيف يأخذ مكاناً في هذا العالم الجديد، وأنا لا. كلهم يتكلون علي وأنا لا أجد من أتكل عليه. وهو بعيد، خلف محيطات، وصوت رسالة أخرى، فهل سيأتي؟ الضوء شاحب بجواري، لا أرى كثيرا، أو بعيداً، لكأني لا أريد الرؤية للبعيد، أخاف الأمر، أخاف أن يأتي غداً فأعرف أنه لن يأتي. لقد فعلها سابقاً، الوغد. أنا لا أثق به.... كلا.... أثق به وأحبه. أحرك يداي، وهن لا يتحركن أريد أن أناقش نفسي في الأمر. ماذا أنتظر؟ أسيأتي ويكون المجهول؟ هل سيأتي وأعيش الحلم. أم لا وأموت، أنا أموت يومياً وببطءٍ شديد. هو لا يعرف. هو لا يعرف كم أصبحت الحياة عندي رمادية، صار لا يهمني كثيراً إن مت أو عشت، صار لا يربطني بهذه الحياة إلا صلتان، بكائي وحلمي به. فإذا ما رحل حلمي أو ارتحل، بقيت حية؟؟؟ فهل سيأتي. ما عادت بي قدرةٌ على البكاء، صار دمعي ككل القصص، كبطلات الروايات، يكللني ويزيدني جمالاً. أو لربما لا، صار يزيدني حزناً. صرت أبكي لأنني لا أعرف إلا أن أبكي... ليس ضعفاً، ولكنه تعود... تعود... الفجر صار عندي. يتحرك في وحولي، أحسه مستيقظاً في بيته، يجلس إلى كمبيوتره، وأغار، من كل ما حوله. أغار... أجل، أغار، ولمَ لا أغار، كل شيء يأخذ وقته منه، وأنا لا. كل الأشياء تحتل مكانها عنده، وأنا بعيدة. هل لا زال هو، كما عرفته؟ هل لازال؟ عرفته مستعجلاً، غبياً، عاطفياً، نزقاً، ولكنه يحبني. يفهم الأمور دائماً خطئاً، لكنه يحبني. فهل تغير؟ يغضب بسرعة، يفسر الأمور بطريقته، ويتحملني. فهل أثَّر عليه البعد، فتغير؟ قد قال لي إنه آتٍ، ولم يأتِ، ولطالما وضع الحق علي، في أمرٍ لا دخل لي به... فهل سيأتي هذه المرة كما وعد؟؟؟ أراه ولا أراه. أسمعه ولا أسمعه، هو قريبٌ وليس قريب. لا أعرف حينما تختلط الأشياء إلى هذا الحد وتصير تشبه نفسها إلى هذا الحد. ماذا أفعل. بالعادة، كنت أطلب منه أن يفسر لي الأمور حينما تتعقد، لكنه ليس هنا، وأنا وحيدة. وحيدة! تخيفني الكلمة، لها مذاق مر. أكرهها وأخافها أكثر من أي شيء. أكره أكلي وحيدة، أكره سماعي أم كلثوم وحيدة، أكره جلوسي وحيدة، أكره مشاهدتي التلفاز وحيدة. أكره حتى دخولي الحمام وحيدة... وحدتي لا تشبه وحدة أحد. وحدتي تشبهني أنا فحسب. فهل سأصبح معه "لا وحيدة؟". أتذكر بضع أشياء من علاقتنا، أتذكر فرحي وحزني. أتذكر ألمي بين يديه، ولم يقبلني. أتذكر غضبه، ولومه، أتذكر عصبيته. أتذكره كما لو أنه أمامي، وليس أمامي، والعتمة حولي والفجر كذلك، ولا أرى إلا هو. فهل سيأتي؟ (وعدني أن يرسل لي قصة يحكيها عني، هل سيعرف؟ سيحاول ربما؟ لكنه لن يعرف الحقيقة. لن يعرف ما بي، وما أنا فكل ما سيفعله هو المحاولة... المحاولة). أتخيل البرد إلى جواره، والدفء إلى جواره. لكنني أخاف حتى من حضوره. أخاف من قدومه ومن عدم قدومه. يخيفني أن يأتي ويخيفني أن لا يأتي. يوماً قال لي: أحياناً يكون الخوف غذاءنا، وأحياناً نكون للخوف غذاء. فالخوف من العتمة أمرٌ طبيعي عند الأطفال. والخوف من الأحباب، أمر طبيعي عند الأحباب. فهل أنا أنتظر أن يأتي؟؟ لا، لا، لا يجب أن أفكر هكذا. فأنا له وهو لي. لكن لماذا أحس بأنه بعيد، وأنا بعيدة، وأتمسك بالهاتف الذي يصلني به. الغبي... يلومني لأنني أهتم بالآخرين أكثر منه؟ أنا لا أهتم بأحد أكثر منه، هو يعرف الصلة التي تربطني به. هو يعرف كم أحبه. أم لا يعرف؟ (أعرف أنه يكتب لي الآن. أعرف أنه يحاول أن يصل إلى عقلي، ويحاول، ولن يصل...). الأمر أبسط من هذا بكثيرٍ عندي، أريد أن أطفأ النار التي داخلي، وأريده أن يكون هنا، والآن. لا أحب أن أفكر بأنه لا يكون بجواري حينما أحتاجه. أريده... وأريده الآن. لم لسنا في قصة كقصص ألف ليلة وليلة، كقصص الأغاني، وأكون الحبيبة التي تنتظر ويأتي الحبيب. فهل سيأتي. صار الفجر يشبهني، مفتوح على كل الاحتمالات، كل من حولي نائم. كل من حولي، لربما هو الوحيد الذي بقي مستيقظاً لغاية الآن. النعاس يشدني إليه، لربما سأنام ولو قليلاً أريد أن أرتاح. أفتح عيناي لأجده إلى جواري. ويبدد كل هذه الغيوم، فيكون شمساً، (شمساً... لا أظنه كذلك...).
#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلفزيون، كثيراً وللغاية...
-
لا أريد أن أجوع
-
سأخون وطني
-
لغة الخطاب
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|