أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود سلمان الشويلي - اوراق المجهول - رواية متسلسلة - الفصل الرابع والخامس















المزيد.....

اوراق المجهول - رواية متسلسلة - الفصل الرابع والخامس


داود سلمان الشويلي
روائي، قصصي، باحث فلكلوري، ناقد،

(Dawood Salman Al Shewely)


الحوار المتمدن-العدد: 4686 - 2015 / 1 / 9 - 21:36
المحور: الادب والفن
    


الورقة الرابعة:
--------------------------------------------------
اخبرني والدي الكثيرعن احوال القبيلة قبل وبعد موت الشيخ الكبير وكأنه يخبرني للتو، اذ لم تكن كلماته – وقت ذاك - قد احاط بها غبار ايام المحنة التي عشناها واصابتنا كما اصابت الاخرين من ابناء قبيلتنا ، و سطرها قلمي على هذه الاوراق دون ان اعرف الاخبار من طرف اخر بعد ان فقدت ابنة عمي وحبيبتي وخطيبتي خيرية، و بعد ان رحلت هي وعائلتها واغلب عوائل القبيلة الى مكان لا نعرف عنه شيئا ، قال من قال: انهم سكنوا اطراف بغداد الغربية ، وبعضهم ذكر: انهم تركوا العراق ، ومن قال: انهم تغربوا في البلاد الشرقية ، ومنهم... ومنهم ... ولكن الشيء الاكيد انني لم ار خيرية منذ سنوات ، أي منذ ان جاء الخبر من بيت القاضي ان زوجة الشيخ الكبيرالتي ادعت انها حامل كانت غير حامل، وصرح شيخ سلف العماريين بالوصية.
ها انا اقضي يومي بين الدوام في المدرسة وصديقي راضي وبين الجلوس في غرفتي انا وهو، او الجلوس في غرفة راضي ، وكنت بين الحين والاخر اسأل والدي عن شيء كان عليّ توثيقه من مصدر معتبر ، وكان ابي هو ذلك المصدر المعتبر، وكان هو يجيب مرة ويغضب اخرى من اسألتي.
كان راضي قد امتحن بما امتحنت به مع خيرية ، كانت حبيبته فوزه قد رحلت مع عائلتها مع المرتحلين من قبيلتنا ، الا ان مجموعتهم اخذت اتجاها اخر غير الاتجاه الذي يممته الجماعة التي فيهم حبيبتي خيرية ، وبقينا انا وهو نندب حظنا لاننا لا نعرف سببا معقولا لهذا الفراق ، اما السبب غير المعقول حسب ادراكنا انا وراضي فقد عرف وانتشر بين ناس قبيلتنا الواحدة ، بين ناس عشائرها وافخاذها واسلافها وبين خلق الله الاخرين ، والذي حدثني عنه والدي ، وكنت انا وراضي يعرفان به ، وها انا اسطره على هذه الاوراق دون ان ازيد عليه حرفا او انقص منه اخر .
ذكر والدي الامور كما حدثت وكأنها تحدث للتو، اذ لم تكن قد احاطت بها الغيوم السوداء لسنوات المحنة التي عشناها واصابتنا كما اصابت الاخرين من ابناء قبيلتنا، وكما كنت اعرف بها ويعرف بها جميع خلق الله دانيهم وقاصيهم ، ذكر امامي صبيحة يوم جمعة باردة من شهر كانون الثاني ، والمطر والرياح هما الظاهرتان الطبيعيتان اللتان عرفهما ذلك اليوم ، قال لي كأنه يحدث نفسه بأمر جلل :
- اول ما فاجأني انا بالذات هو وصية الشيخ الكبير ، ومن ثم وفاته السريعة رحمه الله دون ان يجيب على سؤال القاضي عن رآسة المشيخة من بعده .
لا اعرف ان كان والدي قد اصبحت دموع عينيه سريعة النزول هكذا بسبب الالم الذي تركه موت الشيخ الكبير، او بسبب عدم نطق الشيخ الكبير بأسم من سيخلفه على القبيلة قبل ان يموت، ام لكبر السن الذي وصل اليه ؟ الا ان ذاكرته ما زالت طرية ، ذاكرة شاب في العشرين من عمره ، لما لا ، فهو لم يدخن ولم يشرب الشاي ، وحتى القهوة لم يذق طعمها مرة واحدة طيلة حياته ، لهذا كانت ذاكرته قوية ، الا ان دموع عينيه كانت سريعة الجريان لايمنعها عن النزول عند ذكر موت الشيخ الكبيرأي شيء، فتركته يبكي بصمت لان البكاء يخفف آلام اتقاد الذكريات.
قال ابي بعد ان مسح عينيه بكم دشداشته البيضاء وهو ينظر الى خارج شباك الغرفة والمطر يهطل بغزاره :
- كانت زلزالا كبيرا قد وقع على رأسي ورؤوس الذين خلفوني (*)... كيف ذلك ، سألت نفسي وقتها ؟ – هو الذي قال وتابع التساؤل- هل اراد الشيخ الكبير ان يتركنا هملا دون راع ؟ ...واخيه ؟ لماذا لم ينصبه شيخا علينا ؟ لماذا لم يختر واحدا منا نحن شيوخ عشائر قبيلته ؟ لا اقول انا ... استغفر الله ... كان يجب ان يختار حتى ولو كان عبدا حبشيا من عبيده الذين يملأون المضيف ... كان يجب ان يختار يا خيري- اكد لي - الا انه لم يختر ، وكانت مشيئة الله سريعة بموته يرحمه الله.
كان اعترافا مؤلما لوالدي الى الحد الذي جعلني اخشى عليه ان تصيبه جلطة او ذبحة صدرية.
سكت والدي عند هذا الحد ... ونهض من مجلسه وخرج دون كلام زائد ،ودون ان يلتفت لي ، خرج بصمت كعادته واخذ الصمت معه وترك معي اكثر من صوت يتعارك في رأسي الذي اشعر به وقد اصبح بحجم كرة القدم، امتلأ بها تفكيري ، حتى اصبحت اسئلة تنتهي بعلامات استفهام اضيفت الى التي اخبرني بها ابي سابقا.
كنت قد سمعت بهذا الكلام من قبل ، الا ان ابي قد وثقه عندما ذكره امامي برحابة صدر... فأصبح عندي مسطرا على هذه الاوراق البيض التي بين يدي ، والتي لا ادون شيئا فيها ما لم يوثق من قبل والدي .
كنت اعرف ان هذا الذي حدث بعد وفاة الشيخ الكبير هو الذي فرق القبيلة ، وشتت شملها ، وابعد عشائرها وافخاذها واسلافها الى نواح عدة ، لكن الذي ظل دون معرفة هو لماذا لم يوص الشيخ الكبير بمن سيخلفه؟ وهذا ايضا ما سبب بكل ما حدث بعد ذلك ايضا ، والذي زاد الطين بله هو انهم لم يعرفوا له ولدا ، وايضا ان الذي اوصل الامور الى ما وصلت اليه هو كذب التي ادعت حملها ، وادعاء شيخ سلف العماريين بالوصية.
مرة قال لي راضي بعد ان هاجت ذكرياته مع حبيبته فوزه، فسالت ذكرياتي انا مع ابنة عمي وخطيبتي وحبيبتي خيرية كفيلم سينمائي:
- يا خيري ان اسئلتك كثيرة ، وهي لا تغنينا بشيء ولا تسمننا ، فدع عنك هذه الاسئلة ، واترك الامور تسير كما اراد الله لها ان تسير ، او كما قدرها.
قلت له وما زال خيال خيرية مالئا كل تفكيري بقبلاتها النارية ، وبمصها لشفاهي وكأنها حلوى :
- انسيت انني احمل شهادة اختصاص في التاريخ ؟
اجابني ضاحكا :
- اعرف ذلك ، ولكنك لست بمؤرخ ، انك درست التاريخ لتدرّسه لتلاميذ الدراسة المتوسطة والاعدادية حسب ، وما شأن اختصاصك بما حدث لقبيلتك ؟
قلت له بصوت غاضب :
- وخيرية ؟ ها ...؟ وفوزه ؟
اجابني والابتسامة مرسومة على شفتيه :
- وما شأنهما ؟
قلت له محتجا :
- الم تكن تلك الاحداث التي اسأل عنها هي سبب الكارثة ، وسبب ما نحن فيه ؟
قال لي مهدئا من غضبي:
- اهدأ قليلا ... ان ما تسأل عنه نعرفه جميعا ، وانت تعرفه كما اعرفه انا والعبد خادم الشيخ الكبير .
اجبته مستردا بعض هدوئي المفقود:
- نعم ، ولكن الوثوق هو الذي ابغي ، والقول الموثوق عند ابي فقط ، وهناك اسئلة كثيرة لم احصل على اجابات عنها.
سألني مستهجنا قولي:
- من قال هذا ؟
- انا الذي اقول ، وانا اعرف ذلك ، وانت تعرف ان لا احد يعرف الامور اكثرمن والدي .
رد قائلا :
- هذا صحيح ... الا ان والدك ربما لم يكن صادقا معك بعد ان صاراليد اليمنى لوصي الشيخ الكبير على حق المشيخة وعلى ابنه الغائب الذي يدرس خارج العراق.
ادهشني كلامه ، وكنت اعرف ان راضي لن يصدق مثل هذا الادعاء، سألته :
- وهل صدقت هذا الادعاء؟
اجابني دون تفكير :
- وكذلك والدي ووالدك ايضا وبقية افراد القبيلة اجمعين.
ضحكت بصوت مجلجل ملأ الغرفة وخرج الى الهواء الطلق، و بانت اسناني بيضاء ناصعة ، فيما اخذ راضي يتلفت يمنة وشمالا، واسرع ليضع كفه على فمي ليمنعني عن الضحك ، وقال بصوت عال:
- اسكت ، لقد فضحتنا ، سيسمع والدك صوت الضحك ، وانت تعرف ان مثل هذا الضحك لا يقبل به .
عندها مباشرة ترك راضي فمي واسرع خارجا من الغرفة ، بل هاربا من المواجهة التي خمن انها ستقع بيني وبين والدي بسبب الضحك العالي ، الا ان شيئا من ذلك لم يحدث، لان والدي كان خارج اراضي عشيرتنا على اراضي عشيرة اخرى ليأتي منها بحصة المشيخة ، ليرسلها الى الوكيل الذي بدوره - وحسب ادعائه – سيسلمها الى ابن الشيخ الكبير الذي يدرس في لندن.
***
الورقة الخامسة:
---------------------------------------------------
في ساعة من ساعات ظهيرة احد ايام الصيف الحارة، والتي تبول فيها الحمير دما ، كنت جالسا لوحدي في غرفتي في الطابق الثاني من بيتنا، بعد ان تزوجت من شقيقة راضي وتزوجت شقيقتي من راضي ، فتحت سجلي، ورحت ادون ما كنت اذكره من ايام الحب – و امتلأت هذه الصفحات برسومات لازهار بلون الشفق - التي لم تشوهها ايام المحنة التي عصفت بنا نحن ابناء القبيلة.
كتبت : في يومه وتاريخه ، وعند ظهيرة ذلك اليوم القائظ ، والشمس في سمت السماء ، وبالكاد يتنفس الناس الهواء الساكن الثقيل ثقل الرصاص على الرغم من برادات الهواء الكهربائية التي تدور لتبرد هواء الغرفة وتجعله نسيما، كنت اصطلي في اتون غرفة ماكنة الماء عندما دخلت خيرية، فيما كان راضي ينتظر دوره في الدخول الى الغرفة مع فوزه، وهو يراقب المارة عن بعد ليثنيهم لو حاولوا الاقتراب من الغرفة ، وكانت فوزه تنتظر مجيء خيرية لها لتأخذها الى بيتها لتريها بدلة عرسها التي اتيت بها من بغداد و ليقضيا وقتا مسليا، الا انهن يعرفن ان ذلك حجة للقائها براضي .
في ذلك الحين كانت خيرية تخبرني انها سمعت والدها يسب عمها وابي راضي ويكيل لهما التهم ، ويقول عنهما كلاما لا يليق بهما .
سألتها عن ذلك الكلام غير اللائق فلم تذكره امامي ، ورجتني ان لا اطلب منها ذكره ، لانها لا تريد ان تسيء لعمها والد حبيبها وخطيبها ، هكذا قالت لي .
وعندما انتهت خلوة فوزه وراضي ، اخبرني راضي ان فوزه قد اخبرته انها سمعت والدها يسب ابيه ووالد خيري ، وسمعته كذلك كما اخبرت راضي انه كان يقول لوالدتها : انهما كاذبان.
وعندما سألها راضي عن هذا الكذب الذي ينسبه ابوها لوالد خيري ووالده ، ادعت – هكذا اخبرني راضي لانه عرف انها كانت تدعي – انها لم تسمع الباقي من الكلام لان جارتهم الدلالة(*) قد نادت عليها لتريها بعض قطع القماش .
راح قلمي يسجل ما تمليه عليه الذاكرة مما حدث في تاريخه ووقته ، فكتب ايضا: لم اذكر لوالدي ما قالته الحبيبتان لي ولراضي ، لان المصدر كان نسائي فقط ،وهو لا يقبل به لانه كان يسميه اقوال نساء كلها كذب، الا انني عرفت فيما بعد ، أي بعد اقل من ساعة، ان هناك مشادة حدثت في مضيف سلف العماريين في الضفة الاخرى من النهر، بين ابي من جهة وبين اخيه ابو خيرية وابي فوزه ، وانتصر في هذه المشادة ابو راضي لابي ، ثم بعدها انقسم الناس الذين في المضيف ، وكانوا جميعهم من رؤوس العشائر والافخاذ والاسلاف في قبيلتنا، الى عدة اقسام ، فقسم انضم الى والدي الذي كان صديقا لشيخ سلف العماريين الذي ادعى في تلك الجلسة ان الشيخ الكبير قد ائتمنه على ابنه ابن الانكليزية الذي يدرس خارج العراق ، وادعى – كذلك - ان الشيخ الكبير طلب منه ان يرسل لابنه المال ليكمل دراسته ليعود الى القبيلة ويمسك زمام امورها ، عندها – كما سمعت ممن كان يريد ان يسمعني هذا– تعالت الاصوات العالية والهمهمات المنخفضة ، فمنها من انكر هذا القول بحجة عدم وجود الشاهد ، او بحجة ان الشيخ الكبير لم يوص القاضي بذلك ، او بحجة ان الشيخ لم يعرف عنه ان لديه ولدا ، ومن قال بلا تردد – كما ذكر لي اخر – ان هذا الشخص نهض واقفا في المضيف واعلن بصوت جهوري: انه كان مع الشيخ الكبير في احدى سفراته الى بغداد وقد اخبره الاطباء بعقمه .
عندها ، كما ذكر الذي اخبرني بذلك، قام بعض الجالسين وانهالوا عليه ضربا ، ثم سحبوه خارج المضيف ، فصعد سيارته ورحل الى ارض سلفه ، ومن هناك - كما عرفت - ترك هو وابناء سلفه ارض السلف الى مكان مجهول .
وعندما عرفت ذلك من رجال القبيلة بعد ساعة من ذكر حبيباتنا السب والشتم ،اذ في عالم قريتنا ، قرية عشيرتنا ، والقرى الاخرى لعشائر قبيلتنا واسلافها ، لم يكن هناك من سر يمكن المحافظة علية طالما هناك شفاه تتحرك وآذان تسمع ، فالحيطان لها اذان كما قيل.
تحينت الفرصة لاختلي بأبي ، لاسأله عن مصداق هذه الاخبار ، فكان لي ذلك ، فقال مؤكدا قولي :
- كل الذي سمعته صحيحا .
قلت له متسائلا:
- اعرف انه صحيح ، ولكن لماذا حدث كل ذلك ؟
قال ابي وهو ينهض من مجلسه متوترا:
- ستعرف فيما بعد ... ثم اردف قائلا :
- سأذهب للمضيف الكبير... الوكيل طلب حضوري .
وكان الوكيل هو شيخ سلف العماريين نفسه ، نقل مجلسه الى مضيف الشيخ الكبير ليكون – كما اخبرني ابي – قريبا من اموال المشيخة التي استودعها اياه الشيخ الكبير ، الذي اوصاه ان يجتهد في المحافظة على ولده الغائب على ارض الاجانب ليكمل دراسته هناك .
وكان والدي هو الشخص المفضل عند الوكيل ، وكاتم اسراره ، والحافظ لسجلات القبيلة، فكانا كما وصفهما احد مسني القبيلة الظرفاء : (مؤخرتان في لباس واحد) .
اصبحت علاقة ابي بالوكيل اكثر من علاقته بالشيخ الكبير قبل ان يتوفاه الله ، بل انه سيطر والوكيل على غلة كل الاراض التي تركها ابناء القبيلة ، فزادت ثروتهما ، وبنيا لهما قصورا في بغداد، والذي زاد الطين بله اننا سمعنا انا وامي واختي ان والدنا قد تزوج بفتاة من (إحديثات)(*) بغداد ، الا انه انكر ذلك.
في يوم ما من ايام المحنة ، وكان الجو مغبرا بغبار احمر كالدم، صعد والدي الى غرفتي التي كنت اختلي بها مع كتبي وسجلاتي وبراضي عندما يزورني ، دخل الغرفة وكان يسحب الهواء من منخريه وفمه الذي امتلئا بالغبار ، فيما صوت سعاله يملأ الجو ، جلس بالقرب مني ، ثم سحب كتاب الله من الرف الذي كان يقبع عليه ، وفرشه امامي على صفحة خمنت انه قد علّمها بعلامة قبل هذا الوقت، ثم طلب مني ان اتلو بصوت عال ما مذكور في الاية الثالثة من سورة النساء، فتلوت قوله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم ((وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ))،
بعد ان انتهيت من تلاوة الاية الكريمة اغلق والدي كتاب الله وقبله كما فعل عند فتحه ، ثم وضعه على رأسه ، ثم على رفه الخاص ، سألني بعد ان مرر اصابعه على شعر لحيته البيضاء الخفيفة متفاديا نظراتي المصوبة الى وجهه المتغضن:
- الا ترى ان الله كان رحيما بعباده؟
قلت له دون تردد وانا اعرف غايته من قراءة هذه الاية:
- ومن ارحم من الله بالعباد ؟ ... ثم سألته :
- وماذا في ذلك ؟
انفرجت أساريره ،ووضع كفه اليمنى على وجهي ثم سحبها و قبلها وقال بتوسل عرفته منه تلك اللحظة :
- انا اعرف انك ستفهمني ، ولكن اطلب منك ان تقنع والدتك بذلك .
سألته مستفسرا وكأنني اجهل كل شيء:
- بماذا تريد ان اقنعها؟
قال لي وما زالت الابتسامة على شفتيه :
- انا اعرفك من اذكياء القبيلة ، واعرف انك تعرف ، الا ان والدتك واختك لا يفهمن امر الله .
تغابيت و قلت له:
- وما هو امر الله الذي امرك به ؟
نظر في وجهي ، فيما غيمت اساريره ، وتحركت شفتاه بأضطراب ، وراح يطيل النظر حتى خلته قد تجمد ، الا انه صرخ بي بصوت عال :
- اتريد ان تتحاذق معي ؟ ام تريد ان تغيضني ؟ ام انك تريد ان تطلب ثأرك مني وانا لا دخل لي بالمسأله ، ان عمك هو الذي ركب رأسه وانشق عن القبيلة، واخذ خيرية معه ؟
قلت له بكل هدوء فيما ملأ كياني سرور تام بالانتصار لامي ولاختي منه:
- ابي كل شيء قد انتهى بوقته .
وقلت مع نفسي- التاريخ يعيد نفسه وما كان بين قابيل وهابيل قد اعيد – ثم تابعت قولي:
- انا الان متزوج من اخت اعز صديق عندي ، وانتظر ابني الاول ، فلماذا تنكئ جروحا حاولت ان تندمل ، الانك تعرف انك وبعض الرجال القلائل من قبيلتنا كنتم السبب في هذه المحنة وهذا الانشقاق ؟
نهض والدي من كرسيه وقد تصاعد الدم في وجهه غضبا – لا اعرف ان كنت قد نكأت جروحا عنده حاولت هي الاخرى ان تندمل بسبب الزمن - وهم بالخروج ، الا انني بادرته قائلا بعد ان تيقنت انه خذل من ابنه الكبير:
- اترك الامر لي .
عندها عاد ابي اليّ وقبلني في وجهي عدة قبلات ذكرتني خيرية عندما كانت تهجم علي ّلتملأ وجهي بقبلاتها النارية، ثم خرج جذلا لا تسعه الارض.



#داود_سلمان_الشويلي (هاشتاغ)       Dawood_Salman_Al_Shewely#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوراق المجهول - رواية متسلسلة - الفصل الثاني والثالث
- اوراق المجهول - رواية متسلسلة
- ورقتي التي قرأتها في الحفل التأبيني للأديب الراحل (( محسن ال ...
- حرق سعدي يوسف
- القصة في ذي قار - مقترب تاريخي ... عبد الرحمن الربيعي انموجا
- التحول المجاني - رحلة الشيخ من مرجع الى علامة-
- فليحة حسن والقصيدة ألايروتيكية !
- رحلة في الذاكرة -النقد والدراسات-
- ذكريات - 1 -: - ابن المدينة الحارة في مدينة الثلج-
- قانون الشمري للاحوال الشخصية الشيعية وعمر البنت
- ليس دفاعا عن المرأة ( مناقشة حديث نبوي )- ( ملف بمناسبة 8 ما ...
- ذكريات : 4
- العراق تحت احتلالين
- السياب والذكريات الاولى
- ذكريات مع الشاعر رشيد مجيد - 3
- الشعر خارج منطقته - ليس دفاعا عن الشاعر سعدي يوسف -
- هل مات مانديلا ؟
- ذكريات مع الشاعر رشيد مجيد - 2
- ذكريات مع رشيد مجيد
- - عاشوراء - الذكرى والتأسي


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود سلمان الشويلي - اوراق المجهول - رواية متسلسلة - الفصل الرابع والخامس