|
أحلام هي أم كوابيس ؟
جبوري يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4686 - 2015 / 1 / 9 - 03:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ونحن أطفال ، كانت أحلامنا لا تكاد تنزاح عن مستقبل زاخر ، زاهر ، مفروش بالورود ... فكان الذكور من الأطفال يتغنون بالمهن العسكرية ، في حين كانت الفتيات ينشدن بأن يكن طبيبات أو وزيرات ، المهم أن يضرب لهن ألف حساب في مستويات الحياة (الاجتماعية والاقتصادية )، ‘نها حياة البذخ والثراء ، وعلى أساس ذلك كنا نسمع في كل وقت وحين " قْرَا أولدي باش تكون شي حاجة في البلاد وتكون عندك الطوموبيل والفيلا والخدم ، أتانتا تركب في الطائرة ، أتسافر الخارج ، أتبان في التلفاز " إنها الأحلام التي كنا نطمح إليها ، بل إنها أحلام لم نكن نشاهدها إلا في الأفلام على شاشة التلفاز ، وتعبنا واجتهدنا تبعا لهاته الأحلام التي كانت تروى علينا من طرف معلمنا في المدرسة وأبونا وأمهاتنا في المنزل ، لكن كبرنا وعلمنا أنها خدع ، نعم كبرنا وعلمنا انها أساطير ، كبرنا لنجد أنفسنا في واقع مر لم نكن نتغياه أو بالأحرى لم نكن واضعين غياه في مخيلتنا وحسباننا ... نعم كبرنا ودرسنا ، وعندما نتذكر أحلام الطفولة ، نضحك سخرية من أنفسنا تارة ، ونحزن ونذرف دموع الأسى تارة أخرى ، لأننا كبرنا وعرفنا أن الأسطورة لم تنتهي بمجيء الفلسفة ، علمنا أن الكذب لم ينتهي بمجيء العلم ، ولربما كان هو الإحساس الذي سبق إليه جل العلماء والفلاسفة ليجعلوا من الكذب أساسا للتقدم العلمي ، وللأسطورة مكانا ، في المعرفة والنظريات ، بل وتحول تاريخ العلم إلى تاريخ الأخطاء ، نعم كبرنا ووجدنا الأسى والواقع المؤلم باسط لنا ذراعيه بالوصيد ، بل ونتحسر على طفولتنا والأهواء التي تغلغلت في سياقها ، نبكي لأن الأمر في البداية لم يكن يحتاج سوى التأمل ، نعم كان علي أن أتأمل في واقع أبي حتى أدرك أن ما يرويه شيء والواقع القاسي شيء آخر ، كان علي أن أتأمل وفقط في واقع المعلم حتى أدرك أن الدراسة وحدها لم تكن لتوفر " الطوموبيل والفيلا والخدم " وإلا فلماذا كان معلمي يمتطي دراجة نارية قديمة جدا يقطع بها في كل يوم 20 كيلومتر وفي بعض الأحيان 40 كيلومتر ، بل وفي غالبية الأحيان كان يتغيب لماذا ؟؟؟ لا تفكروا كثيرا لأن السبب هو تعطل الدراجة النارية !!، نعم كبرنا ودرسنا وحصلنا على شواهد ، وأدركنا أن شواهدنا تلك وتعليمنا ذاك لم يكن سوى معبر أو تأهيل لتلقي حصة أو حصص من الهراوة والعقاب أمام قبة البرلمان ، نعم أدركن بعدها ، بأن أصحاب مستوى الأقسام الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية على الأكثر ، تلقن أصحاب الشواهد العليا ، أصحاب العلم والمعرفة ، دروسا في فنون الحرب ، وأنشطة في فنون القتال ، ومبادئ في الجهاد ، نعم أدركنا وأدركنا وأدركنا ... أدركنا أن الشواهد العليا تهدي بصاحبها إلى نار الدنيا ، أدركنا بأن الكسول تعاقبه الحياة لجهله ، والعالِم يعاقبه وطنه على علمه واجتهاده ، وأدركنا بعدها بأن الوطن هو نفسه مظلوم ، وحاربنا على إثرها مستغلي الوطن ، ومستغلي إنسانية الإنسان ، ومستغلي السلط لصالحهم ... لكن ما يكون الجواب إن لم يكن بالقتل والاغتيال ، إن لم يكن بالسجن والعقاب بأسمى معانيه ، لا لشيء إلا لأننا نادينا بحقنا ، لشيء إلا لأننا نادينا بكرامتنا ، لا لشيء إلا لأننا نادينا بالتغيير ، لا لشيء إلا لأننا أحببنا أن يكون وطننا في القمة وليس الوطن إلا برجاله ،وما نادينا به لم يكن ليأتي من السماء أو خارجا من أعماق الأرض والبحار بل هم لقنونا إياه ونحن في الابتدائي والإعدادي كانوا يذكروننا بأن لدينا حقوق كما علينا واجبات ، درسونا التربية على المواطنة ، درسونا التاريخ ، درسونا الدين ، درسونا العلم ، أمدونا بدروس في التنمية الذاتية .... لكن كبرنا وعلمنا أن مناهجهم مزورة ، فقد درسونا تاريخ محرف ، وعلم ، العلم نفسه بريء منه ، نعم أبدوا لنا مفاهيم في الدين لكن وجدناهم هم أول مناهضيها حتى لم نعد نعرف ما للدين وما لغيره ، نعم فقد كبرنا وعلمنا أن علينا الخضوع فقط وليس المبادرة علمنا أن الحقوق تعطلت ، والواجب هو الذي يفعل ، علمنا أننا غرباء في أوطاننا ، خائفيينا في مساكننا ، نعمل لأجلهم ومن أجلهم ، نعمل تحت سطوتهم ، وكل من حاول التمرد ... فسيكون جزائه بمفهمة الفقهاء جهنم خالدا مخلدا فيها ...
#جبوري_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفلسفة قراءة مستمرة لتاريخها
-
الفلسفة بما هي نمط للحياة
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|