|
دفاعا عن الإسلام
أحمد سعده
(أيمï آïم)
الحوار المتمدن-العدد: 4686 - 2015 / 1 / 9 - 02:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، و طويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب، فاستعدي وخذي منا الجواب.. تلك الكلمات العنصرية للأسف هي جزء من النشيد الوطني الجزائري، طالما طالبت فرنسا بحذف هذا المقطع لكن المتشددين الإسلاميين رفضوا بحجة أن فرنسا لم تعترف بجرائمها في الجزائر.
في مدينة مرسيليا بالذات انتشرت قوات الأمن في كل مكان قبل مواجهة الجزائر مع ألمانيا في كأس العالم الماضي تحسبا لفوز غير محتمل للجزائر، ومن ثم ملاقاة "فرنسا" في مباراة كولونيالية انتقامية تحمل ذاكرة الماضي الدموي، وتشعل العنف في فرنسا من جانب الجاليات الجزائرية والعربية، لكن الألمان أنقذوا الموقف بعد أن أقصوا الجزائريين.
في مدينة بوردو أوصى شاب فرنسي من أصل مغربي بحرق جسده بعد مماته، وبعد وفاته اضطرت السلطات الفرنسية تحت ضغوط الإسلاميين المتشددين أن تتنازل عن تلبية وصية الشاب الفرنسي تجنبا لردود الفعل الإسلامية.
في ساحة سانت كاترين بمدينة "كليرمون فيرون" الفرنسية تنازل الكاثوليك عن كنيسة للمسلمين وتم تحويلها لمسجد. ويشعر الفرنسيون بعقدة الذنب تجاه الماضي الاستعماري للجزائر، أما المسلمون العرب في فرنسا فما يزالوا يأسفون لضياع الأندلس ويحلمون باستعادتها.
"أنا محظوظ لأني أعيش في بلد ذي ثقافة مسيحية يهودية أتاح لي بحرية وود ممارسة شعائري بكل حرية" هكذا يقول "زين الدين زيدان" المسلم والجزائري الأصل قبل أن يصبح أهم وأشهر لاعب في فرنسا.
وفي مدينة ليل، صرح رئيس رابطة الشمال الإسلامية وإمام مسجد ليل بأنه لا وجود لمفهوم المواطنة في الإسلام، بل هناك الطائفة والجماعة.. ذاك هو الفكر المتشدد الذي يعتبر الفرد ملكا للجماعة قبل أن يكون ملكا لنفسه.
وفي مدينة روان، تعرض إمام مسجد للطرد من قبل المسلمين لأنه عقد زواجا مختلطا وخطب بالفرنسية. وكاد يتعرض للقتل لولا تدخل قوات الأمن.
حينما تريد أن تفرض إسلامك في فرنسا وكأنك تعيش في بلد عربي إسلامي، فأنت تضاعف مشاكلك ومعاناتك بلا حدود. فبدلا من أن تسأل عن عمل يناسبك ستسأل عن عمل لا يغضب الله، وبدلا من أن تأكل وجبة سريعة كما يفعل الآخرون وتمضي، فأنت مضطر للبحث عن المذبوح الحلال.
وهكذا يجد المسلم نفسه ضائعا تائها في فرنسا ينشد الانعزال، وتلتهب أفكاره بصراعات رهيبة بين إيمانه وبين حداثة المجتمع الفرنسي، بين ما يأمر به الشرع وبين ما تنص عليه القوانين الفرنسية.
بالأمس في قلب باريس، فتح بعض المتشددين الإسلاميين النيران على مقر مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة وقتلوا 12 شخصا من ضمنهم 4 رسامين، كتعبير عن انتقامهم لما تصدره المجلة من رسوم مسيئة للإسلام والرسول، ليصبح رد الفعل أكثر إساءة للإسلام وللمسلمين من الفعل نفسه وفوق البيعة قتلى وجرحى. وقد تكرر هذا النوع كثيرا من الفعل ورد الفعل على إساءات مشابهة، فالرسوم الأخيرة لم تكن هي الأولى ولن تكون الأخيرة، لأن الإساءات لن تتوقف ولأن المحتجين لن يتعظوا.
ولأن الإسلام والمسيحية والأديان بشكل عام في عالمنا الثالث لم تمر بمرحلة من النقد الفكري والفلسفي والأنثروبولوجي كما حدث مع المسيحية في أوروبا رغم ماضيها القروسطي السحيق، فإنه لا غرابة في أن يثور أو يغضب المسلمون أو المسيحيون أو غيرهم حينما يمس غريب أو قريب هويتهم المغلقة المتوجسة أمام الآخر، والنظر إلى أي بحث علمي أو نقدي بعين الريبة والشك واعتباره نوعا من الازدراء والسب والغمز واللمز.
وأنا بالطبع لا أؤيد هذا الطابع الدعائي المتهافت والرخيص لمجلة "شارلي إيبدو"، لكن مهما يكن من أمر، فإن هذا لا يبرر رد الفعل الإجرامي، وهذا أيضا لا يعني أن كل عمل اقترب بشكل أو آخر من الدين كان بقصد الإساءة، رواية "آيات شيطانية" مثلا، تلك الرواية الرائعة التي حكم على مبدعها الكبير سلمان رشدي بالإعدام إيرانيا، ورصد آية الله روح الله خامئني مكافأة مشجعة لأي قاتل يأتي به حيا أو ميتا. لأن هذا المبدع البريء متهم من وجهة نظر من لم يقرأون الرواية بالإساءة للرسول، وقبل كل شيء بالإساءة "لخامئني"، وهى تهمة إيرانيا كفيلة بقتل أعداد لا تحصى ولا تعد من البشر.
وبالطبع فإن الجريمة التي حدثت في العاصمة الفرنسية تنطوي من وجهة نظر مرتكبيها ومشجعيهم على أنها عمل بطولي دفاعا عن الإسلام، رغم كونها جريمة وحشية دنيئة تخفي قباحتها خلف واجهة برَّاقة زاهية الألوان من الفضائل، مُضَاف إليها جبروت ادِّعاء طابع إلهي لهذه المُمارسة البشرية السوداء اللاإنسانية الظالمة باسم الله العادل.
ومن هنا يأتي الخطر، ويبدأ الجنون. حينما يبدأ هؤلاء المتشددون محاولاتهم الدَمَويَّة لتكييف الواقع مع أفكارهم وأحلامهم المَرَضِيَّة وذبح البشر وقتلهم من أجل هذا الجنون. ويتوهم هؤلاء قيامهم بدور المُنقذ رغم قيامهم في الواقع بدور مُعجِّل التردِّي والخراب العاجل، ويكفي فقط النظر إلى ما ستلاقيه الجاليات العربية في البلدان الأوروبية وأمريكا من صعوبات وإجراءات أمنية مشددة، وترحيلات وانهاء إقامات وغيرها كرد فعل على الحادث الإرهابي. وهو ما صرح به الرئيس الفرنسي.
ولأننا لا نسبح في عالم ملائكي خالِ من الشرور، ولأن الشعب الفرنسي وشعوب الغرب ليسوا فقط أولئك الفلاسفة والمتسامحين، ولأننا في أزمنة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان؛ فلا مناص من أن تُوَظِّف الإمبريالية العالمية هذا الحادث الإرهابي كغطاء أيديولوجي لاستغلالها الطبقي، واستثماره لإثارة النزعات والهويات الدينية لمحاصرة وشرذمة الشعوب العربية والمسلمين، وخنقهم وحصارهم في نعراتهم، للإبقاء على تبعيتهم وإرساء تخلُّفهم؛ مُستَغِلَّة هذا الإنسان "الأُصُولي" الغَبي! المُنغلق على ذاته والمتوجس إزاء الآخر، والرافض له بدلاً من احترامه وقبوله والتعايش معه.
وبالتفكير قليلا في كيفية حصول القتلة على سلاح في قلب العاصمة باريس، سنتأكد أن من يقف وراءهم بالقطع مصالح استعمارية ودولية كالتي تقف خلف داعش والقاعدة وغيرها، ولذا فإنه لا غرابة في استمرار بلادنا كأسيرة لمصالح الغرب ورغباته، واستمرار وقُوفها كَسِيحَة عَاجزة عن التحدي إلا من خلال الصُراخ على منابر المساجد ولعن وسب الكافرين في فرنسا وأمريكا وغيرهما، ليزيد "الطين بله" بشكل أحمق يخلق عداوات بلا معنى تتسع وتتفاقم ضد الإسلام والمسلمين بسبب أفعال الأُصُوليين الذين يتوهمون أنَّهم في مُهمة جهادية مُقَدَّسَة لهداية هذا العالم الجَاهلي الكَافر، فيجدوا أنفسهم في حالة شاذة خارج التاريخ، تراقبهم قوى استعمارية متربصة من بعيد، لا تعنيها كثيرا تلك اللعنات أو الشطحات؛ فالعن كما شئت طالما أنك يا تابعي تلعب في ملعبي، ومن خلالي، وفي نطاقي، ولصالحي، وطالما أنك يا حبيبي مُستمر في تَجَرُّع كُؤُوس تَخَلُّفَك.
#أحمد_سعده (هاشتاغ)
أيمï_آïم#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تياترو مصر
-
المرأة والجنس والرجل الشرقي
-
الكريسماس ومتعة السفر
-
بائعة الجزر
-
بائعة الذرة، والبيتزا
-
حضن ووداع 2
-
إقفل تليفونك
-
بائعة الجبنة
-
صديقي الشرقي والجنس
-
رسالة حنين
-
إزدواجية الأخلاق
-
الليلة الأخيرة
-
كلام أطفال عن أمريكا
-
كنتاكي
-
ساعة في مستشفى حكومي
-
كابوس الموت
-
رجُل الرصيف
-
رمسيس ونفرتاري
-
صلح الحديبية
-
أم شيماء
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|