أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان فاروق - حسني..














المزيد.....


حسني..


حنان فاروق

الحوار المتمدن-العدد: 4685 - 2015 / 1 / 8 - 00:01
المحور: الادب والفن
    


كل شيء هاديء كما تركته منذ سنين..كل شيء في مكانه تماما إلا تلك الحميمية التي بيني وبين المكان..كنت حين أمر هنا أسمع صوت الجدران تكلمني..تحييني..تحكي لي كل ماتحب أن تحكيه..الآن ليس الأمر كذلك..الجدران هي هي.تذكرني بتلك البرودة المتناهية التي كانت تخترق عظامي وهي تضحك وهي ترى عيوني تكاد تخرج لتنتزع البالطو الشتوي الأسود الفخم الذي يلبسه صاحب الشركة وأنا بيونيفورم الأمن أرتجف ...هي الآن عابسة تماما.. غضبى لاتريد أن تتكلم..أشعر أنها تعاتبني بصمتها..تقول لي: لست مني..لم تعد تشبهني ..مع ذلك أشعر أنها تفتقدني..
-أنا ماتركتك مختارا
-لكنك فعلت
-أنت لم تحافظي عليّ
تشيح بوجهها وتعود للصمت..وأنا أظل أدور..
أرى حسني..جاري الذي كان يحب زيارتي في نوباتجياتي الليلية ليس فقط من أجل سواد عيوني ولكن لـ (يسبل) لجارة شباك العمل التي كانت تقضي وقتها كله تقريبا في الشرفة ولاتدخل للمنزل إلا لتعود بكوب شاي أو طبق به مالذ وطاب تسحب مافيه بهدوء وبلا وعي كأنها تحلم..للحق كنت أنا أيضا أراقبها لكني لم اكن أريد منها شيئا إلا تلك التسلية التي يبعثها وجودها وأنا وحيد أحرس مبنى طويلا عريضا ولا أعرف كيف كنت سأنقذه إن تعرض لهجوم ما..سرقة أو تدمير كيدي أو ماشابه..لم يكن أصحاب الشركة يرون في الحراسة غير مايرونه في بقية الأقسام..(واحد يسد)...وأنا كنت بحاجة ماسة للعمل.. بمعنى أدق لم يكن لدي خيارات..غير أن وحدتي لم تكن تضايقني دائما إذ أني كنت أذاكر لأنهي دراستي بكلية التجارة لأسافر لابن خالتي الذي حصل على الإقامة أخيرا بعد مجهود طويل في (اليونان) ويخبرني أن الفرص هناك مهما كانت أحسن من هنا والحياة أقل عبوسا..كانت الوحدة تساعدني على إنجاز ذلك اللهم إلا عندما يزورني هذا الـ (حسني) ويلتهم الليلة كلها بكلامه ومشاغلاته لجارتنا وأظل أنا أنهاه عن ذلك خوفا من أن يخرج لنا غضنفر من أهلها الذين لم يفعل أحدهم هذا ولامرة ويكسر فوقنا كل أثاث الشركة..غير أنه لم يكن يعبأ بما أقول ويظل يلاغيها..وتظل هي بالمقابل تشرب الشاي بهدوء وتنظر للمارة بشرودها المعتاد دون أن يبدو عليها ولو للمحة أنها حتى رأته..مات حسني فجأة في حادث سير..قيل أنه كان يركب التاكسي خاصته يقل زبونة لحبث تريد فصدمه (مشروع) ومات من فوره..ظللت أياما مذهولا , لاأصدق أنه مات...واكتشفت أني كنت أحبه..وأن وجوده كان يسعد الجدران التي لم تعد كما كانت منذ رحل أصبح لها رائحة الموت....لم أعد أنظر من النافذة..كنت أغلقها ولا أجرؤ أن أنظر للشرفة التي كان يشاغلها حسني ولا بدافع الفضول ...أنهيت كل شيء وسافرت بعدها حتى قبل أن أحصل على البكالوريوس..غبت وعدت وغبت وعدت..كنت أخاف من مجرد المرور من أمام المبنى وإن حدث لا أرفع رأسي إليه....غير أني هذه المرة قابلت بالصدفة زميلا لي تم تعيينه كمحاسب بنفس الشركة بعد تخرجه من الكلية التي لم أكملها ودعاني لأرى المكان..ذهبت ..ارتجفت بمجرد دخولي..كنت أرتدي بالطو شتويا أسود يجتهد أن يدفئني دون جدوى بينما حواسي كلها تبحث عن شرفة بعينها.. حين وجدتها سارعت بالإطلال منها .. لم أجد المرأة العجوز التي تخيلتها طول سنين الغياب ..وجدت عمارة جديدة شاهقة..نوافذها ألوميتال صلبة لايبدو أن وراءها أي أحد... غير أني حين نظرت إلى جانبي وجدت حسني.. كان هناك ..يقف منحنيا على الجدار..ويرفع رأسه تجاه النافذة القديمة..و(يسبل)..



#حنان_فاروق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوس على الناصية الأخرى.. فتنة يوسا
- نساء الكرنتينا .. رواية نائل الطوخي بين العالم الموازي والوا ...
- (سرور) لطلال فيصل..رواية أم أسواط تعرية؟
- نداهة المحار الحزينة
- مصابيح (من مجموعتي القصصية ثقوب تتسع قليلاً)
- بلا قدمين
- سيجارة
- وريد
- إعدام
- أمي :أنا..........!!!
- عفواً مستغانمي..ليس على حسابنا
- كَأَنْ لَمْ يَكُنْ
- هل قلت لكم؟
- مقهى
- التهام
- العقرب
- مساء عنكبوتي
- من هذه؟
- صداع
- مائة وأحد عشر


المزيد.....




- الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
- فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف ...
- تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان فاروق - حسني..