|
وادي الضيف واليوم التالي
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 20:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد شكل سقوط معسكر وادي الضيف الاستراتيجي بيد المعارضة المسلحة التي تقودها جبهة النصرة ضربة قوية للجيش السوري، وخصوصا لمعنوياته القتالية، إلى درجة يعدها البعض بمثابة تحول استراتيجي مهم في معادلة موازين القوى على الأرض بينه من جهة، وبين المعارضة المسلحة من جهة ثانية. بمعنى آخر، وبحسب رأي بعض المحللين العسكريين الاستراتيجيين، وكثير من وسائل الإعلام، خصوصا تلك المؤيدة للمعارضة السورية، سوف يؤرخ كثير من الأحداث العسكرية والسياسية اللاحقة بدلالة اليوم التالي لسقوط وادي الضيف. ما هي حقيقة وادي الضيف؟ وهل يحوز فعلا على هذه الأهمية الإستراتيجية؟ وهل سقوطه بيد المعارضة المسلحة سوف يفتح الطريق فعلاً تجاه معاقل قوات النظام في ريف حماه الشمالي، وتجاه الشمال الشرقي نحو مطار أبو الظهور الاستراتيجي، وإلى الغرب باتجاه الساحل؟. يقع وادي الضيف إلى الجنوب الغربي من معرة النعمان الواقعة بدورها إلى الجنوب من مدينة إدلب على الطريق السريع الواصل بين دمشق وحمص وحماه وحلب في بقعة من الأرض حصينة طبيعيا، ويمتد فيها على مسافة تبلغ نحو ثلاثة عشرة كيلو مترا. يوجد في الموقع خزانات وقود إستراتيجية تخص الدولة السورية بأجهزتها المختلفة بما فيها الجيش السوري. تتكون القوة الحامية للموقع بالأساس من نحو لواء مشاة مدعوم بكتيبة دبابات وأخرى مدفعية وتجهيزات عسكرية أخرى. لا يوجد في الموقع أية مخازن إستراتيجية للأسلحة كما روجت مصادر إعلامية مختلفة. لقد حاصرت المعارضة المسلحة الموقع بصورة كاملة منذ نحو احد عشر شهرا، وبصورة متقطعة منذ نحو سنتين، وحاولت مرارا اقتحامه لكنها فشلت في ذلك. تأتي أهمية الموقع الإستراتيجية بالنسبة للنظام بالضبط من وجود مخازن الوقود فيه، و من كونه يشل قوات كبيرة للمعارضة لتأمين حصاره . لم يكن الموقع يشكل عائقا أما تقدم قوات المعارضة بالاتجاهات التي أشرنا إليها سابقاً، إذ أن خط جبهة القتال يقع بعيدا عنه إلى الجنوب والغرب والشرق. أضف إلى ذلك لم يكن بمقدور قوات الجيش السوري المتواجدة فيه القيام بعمليات عسكرية هجومية ، فاقتصرت على الدفاع. لم تُفاجأ قوات النظام بالهجوم الكاسح لقوات لمعارضة الأخير على الموقع، بحسب مصادر عسكرية متطلعة لدى النظام، بل كانت تخشى تكرار سيناريو مطار الطبقة والفرقة 17 واللواء 93 وغيرها من مواقع الجيش السوري، خصوصا لجهة وقوع عدد كبير من الأسرى من جنوده وضباطه في يد المعارضة المسلحة، لذلك فقد تحسبت لذلك، بحسب إفادة هذه المصادر. لقد أمرت قيادة الجيش بتنظيم انسحاب استراتيجي من الموقع، فسحبت كثير من ضباط الموقع بالطائرات المروحية، ولم تبق منهم إلا ما هو ضروري لتنظيم الانسحاب من الموقع بقوة النيران باتجاه مورك، وهي أبعد موقع لقوات النظام في ريف حماه الشمالي إلى الجنوب من مدينة خان شيخون التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة. وبحسب هذه المصادر فقد شقت القوات السورية طريقها بقوة النيران عبر عدد من القرى والمواقع التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة ونجحت بالوصول إلى نقطة التجمع، بحد أدنى من الخسائر البشرية، بالقياس إلى طبيعة المهمة وصعوبتها. وللتخفيف من أثار صدمة سقوط موقع وادي الضيف على معنويات جنود النظام وأنصاره، أخذ الإعلام الموالي له يتحدث عن نجاح الانسحاب، ولم يبقى في الموقع سوى خزانات فارغة، وبعض العتاد العسكري المعطوب. بغض النظر عن صحة رواية النظام عن معركة وادي الضيف، إلا أن كثافة حديث وسائل إعلام النظام عنها، لجهة نجاحه في الانسحاب من الموقع، تشي بأن خسارة وادي الضيف سوف ترغم النظام على إعادة حساباته العسكرية والسياسية. من الناحية العسكرية بدأ النظام يحشد قوات إضافية للدفاع عن خط الجبهة في الريف الشمالي لحماه، وكذلك باتجاه الشرق لحماية مطار أو الظهور، واستنفر قواته في إدلب وأعاد حشدها، تحسبا لهجوم المعارضة على المدينة بهدف الاستيلاء عليها. ويقال أنه بدأ يحرك قوات إضافية من جبهات أقل اشتعالا لحماية مطار أبو الظهور ولتعزيز دفاعات جبهة مدينة ادلب. ونظرا للنقص الشديد لديه في العناصر البشرية فهو يشن حملات على المدن والبلدات في الساحل السوري وفي غيرها من المناطق الموالية، وحتى في أوساط النازحين، لتجنيد من يقدر على حمل السلاح في الجيش ، من سن الثامنة عشرة وحتى الأربعين من العمر. من جهة أخرى فإن المعارضة المسلحة بقيادة جبهة النصرة قد غالت كثيرا في أهمية سقوط معسكر وادي الضيف ومعسكر الحامية القريب منه، وعدته تحولا استراتيجيا في مسار المعارك مع النظام. فبحسب الناطق باسمها، فإن الجبهة صارت مفتوحة أمامها باتجاه مطار أبو الظهور الاستراتيجي، وباتجاه ريف حماه الشمالي، الذي أرغمت على التراجع عنه في وقت سابق تحت ضغط قوات الجيش النظامي. والأهم من كل ذلك أنها حررت أعداد كبيرة من قواتها كانت منشغلة في حصار الموقع، وصارت خطوط إمدادها مع قواعدها الخلفية أكثر أمناً. من الناحية السياسية لا شك بأن سقوط وادي الضيف ومعسكر الحامدية القريب منه بيد قوات المعارضة المسلحة، سوف يحسن من وضعها السياسي لجهة ما يطرح من تسويات سياسة للأزمة السورية، وخصوصا خطة دي ميستورا لتجميد القتال في حلب. وإذا أخذنا بعين الحساب أيضاً تنشيط جبهة حلب الشمالية الغربية ونجاح المعارضة في طرد القوات السورية من جبهة حندرات ومن مواقع أخرى مما جعل حصار حلب أمرا بعيد المنال في المدى القريب، فإن هذه النجاحات للمعارضة المسلحة سوف ترغم النظام على تخفيض مستوى مطالبه بخصوص تطبيق خطة دي ميستورا، بل لم يعد بمقدوره التشدد، كما في السابق، تجاه مساعي روسيا لإعادة إحياء المسار السياسي. باختصار يمكن القول أن سقوط وادي الضيف ومعسكر الحامدية بيد قوات المعارضة المسلحة، إضافة إلى نجاحاتها في الجبهة الجنوبية وفي الجبهة الشمالية الغربية في حلب، قد أعادت بعض التوازن للمعادلة العسكري على الأرض، مما سوف يكون لها انعكاسها على الحل السياسي الذي يجري التحضير له بجدية على ما يبدو هذه الأيام.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الربيع العربي- وراء در
-
المهمة شبه المستحيلة
-
موسكو ودي ميستورا والتسوية من - تحت إلى فوق-
-
اقتصاديات العنف في سورية
-
حيتان السلطة
-
عندما تمارس السياسة والثقافة ب - المقاولة --حازم نهار نموذجا
...
-
تيفان دي ميستورا والمهمة شبه المستحيلة
-
الأسد يخون معارضيه - قراءة في خطابه الأخير -
-
نظام يجيد تفويت الفرص
-
الانشقاقات المعاكسة
-
هل يقبل الشعب السوري بقاء النظام من جديد
-
غزوة - الأنفال- في الساحل لاسوري
-
مسار التفاوض الموازي
-
أزمة أوكرانيا امتحان للقطبية الروسية
-
مشروع دستور للجمهورة العربية السورية
-
اعادة احياء البنى الأهلية في سورية
-
تفكيك النظام السوري
-
مركزية الرئيس في النظام السياسي السوري
-
مشروع دستور مقترح
-
السياسة عندما يرسمها الأمنيون
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|