|
عثمان علي ..!
هادي فريد التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 1310 - 2005 / 9 / 7 - 11:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
على الرغم من أن الكثير من المؤرخين ، يرجعون الخلاف في الإسلام ، بين الشيعة والسنة ، إلى سقيفة بني ساعدة ، حيث اختلف المهاجرون والأنصار ، على خلافة النبي ، ثم حسم الأمر لأبي بكر ، ولم يكن الإمام علي حاضرا مع المختلفين أو المؤيدين ، ولو كان بينهم لانحاز لأبي بكر ، ضد الأنصار ، حسب منطوق الحديث ، ورغم كل التفسيرات والتأويلات ، المنحازة والحيادية ، فالخلاف الجدي والفعلي ، الذي أدى إلى الفرقة والتناحر ، هو عندما تولى الخلافة الإمام علي بعد مقتل عثمان بن عفان الخليفة الثالث ، ومطالبة معاوية بن أبي سفيان والي الشام ، وجيشه المتمرد على " الشرعية " ، بدم الخليفة المغدور ، حاملين قميص عثمان المخضب بدمه ، ومن هنا جاء المثل ك" قميص عثمان " وبعد أن ُهزم جيش الإمام لأسباب شتى ، جاءت التسمية " شيعة علي " لأنصار الإمام علي ، الخليفة الراشدي الرابع ، والذي تأسست الدولة الأموية بعد مقتله ، على يد معاوية والي الشام الذي لم يخضع لحكم الإمام علي . إذن سبب الخلاف هو الخليفة الثالث ، عثمان بن عفان ، الذي قرب كل بني أمية ، بمن فيهم الذين كانوا يعلنون العداء للنبي محمد وللإسلام أيام الدعوة ، وأقطعهم إقطاعيات ما كانوا يحلمون بها ، حتى لو كان أبو سفيان هو الخليفة ، فعثمان هو الرمز الحقيقي لبداية الشرخ وتعميق الفرقة بين المسلمين والإسلام ، وعلي هو الطرف الثاني في الصراع ، وهو الرمز المقاوم لهذا الانحراف ، الذي أسس لمرجعية قاومت عهود الإستبداد ، طيلة 1400عام ، وهي الفترة التي تعاقب عليها الحكام الذين حكموا باسم الإسلام . مرجعيات الفريقين ، من ألسنة والشيعة ، وعلى مختلف الحقب الزمنية ، وكل باسلوبه ومنهجه ، هم من رسخوا الفرقة ، وشوهوا التاريخ ، حرفوا الوقائع وزوروها ، وحالوا دون تبيان الحقيقة للشعب ، أو التخفيف من الغلواء الطائفي لدين واحد ، ومنذ أن اختلفوا وحتى اللحظة ، لم يبذل أي منهم جهدا حقيقيا ومخلصا لوحدة الصف ، وتضييق شدة الخلاف ، أو التخفيف من لهجة إثارة الأحقاد وتأجيجها ، ولم يحاول أن ُيقنع أي طرف منهم ، الطرف الآخر ، المخالف بوجهة نظره ، , ولم تسنح الفرصة ، لمن كان يقف على الحياد في هذا الصراع ،في تهيئة الظروف الملائمة في ترك حرية الخيار لطوائف الشعب وقياداته المخلصة ، في التلاقي وحل ما راكمته الظروف من خلافات لتبيان حقيقتها . حتى وإن سيحصل مثل هذا ، فلن يكون هذا بين يوم وليلة ، ولا في الأمد القريب المنظور ، فنحن نعرف ما راكمته السنون وما أضافه المنتحلون والمغرضون من أسباب لخلافات الكثير منها وهمي ، والباقي منها أثره لا زال فاعلا في المشاعر والعواطف ، وما صاحب هذا من كذب وتزوير ـ كتب الحديث والسير النبوية والشخصية مليئة بالكثير من الشواهد ـ لا يمكن إزالته بمجرد حسن نيتنا في الحوار والتلاقي ، أو رغبتنا في العيش المشترك دون حساسيات ، طالما هناك من يصب الزيت على النار ويؤجج الخلافات بطرح ما ليس له علاقة أو تأثير على حياة المواطن والعيش المشترك ، نحن الآن بحاجة لخطوة جادة تؤسس لتبادل الثقة فيما بين السنة والشيعة ، وتجاوز العقبات المصطنعة المفرقة ، ليعيش العراقيون بفهم مشترك للوطن وللمواطن ، يتقبل كل منا الآخر المخالف له في ما يعتقد ويؤمن به ، وينصره على من يحاول أن يهضم حقه أو يغتصب حريته وإنسانيته ، بعيدا عن مصادر الكذب والتزييف والتحريض الطائفي أو العرقي ـ العنصري ، إن ما يجمعنا هو الوطن ، وليس الدين أو الطائفة ، فالدين لله وحده والوطن للجميع ، وما يعانيه العراق وشعبه ليس من اختلاف أديانهم أو طوائفهم أو قومياتهم ، بل من حكامهم ومن الذين لهم مصلحة في تأجيج الصراع بين مكونات شعبنا ، وتعميق الخلافات العنصرية والطائفة والمذهبية بين الشعب الواحد من أجل أن يستقيم لهم أمر الحكم والتحكم بالعباد ، فالبعث ما كان له أن يحقق الخراب ويحدث كل هذا الدمار في البلد لو لم ينجح في زرع الفرقة العنصرية والطائفية ويؤججها بمساعدة من لهم مصلحة في تأجيج هذا العداء . فالشعب العراقي رغم كل محاولات الحكام في تجزئته وتفرقة صفوفه ، لم يستجب لإرادتهم في التمايز الطائفي أو القومي ، وهناك الكثير من الدلائل الحسية والمعاشة يوميا بين أفراد الشعب ، تؤكد النزوع الوطني للمواطن رغم تمايزه عن غيره دينيا أو طائفيا أو مذهبيا أو قوميا ، وظل المواطن وفيا لقيم المواطنة والوطن ، على مر العهود ، مؤمنا أن معاناة الشعب هي من حكامه وليست من اختلاف أديانه وطوائفه وقومياته ، وما يعانيه في الوقت الحاضر من إرهاب مختلفة أشكاله وألوانه ، ناتج من ممارسات حكم البعث الفاشي الساقط أولا ، وما أوجده من قيم متخلفة وغريبة عن تقاليد الشعب وضارة به ، وما أحدثه الاحتلال الأمريكي ثانيا ، منذ أن فتح العراق على مصراعيه أمام قوى الإرهاب ليكون ساحة لتصفية حساباته معها ، وما نلمسه الآن من نكوص وتراجع عن الأهداف المعلنة عشية سقوط النظام ، وفشل السياسة الأمريكية وتراجعها عن مواقفها السابقة ، في تحرير العراق وبناء الديموقراطية ، يعتبر خيبة أمل كبرى لبعض القوى التي راهنت على القوى الغازية الأمريكية وحرصها على بناء الديموقراطية ليس في العراق وحسب بل في منطقة الشرق الأوسط كله ، وها نحن نراها ترضخ ، بذل ، وتستسلم للحكم الطائفي ـ القومي فيما يقرره في البلد وفي دستور البلاد من مبادئ أغلبها إن لم يكن جلها مناوئة للديموقراطية وحقوق الإنسان ، الخاضعة لموافقة الدين ورأي المرجعية الطائفية ، ورغم هذا يفتخر بوش وإدارته بهذا الإنجاز " المدمر " للعراق ، الذي أكد صواب موقف القوى الوطنية والديموقراطية التي عارضت الدخول الأمريكي للعراق والحرب عليه !، وثالثا ، مما نعانيه ، هو ضعف الحكم وتداخل الإرادات الطائفية والعنصرية الغير مؤهلة لخدمة الوطن ، والغير حريصة على أمن وحرية الشعب ، بقدر ما هي حريصة على مصالحها الطائفية الضيقة وعلى جني أكبر قدر من النهب للمال الحرام ، والسيطرة على أملاك وأطيان الدولة وتسجيلها باسمائهم وباسم ذراريهم ، والحصول على مكاسب شخصية ما كانوا يحلمون بها في وقتما ، قبل أن تنتهي صلاحية الحكومة.. إن ما كشفت عنه مجزرة جسر الأئمة ، غداة ذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم ، من سلبيات يتحملها أولا ،الحكم بكل رموزه وكل فصائله الطائفية والقومية المساهمة في السلطة ، فتصريحات المسؤولين يوم الحادث كانت أشبه ما تكون" بجلجلوتية الموامنة والروزخونية " متفاخرين بما حدث تلبية للحشد الطائفي ، وبعيدة عن الشعور بالمسؤولية التي يتحملونها تجاه مواطنيهم ، وثانيا تتحمل سلبيات هذا اليوم وما نتج عنه من ضحايا كل المرجعيات الطائفية ، التي أثبتت عدم وطنيتها ، في عدم استيعابها للظرف الذي يمر به البلد ، وعدم وقوفها ضد مظاهر التطرف الطائفي المنفلت، كما حصل فبل أيام بين قوات بدر وجيش المهدي وما رافقه من إبراز العضلات والتحدي الفئوي للآخر المماثل ، فلم يكن الظرف مواتيا بالمرة لمثل هذه المظاهر الاحتفالية ، خصوصا وأن الإرهابيين يتحينون الفرص لمثل هذه المسيرات والتجمعات ، لتنفيذ عملياتهم الإرهابية ، كما حصل في مواقع مختلفة ومناسبات شبيهة راح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى ، وقد أثبتت قوى الإرهاب هذه المرة أنها أكثر قدرة على تغيير أساليبها الإرهابية وتكتيكاتها القتالية من وقت لآخر ، بالضد من قوات الحكومة والميليشيات الطائفية التي ظهرت بمظهر العاجز عن حماية المواطن ، ناهيك عن المسيرات والتجمعات الكبيرة ..ورغم كل السلبيات التي ألحقتها مجزرة جسر الأئمة بالحكومة والمرجعيات الطائفية ، إلا إنها أظهرت ما عجزت عنه كل الدعاوى الفارغة والتصريحات الطائفية الكاذبة سنية أم شيعية ، بصدد وحدة العراق وتلاحم قواه ، وأثبتت الجماهير وطنيتها التي لا تقبل الشك ، وقدرتها الخلاقة على تجاوز كل الحواجز الطائفية المصطنعة ، عندما يتعرض أبناء البلد الواحد للخطر ، ففي لحظة التدافع وسقوط العشرات في نهر دجلة من حواجز الجسر ، هب العشرات من أبناء الأعظمية لنجدة إخوانهم المصابين وانتشال الضحايا الغرقى، وقد أثبت هذاالحادث المؤسف ، الذي تسبب فيه الإرهابيون إضافة لغباء المسؤولين الحكوميين ، أن الشعب العراقي موحد بسليقته الوطنية قبل أن توحده النوائب والمصائب ، وما حققه الوعي الوطني المتمثل بعامل المخبز ، عثمان علي ، لم تقدر أن تحققه دعاوى الطائفية على مر العصور منذ عهد عثمان وعلي ، فهل هي صدفة أم أن القدر يسخر من الطائفيين جماعة عثمان وعلي ، ليرسل لهم عثمان علي ، ليضرب لهم المثل الأعلى في الفداء والتضحية ونكران الذات ، حيث ينقذ عددا كبيرا من الغرقى ، أحياء وأمواتا ، ليلقى مصيره غرقا ، بعد أن أعياه التعب مع أحد الضحايا ، وليغوص الاثنان معا في أعماق دجلة ، يحملان اسم العراق الوطني الموحد ، وليس الطائفي الممزق ، كما يريد له مهندسو الطائفية الفرقة والتمزق لشعبنا العراقي !.. ومن يدري فربما كان الغريق الضحية الذي حاول إنقاذه عثمان اسمه ( علي ) هو الآخر.. فالشهيد الغريق عثمان علي ، حقق ما لم تستطع كل الأساليب الطائفية من تحقيقه ، حقق معجزة اللقاء ، بعد مئات السنين بين رمزين متضادين إلا إنهما متحدان ، بصيغة جديدة وبحلة وطنية زاهية هذه المرة عنوانها " عثمان وعلي " !..ألم يقولوا جبل مع جبل لن يلتقيا ، وإنسان مع إنسان هناك فرصة لهما في اللقاء ، عثمان الخليفة الثالث شهيد غدرت به يد آثمة وعلي الخليفة الرابع ، مثل سلفه طالته يد الحقد والكراهية ، فكلاهما شهيد ، والشهداء أحياء يعيشون بيننا ، وهناك فرصة للقاء وقد تحقق ، بفضل صدق وطنية ومشاعر عثمان علي وتضحيته .فهل يتعض حكماء الشيعة والسنة بما صنعه عامل الخبز عثمان علي ! 5 أيلول 2005
#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجعفري وعقدة الحزب الشيوعي ..!
-
وعلى الجرفين عظمان ..!
-
استلمنا مسودة الدستور ..لكن ..!
-
المفوضية العليا للانتخابات..!
-
المأزق.!
-
الدستور العراقي ..وطني ام طائفي ؟القسم الرابع والأخير
-
الدستور الجديد.طائفي أم وطني؟! القسم الثالث
-
الدستور العراقي..وطني ام طائفي /القسم الثاني
-
الدستور العراقي ..وطني أم طائفي ؟! القسم الأول
-
الخيانة الوطنية..!
-
..!المرأة وحقوقها عند مؤسسة شهيد المحراب
-
عبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز
-
عبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز /القسم الأخير
-
عبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز /القسم الأول
-
انتفاضة معسكر الرشيد وحسن سريع وقطار الموت والظرف الراهن ..!
-
ثورة العشرين وحقوق الأمة..!
-
خلط الأوراق ..لمصلحة من في المنطقة.؟
-
الجمعية الوطنية العراقية والقضايا الساخنة ..!
-
المرحلة المنصرمة ودروسها ..!
-
القوى العلمانية وصياغة الدستور ..!
المزيد.....
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|