أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نرين طلعت حاج محمود - حكاية آل تشخنوق















المزيد.....



حكاية آل تشخنوق


نرين طلعت حاج محمود

الحوار المتمدن-العدد: 1310 - 2005 / 9 / 7 - 11:35
المحور: الادب والفن
    


حين يبدأ الظلام بالتفكك مرخيا رويدا رويدا قبضته الحالكة عن عيوننا يتضح الضباب الراقد على وجه المستنقعات و كلما ازداد تسلل النور عبر الظلمات اتضحت كثافة الضباب المتثاقل في استيقاظه حتى إذا انبلج الفجر و حرك هذا العالم الساكن النائم و دفع الضباب للصعود و التلاشي ظهرت الضفاف المقابلة للمستنقعات حيث تصطف أشجار الصفصاف و بضع اذرع من مساحة خضراء للحشائش ثم مساحات صفراء لا تنتهي.
قُبيل الفجر تتبادل الطيور إشارات صوتية لبدء ترتيلها و صلواتها و إنشادها الصباحي فتوقظ القرية الممتدة من بيوت الِلبن و سقوف الخشب.
كانت شبه طريق تلك التي تصنعها العربات بصريرها و هي قادمة من السلمية و التي تصل أول ما تصل لتلة الموت الرهيبة التي تحجب القرية تماما عن القادمين من بعيد و ترتفع كقلعة لأخبار الذين مروا بهذا المكان و تركوا كلماتهم و أصواتهم و قصصهم ثم صعدوا للأعلى .
بعد التلة تمتد مساحة الأحياء مبتدئة بطاحونة (الجاويش) التي تبارك الحنطة و الطحين للناس طوال النهار و في الليل تضج بزعيق البوم المنذر بموت آت مع المساء.
تخلو من كل سكن مساحة بقدر بيدر كبير تفصل بين طاحونة (الجاويش) و دار واسعة مسورة بجدار طيني عالٍ و ثخين و أشجار تفوقه ارتفاعا و عليا .
تلك الدار هي دارُ جدِّ أمك الإمام محمد , تقيم معه في تلك الدار زوجته (ناشخوه) الصافية الروح الطيبة الكلمات و ابناه موسى و هو جدك و أخاه هارون , أما المرأة الصغيرة الخجولة و المدللة عند الجميع فهي (نسه)1 زوج موسى,
و أقامت معهم ردحا طويلا في هذا البيت العجوز (ننج)2 و هي جدة لكل الأحياء في هذا المنزل و كل أهل القرية ينادونها أيضا (ننج) و الغرفة الثالثة بين الغرف المرتفعة على المسطبة العالية هي غرفتها المغلقة على الأسرار و الحكايا و قد بقيت مقفلة بعد موتها وقتا طويلا.
بين الخيول الرابضة في الإسطبل سيشغل ناظريك ذاك الحصان الأحمر الودود المبتسم ذو الصدر العريض و الكفل العالي. انه صديق هارون , صديق أسفاره و مغامراته , صديق حكاياه و قصصه, صديق دروبه الطويلة الممتدة بين القرى الشركسية المتباعدة المنقطعة.
هؤلاء الذين عرفت أسماءهم لم يعرفوا اسمك يوما , علمت بوجودهم في زمن ما و لم يعلموا بوجودك , سمعت أخبارهم و لن يسمعوا أخبارك, هؤلاء هم آباؤك و أمهاتك الأولون , في روحك شيئا من أرواحهم و ليس في أرواحهم شيئا من روحك, ترَينهم و لا يروك , تَرِثينهم و لا يرثوك , لم تعطهم يوما شيئا و قد أعطوك كل تاريخهم و ماضيهم و هيئوا لك فرصة الحياة.
إذا كبرت غدا أو بعد غد و عرفت متعة السير خارج الطرق المألوفة و اختبرت روعة الثبات وسط الأعاصير و العواصف و جمال التعري في وجه المطر و أدركت بُعدَ الكلمة و عمقَ الكلمة و اتساعها فعساك تذكرينهم يا صغيرتي في أيامك القادمةِ و لو بكلمات .
إنهم آل تشخنوق . العجوز ننج ليست منهم إنها من (غوبه قواي)3, لا احد يعرف على وجه اليقين كم امتدَ بها العمر, فكثيرا ما كانت تحكي عن حوادث حصلت قبل أزمان بعيدة . كانت تتحدث عن أشياء غامضة و عن صبية ذهبت خطفة من( غوبه قواي) الى (نشراز)4 و عن درب اخضر تتخلله السواقي و عن هروب الجميع من (نشراز) الى (غوبه قواي) تحت وقع المدافع, و هي حكت عن سنين خير و سنين جفاف ففي عام واحد بلغت الأفراس مئة, مئة فرس أصيلة كلهن حوامل ليس فيهن عاقر أو مريضة .
و هي فقّهت هارون بأخبار الأولين و روت له عن أيامهم و حكاياهم و أسفارهم و أشعارهم و غنّت له الأغاني القديمة و المراثي و الملاحم و الأناشيد . قالت ان هارون أنجب و أجمل من ولدته النساء و هي حملت على يديها مواليد القرية, كبر أمام عينيها بعضهم و بعضهم مضوا عن عالمنا قبل ان يدركوا حتى عن أي عالم هم راحلون . قبل ان يدركوا من هم و أبناء من يكونون .
لقد طعنت( ننج) في السن كثيرا حتى اعتزلت في سنيها الأخيرة الناس فصارت تُروى عنها الحكايا و الأخبار الغريبة و أحيانا كان الناس ينسون أنها تنتمي الى عالمنا الذي نعيش , لقد صار شيء منها ينتمي لعالم آخر.
البعض صاروا يخافونها و يخافون الدار الواسعة ذات السور العالي و الأشجار الكبيرة الناطقة في الليل بلغات العفاريت و الجان خصوصا حين يغيب الجميع عن البيت و يبقى الإمام محمد حبيس غرفته الأرضية فتسرح و تطوف روح (ننج) كما يحلو لها في ساحة الدار فتخاطب الأشياء و تستنطقها فحتى حجارة دارهم صارت تنطق بلسانٍ شركسي مبين فيهاب الناس المرور بجانب الدار و خصوصا مساءً حين يختلط زعيق البوم بالأصوات المنبعثة من ساحة الدار فتقلب موازين العالم و تخلطه بعوالم خفية رهيبة.
الغرفة الأرضية غرفة الإمام محمد لا يدخلها احد سواه , محفورة على عمق أربعة أمتار تحت الأرض مدكوكة جدرانها بألواح الخشب المغطاة بالطين المعجون بالقش و المرشوش بالحوارة .لا نوافذ في هذه الغرفة و ثمة باب صغير تتلوه درجات من حجارة كبيرة تنزل الى أرضية الغرفة المفروشة بالسجاجيد و فروات الأكباش الكبيرة . ثمة طاولة عليها صحن صغير فيه مصباح , نادرا ما يستعمله الإمام محمد فيداه و قدماه حفظت أجزاء الغرفة حتى لم يعد بحاجة الى الضوء فيها , الأوقات القليلة تلك التي يخرج بها الإمام من غرفته وجلَّها يقضيها في المسجد حين يرفع الآذان و يؤم الناس للصلاة ونادرة بل معدومة تلك الأوقات التي يمنحها لأسرته.
منذ زمن طويل لم ير أحد وجه الإمام و نسي الناس ملامحه حتى ناشخوه زوجته نسيت تفاصيل وجهة و حين رأته مرة بعد سنين أذهلتها كثرة التجاعيد فيه و أدركت كم صار مسنّا فغصَّت و أسِفت على روحها و نفسها و جسدها.
قطعة القماش الأبيض لا تفارق وجهه أبدا كي لا يراه الناس و خصوصا النساء فيساعدهن على ارتكاب الخطايا باستمتاعهن برؤية تقاسيم وجهه البديع و لقد كان بديعا و جميلا حقا , الجميع يؤكد ذلك حتى ناشخوه تعرف ذلك جيدا و لكنها كرهت ذلك الجمال .
انشغلت ناشخوه بكل أمور البيت و الأرض و المواشي التي أهملها الإمام و صار موسى و هارون و (نسه) كل حياتها , هم من يؤكد لها ان الحياة ستبقى في هذه الدار أقوى من الموت.
المرأة الصغيرة السن تلك المدللة على الجميع( نسه) هي جدتك و ستعرف أياما عصيبة و تواجه برقتها و طراوتها صلابة الموت و تصميمه, سوف تنجب أربعة عشر طفلا فيبتلع الموت ثلاثة عشر روحا خلقتها يوما بيوم في رحمها و لن تنجو من براثن الموت سوى أمك.
كل نساء القرية أنجبنَ الأطفال و أسلمن للموت أطفالهنّ لكن (نسه) كانت أكثر النساء ولادة و حبلا , أنجبت قدر ما تنجبه أربعة نساء مجتمعات , لقد كانت خصوبا كتربة سوداء.
عند كل مغيب كان بوم الطاحونة يبدأ زعيقه و لا يتوقف إلا بعد صلاة العشاء و في كل يوم ثمة أجساد تجتاحها الملاريا القادمة من المستنقعات و في كل مساء يريح الموت أجساد محمومة عطشى. لقد هلك خلقٌ كثيرون صغارا و كبارا من أولئك البؤساء . لا يعرف عددهم إلا الله وحده.
في كل مساء لا بد لهارون ان يجالس (ننج) قبل نومها . حين يقرع باب غرفتها يرهف السمع قلبها فتدرك نقرات أصابعه على الخشب تناديه ادخل يا هارون ادخل يا صغيري أنا لست نائمة.
صارت (ننج) في أواخر عمرها لا ترغب بمجالسة احد سوى هارون. حين يجثو هارون أمامها تتلقى رأسه بين يديها تقبل شعره تقبل جبينه تتشممه و تمسح على جسده حبها , تضم رأسه الى ما تبقى في صدرها من عظام يقبِّلُ كفيها اللتين صارتا صغيرتين مجعدتين قاسيتين كقطعتي لباد فيستنشق يديها , يستنشق حضنها , يستنشق رائحتها التي تغمره بمشاعر دافئة لا يعرف كنهها , لم يكن هارون يغرق في سر تلك الرائحة كثيرا فكلمات( ننج ) سرعان ما تأخذه الى عالمها.
آه يا هارون الغالي آه يا (شو ماف)5 يا أجمل ما وضعت النساء , آه يا روحي لو تأخذ الآن عيناي يا هارون فترى كم هي جميلة و واسعة ارض أهلي ب (غوبه قواي) الثيران القوية و المحاريث الكبيرة و عشرات الرجال كانوا بحاجة لأسابيع لحراثتها , البستان الكبير كنا نمشي فيه منذ الصباح و حتى المساء حتى نوفي أوله بآخره , الآن لم تعد قدماي تقويان على قطع البستان كله يا ولدي بالكاد اصل الى شجرة الجوز الكبيرة هناك حيث تنعطف ساقية الماء لتملىء الخزان ثم تخرج منه الى الجهة الاخرى اجلس هناك و قد تقطعت أنفاسي و لم اعد أستطيع السير فأرى نفسي وحيدة في البستان و لا احد معي أبدا اشعر بالخوف الشديد أفكر بالعودة لأوله فأخشى ان لا أجد أحدا أفكر بالذهاب لآخره أخشى ان أصادف الغرباء فيأخذوني و يبيعونني في اسطنبول و لا أجرؤ ان أنادي أو اصرخ فأتشبث بجذع شجرة الجوز و أنا مرتعدة جفلى فيحدث أمر غريب معي يا هارون يشتعل البرق فوق رأسي و تهتز الأشجار و تقع أرضا و تتكسر من هول الرعود, وحدها شجرة الجوز تهتز و تبقى صامدة ثم يهطل وابل من مطر اسود يُشوه اخضرار بستان أهلي الجميل , ما معنى هذا يا هارون و لماذا يحدث كل هذا معي لابد ان البستان حزين جدا و يمر بأيام كئيبة و يحاول ان يخبرني انه متألم من شيء ما أو يعاني من أمر جلل و مريع.
آه كم كبرت و كم أقعدني المرض يا هارون حين أفكر بهذا العمر الذي مضى شقاء بشقاء احزن كثيرا على كل شيء يا ليتها ترى عيناي بستان (غوبه قواي) . قالوا سنعود قريبا بعد ان ينتصر فرساننا , يجب ان نعود قبل ان يتلف المحصول لقد آن أوان الحصاد يا هارون كم مضى على خروجنا من (غوبه قواي) .
كان هارون في كل ما تقول لا يقاطعها أو يذكرها أنها الآن في تل سنان على حواف البادية و بين المستنقعات حتى تتذكر وتدرك ذلك بمفردها .
(سي ننج)6 حين يبدأ الحصاد هذا العام أكون قد أكملت السادسة عشر من عمري.
آه يا حبيبي و ستكمل الدهر كله إنشاء الله و سوف تصير قويا كبيرا و ستكون المرأة الأجمل في هذا العالم هي المرأة التي لك يا روحي .فليمنحك الله أبناء أصحاء و ليجعل كل أيامك سعادة وحبورا و بشرا و فرحا و ليبدد الله ظلماتك و ليجعل الطريق التي تسير فيها مضيئة و الأرض التي تلمسها تطرح بركة و خيرا و المكان الذي تقيم فيه ليكن مكان سلام و أمان و لتكن كل أيامك جميلة كعينيك يا هارون.
ستة عشر ربيعا وكل ربيع أنت أقوى و أسعد و أجمل بعون الله يا نور قلبي يا هارون .
حين أكملت أنا عشرين عاما من عمري صارت الأفراس الأصيلة عند (سي تحماته)7 في ( نشراز) مئة و المئة كنّ كلّهن حوامل ليس فيهن عاقر أو مريضة. الجياد الأصيلة جيادنا يا هارون و الأفراس المئة أفراسنا و غدا ستضع الأفراس مهورها و المهور ستحمل أسماء روسية هل هذا عدل يا هارون. العجول السمينة ستؤول لهم و لهم الحظائر و البيت و الأرض و مخزن الحبوب و بستان (غوبه قواي).
آه يا روحي القلقة دعي الصبي الغَّر يمضي و نامي , و كيف تستطيع روح قلقة الاستسلام للنوم أو للموت , أخشى ان لا ادفن في (غوبه قواي) , لم اعد اعرف متى يكون نهار و متى يكون ليل.
حين يعود ابن (فريزات) من الحرب اخبرني يا ولدي سأذهب إليهم أريد ان أكلمه و أراه.
دعيني أقبلك و أغطيك بيداي( سي ننج ) و نامي و ان عاد ابن (فريزات) سأخبره ان يأتي إليك سيقبّل يديك و سوف ترينه و تكلميه.
---------------------------
في الحارة الجنوبية حيث تشرف البيوت على السهل الخلفي للقرية يسكن الحج محمد .يخرج هارون كل ليلة من الدار يسير بمحاذاة المستنقع يمر من أمام دار (حجمت) ثم المسجد ثم ينعطف يسارا و يأخذ طريقه للحارة الجنوبية الباب الخارجي للدار مفتوح ليل نهار فلم يعد الحج محمد يغلقه كما يفعل كل أهل القرية ليلا مخافة دخول كلب شارد أو مريض فمنذ سنين طوال لم تعد في هذه الدار روح حية يخاف عليها سواه و كلبه .
ما ان يدخل هارون باحة الدار حتى يأتيه كلب الحج محمد يتشممه بود و يقوده الى صاحبه الجالس على الأرض يتكىء إحدى جذوع الأشجار , يتبينه هارون في العتمة و يأتيه مصافحا يسأله عن حاله بكلمات لطيفة ثم يدخل الغرفة يضع قالب الجبن الشركسي و أرغفة الخبز , يملأُ مصباح الزيت يعيده الى مكانه يرتب ما تستطيع ان تصل إليه يداه يسأل الحجي ان كان لديه شيء للغسل كي يأخذه الى (ناشخوه) ثم يمضيان وقتا غير معلوم و هما جالسان على المصطبة داخل باحة الدار يغيب خلاله الحج محمد و يحلق في هذه العتمة في عوالم بهيجة و أنامله تتنقل على أزرار (البشنة)8 بهدوء و رشاقة و انسياب ينساق هارون و يحاول اللحاق بعالم محمد فيعجز ثم يعيد المحاولة مرات و مرات و حين ترهق روحه و تستسلم يجد نفسه يحلق في عوالم بعيدة هادئة صافية فلا يكون فيها شقاء و لا يكون فيها حزن و لا يكون فيها خوف حتى إذا وضع الحج محمد ( البشنة ) بين يدي هارون انتقلت أصابع هارون على أزرارها بانسياب و رقي.
ليال طويلة تلك التي جمعت الفتى الغرَّ بالرجل المسن.
قبل مرض الحج محمد الأخير اخبر هارون ان هذه (البشنة) كانت لوالده في سابق الأيام و أنها قطعت ككل المهجَّرين مسافات و بلاد و مرت بأيام صعبة و نجت من ان تُستبدل بطعام أو شراب , سمعت قصص و أخبار الراحلين و المشردين و روت أخبار آخرين .
(إنها ليست كأي بشنه بهذا العالم إنها أعز ما لدي في هذه الحياة) وضعها بين يدي هارون و قال (خذها من توِّك يا هارون خذها هذه الليلة الى دارك , إنها لك افعل بها ما تشاء).
كانت( البشنة) أكبر من أحلام هارون و ابعد من كل أمنياته . أمضى الليل بطوله دون نوم يشعل المصباح يتأملها, يغتبط حين يراها معه في بيته لا يكاد يصدق أنها ستصبح رفيقة سكنه . يطفىء المصباح فتصير عتمته نورا متلألأ من شدة فرحه و بِشرِه .يشعل المصباح ثانية يقرِّبه إليها فيذهله غناها و ثراؤها كأنه قبل اليوم ما رآها , يعيد المصباح الى مشجبه المثبت إلى الجدار , يهمَّ بأخذها بين ذراعيه فتضطرب يداه و يهاب لمسها كرجل في لقائه الأول.
----------------
تحرك الضباب المستلقي بكسل على صدر المستنقعات و تشتت في كل الاتجاهات مفسحا للنور الآتي .
في الجهة المقابلة للصفوف الأمامية من منازل القرية و بعد المستنقعات و بعد المساحات الصفراء المالحة التي لا تمنح زرعا و شجرا و ظلا , هناك عند ابعد الأمنيات و الآمال عند الأفق تسربت خطوط من أشعة شمس مبتسمة فتسلل الضوء لكل الأكوان المأهولة و غير المأهولة و وصل الى كل زاوية و كل مكان يبارك صنعة الله و عمله.
على ارض الغرفة السفلية المظلمة حيث مدت السجاجيد و فروات الأكباش ثمة لوحين متقاطعين من خشب الأبنوس الأسود يستند طرفاهما على الأرض و يستقر فوق الزاوية التي صنعاها بتقاطعهما قرآن كبير مفتوح أنيق جميل الزخارف يجلس أمامه الإمام محمد يمدُّ يده يبسط راحتها و يضعها فوق صفحة القرآن المفتوح ثم يسحبها على عجل يمسك بخشب الأبنوس الأسود ثم يتركه يسند ظهره للجدار و وجهه باتجاه الكعبة الشريفة , سوادٌ وظلامٌ كل ما حوله حتى الباب الخشبي الذي كانت شقوقه تتنفس بعضا من شعاع نور دفع به الإمام الى (حجمت) ليعالجه حتى تأكد ان غرفته ستبقى سابحة في ظلامٍ دامس مهما ارتفعت الشمسُ و اشتدت جرأة النهار.
يتلو الإمام الآيات التي يحفظها صما من ذاكرته و نادرا ان يقرأ من القرآن أو يتوقف عند عبارة من عباراته أو يتأمل معنى من معانيه فكل شيء محفوظ في ذاكرته و كل موقف تشريعي منسق في عقله تماما مرتبط بآية مُحَدِّدَةٍ له و لا مجال عنده للتفكير أو للتأمل و حتى لو توقف عند عبارة من عبارات القرآن فما دامت لا تتعلق بموقف تشريعي معين و ما دامت جديدة عليه فلن يدرك كلماتها بوضوح فكل صلته باللغة العربية هي الآيات التي حفظها صما كما حفظ صما معانيها باللغة الشركسية دون ان يتأكد هل هذه هي حقا معانيها و دون ان يتناقض يوما مع نفسه في معنى واحد قط.
اشتدت الحركة و الجلبة في باحة الدار الواسعة و ارتفعت حمحمة الخيول و أصوات اللقالق و طائر الهدهد و صياح ديكة المنزل و صفير السنونو المتسابقة للقفز في أعشاش ترابية صنعتها عند حواف الغرف الخارجية.
كلما اشتدت الحركة و الجلبة في باحة الدار ازداد إيقاع الإمام سرعة و ازداد اهتزاز ظهره الى الأمام و الوراء كأنه في سباق مع شيء ما يهرب منه للأمام , يَزمُّ أجفان عينيه المغمضتين أكثر و أكثر و كلما ازداد إيقاعه سرعة ازداد توتره و قلقه فوضع رأسه بين راحتيه ثم اسند ظهره الى الجدار و بدأ يدعو و يتلو بصوت عال.
العمامة على يمينه و قد تعلقت بها قطعة القماش الأبيض, مدّ يده الى جانبه تأكد أنها في موضعها ثم تابع بصوت عال ثم مدها ثانية ليتأكد أكثر ثم ثالثة و رابعة ثم زفر و عاد يدعو الله الرحمة و المغفرة في الدنيا و الآخرة ثم بسط راحتيه على وجهه.
كان الشيب قد غزا شعر الإمام الناعم تماما و خطت عشرات الخطوط الأفقية على جبينه العالي و تغضنت وجنتاه و اصفرتا و غاب ذاك اللون الأبيض المزهر النقي عن وجهه المهيب و صارت عيناه الجميلتان الزرقاوان المتألقتان مخضوضتين كبحيرتين عكرت صفوهما الأعاصير و العواصف و الرعود و اصطدمت غيوم سوداء فوقهما و جرفت اطرافهما السيول و بكت على ضفافهما الأشجار الحزينة حتى باتتا عصيتين على القراءة أبدا.
لم يكن محمد الصغير يعرف ما معنى الموت حين كانت الجثث ترفع أمام عينيه و حين كانت راحة يد (ننج ) الطرية تضغط على عينيه الوديعتين لتبعد الموتى عن عالمه البريء لكن الجثث كانت تأبى ان تبقى حبيسة وراء أصابع (ننج ) الباردة المصقعة , كانت أجساد الموتى تعود لتطارده و مهما استمر السير و الرحيل ومهما ابتعدت المقابر الى الوراء فالوراء طارده ساكنوها.
تلك المرأة الشابة القوية العزيمة التي تتحرك في كل مكان هي أمان محمد الطفل الوديع تلك المرأة التي كانتها ( ننج) قبل زمن طويل كانت أمانه و دفئه تضم يده الى يدها تقتحم الأماكن الجديدة تشده الى صدرها الغني الكثير العطاء تُقبِّلُ يديه الطريتين الصغيرتين ترتب شعره و تَعدُه بعوالم قادمة زهرية و بأيام زهرية و بسرير زهري و ألبسة زهرية و خيول زهرية و سماء زهرية فيصير أقوى و يُصُّر مهما كان بائسا أو متعبا أو حزينا ان يعيش و يعيش و يعيش, لكن تلك المرأة و رغم كل أسوار حمايتها و رغم أمنياتها العطرية الطرية لم تكن قادرة و لم يكن انسان على الأرض قادر ان يمنع الأشباح ان تأتي لياليه توقظه من نومه و تسبح في فضاء من الظلمة أمام عينيه بعيونها المفتوحة و وجوهها المتجهمة القاسية و حتى الأطفال المرضى أتوا الى ليله بعد ان ماتوا ليخيفوه .
كبر محمد الصغير و حين بدأ يشعر ان تلك السنين مضت و انه يسير في طريق الرجولة حين كانت القرية ما تزال تشاد من لا شيء و حين كانت الأرض تنظف عاما بعد عام و كان الشابان اللّذان بقيا على قيد الحياة خلال درب الهجرة الطويل يعملان في كل مكان في بناء البيت في تنظيف الأرض حتى نهض هذا البيت من غرفة طين صغيرة اشتد ساعد محمد و صار أقوى و صار يخرج للحقول حين زوجت (ننج) الشاب الأكبر و حين وصل محمد لقمة شعوره بالأمان عاد شبح الموت إليه, وصلت أشباح الموت وراء المهَجَّرين بعد كل ما قطعوه من مسافات.
مات الشابان القويان و ماتت زوجة الأخ الكبير.
تزوج محمد و أنجب البنات و البنين و ماتت فاطمة و مات داوود و حتى عائشة لم تستطع ان تعيش تحت هذه السماء المتجهمة. حين ماتت بلغت تلك السن التي تصبح فيها الفتاة الشركسية ماهرة في التطريز ,نادت أمها مساء لماذا أطفئت المصباح أمي. و في الصباح انتهى كل شيء.
أي مرض هذا الذي يصيب العينين فتنطفئان مساء ثم يموت صاحبهما عند الصباح .
الناس يقولون ان الإنسان في كبره تَعودهُ المخاوف التي رافقته في صغره و محمد عادت إليه أشباح الموت بشكل جديد , بلون جديد , بطرق جديدة , دون ان تقول له إنها أشباح فهو لم يعد يصدق خرافة الأشباح الآن فأصبح قلقا متوجسا من كل شيْ , يزداد اهتزاز ظهره في التلاوة يوما بعد يوم و يزداد انطفاء عينيه , يمد يده الى خشب الأبنوس كمن يستجير بشيء ما ثم يسحبها , ثمة فكرة توحي له ان عليه ان يفعل ذلك كي يمنع شرا ما لا يعرف ما هو ثم ينتابه شعور ملح ان عليه ان يسحب يده فقد صد ّ الشر ثم ينتابه شعور أكثر إلحاحا من الأول ان عليه ان يعيد يده حيث كانت ثم شعور أكثر إيلاما يضطره لسحبها و يكرر حركاته حتى يكاد ينفجر من الضجر من نفسه يحمِّل باحة الدار المتحركة سبب آلامه ينصت جيدا يعتقد ان البعض أتوا الى هنا و هؤلاء البعض سيأتون بالشرور لينالوا منه و من (ناشخوه) ومن موسى و هارون و( نسه) و( ننج) يعيد تلاوة الآيات مجددا كي يواجههم بما هو اشد بأسا و قوة منهم.
ثمة احد ما لا يعرف أين يكون هل يقيم فيه أو خارجه و هذا الأحد لا يدرك ان محمد الصغير الوديع لا ذنب له في كل ما كان يجري حوله , لا ذنب له في أولئك الذين كانوا يموتون , انه يكرههم نعم يكرههم انهم لم يريحوه ليلة واحدة من ليالي طفولته انه يكره تلك الوجوه الشاحبة المتجمدة يكرههم لأنهم ميتون , فيتمزق شرّ ممزقٍ بين أولئك الطيبين الذين أحبهم فإذا ماتوا أتوا إليه في الليل كي يخيفوه , يتلو الإمام بصوت عال رخيم جميل, يشعر بالسكينة تغمره , يطمئن ان الله سيغفر له كل الذنوب التي اقرَّ بها دون ان يقترفها يوما , فكل الحياة ذنوب . ذنوب أهل القرية ستجلب لهم مزيدا من الملاريا و ذنوب آبائه و أمهاته الأولين جلبت لهم التهجير و التشرد و المحن و الموت في البلاد البعيدة المجهولة , يزداد تسارعه مرة أخرى يشعر انه مسؤول عن ذنوب أهل القرية يقرر ان يفعل ما يستطيع كي يمنعهم من ارتكاب الذنوب دون ان يعرف بالضبط ما هي تلك الذنوب , هناك ذنوب و حسب يُقرّ بها على نفسه و على غيره اتقاء للشر و بحثا عن الأمان , يتسارع في تلاوته أكثر و أكثر و يجد نفسه قد عاد من حيث بدأ لأن تلك الذات التي يهرب منها لم تدرك بعدُ ان من حقه ان يكره من يأتيه ليلا ليخرب أحلامه الزهرية , و انه لن يحب أولئك الذين يأتوه ليلا ما لم يرفض مجيئهم في غير وقتهم و لم تدرك تلك الذات بعد ان ارتكاب الخطايا حق من حقوق الإنسان, و ان الكراهية حق من حقوق الإنسان و ان الحبّ حق من حقوق الإنسان , حقوق لا تنازل عنها لا مساومة عليها لا تهاود بها إن أراد الإنسان ان يبقى إنسانا.
----------------
أشعة شمس الصباح الرقيقة تتراقص على شعر موسى الذهبي و هو مشغول بترتيب العربة الخشبية و حزم الأربطة الجلدية و شدها على بطن الحصان و صدره , العائلة تناولت فطورها ناشخوه جالسة تطوي أرغفة الخبز التي بردت بعد شيها بالنار تضعها فوق بعضها البعض داخل قطعة قماش بيضاء مربعة تثني كل زاويتين متقابلتين تغلق القماش على الخبز و تضعهم في سلة القش.
نسه تحضر طعام الشابين الذاهبين للحقول موسى و هارون.
هارون يودع (البشنة) من بعيد بعيون خجولة تعتذر لها لما لم يحتضنها حتى الآن .
على سور الدار الثخين الحافة ثمة لقلقين يتقافزان برشاقة يحركان اجنحتهما الكبيرة فترتفع أقدامها عن السور ثم يهبطان يرفعان رؤوسهما للأعلى يصدران أصواتا مرتفعة . يتابعهما هارون فيبدوان لعينيه الجميلتين كملاكين سماويين يتراقصان .
------------------------
جاء ذلك الوقت الذي يلي الشفق و يلي الغروب.
حمحم حصان العربة و ارتفعت الجلبة أمام بوابة الدار قفز هارون من العربة و قد صهل حصانها و ضرب بقائمتيه كمن همَّ بدفع الباب بصدره فتح هارون الباب الكبير دخلت العربة يقودها موسى و في وقت قصير اقتيد الحصان الى الإسطبل صُبّ الماء و مُلئَت المعالف بالتبن المخلوط بالشعير خرجت نسه تحمل آنية كبيرة مغطاة بقماش ابيض الى غرفة ( ناشخوه ) سأل موسى زوجه أين (نان) ارتبكت ( نسه ) حين أخبرته انَّ (نان)9 عند الجيران
انزل هارون دلوا جلديا و امسك حبله المثبت الى طرف البئر سحب الماء صبه في قدر كبير مرتكز على صخرة مربعة عالية بجانب البئر .
غسل الشابان أيديهما و وجهيهما و شعرهما, تأمل هارون المكان حوله و استنشقه بعمق فانتشى برائحة النعناع التي أثملت الهواء في باحة الدار , حين وصل الى الدرجة الأولى من الدرجات التي تصعد الى المسطبة العالية حيث تقوم الغرف أتاه صوت زعيق البوم عاليا متلاحقا حادا , تذكر و لا يعرف لماذا تذكر الآن فقط ان الحج محمد أوصاه البارحة ان يصطحب(البشنة ) معه فالحج عَطِشٌ لأن يسمع شيئا من روح هارون ترتل بصوت (البشنة) لكن هارون و هذا ما لا يعرفه الحج محمد لم تلمس أصابعه (البشنة ) منذ ان صارت في منزله.
بعد العشاء سأل هارون( نسه) أين (نان) ارتبكت و قالت كنت انتظر ان تفرغا من طعامكما كي أخبركما ان الحج محمد أعطاكم عمره و نان هنالك عنده في المنزل مع كل نساء و رجال و شباب القرية.
--------------------
في الأيام القديمة التي كان الناس يذهبون فيها لأداء فريضة الحج سيرا على الأقدام أو على الخيول و الجمال اشتدت صداقة الإمام محمد و الحج محمد و هما يقطعان معا المسافات الطويلة التي كثيرا ما غاب خلالها الإمام محمد في الماضي و الذكريات و أحسّ ان تلك الآلام القديمة قد ذهبت الى غير رجعة و ان الإنسان في يومه الجديد يصبح حقا إنسانا جديدا منقطعا عن كل ماضيه , ليست سطحية و لا بسيطة تلك الأحاسيس التي أسرّاها لبعضهما و ليست بسيطة تلك المشاعر التي عاشاها معا يوم حلقت روحاهما مبتهجتان و هما جالسان قرب البيت الحرام الذي بارك الله حوله و حين جلسا الى قبر النبي و صليا عليه و على آل بيته أجمعين ففاضت الدموع من مآقيهما دون حرج .
زارا قبر الإمام الأعظم شامل 10 فاستعادا كل المأساة و آلام التهجير و ترحما على كل من سقط في تلك الحروب و ذلك التهجير , خاطب الحج محمد قبر الإمام الأعظم شامل قائلا هل تَرانا أيها الإمام شامل هل عرفتنا نحن من الشركس لم نأت من القفقاس بل جئنا من تل سنان هل سمعت بتلك القرية الواقعة على حدود البوادي و الغارقة بالملاريا إنها أماكن لم تسمع بها كل حياتك , نحن حفنة ممن وصلنا أحياء يا إمام , هيا انهض و شاهد مظهرنا , هل يليق هذا المظهر بالفرسان الذين حاربوا قيصر روسيا , هل ما زلت تريد ان تحارب الروس يا إمام. أستغفرك يا الله. ارحمنا يا إلهي و سامحنا و سامح من لا يعلمون ماذا كانوا يفعلون 11.
كانت صداقة من ذلك النوع الذي ينشأ في السفر الصعب فتشتد النفوس الى بعضها و تتماسك و ينزع بها الإنسان حرجه و أقنعته و يصبح أكثر تضحية , استمرت الصداقة بينهما بعد عودتهما الى تل سنان و تحولت الى نوع من الإخوة فاهتم الحج محمد بشؤون بيت الإمام كما يجدر بالأخ الحقيقي ان يفعل في التقاليد الشركسية و لكن الإمام تغير في السنين الأخيرة فصار صعب الطباع يتدخل فيما يعنيه و ما لا يعنيه و طلب أكثر من مرة من الحج محمد ان يكف عن عزف (البشنة) و ان ينتهي عن إحياء الأعراس و عن الرقص لكن الحج أجابه لولا الرقص و لولا (البشنة) لكنت مت قهرا و بؤسا حتى الآن.
أسرة الإمام محمد ظلت وفيَّة لصداقة الحج محمد فلم يتركوه يوما بعد تدهور صحته في السنة الأخيرة و كانت (ناشخوه) توليه رعايتها دوما و ترحب به و تعوده و تطمئن عليه و لم يقطع الصلة معه أيا منهم .
حين علم الإمام محمد ان هارون يعزف على ( بشنة ) الحج محمد غضب و أخبر( ناشخوه) ان تقول لهارون بأن الإمام يمنعك من العزف على( البشنة) ويقول لك ان الصلاة انفع لك و أبقى, فأجاب هارون أمه حين أخبرته بأوامر أبيه
(نان) قولي لأبي بأنَّ هارون يقول : أنَّ الإمام يصلي لله الذي يخاف على طريقته و ان هارون يصلي لله الذي يُحِب على طريقته.
ناشخوه أُعجبت شديد الإعجاب بكلمات هارون و وجدت فيها شيئا جميلا لكنها لم تجرؤ على نقلها للإمام.
------------------
يدور حصان الحيلان المغمض العينين حول البيدر دون ان يخطر ببال هذا المخلوق الطيب انه بعمله هذا يساعد الإنسان بأقدس ما صنعه الإنسان.
بعد العصر و الشمس صارت فوق التلة تماما كانت البيادر الذهبية المباركة تغص بالشبان و الرجال خرجت( ناشخوه ) برفقة ( نسه) . قطعتا مع فتيات و نساء القرية المستنقعات الى الضفة الأخرى حيث افترشن الأرض في حلقات للنساء و حلقات للفتيات , اجتمع الشبان حول حلقات الفتيات محاولين كسر هذا الطوق المغلق الذي صنعته الفتيات حين جلسنَ على شكل دائرة كبيرة فكان مزاح و ضحك , فرحت النساء و هن يشاهدن أبناءهن وبناتهن من بعيد يضحكون و يفرحون , كان هارون من أولئك الشبان الذين حاولوا كسر طوق الفتيات فانتابته في تلك اللحظات رغبة داخلية مُلحة لفعل شيْ ما , فقام من لحظته , تحرك بهدوء نحو الدار جثا على ركبته اليمنى أمام (البشنه) الساكنة الهادئة داخل الغلاف الجلدي الذي صنعه خصيصا من أجلها و جعل له أربطة ثلاث تُحكم إغلاقها, مد يده ليفك الرباط الأوسط برقة و تأن كأنّه يخشى على( البشنة) من المفاجأة و الذعر , حل الأربطة باعد طرفي اللباس الجلدي فبان ذلك الجزء الخشبي ذو اللون الأسود اللامع . مرر أطراف أصابعه على زواياها بِدِعةٍ و هدوء و تَوق كأنه يوقظ البشنة كما يوقظ فارس حبيبته التي غفت و هي تنتظر قدومه.
أخرجها من غلافها و ضعها على فخذه الأيسر أصلح وضعها مد يده اليمنى في رباطها الجلدي و سحبه على كتفه اليمنى أحسها على صدره فشعر بالامتلاء , لمس براحة يده على المنفاخ الجلدي مرر رؤوس أصابع يده على ثنياته ثنية ثنية, قبلها بعمق و مضى بها الى البيادر كمن يدعو حبيبته للرقص معه أمام كل الناس بفخر و اعتزاز و غرور.
لم يكن يوما عاديا عند هارون و لا عند أسرته ولا عند أهل القرية الذين تحلقوا حوله و اجتمعوا عند البيادر في احتفال شعبي ارتجالي أطلقوا فيه أرواحهم فحلقت حتى شعروا بالامتلاء الكبير و صار شقاء الأرض في تلك اللحظات مهما كان كبيرا فهو عابر لأن الحياة أقوى من الموت.
-آه (سي ننج)
-آه يا روحي , تبدو اليوم فرحا و مشرقا و مضيئا يا هارون ماذا عندك يا حبيبي ؟
-أنا اسعد انسان ولد في هذا العالم (سي ننج)
-لتكن كل أيامك بشرا و سعادة و فرحا يا حبيبي يا هارون , هل تسعدك (البشنة) يا روحي لهذه الدرجة.
-آه كيف عرفت( ننج ) هل وصل صوتها الى هنا .
-وصل الى هنا , و هل لدى( ننج ) أذنان تسمعان كي اعرف ان كان صوتها قد وصل الى هنا , انه قلبي يا هارون قلبي الذي يسمعك, إنها روحي التي تلتصق بروحك ليل نهار فتحزن لما يحزنها و تفرح بما يفرحها و تعرف مزاجها وأحوالها و أطوارها من بعيد, يا روحي السعيدة بك يا هارون لا تترك ما يفرحك يا حبيبي أبدا و ابتعد عما يشقيك هكذا تقول لك (ننج ) فاسمع نصيحتها يا بني.
قبَّلت العجوز رأس هارون و شعره و جبينه فقبل يديها فمسحت على شعر رأسه, على كتفيه, على صدره بيدين تقطران حبا حتى الثمالة , باركته و دعت الله ان تشرق دروبه و تضيء لياليه و يفرح كلَّ أيامه.
------------------
-نخب الشباب لهارون 12 .
-فليعش هارون و لتبقى ناره متأججة و شعلته مضيئة على مر الدهور 13 .
و هارون العصب و الوريد الذي يبعث الدماء الدافئة في أوصال هذا الكائن الممزق بين قرى متباعدة منسيّة.
كل البيوت في كل القرى الشركسية هي بيت هارون, ( تحماتخر )14 الكبار المسنون يخرجون من حدود قراهم ليلاقوه على الدرب فيصحبوه الى صدور منازلهم .
المكانة الأغلى للشاب الصغير الذي تمسك أصابعه بالأرواح و الأفئدة فتنزع عنها آلام صلبتها و تجعلها طرية حلوة كالنسيم.
لأن البذور الطرية وحدها تحيا مهما تداولتها الريح العاتية و فرقتها في كل مكان.
لأن النعناع الطري يصمد بقلب الأعاصير و العواصف حين يتكسر السنديان .
أخرجنا من ذواتنا يا هارون , أخرجنا من حدودنا من حزننا من عزلتنا من تكبُّرِنا من حُمقنا و حلق بنا, حرك الدماء فينا و أطلقنا لنستعيد أحلامنا بسماء زهرية و خيول و عربات مرصعة فضية و انهار ذهبية و عشبٌ سماوي اللون و ورد أزرق أزرق.
هارون يا ربَّ المعجزات.
--------------------------------
-اشتقت إليك ( سي ننج).
-عطشت روحي لروحك يا حبيبي.
-في القرى البعيدة المنسية حيث يتحدثون عن (البشنة) كأنها شيء من عالم شركسيّ قديم إنهار و تمزق و انتهى, جعلتهم يرونها فيستعيدوها و يعشقوها.
كل الناس يعشقون (سي بشنة أباسريت)15 , القرى التي فيها (بشنة) و فيها عازفين , سمعوا بهارون لكنهم لم يذوقوا طعم ألحانه قبلُ , جعلتهم يتذوقون طعم ألحاني فيؤمنون بأنَّ السماء تُمطرا ياسمينا ابيضا و ياسمينا فضيا و يا سمينا ورديا و تمطر السماء خبزا و نبيذا أحمرا و تمطر سنابل قمح ذهبية فآمنوا ان الأرض تصغي لهم و تحسُّ بنبضهم و هي أكرم من ان تتركهم ليتوهوا في العدم و النسيان.
-كل الفتيات سوف يعشقنك يا صغيري فأحذر , المرأة الأجمل في هذا العالم فقط يمكن ان تكون حبيبتك .
كن مغرورا يا هارون كما لم ينل احد على هذه الأرض مثل هذا الغرور.
كن أكثر الناس تيها و كِبرا , إعزف كما تعزف آلهة السماء و حين تروي حكايا النارتيين 16 فلا ترويها إلا كما تريد أنت وحدك, امسك بيديك بأرواح و قلوب كل الحاضرين , كن و أنت ترويها كما تكون السماء حين تمنح فهي تمنح بشموخ و كرم و كبرياء .
-(سي ننج) ادخل الى بيوت الملاريا و اغني للموتى للحزانى للمتعبين فأتوق لتقبيل أقدام المتألمين, في بيوت الفقراء و المعدمين أتوق لأقبل أياديهم اغني لهم اعزف أنا و( سي بشنة أباسريت) فتفرح قلوبهم و امسح على أرواحهم حُبا كما تمسح يدا (ننج) الطيبتين على جسد هارون فيغتبطون , يضحكون أو يبكون و يمسحون عليَّ أغلى ما في عيونهم من أمنيات.
- سيمسحون عليك بالحُب و يطوبوك رسولا لكل زمان لكل انسان بكل مكان.
يا حبيبي يا هارون يا أغلى هدية منحتنيها السماء بعد هذا العمر من الشقاء , حقا لا ييأس انسان من سماء مهما جحدت و أنكرت .
--------------------
حين تُقلِّبُ الشمس أطوارها فتغير أمزجتها و عاداتها فيصير شعاعها أطول و أميل ليعبث بزوايا البيت التي اعتدناها و مواضع النوافذ و لون الجدران , يصير نورها أكثر شفافية و خجلا و رقة و يعدّل ضَوؤها سور البيت العالي فينزله قليلا و يدفع الأشجار للارتفاع و يباعد بينها فتبدو ساحة الدار أكثر لطفا و مرحا ............ يكون الخريف....
الذين عرفوا الحياة و اختبروها يدركون ان الحياة تبدأ بالخريف و تَحبل بالخريف ثمّ تسكن لتصغي للأكوان و تُجِّمع طاقتها في الشتاء حتى تبلغ الذروة في حبها و بهجتها في الربيع فتضع مواليدها في الصيف.
و الفصل الخامس هو ذاك الفصل الذي تعرفه أطراف البوادي , منذ ان يبلغ المواليد أشدهم و حتى يهطل المطر تمتد مساحة لفصل قاس شديد الجفاف . فصل اليباس الطويل و الماء المالح و الشمس القاسية المهلكة . فصل النسيان أو الامتحان فإما ان نُرطب ذواتنا و نصمد فنعيش أو نقسوا و نتكبر فنجف و نموت .
في آخر ليلة من ليالي الفصل الخامس عند أطراف البادية ثمة فارس عالي الكتفين يستوي بظهره المشدود على الحصان الأحمر ذو الصدر العريض و الكفل العالي , أمامه (البشنة) مستوية تلتصق به , تلفهما ال( شاكؤه)17 السوداء .
الدروب التي لم يمض بها احد فتحها هارون بالحب و الأمنيات, الدروب التي مشاها البائسون أحياها هارون من بعد موت .
كان الطريق الى تل سنان في أشواطه الأخيرة و كانت نجوم البادية الغزيرة المتألقة القريبة تمشي فوق رأسه ولو رفع يده لكاد يلمس ثوبها حين امتد ستار ابتلع في جوفه النجوم و هبَّ نسيم يعرفه أهل البوادي, يستنشقوه بعمق تدركه غرائزهم , يفرح به قلبهم و تبتهج أرواحهم العطشى.
النسيم الذي وعد صار ريحا خفيفة رطبة بللت روحه و أخبرته ان المطر سيكون اسبق من حصانه فترجل و اقترب من الكهوف القائمة وراء التلال السبعة, قرَّبَ حصانه من احدها كي يخبره كما تعود ان يخبره دوما من حمحمته من نبضه من حركات جسده من ضربات قدميه عند اقتراب وحش من وحوش البراري , اطمأن الى خلاء الكهف , دخله سحب الحصان وراءه انزل (البشنة) عن السرج , أجلسها على فخذيه.
ارتجفت الأرض العطشى من لقاء الرعود و أبرقت سماء البوادي, تلك السماء التي إذا نسيت أهملت و أعطشت و شحت و أبكت و أهلكت فإذا قلبَّت أمزجتها و فَطِنت ندِمت فأعطت و أفاضت و أغرقت فأذهلت.
تحطمت حواجز الغيوم مرة واحدة فمنحت بعد الحرمان الطويل بعشق و جنون , لم يمض بعض وقت حتى صار المطر سيولا جارفة تعبث في التلال الجرداء فتبدل كما شاءت معالمها.
فك هارون أربطة الغلاف الجلدية بسط راحتا يديه على صدر (البشنة) و على المنفاخ كأنه يحاول ان يراها بيديه بطريقة جديدة, عرّاها من لباسها و مرر أصابعه على الأزرار البيضاء الكبيرة الممتدة على المسطرة اليمينية ل( البشنة) و مسحها زرا زرا عدَّل وضع البشنة ادخل إبهامه الأيمن في الانشوطة القصيرة المثبتة خلف المسطرة اليمينية حيث تتوضع الازرار البيضاء الكبيرة و تسللت كف يده اليسرى الى الرباط الجلدي الضيق المثبت على الحافة اليسرى مداعبا بأنامله الازرار الصغيرة البيضاء.
عرفت هذه (البشنة أباسريت ) في تاريخها عازفين مهرة منذ ان خرجت من بين يدي حرفي شركسي فنان , هاوٍ و عاشق في ( غوبه قواي) فاعتنى بكل تفاصيلها الكبيرة و الصغيرة و أعطى لكل جزء فيها من روحه و عشقه فجعل الازرار الكبيرة اليمينية و الصغيرة اليسروية جميعها بيضاء مشرقة مضيئة و طلى خشبها بأرقى و أحدّ درجات السواد فجعلها لامعة كأنها غُلفت بطبقة من زجاج رقيق , و غرس في سوادها زُخرفا شركسيا ابيضا ينساب بدلال و غنج و تكبر كانسياب جدول يتماهل و يماطل عندما يحين موعد عطائه للبحر , و جعل على زوايا الثنيات الكثيرة للمنفاخ قطعا حديدية رقيقة مطلية بسواد لامع لا يبلى مهما امتدت بها السنون و قُلبتْ صفحات و فصول و جعل كل أربطتها الجلدية سوداء معتمة و رسم على المنفاخ رسمين لزخرفين شركسيين أحدهما لا يظهر و يكتمل إلا حين تطبق (البشنة) تماما و الآخر لا يكتمل و يتضح إلا حين ترخي أشرعتها لأقصاها.
فخرجت (البشنة أباسريت ) من بين يدي الحرفي العاشق بازخة متكبّرة مترفة , و رغم كل ما مرّ عليها من حروب و تهجير و دمار بقي نُبلها ساكن فيها و بقيت عزيزة رغم عطشها و سوء اقدراها و إجحاف سمائها , أميرة تحيا في بيوت من طين , انتظرت ان يناغم البحر اتجاهات الريح بما يوافق نبلها و قدراتها و ترفها.
كانت تنتظر هارون كي يصغي للعالم فيلتقط نغمها و إحساسها و يدرك قدراتها فيرخي أشرعتها لأقصاها و يطلق العنان لحصانها الجموح لتمضي بعشق و جنون في طموحها فبلغ بها هارون ذرى لم تبلغها يوما فكأن هارون بالنسبة لها أول من عزف عليها.
و هارون و منذ الأزل و قبل ان يكون هذا العالم عالم و حين ( كانت الدنيا العتيقة بين التماسك و السيولة )18 و روحه تتوق للحظة كشف فريدة, تتوق لتوحِّد العالم,و تقول كلمتها, أصغى طويلا و بحث عمن يفهم أطواره و ينطق بلغةٍ حروفها صيغت بعمق إحساسه فكانت هذه (البشنة أباسريت) عرَّاب هارون و لسانه و كان عرابها , تُحلّق إذا حَلّق و تهبط إذا هبط , تميل إذا ما مال و تبكي إذا حزن و تختال تيها و دلالا إذا اغتبط.
هارون و ( البشنة أباسريت ) عاشقان بين البرق و المطر و السيول يختليان.
رقص (شيبلة)19 على أصابع قدميه بألبسته السوداء و رمى سهامه الفضية من الأعالي فتلقتها الغيوم و غرستها على الأرض فأضاء الكون بلحظة برق خاطف و ظهر عند مدخل الكهف الفارس اللابس قلبقا عالي و( شاكؤه) سوداء يحتضن (البشنة أباسريت ) و يعزف لحنا فريدا وحد العالم و ضم في أسراب طيوره صوت الرعد و حمحمة الحصان و غضب السيول و تمتمة الحجر و سار بها جميعا نحو حلم أزليٍّ بلحظة كونية تزاوج السماء بالأرض فتسكِنُ الروح بالجسد و تزرع النور في الظلام و تبعث الإنسان من عدم, فصار ليل هارون البهيم نورا و صارت الطريق التي يسير عليها هارون مضيئة و الأرض التي يلمسها تطرح بركة و خيرا و المكان الذي يقيم فيه صار مكان أمان و سلام.
ان زعقت البوم مساء فإنَّ اللقالق ستتقافز صباحا على الأسوار .
----------------------
يا ليتني اشهد يوم اغتباط روحك و بهجة قلبك يا ولدي لأباركك في تلك الليلة بيداي, و لن يعنيني ان ادفن بعدها في أي ارض.
-هل تراقص كل فتيات الحفل يا هارون ؟
-قليلا ما ارقص( سي ننج) لأني مشغول دوما بالعزف.
-اعرِ ( البشنة) لأحد العازفين و أرقص مع أجمل الفتيات , ارقص على أصابع قدميك باعتزاز و فخر و خيلاء .
-من لديه( بشنة) فليعزف عليها أما أنا فلا أعير ( سي بشنه أباسريت) لأحد, و لا اقبل ان يلمسها أحد .
-صه , اعرها فقط للعازفين البارعين , لبعض الوقت كي ترقص .
-لا يروقها سواي.
--------------------
(سي ننج ) كنت امشي في سهل اصفر شوكيّ يابس مثل سهول قريتنا و أنا ألبس لباسي الشركسي الكامل حين انتبهت بان الجيوب الطولية عند صدر سترتي تلك التي يوضع فيها الرصاص لم تعد موجودة و صار بدلا عنها زخرفا شركسيا راقيا متمايلا لطيفا ثم انتبهت أني لا اعلق القامة على خصري و كنت امشي و أنا أتأمل هذا الاصفرار و اليباس حين بدأت اركض واركض ثم صرت أطير في السماء عندها انتبهت بأني طائر ابيض كبير ممتد الجناحين ببذخ, رائع الريش ناعمه و أني و أنا طائر اعرف جيدا أني أنا هارون ثم ظهرت في الأفق جوارح , صقور و نسور وغربان لم أخف منها , لم أتحداها و لم ابتعد عن طريقي فتلاشت كل الصقور و الغربان و الجوارح و صارت الأرض تحتي قمم بيضاء ثم سهول خضراء واسعة و غابات و انهار و جداول تلمع بنور الشمس كما وصفت لي الوطن الأم (سي ننج) و عرفت بستان اهلك ب(غوبه قواي) و رأيت شجرة الجوز و ساقية الماء و خزانا مبني بإتقان من حجر اسود و رأيت سور البستان اسود كبير يحيطه من كل طرف و رأيت مئة فرس أصيلة في (نشراز) . عرفت في حلمي أنهنّ جميعا عشيقات جوادي الأحمر ثم نزلت إلى الأرض فوجدت ذئبا كبيرا جميلا و مهيبا يجلس على الأرض محاولا لعق ذراعه اليسرى التي انكشط الجلد عن جزء منها بحرق و إسودَّ مكانها و سالت الدماء غزيرة من حولها فاقتربت منه وجلست قبالته فلم ينتبه لي, كان مشغولا عني تماما بألمه فتمزق قلبي حزنا عليه و اعتصر الألم في نفسي و روحي من اجله , مددت يدي أحاول التخفيف عنه أو أحاول معالجة جرحه و ألمه فانقضّ و هجم بأنيابه عليّ فجرح يدي اليسرى و سالت الدماء منها غزيرة غزيرة فتركته و مضيت أحاول الطيران ثانية فلا أستطيع ,حزنت أيما حزن , ثم لعقت الجرح مرات كما تفعل الذئاب في جراحها و صرت اركض هنا و هناك بجهد و ألم , اتعب و ابكي و اقعي و أقف حتى ارتفعت عن الأرض و عدت طائرا ابيضا بجناحين كبيرين فامتلكت كل السماء و كل الأفق وسهول خضراء تجري من تحتي على مد النظر .
ما تأويل ما رأيت في حلمي (سي ننج) ؟
لتكن كل أحلامك جميلة لطيفة كعينيك , كموسيقاك يا ضوء قلبي.
تأويل ما رأيت يا حبيبي أنّ الحبَّ أنبلُ الفرسان و أجمل الفرسان و أروع الفرسان و أن (البشنة) هي فروسية القادم من الأيام.
فأما الذئب يا ولدي فلا تلوي عليه أبدا اتركه و امض في طريقك و لا تشعر بالذنب حياله فإنك لن تستطيع ان تساعد من لا يساعدون أنفسهم يا ولدي , امضي و ساعد أولئك الذين هم بحاجة إليك و يريدون ان تساعدهم فانك جاعل صحراءهم و جفافهم سهل فسيح اخضر و جاعل مستنقعاتهم انهارا رقراقة غنية و لن تخذلك يا ولدي (البشنة أباسريت) خاصتك أبدا فلا تيأس من سماء مهما بلغ بها الجحود و الاستعلاء و الإنكار و حاول التحليق ما استطعت و سوف تعود فتحلق بعد ألم و عجز و سوف تنهض من ألمك قويا و سيصير الأفق و السماء لك و الأرض.
أما أفراس (نشراز) المئة عشيقات جوادك الأحمر و أما بستان (غوبه قواي) المسّور فهي رزق آبائك و أمهاتك الأولين. سيعود إليك رزقك و سوف ترث اهلك بالحبّ و الحكمة و العمل و الأبناء الصالحين, سترثهم بدون سلاح و لا قوة لأنهم خسروا رزقهم بالقوة و التكبر فبالحبّ سوف تعيده السماء إليك .
ضمت (ننج) هارون بقوة و عنف الى عظام صدرها الرقيقة الحنونة حتى لمعت مقلتاها و هي تقول , اجعل يا ربي أبناءنا يرثوننا و لا نرثهم , آمين يا أرحم الراحمين.
---------------------
(قالوا إنا تطيرنا بكم لئِن لم تنتهوا لنرجمنكم و ليمسنكم منا عذاب أليم, )20
عبق الريحان الصغير الخجول فاختلطت رائحته برائحة النعناع , و لعب النسيم و الضوء بأغصان السروة وطاردا ظلها على سور الدار فتراقص شعر هارون بين الضوء و الظل و هو جالس في باحة الدار على جذع سنديان قديم.
هارون و البشة أباسريت عاشقان بين الضوء و الظل يتناجيان.
في الغرفة الصغيرة الكائنة بعد المسطبة (نسه) تعجن ال(باستا )21 و ( ناشخوه) تقول لها اجعلي وجه ال(باستا ) جميلا يا ابنتي كي تكون نصيب هارون فتاة جميلة.
----------------------
ألن تترك هذا الكفر يا جبان ؟
سمعت المرأتان صوت الإمام محمد هادرا غاضبا نزقا فارتمتا عند باب الغرفة الصغيرة و تبع صوته صوت خرطشة بندقية حادة مقيتة تعلن ان لا تراجع بعد الآن , سقطت (ناشخوه) على الأرض حين ذابت و تحللت قدماها تماما حتى لم تعودا لها , أما (نسه) التي كانت تقف و تتسمر باحترام و صمت إذا صادفت الإمام في أي مكان نزعت عنها التقاليد و العادات في تلك اللحظة و رمت بنفسها عليه تحاول دفعه عن مرمى هدفه, فهزت ذراعه اليسرى.
انبعث موسى في الباحة فجأة و قفز باتجاه هارون محاولا طرحه أرضا و إبعاده عن مرمى الإمام.
لكن الطلقة كانت أسرع منهم جميعا , لأن العدوان نزق و غضوب و كريه و أسرع من الإنسان.
لم تجرؤ ( نسه) على رفع رأسها لم تجرؤ ان تسأل نفسها أيّ الشابين........؟
كان زمنا لا يعرف سوى الله وحده كم كان , رأته ثم راقصته , أرسلت له المراسيل , اخبرها انه يحبها , خطفت معه و لبست ثياب عرس مطرزة مزخرفة جديدة و كانت ليلة أولى ثم تلتها ليال و ليال.....
رفعت (نسه) رأسها و فتحت عيناها كان الشابان واقفين على اقدامهما و دماء حمراء تنبع بغزارة حتى غطت ثياب هارون و ال(بشنة) و أيدي موسى دون ان تعرف أيهما الجريح, لكنهما واقفان على اقدامهما حيين يرزقان , فلا ييأس انسان قطّ من سماء مهما أنكرت و جحدت و تكبرت.
كان هارون ينتصب مذهولا مأخوذا تماما بالشيخ الواقف قبالته في طرف الساحة الأخرى بلباسه الأبيض و شكله المهيب و يتساءل هل حقا هذا الشيخ أبي , لأول مرة منذ سنين طوال رأت العائلة وجه الإمام محمد دون قناع الوجه الأبيض.
لا يعلم إلا الله وحده كم من الوقت مضى و الإمام و هارون متواجهين , رأى هارون بهذا الرجل ذات عينيه بلونهما بحجريهما بماضيهما مختلفتين باحلامهما , عينان هادئتان كبحيرتين صافيتين يسكنهما منذ الأزل بجعان مسالمان وديعان راقيان و رأى في عيني أبيه بحيرتين غاضبتين رمت فيهما الريح مطرا اسود من قار سميك و أشعلت فيهما الشياطين غضبا و ألما و بؤسا .فأحسَّ بتمزق مرٍّ في قلبه و في حلقه.
رمى الإمام محمد البندقية من يده و خبأ عينيه المتألمتين و مضى , كانت ننج تبكي عند باب غرفتها دون ان تعرف هل كان نهار أم كان ليل , تضرب رأسها و الغطاء الأبيض منزلق عنها تبتهل و تنادي ارحمنا يا الهي و أرئف بنا اجعله يبكي موتي و لا ابكيه يا رحيم.
------------------
ان تلمس الأشياء فلا تشعر بنوع ملمسها , ان تستنشق الهواء فلا تدرك له رائحة , ان يصير كل طعم عندك كأنه الزجاج ان يغلف العالم من حولك ستار شاف فتراه دون ان تحس به , تعيش فيه لكنك لا تعيشه , كأنك في قلب الحياة دون ان تكون جزءا منها.
هذه الحالة كانت تعتري الإمام محمد في الماضي على فترات زمنية متقطعة متباعدة ترتبط في قدومها بالأشباح و الصور المؤلمة لكنه كان قادرا دوما على المضي الى الأمام فالامام.
في كل انسان فينا أسئلة طفولية ساذجة لكنها حادة لابد من مواجهتها و الإجابة عليها مهما قلبنا في بحثنا عنها من معتقداتنا و أفكارنا و أساليب حياتنا , و الإجابات الفاضلة هي التي تحقق توازنا داخليا عميقا و رضى عن النفس و اطمئنان صادق .
من النادر ان تتاح لإنسان من الإمكانيات و الظروف الاجتماعية و التربوية و القدرات الشخصية للإجابة عن كل تلك الأسئلة و إذا أتيحت صار هذا الإنسان حرا طلقا كسهوب لا تنتهي و صار محلقا كطير في أعلى سماء ,قادر على التفكير في كل شيء و الخوض في كل شيء و تقبُّل كل شيء.
أولئك قلة و نادرون , انهم قديسون أو عباقرة أو مبدعون , هؤلاء الأثرياء الحقيقيون , أثرياء بأنفسهم , قادرين على معرفة معنى حياتهم و الإحساس بها دون ان يبنوا أبراجا عالية , دون ان يدَّعوا , دون ان يتحدثوا.
و من أولئك كان هارون.....
أما من لم يحاولوا الإجابة عن تلك الأسئلة فان ألبسة الطفولة و مشاعرها سوف تعود إليهم لتخنقهم و تمنعهم من النمو و الكبر , و من هؤلاء معظم البشر و بدرجات متفاوتة , بقدر إجاباتهم تتاح لهم فرصة الخروج من ألبسة الطفولة و من حواجز أنفسهم و قيودها و أمراضها.
الطفل محمد الصغير كان حاد الذكاء مرهف المشاعر عميق الإحساس بكل ما حوله متشابك تشابكا شعوريا بهذه الحياة فكانت أسئلة طفولته شديدة الإلحاح, جارحة ,حادة.
لأن غريزة البقاء أقوى غرائز الإنسان فقد كان الهدف الأساسي عند أولئك المنهكين ان يعيشوا بأي ثمن و كان على الطفل الصغير ان يعيش و يعيش و يعيش دون ان يقف مرة و يتأمل حوله , دون ان يبصر الطريق التي تمر على جانبيه دون ان يجالس لمرة واحدة ذالك الكائن الساكن فيه فيصغي لأسئلته و آلامه , ان يتقبله و يحبه كما هو و يحتويه ,
أسئلة محمد الصغير ذكية عميقة مبكية مريعة و الحياة لم تكن تحتمل الصمت أبدا لأن عليهم ان يبقوا على قيد الحياة و يخلقوا نسلا يحدثوه بلغتهم عما رأوه بأم أعينهم كي يكون شاهدا على هذه الحياة, كي لا يتوه الذين ماتوا أمامهم أفواجا في عتمة العدم و النسيان .
و كلما كبر محمد كان الطفل السجين فيه يزداد صراخا و يبكي ذعرا و هو وحيد في الظلام . حيث لا امام و لا وراء و لا فوق و لا تحت و لا أحد و لا أحد.
(ناشخوه) و رغم رقتها و لطفها و طراوتها و ذكائها لم تخترق عالم الإمام محمد؟
حين كانت سنين الولادة و الإرضاع و الفقد و الموت كانت مأسورة تماما بأولئك الذين تخلقهم في رحمها و حين كبر الشابان و نجيا من الموت و صار بإمكانها الاهتمام بالإمام كان عالمه قد تصلب و تحجر حتى استحال عليها اكتشافه .
كان يلعب لعبة ذاتية داخلية خطرة, تلعبها يوميا ملا يين البشر دون ان يدركوا انهم يمارسون لعبة واهمة كي يخلقوا توازنا غير صادق و لا مبدع .
واقع الطفل كان مؤلما و صراخه عالٍ و للهروب مما لا يمكن مواجهته ارتد الإمام عن هذا الواقع وكان من الممكن ان يرتد بأي طريقة أخرى أكثر تفاعلا مع المحيط و أكثر ضلالا بحيث لا يشعر بآلامه احد لكن هذه هي الطريق التي وجدها أمامه فمشي بها , صار الستار يسدل لفترات أطول و أطول حتى صار الستار ملازما للحياة كلها فوحد نفسه به فأسدل على وجهه ستارا و عاش في الظلام و اقنع نفسه انه يقوم بكل ذلك تعبدا و خشية وخوفا من الله و هو إنما يقوم بكل ذلك خشية و خوفا من صراخ الطفل الذي ما زال يسكنه .
صوت (البشنة) وربما لأنها ترتبط بطفولته كانت الأكثر اختراقا لعالمه الواهم كانت تضعه في الواقع و تجبره على الوقوف في وجه الطفل الصغير الذي يخاف بكاءه فلعب على نفسه و خادع نفسه بان أقنعها ان (البشنة) كفر و انشغال عن عبادة الله.
حين كان هارون يغيب مع صوتها حتى تُآلف نبضه بنبض الأرض فتشرب روحه لون أوراق الشجر و تنتشر في موجودات الكون الواسع و تحلق بسماء وردية فتسبّح عظَمَة الخالق و بدعة فنِّه و احترافه لصنعته ,كان الإمام يزداد توترا و جنونا و حنقا من هذا الشيء الذي يطارده.
لم يشعر الإمام كيف حدث ذلك , سمع صوتا قويا يقول (ألن توقف هذا الكفر يا جبان ) لم يدرك هل هذا الصوت آت من خارجه كي يهدده هو أم انه خارج من جوفه كي يهدد به غيره , حين أدرك انه صوته هو أمسكت به فكرة واحدة ان هذه ال(بشنة ) كفر و إغضاب لله و ان أي عمل مهما كان شنيعا و متعارضا مع صدق إحساس الإنسان و نبله ما دام إرضاء لله فهو صالح , فضغط على الزناد كي يردي ولده قتيلا من اجل مرضاة الله كما تصور و هو إنما يقتل الطفل الساكن فيه كي يريح نفسه من صراخه و بكاءه.
تمزق شر ممزق حتى صار أشلاء انسان , يتساءل في نفسه هل خُلق كي يتمزق الإنسان دون ان يجرؤ على الإجابة عن سؤاله .
جلس يبكي في وحدته بمرارة و ألم ثم يتوقف ليتذكر هل جرى ذلك حقا أم كان مجرد وهم , يتمنى ان يخرج من ظلمته و يُقَبِّل أقدام هارون و يمسح عنه دماءه لكنه لم يكن يستطيع فعل ذلك و الانتصار على نفسه لأنه لن يستطيع الانتصار سوى القادرين على طلب العون و المساندة من سواهم , القادرين على فتح صدورهم و التعري و تلقي الآخرين .
---------------
أيرمي عليك أبوك بالنار كي يقتلك و أنت بعض من عينيه و من روحه , فلما أخطأك أصاب يدك اليسرى و أحرق لحمه بيديه و تدفقت الدماء من إصبعك غزيرة و عجنت بالتربة المالحة المرة البيضاء, و هذه الدماء بعضا من دمائه و هذا اللحم بعضا من كبده و من قلبه.
فهل أوعدته السماء بكبش لافتدائك أم سخرت منه الملائكة أم لعنته آلهة السماء .
و مأساة الإمام محمد أنها مازالت تكبر به المأساة.
فلا يرتكبن هذا الحُمق و العدوان إلا المتألمين.
-سأمضي , ليس لأني اكرهه (سي ننج), لا أعرف كيف يكون الناس متكارهين , ليس لأني أريد انتقاما فلم اعد اعرف ما معنى ان ينتقم المتضررون و الخاسرون.
أُقبِّلُ أقدام قاتلي رحمة و شفقة و لا اكرهه و لا أغضب عليه .
-دعه يصلي لمخاوفه في الظلام و صلّي لمن تحب.
- أأصلي (ننج) . و هل من بعد عجزي صلاة .
-ستعزف يا ولدي لن تخذلك (البشنة) أبدا ستعزف دون إصبعك , سوف تعود لتحلق و تطير.
لم تكن أول مرة يبكي بها هارون فقد بكى مرات كثيرة, مرات بكى فرحا, و مرات بكى غبطة و حبورا,و مرات بكى ألما.
حين ماتت تلك الصغيرة التي سماها بنفسه (كات) و لم يكن قد انقضى من عامها الأول بضعة أيام , كانت أول عنقود (نسه) و فرحة قلبها بكى هارون على أحضان البشنة , بكى بمرارة تلك التي كانت تملأ حضنه, تمسك حاجب عينه و تعبث بياقته و تعبث بأذنيه و تعبث بأصابع يديه و بوجه كفه و تحاول ان تغني (آب زو زو - آب زو زو)22.
بكاها كما لم يبك يوما أحد على احد.
و اليوم ستبكي يا هارون بكاء مرّا مفجعا و كما لم يبك أحد على احد.
كان الحنظل ممسكا برئتيه و ذقنه و القندريس البرِّي الذي جاءه صيف وجفاف و يباس فصار شوكه كبيرا و جف لبه فصار مرا ممسك بحلقه تماما و غاصَّا بروحه فحجز البكاء و منعه ان يأتي منه إليه.
حين لمس بيده اليمنى مكان تمزق و احتراق البشنة و يده اليسرى مضمدة بالقماش الأبيض اندفع البكاء غزيرا كما تندفع من الوريد الحي الدماء كالنبض دفقات دفقات , لمس الاحتراق بأصابعه و مسح دماءه التي تجففت عليها و حين احتضنها و رفع وجهه لله صار بكاؤه مفجعا مؤلما.
فكان جرحه و دماؤه فيها وكان احتراقها في يديه.
- ستعزف يا ولدي كما لم يعزف في كل شركيسيا احد , كما لم يعزف على الأرض احد ,لأنك عشت ألما لم يعشه قبلك احد و لأنك ذقت مرارا و جحودا و قسوة كما لم يذق قبلك احد و خرجت من كل آلامك و عذابات روحك نظيفا نقيا لطيفا رائقا كأنك نسيم بليلة صيف و رميت ثأرك و نارك و خرجت من مرار الجحود و النكران و الشحّ و الظلم ثريا غنيا شهيا مُخصبا......
ستعزف يا ولدي كما لم يعزف على الأرض احد و سوف تطوبك البشر رسولا لكل انسان و سوف يطوبك العازفون أميرا على الفرسان.
-------------------
باحة الدار تضج بالحركة و الجلبة, عند الباب وقف ( شماتيل) مغطيا أنفه بيده, هذا الأنف الذي لا يكاد يشفى خلال الشتاء القصير فإذا جاء ربيع البوادي بشمسه احترقت جلدته و بان دمه و صار لينا مؤلما نازفا , جلست نساء عند جذع السنديان يُشرنَ الى شيء على الأرض , فتيات تجمعن بين الأشجار و رجال مسنون يسألون موسى و يجادلون و ثمة رجال و نساء في غرفة ناشخوه صامتون و ثمة امرأة تجفف دمعها ,البعض قالوا ان هارون ذهب الى غب قواي كي يصلح البشنة و آخرون قالوا و كيف سيصلح إصبعه الذي فقده و آخرون يقولون ان البشنة رغم أذيتها لكن ذلك لم يؤثر على صوتها و البعض قالوا ان الروس لا يمكن ان يسمحوا لشركسي بدخول شركيسيا فكيف سيصلح البشنة في غوبه قواي.
أوقفت (نسه) موسى الذي قضى ليلته بصحبة أخيه يتَسَاران و يتحدثان و سألته و عيناها محمرتان منتفختان باكيتان ألن يعود هارون , هو يعرف أني سأضع مولودي قبل ان يأتي الصيف , لقد وعدني ان يكون أول من يدندن نغما شركسيا حنونا في أُذُني مولودي الصغيرتين الطريتين النظيفين.
ابتسم موسى ابتسامته الوديعة الهادئة و ضحكت عيناه المسالمتان الصادقتان الفواحتان الناطقتان و وضع كف يده اليمنى على خد )نسه( و هو يقول أعدك حبيبتي أعدك, سيعود هارون قبل الصيف .
----------------------------------------------------------------------
---------------------------------------------------

هوامش
1- نسه –تعني العروس و تخاطب بهذا اللقب من قبل عائلة زوجها مهما مضى على زواجها.
2- ننج –الجدة.
3-غوبه قواي قرية في القفقاس الشمالي.
4-نشراز-قرية في القفقاس الشمالي .
5-شو ماف –الفارس الذهبي .
6-سي ننج –جدتي.
7- تحماته – والد الزوج .
8-البشنة –اسم آلة الأكورديون باللغة الشركسية , و هي الآلة الموسيقية الأكثر شعبية لدى الشركس.
9-نان- الأم .
10- – دفن الإمام الأعظم شامل في جنة الباكر في المدينة المنورة حتى أُزيل قبره في عهد السعوديين الوهابيين.
11- ( سامحهم يا إلهي لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون) العهد الجديد - انجيل متى
12-13 ( أساطير النارت الشركسية ) .
14-تحماتخر – المسنون و الموقرون و الكبار .
15 بشنة أباسريت - أكورديون شركسي يتميز بصفين شاقوليين من الأزرار الدائرية تمثل سلم الأصوات.
16-ملاحم النارت - مجموعة الملاحم و الأساطير التي تمثل القصص الشعبي لدى الشركس, و أبطال ملاحم النارت هم الأسلاف القدماء للشركس .
17- شاكؤه-نوع من العباءة الشركسية .
18-(حين كانت الدنيا العتيقة بين التماسك و السيولة ) أساطير النارتيين – من قصيدة كلمات ساوسروقه.
19- شيبلة إله البرق في الميثولوجيا الشركسية.
20-- قرآن كريم سورة يس.
21-باستا-نوع من الطعام الشركسي.
22-آب زو زو لعبة يغنج بها الأطفال.



#نرين_طلعت_حاج_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترهيب الاطفال
- صعاليك و انبياء
- الأنا العليا و سحق الإنسان
- لا تُشوّهوا أطفالكم
- العجوز و الياسمين
- حيث الاختلاف خلاف
- الحب بين رجل و حشد من نساء
- ما بين الايمان و العقد بون شاسع
- حكاية عن بَاتر
- المشعوذون و الفضائيات
- أساطير النارتيين
- من حضر القسمة فليقتسم
- المرأة و الإحساس بالحياة
- عشرون صالحا يشفعون لمدينة اشرار
- مكابرون حتى الرمق الأخير
- المرأة و وجدانية الرجال
- الكرسي و الطاولة
- الموؤدات
- حبة شعير
- حجز العقول


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نرين طلعت حاج محمود - حكاية آل تشخنوق