سمير دربالي
الحوار المتمدن-العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 00:02
المحور:
الادب والفن
تجلسُني أمّي في القصْعة الحديديّة بعد أن تُنظّفها من آثار عَلف البقرة والأغنام .. وتبدأ في صَبّ الماء عَليّ
-يُمّة.. قرسْتْ ..
البردُ يتسرّب من تحت الباب الخشبيّ ومن ثقوب الجدران المبنية بالحجارة و التربة ..
-يُمّة ..الماء بدأ يبرد ...
تلقمُ أمّي الكانونَ بالأعواد اليابسة ...شجيرات الزّيتون التي عضّ أبي الأرضَ لتثمر صارت حطبا ..حوّلها الجفافُ إلى وَقود ..لم تفلح جرارُ الماء التي نقلناها بالحمار مرارًا من بئر "سيدي علي بن جاب الله" في إحيائها .. تقرّب أمّي الكانون ..تتعالى ألسنتُه كأفاعي محشورة في كيس ..تتطاير شظاياه تسقط على ظهري ويديّ ورجلي ..فتدميني ...تطليني أمي بالصّابون الأخضر ..وتصبّ الماء السّاخن من " النحاسة "..
..تدْعك جسدي بقطعة قماش خشنة ..يتسرّب الصّابون إلى عينيّ فيؤذيهما ...
أبكي ..أصرخ :
أمي عيْناي ..عيْناي
تناولني قطعة قماش أضغط بها على عيْنيّ ..وتواصل دعْك جسدي ...تصُبّ الماء ..ثم تخرجُني من القصعة ..تحشُوني في ملابس كثيرة حتى أكاد أختنق وتلفّني بعباءة الصّوف وتتركني قريبا فوق حصيرة في الرّكن الآخر من الدّار .... تذهب لتفقّد النار أمام الدار ..تعود حاملة نحاسة الماء ..ثم تدفع بأخي الأصغر لينال نصيبه من ملحمة التنظيف ...
---------------------------------------
مازلت أسمع صدى أنفاسها ..وأنات لم تفلح في لجمها .. التقطتها أذناي . لكأنّني في هذا الجو البارد في تلك القصْعة ولكأنّ الوقت سراب ...
وللذاكرة دقّة الشوك ..وللكلمات نصيب ...
#سمير_دربالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟