عبد الحميد أبوزرة
الحوار المتمدن-العدد: 4682 - 2015 / 1 / 5 - 16:23
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أركيولوجيا الحركات المسلحة داخل الاسلام : الخوارج الميلاد و المبادئ
ذ عبد الحميد أبوزرة
لا زلنا نحاول نفض الغبار عن التاريخ الاسلامي محاولين أن نعيد قراءة أحداثه التي ميزت العقود الأولى من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بما حملته من أحداث و مواقف طبعت القرون اللاحقة و كانت هي الفيصل و السبب في نشوء الكثير من التيارات و الجماعات التي اختفى بعضها و بعضها تطور و البعض الآخر لا يزال إلى اليوم محافظا على سماته ومميزاته الفكرية و العقدية.
هذا المقال هو امتداد لسابقه " أركيولوجيا الحركات المسلحة داخل الاسلام " [1] الذي حاولنا فيه أن نبين الأصول الأولى للحركات المسلحة الأولى في التاريخ الاسلامي و نعرض أهم الأحداث و الاختلافات بشكل أركيولوجي محايد ما أمكن عن الجواذب و المؤثرات الطائفية و الذاتية, فأغلب الكتابات الثراثية أو المعاصرة تناولت هذه المواضيع بنفس دفاعي عن العقيدة التي ينتمي لها الكاتب أو بغرض هجومي على عقائد المخالفين الذين ينتمون للجماعات و الطوائف التي تُعتبر الوريث التاريخي للحركات و الجماعات التي خاضت الأحداث التاريخية, أو من خلال كتابات المستشرقين المتحاملة على الثراث الاسلامي والتي تحمل نفسا استعمارايا واضحا للتحامل على هذا الثراث واتهامه و هدمه .
سنحاول هنا البحثَ في هذه الأحداث من زوايا سوسيو- اقتصادية و سياسية ثقافية فرغم الكتابات المتعددة فالقليل منها عالجت الموضوع من هذه الجوانب.
تعتبر حركة " الخوارج " أول الحركات الاسلامية المنظمة التي حملت السلاح من أجل تغيير الوضع السياسي القائم, وهم كذلك أول من حول الخلاف السياسي إلى خلاف ديني عقدي, فقبل ظهور حركة الخوارج و خلال الاختلاف على خلافة أبي بكر أو على سياسة عثمان بن عفان لم يكفر أحد من الفرق أو المختلفين بعضهم, لكن وبعد معركة صفين بين جيش الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان مع أهل العراق بقيادة علي بن أبي طالب, و استفحال القتل في الطرفين قام جيش معاوية برفع المصاحف على الأعلام مطالبين بوقف القتال و إيجاد حل من القرآن الكريم و الاحتكام إلى رأي رجل حكيم من كل جيش : عمرو بن العاص من جيش معاوية و أبي موسى الأشعري من جيش علي, وقد ألح "القراء" من جيش علي على التحكيم لكن بعد فشل الحكماء في إيجاد حل إنقلبو على علي و رفضو الانصياع لقيادته متهمين إياه بتحكيم الرجال بدل القرآن !.
ثم تحول العصيان العسكري إلى اختلاف عقدي خطير حين رفضو إمامة علي لهم في الصلاة وجاهرو بالخروج عليه و أول من بدأ بها هم أتباع " الخريت بن راشد " كما قال قائدهم :
وَاللَّهِ يَا علي لا أطيع أمرك، وَلا أصلي خلفك، وإني غدا لمفارقك لأنك حكمت فِي الكتاب، وضعفت عن الحق إذ جد الجد، وركنت إِلَى القوم الَّذِينَ ظلموا أنفسهم، فأنا عَلَيْك زار، وعليهم ناقم، ولكم جميعا مباين. [2]
هذه التطورات تدفعنا لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة:
لماذا ظهرت حركة الخوارج في جيش علي ولم تظهر في جيش معاوية؟ من هم " القراء " و " المتحكمة " وما دورهم في هذه الأحداث ؟ ما هي باقي الأسباب الاجتماعية و السياسية لظهور حركة الخوارج؟
مع توسع الدولة الاسلامية و تحولها إلى أمة تجمع جغرافيا شعوبا من المغرب الأقصى إلى فارس و من أرمينيا إلى السودان , ظهرت تخصصات بشرية و فئات من الناس تخصصت في أدوار أو أعمال معينة, مثل فئة "الجنود" الذين اشتغلوا بالجهاد و مصاحبة الفتوحات, وفئة "المتصوفة والزهاد" الذين تفرغوا للعبادة و الوعظ , ثم فئة "القراء" الذين جمعوا بين طلب العلم و مدارسة القرآن وحفظه مع الجهاد و تقدم الصفوف الأولى للقتال, هذه الفئة اتسمت بالعنفوان و العاطفة القوية لإتباع ما جاء به القرآن حرفيا ودون تأويلات, فكان لها دور مهم في الثورة على سياسة الخليفة عثمان بن عفان ثم الاحداث التي انتهت بمقتله, ثم شكلوا نسبة مهمة من جيش علي و كانوا أشد الناس حماسة لقتال خصومه : جيش طلحة و الزبير و جيش الشام بقيادة معاوية.
كما هو معلوم انتصر جيش علي على جيش طلحة و الزبير و عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في موقعة الجمل, ثم اجتمع الجيش استعدادا لمواجهة جيش معاوية وهذا ما كان فعلا في معركة صفين, يشير الطبري في أن أغلب فئة القراء التي شكلت حركة الخوارج كانوا من " أعاريب بكر وتميم [3] " أي أنهم كانو من :
- من القراء المتحمسين للقرآن و الجهاد.
- الأعراب أي من سكان البوادي الصحراوية الذين لا يعرفون الاستقرار أو السكن وكل حياتهم ترحال للرعي أو للغزو و الحروب التي تشكل عنصر مهما في شخصية الانسان الاعرابي .
- من قبيلتي بكر و تميم خاصة اللتان كان لهما دور مهم في الجاهلية بين قبائل العرب سرعان ما خفت بريقه لصالح القرشيين في الامامة و بني امية في الخلافة.
لا يمكن أن نهمل العامل القبلي في نشوء حركة الخوارج و ثورتهم على الوضع السياسي , فمن بين أهم مبادئهم ضرورة الخروج على الحاكم الظالم أو المخالف لحكم الله وكتابه, كما لا يضعون شرط القرشية في الإمامة على عكس ما سيصبح شرطا أساسيا في المذهبين السني و الشيعي استنادا إلى حديث الامامة:
3137 - وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» [4]
وهذا ما يتجلى في الأئمة و القادة الذين بايعهم الخوارج فكلهم من غير القرشيين : أزد, طئ, تميم, بكر, كندة ... أو من الموالي و العبيد المحررين .
يمكن تلخيص أفكار الخوارج و عقيدتهم كالتالي :
1- لا يوجد شرط عرقي أو قبلي في اختيار " ولي الأمر " الحاكم , فهم ينفون شرط الانتماء القرشي.
2- وجوب الخروج و الثورة على أئمة الجور و الحكام الظالمين و الخروج عندهم يكون بأي شيء قدروا عليه بالسيف أو بغيره [5].
3- يثبتون إمامة أبي بكر وعمر وينكرون إمامة عثمان رضوان الله عليهم في وقت الأحداث التي نقم عليه من أجلها ويقولون بإمامة علي قبل أن يحكم وينكرون إمامته لما أجاب إلى التحكيم ويكفرون معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري ويرون أن الإمامة في قريش وغيرهم إذا كان القائم بها مستحقاً لذلك ولا يرون إمامة الجائر[6] .
4- تكفير أصحاب الكبائر, و يشمل الحاكم و أجهزة الدولة ثم باقي الرعية و الناس.
5- نفي صفة " الجور" عن الله و القول بعدالته (عز وجل) على عكس مذهب " الجبرية" الأموي الذي ينسب أعمال الظالمين إلى مشيئة الله.
شكلت هذه المبادئ أهم الصفات التي ميزت فكر حركة الخوارج التي رفعت السلاح في وجه الدولة الحاكمة آنذاك, فيحين كانت الفرقة " الشيعة " وهي الفرقة الثانية عدديا المعارضة للحكم ولكنها لم تعمل من اجل تغييره أي حركة سياسية بل اعتقدت بأفكار جديدة استهجنها الكثي من الناس " كالرجعة" و " معصومية الائمة و علمهم للغيب" , فكان انتظارهم للفرج و العدل الذي سيقيمه الامام الغائب هو الحل الذي سيغير الأوضاع السياسية و الاجتماعية.
كباقي الجماعات أو الحركات لم تسلم حركة الخوارج _ وهي تسير على درب الثورة و التضحية بالنفس و بالخصوم _ لم تسلم من الانشقاقات و التفكك فتعددت فرقهم حتى عدهم الشهرستاني (المتوفى: 548هـ) إلى ثمانية فرق كبيرة :
وكبار الفرق منهم: المحكمة، والأزارقة، والنجدات، والبيهسية، والعجاردة، والثعالبة، والإباضية، والصفرية، والباقون فروعهم. [7]
بينما غيره عدد فرق الخوارج إلى أكثر من ذلك كالمقريزي أو أقل كأبي الحسن الأشعري, وكان السبب الأهم في هذه الانقسامات هو النقد الداخلي للمسائل و أصول الفكر الخارجي وخاصة مسألة " تكفير أصحاب الكبائر" و مسألة " التخليد في النار لأطفال الكافرين".
كانت حدية الفكر الخارجي و تساهلهم في القتل و التكفير و اهمالهم لباقي أوجه الدين الأخرى لصالح الغلو في فكرة الجهاد و الثورة و الخروج الدائم على الحكام, سببا في نفر الناس منهم و تناقص المتعاطفين مع ثوراتهم, مما سيؤدي لاحقا إلى انقراض أغلب جماعاتهم و اندثار حركتهم لتصبح أفكارهم مجرد ثراث تاريخي, وهذا ما سنحاول نفض الغبار عنه في المبحث القادم.
-------------------------
الهوامش:
[1] أنظر المقال )أركيولوجيا الحركات المسلحة داخل الاسلام( على الرابط :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=446935
[2] تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري : محمد بن جرير الطبري . دار التراث – بيروت الطبعة: الثانية - 1387 هـ , ج 5 ص 114 , .115
[3] تاريخ الطبري نفس المرجع ج 5 ص 66 .
[4] السنن الصغير للبيهقي : أحمد أبو بكر البيهقي, المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي
دار النشر: جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي ـ باكستان الطبعة: الأولى، 1410هـ - 1989م, ج 3 ص 269.
[5] يقول أبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الاسلاميين :
وأما السيف فإن الخوارج تقول به وتراه إلا أن الإباضية لا ترى اعتراض الناس بالسيف ولكنه يرون إزالة أئمة الجور ومنعهم من أن يكونوا أئمة بأي شيء قدروا عليه بالسيف أو بغير السيف.
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين, أبو الحسن الأشعري (المتوفى: 324هـ) , تحقيق: نعيم زرزور , الناشر: المكتبة العصرية , الطبعة: الأولى، 1426هـ - 2005م , ج 1 ص 109 .
[6] مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين, أبو الحسن الأشعري (المتوفى: 324هـ) , نفس المرجع , ص 109 .
[7] الملل والنحل, أبو الفتح محمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ) , الناشر: مؤسسة الحلبي , ج 1 ص 115 .
#عبد_الحميد_أبوزرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟