|
جرذ... جرذين... جرذان
عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4682 - 2015 / 1 / 5 - 16:21
المحور:
كتابات ساخرة
جرذ... جرذين... جرذان
( 1 ) جرذ... أنا أعترف بأني حاولت أن أكون (سادياً) مرة واحدة بحياتي، لكني لم أنجح... كان ذلك بعد أن قمتُ يوماً في محلي بشارع النهر بنصب مصيدة لجرذ خطير ... جرذ من جرذان شارع النهر معروفة بشراستها والتي تتجنبها حتى القطط... في صباح مشرق وإذا به في المصيدة كان جرذ من الكبر بحيث لا يقدر بداخل المصيدة أن يتحرك أو أن يدور، ذيله كالسوط يمتد خارج المصيدة بطول قدم. اقترح صياغ المنطقة إغراقه بسطل ماء لكني شعرت بشعور (سادي) يلفني، وأنا أعسش نشوى صيدي الثمين. أردتُ أن أحقر هذا الحيوان العنود وأذلاله ... وأن أتلذذ بقتله! سأسخن كتلي ماء حار، حار جداً و(أتمتع) بسكبه عليه وأن وأصليه صلياً أسرعتُ عند القهوجي لأختار أكبر وعاء يمكنني حمله وأسخن الماء فيه لدرجة الغليان ... أنتظرتُ الماء يغلي ويغلي جئت به أمام المارّة بينما كان الجرذ ساكناً بعض الشيء بسبب إرهاق شديد قد أصابه بسبب محاولاته منذ الليل الخروج من محنته. فصببت أول قطرات ساخنة فوق رأسه... أول ما آلمته حرارة الماء، تهستر لتتضاعف طاقته بشكل غريب أدهش الجميع. حطم المصيدة (المسكينة) وركض يهتز يجر ذيله بعناء من شدة ألم الحروق ! صاحوا: قلنا لك نغرقه أفضل. قلتُ: لكان قد شرب الماء وقال ... كمان. قالوا: هذا شيطان... قلت: هذا جرذ شجاع وليس شيطان، (يستاهل) الحرية !
( 2 ) جرذين...
جلس الشباب في شارع النهر قرب الشط ـ فرع الاطفائية ـ بانتظار سمكة القطان تُشوى بمهل على الحطب... ومع أنهم جوعانين لكنهم صبروا بانتظار وصول رفاق كانوا قد دعوهم للوليمة... وهم غير قلقين على عدد من سيأتي، لأنها كانت تزن بضعة كيلو غرامات، يمكنها أن تملأ كروش فارغة ... كنتُ (ولسوء حظي) أحد المدعوين، لعابي يسيل، أصبّر معدتي بالطرشي الأحمر. ما أن نصبوا المائدة واستعاروا بعض الكراسي وجهزوا بقية المقبلات... عمبة وبصل اخضر والذي منه... جاءت السمكة (المسكوفة) وبينما كنا على وشك الهجوم بلا هوادة كانت المؤشرات تقول بأنه سوف لن يبقَ منها شيء، وستصبح بخلال دقائق ... أثرٌ بعد عين! وقبل أن (نبلش) فاجأنا جرذ جبار ! وقف باستقامة واضعاً يداً على أحد قوائم الطاولة يسنده جرذ آخر دفع بجذع الأول بقوة ليستقيم أكثر وليطال سمكتنا الشهية. وبحركة دورانية بيده الأخرى ... نبتت بلبة السمكة (الله لا ينطيه العافية ولا ينومة ليل) لم تفِد وسط ذهولنا أقوى الضربات (بالقنادر) على رأسهما، فقد كانا متيقنين بأن سلوكهم سيربكنا واثقان بنفسيهما لا يستسلما أبداً ويعرفان أنهما ... مقززان ! طرحا سمكتنا بالأرض على التراب وأخذا حصتيهما بكل وقاحة وولى هاربان! انقلبت المنضدة الخشبية وفض المجلس وزعل من زعل وأشتكى من فاق من الصدمة لنترك بقية السمكة يتجمع عليها الذباب، غداءً شهياً للفتيان عمال الجلود. ... كانت عربة (الفلافل) هي الحل المؤقت الذي ستر جوعنا وملأ بطوننا ... بالغازات، عيوننا تجاه بقايا السمكة التي راحت ... تبكي ! مضيا الجرذان بحركة متناسقة وكأنهما تلقيا منا بدل (الكفخات) ... كل تشجيع! (3) جرذان... من تحديات العمل الهندسي هو كيفية النجاح بتذليل المشاكل التقنية التي تجابهه، لكن هذا ليس كل شيء، فقد درسنا وبصف رابع هندسة منهج (إدارة)، حينها حاضرنا أستاذ دكتور عراقي لا يتعدى عمره 25 سنة، أي قريب جداً من أعمارنا. عرّفنا بنفسه: دكتور جلال خريج جامعة بنسلفانيا ...(ولفضها بلكنة أمريكية ـ بن سيل فينية). علق الطلبة: إحنة ناقصين دروس بالهندسة، تنطونا أدارة واقتصاد؟ قال: ممكن تكونوا بمشروع وكل الوسائل من آليات ومكائن وعمال وخبرة متوفرة، لكن هذه مجتمعة دون تخطيط محكم سيفشل المشروع، فما الحكمة بإنشاء مكبس تمور بالموصل، أو أن نبني سد عملاق على نهر صغير، سينجح العمل وتفشل الغاية من إنشاءه؟ صاحت الجماعة: صح دكتور ! المحافظة على المشروع وإدامته تحتاج تخطيط وجداول لإطالة العمر التشغيلي، فمثلاً وضمن اختصاصي بالبدالات، من أهم الأمور هو المحافظة على شبكة التوصيلات الهائلة من الكيبلات التي تربط أجهزة البدالة بالشبكة الوطنية (النت)، والتحدي الهام هو في صعوبة صيانتها داخل مبنى البدالة فيما لو تعرضت لضرر بفعل فاعل ! من هو الفاعل، المخرب الذي يعبث بها ، أبوابها موصدة وتقع تحت حراسة مشددة؟ الجرذان هي المتسلل الوحيد وهي الخطر الحقيقي الذي واكب تطورها، وهنا جرب المعنيون مجموعة حلول، ففشلوا بتربية القطط ونشرها، حيث بملاحقتها فوق التوصيلات يمكن أن تتسبب باضراراً أكبر، استعمال مبيدات كيميائية مركزة فيه خطر نفوق الجرذان فيؤدي بمشاكل صحية وروائح كريهة تعم المكان. اليوم ننفق الكثير من الدولارات من أجل تحصين البدالة من عدوها الأول ... الجرذان، كيف؟ تقوم بدالاتنا على أرضيات ثانوية بارتفاع متر تنصب فوقها (دواليب) مفتوحة من الأسفل لينفذ تيار الهواء للأعلى فيبرّد الأجهزة ابتداءً من (البور سبلاي) وصعودا إلى مكونات تبريد كارتاتها (الهيت سنك) بدون استخدام مراوح لأنها مفتوحة من الأعلى لينفذ الهواء بأتجاه فضاء القاعة لتقوم أجهزة تبريد ضخمة بسحب الهواء وتدفعة بقوة هائلة تحت وبدرجة حرارة (صفر مؤي)، درجة حرارة كافية لتحييد نشاط لأي حياة وأي جرذ ! (4) أيضاً جرذان... تعاني المدن من مشكلة الجرذان، وهي تعتبر من التحديات الأولى في المدن القديمة وأحد الأسباب لانهيار صروح وآثار، وربما حقيقة انهيار سد (مأرب) باليمن تعزز ذلك. في المدينة التاريخية فينيسيا (البندقية)، تحفر الجرذان أنفاقاً بطول (مئات) الأمتار تحت المباني المتهالكة أصلاً، ولكون مستوى سطح البحر أعلى من أساساتها وطوابقها الأرضية بعض الأحيان، فأن نفقاً واحداً لو نفذ للبحر، سيجد صاحب الدار في الصباح وقد غمرت المياه أقبية بيته من خلال شبكة أنفاق تحفرها الجرذان للتواصل، وفي يوم وليلة يهجره ساكنيه لتسرح الفئران وتمرح به، حتى يتم علاج التخسفات ومكافحتها. في نيويورك يعيش حوالي 15 مليون نسمة و 20 مليون جرذ، أي حصة المواطن الواحد (جرذ ونصف)، وإذا كان البشر قد احتل ما فوق الأرض بارتفاعات مبانيها الشاهقة، فأن للجرذان عالمها لتحتل من عمق مترين لعشرة أمتار تحت الأرض، ومع أنها لحد اليوم لا تشكل خطر حقيقي على أساسات ناطحات السحاب كما هو الحال في فينيسيا، إلا أنها (اي الجرذان) لا تسمح أياً ما كان مزاحمتها ومضايقتها بتلك المساحات الشاسعة وأنفاق التمديدات الكهربائية والمياه والصرف الصحي. اليوم يرضخ سكان المدينة الأولى بالعالم ... للتعايش معها أمام عدم نجاح أي مسعى لمكافحتها ! (5) وأيضاً جرذان... هولندا أو (نذر لاند) أو الأرض المنخفضة، ما مجموعه 23% منها تحت مستوى سطح البحر، وهي الأراضي أما المستصلحة من البحر أو من بتحييد شبكة الأنهار الواسعة فيه. (تيل) مدينتي الجميلة قريبة من حدود ألمانيا وتبعد عن روتردام والبحر مسافة 70 كم، ويمر بها أحد أفرع نهر الراين، وترتفع عن سطح البحر ستة أمتار فقط، وعالج الهولنديون عرض النهر عندها بتحديده بسدة ترابية ترتفع ثمانية أمتار، والماء في حالة الفيضان يصل لخمسة أمتار لا أكثر، حيث حينها تعمل شبكة معقدة تدار بالحاسوب بين هولندا وبلجيكا وألمانيا للسيطرة عليه ودرء أخطاره. السدود الترابية هذه (تحيد) بجدارة أي خطر على أحياء المدينة التي تقع دون مستوى النهر، في عام 92 يحكي لنا شيوخ (تيل) وعجائزها كيف ارتفعت مناسيب النهر لتتجاوز الستة أمتار، طمأن المحافظ سكان الأحياء الواطئة فقد أخذت البلدية كافة التحوطات وقال لا يوجد تهديد، لكن ما لم يحسب له أن الماء قد تدفق من (ثغرات) في الساتر! أخلوا نصف المدينة من ساكنيها وتكللت اتصالاتهم وجهدهم الهندسي بمعالجة الطارئ ونجحوا بذلك، وما أن انجلى الموقف حتى وجدوا أن جرذاناً تسكن الساتر بمستوطنات محددة، هي التي تثقب الساتر للتصل ضفة النهر. ولأجل منع تكرار التهديد، قامت البلدية بمشروع كبير وبتكلفة باهضة لبناء حاجز كونكريتي وسط السدة الترابية، وتنفست المدينة الصعداء. (إلا) أن جدالاً في المدينة على صفحات الصحف المحلية أثيرَ، فجمعيات الرفق بالحيوان تقول بأن الساتر يمنع (التواصل الاجتماعي) لعوائل الجرذان مع بعض، ويقولون بأن البشر هو (المتطفل) على بيئتها الأصلية، فالجرذان تقطن المنطقة قبل أن نحتلها نحن البشر ومن حقها أن تبقى تعيش وتتواصل! إلا أن الناطق باسم البلدية رد عليهم بأن الساتر نحن من انشأناه، وهو بذلك ليس موطنها الأصلي، ومن حق البلدية التحوير به حسب مقتضيات السلامة لمواطنيها. وحسمت البلدية النقاش، لكن محافظنا قال... (لا اعتراض فيما لو سلكت الجرذان رصيف الممر الخاص للسيارات وهو عالٍ بما يكفي لتأمين المدينة، لكن البلدية ـ والكلام للمحافظ ـ غير مسئولة عن حوادث السيارات لصغار (الجريدية) في الليل، كونها عديمة خبرة، كما أن البلدية غير مستعدة لكتابة لوحات تحذيرية، لا للسواق ... ولا للجرذان !).
عماد حياوي المبارك
#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)
Emad_Hayawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقول من تراب
-
طوكيو تحت الصدمة
-
وصيّة البابا البطران
-
طليان
-
صغيرة على الحب
-
هدم زبناء
-
حياة متألقة ووفاة هادئة
-
الورث الذي سأتركه
-
أغضب ... كما تشاء
-
المايسترو
-
الرجل الذي يعرف قدر نفسه
-
الغزو مستمر
-
أبو السَّحِب
-
بانكوبان
-
خرابة بارتي
-
رون وآسو ... والآخرين
-
أسماء في الممنوع
-
دوامة عمرها مائة عام
-
انقلابات لا تنتهِ
-
منازلة أم المعارك
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|