السؤال الذي نهتم بتناوله هنا ليس أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي سواء كدولة أو كقطب دولي، بل طبيعة النظام الدولي في ظل نظام القطبية الثنائية (1945 - 1989) وتحولات المشهد الدولي التي استتبعها تكون نظام القطب الواحد خلال العقد المنصرم من عمره.
الواقعة الأولى التي تفرض نفسها على المتابع هي تزايد النزاعات وتنامي العنف في العلاقات الدولية بعد عقد كامل من تكون "نظام دولي جديد" يتحدث عن حل النزاعات الدولية بطرق تفاوضية وسلمية ويبشر بالسلام العالمي. وما يجعل من هذه الواقعة مفارقة هو أن النظام الدولي بين نهاية الحرب العالمية الثانية ونهاية ثمانينات القرن العشرين كان نظاما أكثر تعددا وديمقراطية رغم أن القوة العظمى التي نتج النظام الدولي الراهن عن هزيمتها، أي الاتحاد السوفياتي، كانت دولة شمولية ومستبدة. السؤال الذي يجسد المفارقة هو: ترى كيف تقود الغلبة العالمية لقوة عظمى ديمقراطية (الولايات المتحدة) إلى نظام دولي غير ديمقراطي، بينما كان وجود قوة كبرى غير ديمقراطية (الاتحاد السوفياتي) مقترنا بهامش ديمقراطي معقول على الصعيد العالمي؟ ولماذا قاد حذف قوة عظمى غير ديمقراطية من المشهد العالمي إلى تنامي الوحدانية ونزعات السيطرة والعنف في النظام الدولي بدلا من تراجعها المفترض منطقيا، وهو التراجع الذي بشرت به كثيرا عقيدة القطب المنتصر تحت اسم النظام العالمي الجديد؟ ولماذا لم يؤد انتصار قوة عظمى ديمقراطية إلى تعميم الديمقراطية عالميا، وهو ما كان يأمله عدد غير قليل من الناس في بلادنا وغيرها؟ وأخيرا لماذا تختلف سلطة الولايات المتحدة كدولة (ديمقراطية) عن سلطتها كقطب دولي (غير ديمقراطي)، ولماذا كان لوجود الاتحاد السوفياتي أثرا ديمقراطيا موضوعيا على النظام الدولي رغم أن الدولة السوفياتية لم تكن ديمقراطية؟
نفترض أن الجواب على هذه الأسئلة المترادفة غير معقد: إن ديمقراطية النظام الدولي تتعلق بتوازن القوى المكونة له والمؤثرة فيه لا بطبيعة هذه القوى ولا بنظمها السياسية ولا بإيديولوجياتها. بمعنى آخر ليس هناك علاقة ضرورية بين أيديولوجيات الفاعلين الرئيسيين عن أنفسهم وعن المسرح الدولي وبين حقيقة ما يتم على هذا المسرح. لذلك نتحدث عن ديمقراطية موضوعية لنظام القطبين لا عن ديمقراطية مقصودة وواعية ومرادة بذاتها. وهذه الديمقراطية ثمرة التوازن حتى لو كان بين فاعلين دوليين (بالمثنى أو الجمع) غير ديمقراطيين كما كان حال النظام الأوربي بين هزيمة نابليون والحرب العالمية الأولى (مع انقطاع وجيز مثلته الحرب الفرنسية البروسية عامي 1870 و1871).
لقد انهار التوازن الدولي المرتبط بنظام القطبين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. ولما كانت كل سلطة نزاعة إلى التوسع والشمول بحكم منطقها الذاتي الأصيل ما لم تواجهها سلطة أخرى موازنة، وفقا لأحد أهم قوانين العلم السياسي، فإن سلطة الولايات المتحدة ستمتد وتتوسع مستفيدة من غياب العوائق في وجه توسعها. وما كان لهذا التوسع غير المكبوح وغير المعدّل وفرض الإرادة الأمريكية على القوى الأخرى إلا أن يكون على حساب التعدد السياسي والتنوع الثقافي العالمي، وبالتالي معاديا للديمقراطية، حتى لو تم تحت شعار تصدير الديمقراطية وسيادة القانون والشرعية الدولية. بل إننا نميل إلى اعتبار النظام الدولي الخاضع للسيطرة الأمريكية نظاما شموليا، أي نظام استبداد عقائدي تلعب فيه الدولة الأمريكية دور الحزب الواحد المعصوم.
يدفعنا إلى هذا الاعتبار تشديد القطب الأمريكي على تفوق حضارته وسمو عقائده ونزوعه المتزايد إلى فرض قيمه وأذواقه ورموزه، أي انطباق السمة الأساسية للنظم الشمولية عليه، أعني المزج بين احتكار السلطة واحتكار الحقيقة أو التوحيد بين السلطة السياسية والسلطة العقدية. من هنا نزوع هذا النظام إلى اعتبار ذاته نهاية التاريخ، ذروته وختامه.
حدود التوازن الدولي
لكن يجب ألا يفوتنا أن التوازن الدولي بين يالطا 1945 وهدم جدار برلين 1989 كان توازنا محدودا جدا في الحقيقة. فالاتحاد السوفياتي، خلافا لما كانت تهوّل به وسائل الإعلام الغربية المسيطرة، لم يكن نداً للولايات المتحدة إلا في المجال العسكري، بل إنه حتى في هذا المجال كان متأخراً بالفعل. هذا الواقع سيغطي عليه المفعول الردعي للأسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات الذي ألغى قيمة التفاوت في القوة التدميرية ما دامت كل من القوتين قادرة على تدمير الأخرى بل والكوكب الأرضي برمته. ولا شك ان تراجع القوة العسكرية الروسية النسبي (والمطلق أيضاً) يرجع إلى أن السلاح النووي لم يعد السلاح المطلق بعدما حققته الولايات المتحدة وتحققه من نجاحات في عسكرة الفضاء في إطار مبادرة الدرع الصاروخي التي تستأنف بصورة مختلفة مشروع حرب النجوم الريغانية. وهناك رباط قوي، وإن لم يكن حصريا، بين المشروع الريغاني وبين خروج الاتحاد السوفياتي مهزوما من الحرب الباردة لأنه لم يعد قادرا على مجاراة الولايات المتحدة. بعبارة أخرى هدد مشروع حرب النجوم بخفض مرتبة السلاح النووي السوفياتي إلى سلاح شبه تقليدي بما يخل إخلال شديدا بتوازن الرعب الذي انبنى عليه توازن نظام القطبين.
لذلك، أي بسبب غياب الندية، كان الاتحاد السوفياتي بالذات، وخصوصا معسكره، خاضعا للاستقطاب والجذب. ولم يتمكن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أواسط الثمانينات من القرن العشرين من مقاومة الاستقطاب إلا بالمزيد من التوظيف في القوة العسكرية والسعي وراء تعظيم المفعول الردعي لأسلحة الدمار الشامل. هذا هو الفخ الذي سقط فيه الاتحاد السوفياتي وقاده إلى السقوط والخروج من المسرح الدولي في النهاية. فالتوازن الذي ضمنه التسلح على المدى القريب سيكون على حساب تنمية أبعاد الحياة الأخرى، وفي النهاية على حساب البقاء بالذات. وما جعل النزيف السوفياتي خطيرا بشكل خاص هو الانفصال العميق بين الصناعة العسكرية والصناعات المدنية قي نموذج التخطيط والتنمية السوفياتي، بحيث أنه لن تكون للتقدم المحقق في المجال العسكري مفاعيل محرضة للاستثمار ومسرعة للنمو في الميادين الأخرى، الإنتاجية والاستهلاكية. أكثر من ذلك كانت الصناعات العسكرية السوفياتية عبئا على الموارد الاقتصادية الأخرى، وتسببت في تشوهات هيكلية قاتلة في النموذج التنموي كالضعف المدهش في صناعات الاستهلاك اليومي وتخريب الزراعة التي كانت المصدر الأول لتمويل صناعة الدفاع المكلفة.
بالمقارنة لم تكن الصناعة العسكرية الأمريكية وثيقة الارتباط بالصناعات المدنية فحسب بل هي في الواقع القاطرة التنموية الأساسية في الاقتصاد الأمريكي. فميزانية البنتاغون الهائلة تتحول عبر عقود وزارة الدفاع إلى عدد كبير من الشركات التي تعمل في مجالات فائقة التنوع. ومعلوم أن الممول الأهم للابتكارات العلمية والتقانية في العالم، وخصوصا في مجال الحواسيب والمعلوماتية وصناعات المستقبل، هو وزارة الدفاع الأمريكية. معلوم أيضاً أن شبكة الانترنت بالذات، وهي ثورة حقيقية في وسائل الاتصال على الأقل، ثمرة مدنية لمشروع عسكري سري من مشروعات البنتاغون. أما التفوق الغربي الحضاري والثقافي فضلا عن تكامل بنية التسلح الأمريكي كيلا نقول تفوقها الأكيد على نظيرتها السوفياتية فلا جدال فيه رغم أن الإيديولوجيا السوفياتية نجحت في تضليل نفسها تضليلا شديدا في هذه النقطة.
إذاً باختصار، دفع الاتحاد السوفياتي ثمنا باهظا للمشاركة في نظام السيطرة الدولي هو الخروج من نظام الهيمنة الحضاري والمادي والثقافي العالمي، ثم الخروج النهائي من المنافسة العالمية. ولم يكن خطأ النخبة السوفياتية في تغليبها لدور القوة وامتلاك القوة في العلاقات الدولية بل في مفهومها الضيق للقوة كقوة عسكرية محض مع إغفال أو عدم الاهتمام الكافي بأبعادها الآخرى، الاقتصادية والمعرفية والمعنوية. فالحقيقة التي قد تعجبنا أو لا تعجبنا هي أن العالم الحديث، ومنذ الكشوف الجغرافية على الأقل، يقوم منهجيا ومنظوميا على القوة ويعترف بتوازن وحيد هو توازن القوى. لذلك ارتكب غورباتشوف خطأ جسيما لا يجوز لرجل الدولة أو للقائد السياسي أن يقع فيه حين بشر بنظام عالمي يقوم على توازن المصالح بدلا من توازن القوى. الخطأ هو الأمل بتوازن المصالح بصرف النظر عن وقائع وعلاقات القوة بدلا من بناء توازن المصالح على توازن القوى. لذلك لم يخسر الاتحاد السوفياتي ثم روسيا من بعده سباق القوة بل وسباق المصالح وفرص البقاء بالذات.
المفعول الديمقراطي للتوازن الدولي
مع ذلك أتاح التوازن الدولي بين أواخر الأربعينات وأواخر الثمانينات للعالم فرصة لنزع الاستعمار وعدم الانحياز. وأمن للبلدان الجديدة مناخا مناسبا لبناء الدولة والهوية الوطنية والقاعدة المادية لها. كما ساهم إسهاما مباشرا في خلق بيئة دولية آمنة نسبيا كان يمكن الإفادة منها لاستكمال برنامج التحرر الوطني. وأهم من كل ذلك أتاح التوازن الدولي تكثير الخيارات المتاحة أمام نخب الدول الجديدة على صعد نماذج التنمية والنظام السياسي والتحالفات الدولية. ويخيل لنا أنه لو لم تستكمل عملية نزع الاستعمار من أفريقيا في أواسط السبعينات لما تحققت أبدا، خصوصا في ظل ما نشهده في السنوات الأخيرة من إعادة الاعتبار للإيديولوجيا الاستعمارية. وبالطبع ما كان لحركة عدم الانحياز أن تتكون وتعبر عن تطلعات لا تزال جديرة بالمستقبل نحو العدالة والمساواة بين الأمم. إذاً لا جدال في الطابع التعددي للنظام العالمي ثنائي القطب، أي في حيازته على بعد أساسي من أبعاد الديمقراطية. لا يغير من هذه الحقيقة أن عددا قليلا فقط من بلدان العالم الثالث هي التي عرفت كيف تستفيد من هوامش الحرية التي أتاحها نظام القطبين.
وبحكم مضمونه الديمقراطي والمساواتي الموضوعي جعل التوازن الدولي البلدان الأضعف تبدو أقل ضعفا, والبلدان الأقوى أقل قوة. فقد كانت الجماهيرية الليبية مثلا تدعم الجيش الجمهوري الأيرلندي علنا في السبعينات من القرن الفائت، دون أن تتمكن بريطانيا العظمى أو تتجرأ على فعل شيء ضدها. وأمكن لمصر قبلها أن تصمد في وجه العدوان الثلاثي عام 1956. فالتحييد المتبادل للقوتين العظميين ولمعسكريهما مكّن الصغار من اللعب بقدر من الحرية إلى درجة التشبه بالكبار في حالة الجماهيرية العظمى على الأقل.
كذلك امتد مفعول التوازن الدولي إلى داخل كل من المعسكرين الكبيرين، فجعل من النخب السياسية الغربية أميل إلى السياسات الاشتراكية الديمقراطية (دولة الرفاه والتوسع في الإنفاق الاجتماعي) التي لن تجنح إلى التزعزع إلا في أوائل ثمانينات القرن العشرين على يد "الثورتين الريغانية والتاتشرية" وما بعدهما بما في ذلك كلينتون وبلير. على أن تأثير التوازن الدولي على النظم الداخلية للمعسكر السوفياتي كان أقل بسبب ضعف مرونته وقلة عقلانيته.
وما إن أخذ التوازن الدولي بالاهتزاز حتى طرحت السياسات والتحالفات والدول المهزومة أو التي ارتفعت عنها المظلة الحامية في السوق ولكن بأدنى من سعر السوق لا بأسعار مدعومة. واستطاع الأمريكيون والبريطانيون بسهولة أن "يمسحوا الأرض" بالجماهيرية العظمى. فما حصل للجماهيرية عام 1986 ثم للعراق عام 1991 ثم للشعب الفلسطيني منذ 1993 كي نقتصر على المنطقة العربية لا ينفصل عن انهيار التوازن الدولي في عام 1989 عملياً (خسارة الاتحاد السوفياتي لمعسكره) وإن تكن بوادره قد أخذت بالظهور منذ أواسط الثمانينات وبات غير قابل للانعكاس في عام 1991 (تفكك الاتحاد السوفياتي ذاته). كذلك فإن تنامي النزعات اليمينية في الغرب تحت اسم الليبرالية الجديدة يترجم عن تأثر التوازن الداخلي لتلك المجتمعات بانهيار التوازن الدولي.
الاستقطاب ضد التوازن
لكن الواقعة الأخرى المميزة لنظام القطبين والتي لا تقل أهمية عن التوازن هي الطابع الاستقطابي العميق للنظام. فبحكم قوانين الجاذبية السياسية والاستراتيجية التي تتمتع بها الأجرام الدولية الكبرى كان يتم اجتذاب كل النزاعات المحلية والإقليمية وتسخيرها لخدمة الصراع بين القطبين. وحتى الصراع العربي الإسرائيلي الذي لم ينشأ عن الحرب الباردة جرى استقطابه وتوجيهه ليندرج في الخطط الكونية للقوتين العظميين. فتوازن الرعب الذي يمنع الألعاب النارية بين الكبار لا يمنعهم من تغذية حروب الصغار وصولا إلى صنع حروب خاصة: حروب الوكالة (ومن أشهرها حرب أفغانستان ضد الغزو السوفياتي).
لقد وجدت معظم البلدان الحديثة أنها لا تستطيع صون حريتها إلا بالاستناد إلى إحدى القوتين العظميين أو بالمناورة واللعب على الحبل المتوتر للعلاقة بينهما، أي إلا بالتضحية جزئيا أو كليا بهذه الحرية. تعني هذه الحقيقة أن ما كانت تكسبه تلك البلدان بفضل التوازن الدولي كانت تخسره بتأثير الاستقطاب الدولي. وهذا في رأينا هو القانون الأساسي لتأثير نظام القطبين على بلدان العالم الثالث.
بيد أن هذا القانون ككل القوانين في مجال الشئون الإنسانية لم يكن فولاذيا. فهامش الحرية المتاح لبلدان القارات الثلاثة كان يتوسع أو يضيق حسب قدرة النخب الحاكمة في الدول الفقيرة الضعيفة على قراءة الأوضاع الدولية وبلورة استراتيجيات ملائمة للاستفادة منها. نقول ذلك لأننا نرى أن عددا غير قليل من الدول العربية لم تستثمر حتى سقف الحرية الذي أتاحه نظام القطبين، بينما تمكنت دول أخرى كالصين والهند من استثمار هذا السقف كاملا، الأمر الذي يشير إلى أهمية دور النخب الحاكمة في تحديد الأولويات في ظل واقع دولي معطى: أمنها ودوام سلطتها أم تحسين موقع بلدانها في النظام العالمي باعتباره الشرط الأثبت والأكثر عقلانية لتحسين مواقعها وثبات سلطتها في مجتمعاتها. بل إن هاتين الدولتين، وخصوصا الصين، لم تتعامل مع النظام الدولي كمعطى أصلا بقدر ما هو واقع تاريخي متغير، ولعل ذلك أحد أسباب النجاحات التي يحققها هذا البلد اليوم.
"بؤس العالم"
لا مجال للأسف على نظام القطبين أو التحسر على أيام الاتحاد السوفياتي والفرص التي لم نشعر بضياعها إلا بعد أن ضاعت وفات زمن استرجاعها. لكن يمكن الاستفادة من دروس زوال الاتحاد السوفياتي سواء في مجال نظمنا السياسية الداخلية أم في مجال العلاقات الدولية. فإذا صح التحليل السابق فإن فرص دمقرطة النظام العالمي مرهونة بالحد من الاوتوقراطية الأمريكية من جهة، وبالتحويل الديمقراطي للنظم التسلطية والشمولية الموروثة من الحرب الباردة والمستعدة للخدمة عند السيد العالمي اليوم. على أن هذا يبقى تحليل وليس حلا. وقد يكون من أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من مصير الاتحاد السوفياتي هو عدم وجود حلول كبرى على شكل عقيدة "كلية الجبروت لأنها صحيحة" (لينين، عن الماركسية) وشاملة لكل جوانب الحياة، أو على شكل حزب هائل مقدس في عين ذاته، أو على شكل ثورة عظمى تقطع مع "النظام القديم" كأنها مقصلة تقطع رأسا، أو على شكل قائد عبقري معصوم مرفوع فوق المرتبة البشرية. ولا تغير آفاق الأزمة العالمية الأكيدة من ضرورة الاستغناء عن الوصفات الإكسيرية السابقة رغم أنها تزيد من جاذبيتها ومن إغراء الاستسلام لها.
يبدو لنا ان هناك ثلاثة عناصر أساسية للعمل العام في هذه البداية البائسة للقرن الحادي العشرين. أولها التحرر من الوهم الخلاصي أو الإنقاذي الذي يثمر بالضرورة نظما قمعية مغلقة. وثانيها العمل على صعيد عالمي بما يقتضيه ذلك من التواصل مع الحركات الديمقراطية في بلاد العالم الأخرى والانتهاك التحتي لسيادة الدول. وثالثها الحاجة إلى رؤية مشتركة حافزة ومحرضة للخيال "تنتظم في تراث" حركات المقاومة والتحرر الوطني والديمقراطية.
كيف للتحرر من النزعة الخلاصية أن لا يقودنا إلى موقف ما بعد حداثي أو نزعات يمينية جديدة؟ كيف للرؤية الحافزة أن لا تتحول إلى خلاصية جديدة أو عقيدة مقدسة؟ كيف للعمل العالمي أن لا يثمر شكلا جديدا للكومنترن؟ هذه بعض أسئلة المستقبل وهواجسه.
__________
* كاتب سوري - دمشق