عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4682 - 2015 / 1 / 4 - 12:26
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اذن كان عصر أزمة عصر صراعات لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد تدفها للظاهر نفس الأسباب في كل مرة ولكن بأسلوب وشكل أخر من خلال ثورات وأنتفاضات وأحيانا هزات فكرية قاسية تحصد في طريقها الكثير من الأرواح والأعراض , لتنكفي وتعود مرة أخرى بوجه أخر ولكن تحت الرماد ,قد يكون للقسوة والحزم والعصبية العربانية التي سادت ثقافة السلطة ومثلت وجه الثقافة الإسلامية سبب مهم في تأجيج هذا الصراع , المسلمون الجدد الذين دخلوا الإسلام وحاولوا أن يتكيفوا معه ومن خلال الصورة الإنسانية التي ينقلها النص القرآني يصطدم بالممارسة الواقعية العنيفة من قبل السلطة وزبانيتها ,مما ولد إحساس ودافع جاد للتمرد وتوجيه كل الأنتقاد للإسلام كدين من خلال مواجهة السلطة .
ظهرت بوادر النزاعات الفكرية في المجتمع العراقي أولا في زمن الفتنة الأولى زمن الخروج على البيعة الشرعية في المدينة وما شكلته أنتقال الحكومة المركزية من المدينة المنورة إلى الكوفة أثر ما سمي بحروب الناكثين والقاسطين والمارقين وخاصة الأثار الفجاعية لمعركة الجمل وما تلاها أيضا من حروب معاوية ضد سلطة المدينية والكوفة لتشكل غطاء لمنهج مدرسة محافظة تعتمد النهج العنصري الإعرابي الذي يرى أن الإسلام هو قريش ومصلحتها وأن المسلمون مجرد تبع لقريش يسميهم الناس ,فكل الناس لقريش وليس على مبدأ كلكم من آدم وآدم من تراب الذي تبنته مدرسة المدينة _ الكوفة .
ليس عجبا أن تتمحور الأنتماءات بين نمطين من الولاءات ولاء طبقي عنصري سياسي يمثله خط الشام والقرشيين ممن دخلوا عام الفتح وسموا بالطلقاء ,كانوا الفئة الأكثر عداء للعنصر اللا عربي من بين المسلمين , يرون فيهم مجرد عبيد لسادة تفتحت لهم الفرص بدون حساب , صاروا ساديين تجاههم في مقابل شعور ثوري ومقاومة فكرية لمد لا يمكن الوقوف أمامة علانية وبصراحة ولا يمكن القبول به هكذا ,لقد قاومت الشعوب المغلوبة الإسلام السياسي من نفس مؤديات قوة الإسلام وهما الفكر الديني وقابليته على التغلغل الطبيعي بين الناس وتفتيت القوة الناشئة حضاريا فيه بما يسمى الدعوة بالحسنى للإسلام.
لقد كان عصر سيف بأمتياز هو عصر هزيمة المشروع القرآني وسنده الحديث النبوي ,خاض المجتمع بأفكار لم يألفها العرب سابقا من معتقدات ورؤى فكرية ونظريات مركبة وفلسفية وقد تم إستغلال المساحة الكبرى في قضية التأويل والتفسير القرآني وأعتمد منهج التفسير اللغوي والتاريخي للفكر القرآني وأستغلال الكم الهائل من الروايات السياسية التي تم تأليفها وتحويرها لتكون عنصر قتالي في المعركة بين الشام والعراق لنصرة هذا التوجه أو الرد علي , لقد كانت العوامل السياسية أيضا ناضجة بما يكفي لمد هذا الصراع بمسوغات وأفكار ومبررات نضجت تماما وتمحور حول مفهوم المظلومية والحق والباطل وشكل الجهاد وأسبابة خاصة بعد معركة طف كربلاء عام 61ه.
تم البدء في وضع الحديث والهجوم على الإسلام من خلال هذا الطريق وهدم وتحريف الكثير من عقائد المسلمين بأعادة أنتاج أفكار ثنيوية وغنوصية وأسرائليات تدفقت بكثرة من خلال بعض الرواد من دخل الإسلام بعد وفاة الرسول وتزعموا حركة التفسير واللتأويل بأعتبارهم أصحاب كتاب ,وهو سعي لم يتوقف أبدا من أوائل عهد بني أمية وأستمر كمنهج وكأسلوب لهذه المدرسة التي تغنت بأمجاد بني أمية بالرغم من أنه عصر أنتقال الخلافة للعباسيين العدو اللدود لبني أمية ولأثارهم ووجودهم .
فنجد إن المؤرخين يتعجون من هذا التمجيد مع الوضع السياسي الذي عاش فيه سيف ورهطه من واضعي الحديث والممجدين للأمويين((إنّا وجدنا أحاديثه طافحة بمدح الامويين والتغنّي بأمجادهم واختلاق أساطير كثيرة لنشر فضائلهم ومناقبهم، وخلو أحاديثه من ذكر العباسيين في قليل أو كثير، وهذا يدلنا على أن أحاديثه وضعت قبل العصر العباسي وفي أخريات العهد الاموي، أي في الربع الاول من القرن الثاني الهجري فإن أوائل العهد العباسي كان عصر التقتيل الجمعي للامويين والفتك بهم وبأنصارهم ونبش قبورهم وهدم دورهم،ولم يكن عصر اختلاق أمجاد لهم وثلب مناوئيهم من كبار الصحابة والتابعين،كما هو شأن أحاديث سيف)) .
أما في موضوع نقل الأحاديث ووضعها,فبعد جهود اليهود من نقل الأسرائليات وأدخال قسم كبير من مفاهيمهم الدينية والعقدية وألباسها اللباس الإسلامي جاء دور الزنادقة والفرق الباطنية الأخرى والمذاهب الفاسدة لتكمل المشوار لتهدم البقايا من معتقدات المسلمين حتى أضحت جزءاً لا يتجزء من عقائدهم,فقد ذكر المؤرخون مثلا ماروى المفضل بن عمر ,والحديث مفصل ذهب المفضل الى الامام الصادق عليه السلام فأملى عليه ثلاثة أيام في التوحيد.)((أَنَّه سمع في مسجد الرسول صل الله عليه وأله وسلم صاحب ابن أبي العوجاء يقول له (إنَّ محمّداً استجاب له العقلاء،وقرن اسمه في الاذان باسم ناموسه فقال له ابن أبي العوجاء:دع ذكر محمّد،فقد تحيّر فيه عقلي، وحدِّثنا عن ذكر الاصل الذي جاء به(الحديث),هذا شيء مما جاء من مناظراته،وفي ترجمته بلسان الميزان انه كان في البصرة،وصار في آخر أمره ثنوياً،وكان يُفسد الاحداث فتهدَّده عمرو بن عبيد،فلحق بالكوفة،فدلّ عليه محمّد بن سليمان والي الكوفة فقتله وصلبه)) .
لقد كان يف بالرغم من زندقته المشهورة والتي لم ينكرها أحد من المؤرخين وكتاب السير عنه إلا إن أنحيازه الأعمى لبني أميه مع نهايات عصرهم تشكل ظاهرة تبدو متناقضة للقارئ العادي ,فبين الأمويين منهج والزنادقة صراع يتعلق بهوية الدولة وشكلها وفعلها التاريخي, لكن سيف تمكن من خلال فهمه أصول فكر الزندقة أن يحور الخلاف الطبيعي والصراع المحتمد في المجتمع لصالح الفكر الزندقي بتبني منهج أموية الدولة ليكون عامل مناقض قوي يستوجب ظهور ند مقابل بنفس القوة يسعى لفعل العكس ويصارعه على المعطيات والنتائج .
إنها أشبه بالمنهج التوراتي القائم على تحريض المجتمع على الإنقسام من خلال تقوية جذور الصراع وتفعيلها والأنحياز بقوة لصالح طرف يملك قاعدة غير حقيقية وغير قابلة للصمود مقابل أن تتمكن الجهة الأخرى من النزول هي أيضا بقوة لتشكل محاور صراع داخلي يستنزف الطرفين دون أن يعلن عن أنتصار تأريخي ومتسلح بالدهاء الفكري والتأويلات الغير قابلة للتطابق او التوحد على أس مشترك .
لقد دفع هذا الصراع إلى ظهور ثقافة جديدة متشحة بالإسلام عنوانا ولكنها لا تملك من الفكر الإسلامي إلا القشور التي لا تتعارض مع مجريات وخطوط هذه الثقافة الغربية على مجتمع بني أساسا على فكرة التسامح والحرية التي جسدها أخر الخلفاء الراشدين حينما كان يحاور ويسمع ويجيب على كل الإشكالات الفكرية وبذلك تمكن من الوقوف بوجهها بالإسلوب العلمي الحضاري , لكن سقوط دولة الخلافة وركوب بني أمية الذين كان السلاح هو عنوان المواجهة والقتل والتهجير والحروب أسلوبهم دون أن يتمتعوا بالحجة والمنطق الفكري زاد من حدة المواجهة وأصبج الجو أكثر مثالية لهذه الثقافة بالأنتشار والتوسع.
أبن أبي العوجاء الذي يمثل قمة هذه المدرسة وهذه الثقافة كان صريحا وفاعلا وشكل وسيف ركنين مهمين منها ,حتى في قضية ما أورده الطبري الذي هو الناقل الأمين لأفكار هذه المدرسة والأمين المحافظ على تراثها قد نقل في كيفية قتله ما رواه في حوادث عام 155ه قال:((إنَّ والي الكوفة محمّد بن سليمان،كان قد حبس عبد الكريم بن أبي العوجاء على الزندقة،فكثر شفعاؤه عند الخليفة المنصور،ولم يتكلّم فيه إلاّ ظنين متّهم،فكتب إلى محمّد بن سليمان بالكفّ عنه إلى أن يأتيه رأيه،وكان ابن أبي العوجاء قد أرسل إلى محمّد يسأله أن يؤخّره ثلاثة أيام ويعطيه مائة ألف،فلما ذكر لمحمّد أمر بقتله،فلما أيقن أنه مقتول قال(أما واللّه لئن قتلتموني،لقد وضعت أربعة آلاف حديث أُحرِّم فيه الحلال وأُحِلُّ فيه الحرام،واللّه لقد فطَّرتكم يوم صومكم، وصوّمتكم في يوم فطركم) .
لقد أجمع المؤرخون والكتاب القدماء والمعاصرين كما أجمعوا على خطر وأهمية تراث أبن أبي العوجاء المنحرف على أن سيف أيضا كان زنديقا ليس بأقل خطورة ولا أقل شأنا من عبد الكريم ,بل متهما بدينه وفكره ومنهجه الأحترافي الذي ركز في كتاباته التأريخية على الحوادث التي أطاحت بوحدة المجتمع ومنهجية الرسالة وخاصة ما يتعلق بالحروب التي خاضها الإمام علي الخليفة الرابع مبررا كل ما يمكن أن سبة أو أظهار للمخالفة والخروج عن إمام الزمان داعما ذلك كله بروايات لم يتسنى لأحد تأكيدها بالشكل الذي أورده ولا بأبطالها التاريخين الذين أختلقهم وسوقهم ليكونوا شاهد أثبات لأحقيى المنهج المطروح في كتاباته .
بالرغم من أن كتابيه حروب الردة والجمل لا زالت مصدرا للكثير من الروايات التي تحكي قصة حروب الردة تهاونا من الناس أو لمقاصد سياسية أو فكرية هدفها إن كان بأي وصف لنوايا من نقل عن سيف موضوعاته ورواياته إلا أنها أصبحت جزرء من تأريخنا ولم يتحرج الكثير من إسناد ما يروي سيف وما وضع من أحاديث في زمنه منه ومن الزنادقة كأبن أبي العوجاء حتى ألتبس على الناس دينهم وتأريخهم أضافة إلى ذلك الأساطير التي يرويها والتي تجانب العقل السليم فضلا عن المهنية التأريخية في نقل الأحداث.
ومثال لذلك لما أراد أن يذكر حروب الردة نجد من تهويلات ما روى في روايات قصيرة له أوردها الطبري منها(حدثني عبيدالله قال حدثنا عمى قال أخبرنا سيف وحدثني السري قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن المجالد بن سعيد قال:لما فصل أسامة كفرت الارض وتصرمت وارتدت من كل قبيلة عامة أو خاصة إلا قريشا وثقيفا.قال الطبري: وحدثني عبيد الله قال حدثنا عمى قال أخبرنا سيف وحدثني السرى قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن هشام ابن عروة عن أبيه قال:لما مات رسول الله صل الله عليه وأله وسلم وفصل أسامة ارتدت العرب وعوام أو خواص وتوحى مسيلمة وطليحة فاستغلظ أمرهما واجتمع على طليحة عوام طيئ وأسد وارتدت غطفان... الخ .
كل الروايات التاريخية تركز على كفر العرب وقبائلها إلا قريش وثقيف لأسباب سياسية لتوحي أن حقيقة الإسلام الذي وطد أركانه في عصر الرسول بالموعظة الحسنة وبالحسنى لا يمكن أن يكون حقيقيا وجادا وناجحا ما لم يقترن بسيف قريش ومعللا ذلك أن الإسلام ليس سوى وجه أخر للإحتلال والسيطرة العسكرية على المجتمعات المغلوبة وبالتالي نفي فكرة إلهية الدين وسماوية المنهج ,إنها أعلان لموت الإسلام الرسالي الإنساني ودعوة صريحة لبناء أمبراطورية عسكرية عنصرية عنوانها قريش ورايتها سيف ورمح .
في أول أخبار الردة، قال سيف فيها:كفرت الأرض بعد خروج أسامة لغزوة مؤتة، وتضرمت ناراً،وارتدت العرب من كل قبيلة خاصتها أو عامتها إلا قريشا وثقيفا،ثم ذكر ارتداداً في غطفان،وامتناع هوازن من دفع الصدقة،واجتماع عوام طي وأسد على طليحة،وارتداد خواص بني سليم، وقال"وكذلك سائر الناس بكل مكان" وقال:وقدمت كتب أمراء النبي من كل مكان بانتقاض القبائل خاصتها،أو عامتها .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟