|
العناصر الأساسية للاشعور
يحيى محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4681 - 2015 / 1 / 3 - 21:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يحيى محمد للاشعور عناصر أساسية نعتقد أنها تتحدد بثلاث مساحات أو عوالم مختلفة، هي: الفعل والإنفعال والتعتيم، وذلك كالتالي: فهناك العنصر النشط الفعال، وهو الذي يعمل على تزويدنا بالخواطر والأفكار والإبداعات والميول والمزاج من دون وعي منا، بل وانه يقوم بايقاظنا عندما نريد ان نستيقظ في وقت معين خلال النوم، وقد يقوم بتنبيهنا خلال هذه الحالة عندما تنطلق كلمة من شخص ما تحمل أهمية خاصة بالنسبة لنا. ولدى صغار العمر يقوم هذا العنصر باسترسال الخواطر ضمن ما يعرف بأحلام اليقظة. كما هناك العنصر المنفعل، فقد يكون منشأ الإنفعال داخلياً في صميم اللاوعي من دون اكتساب من الخارج. ويضاف إليه ما ينساب إلينا من أشياء خارجية مكتسبة بلا وعي منا. فقد تترسخ هذه الأشياء بعد اندساسها في النفس، وقد تنشط وتفعل أفاعيلها من دون وعي؛ تبعاً للعنصر الأول النشط. ويعود إلى هذا الصنف ما يتعلق بالقضايا المكبوتة.. فهي رغبات باطنية لا تقوى على الظهور بفعل الطابو والقهر الإجتماعي، لكنها تظل متأهبة للظهور عند سنوح الفرص المناسبة، وقد تظهر هذه الرغبات في صور متنكرة مختلفة، ومن خلالها يظهر الابداع وفق تصور مدرسة التحليل النفسي، كما من خلالها تظهر هفوات اللسان وزلات القلم استناداً إلى العنصر النشط. ومما يذكره فرويد حول الحالة الأخيرة أنه كان هناك سفّاح أوهم الناس بأنه اختصاصي في دراسة الجراثيم، فكان يحصل من المعاهد العلمية على جراثيم مزروعة ذات أثر مرضي شديد الخطورة، ويسخر هذه المزروعات للقضاء بمثل هذه الطريقة العصرية على من تجمعهم وإياه صلة جوار من الناس. وقد وجّه هذا الرجل يوماً إلى إدارة معهد رسالة يتشكى فيها من عدم فعالية المزروعات التي أرسلت اليه، لكن قلمه كبا به فكتب: «في تجاربي على الجيران»، بدلاً من «تجاربي على الفيران». وقد استرعت هذه الزلة انتباه أطباء المعهد المذكور، لكن من دون ان يستخلصوا منها اي استنتاج . كذلك هناك العنصر المعتِّم، والذي يعمل على إغفالنا للأفكار والأفعال والأشياء التي نتفاعل معها، وقد يكون للعنصر الأخير من النشاط ما لا يجعلنا نشعر بالمخاطر، بل وبما يصيبنا من مكاره وشدائد، كالذي يتعرض له الصوفية عبر نشاطات الدروشة وما شاكلها من فعاليات. فمثلاً كثيراً ما تكون عقائد الناس محجوبة ومعتّم عليها نتيجة الرواسب اللاشعورية، بدلالة انه قد يحصل للفرد هزة من الوعي بها أو ببعضها فيعجب كيف انطلى عليه وهم العقيدة مع ان حقيقتها ظاهرة للعيان دون أدنى شك . فما الذي يجعل الفرد لا يرى الحقائق كما هي رغم ان حقيقتها واضحة غاية الوضوح؟ فما ذلك إلا بفعل التعتيم اللاشعوري، حيث يصاب المرء بنوع من العمى نتيجة الفعل المعتم للاشعور. وكما جاء في القرآن ((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) . وينطبق هذا الحال على الخداع السياسي الذي تصاب به الشعوب عادة، ففي بلداننا العربية مثلاً كثيراً ما تكون الجرائم الكبيرة لبعض السياسيين محجوبة في اللاشعور لمجرد انه يقوم ببعض الأعمال التي ترضي الوجدان الشعبي، من قبيل الصراع مع أمريكا، أو تهديد اسرائيل. ومن حيث اللاشعور إن الناس لا ترغب في أن ترى الحقائق الإجتماعية والدينية كما هي، وما يهمها هو ارضاء ما ترسّب لديها من قضايا تألفها، فتحب وتغضب لهذه الرواسب، دون أن يكون لذلك علاقة بالبحث عن الحقيقة الموضوعية. فالمبالغة في تمجيد الشخصيات التاريخية، أو الحكم عليها بأبشع حالات الإجرام، كثيراً ما يخضع إلى هذا الهوى اللاشعوري؛ بعيداً عن العلاقة بالواقع الموضوعي. وهنا نفهم طبيعة الصراع السني الشيعي الدائر حول عدد من الشخصيات التاريخية. فالدفاع والهجوم محموم بهوى الترسبات اللاشعورية، والهدف اللاشعوري من ذلك هو ارضاء هذه الأصنام المترسبة كعقيدة محجوبة من غير أن يكون لها صلة بحقيقة ما عليه تلك الشخصيات. ووفق التقسيم السابق للاشعور فإن سمة (العقل الباطن) تناسب العنصر الأول النشط فحسب، ولا مجال لتمديده إلى العنصرين الآخرين. يضاف إلى ان العنصر الأول منقسم إلى ما له علاقة بالعقل فيجوز اطلاق سمة العقل الباطن عليه، والى ما لا علاقة له بذلك، كالنشاط المتعلق بالميول والمزاج. وبالتالي تصبح عناصر النفس اللاشعورية أربعة هي: العقل الباطن والفعل (النفسي) والإنفعال والتعتيم. والملاحظ ان ما نسميه بعالم اللاشعور هو مساحة عامة لعوالم مختلفة قد لا يكون لبعضها علاقة بالبعض الآخر. فعالم العقل الباطن والخواطر المعرفية الحدسية لا علاقة له بالأمزجة والعنصر المعتم السالف الذكر. وسبق لفرويد أن اعترف بوجود عنصر للاشعور غير ذلك المتعلق بالكبت، ويسميه (ما قبل الشعور) أو (قبل شعوري)، ويعرفه بأنه كامن ويمكنه ان يكون شعورياً من دون مقاومة، لذلك فهو لاشعوري بالمعنى الوصفي فقط، وليس بالمعنى الديناميكي الذي يتصف بالكبت ويلقى مقاومة كي لا يظهر على مسرح الشعور. وبالتالي فهناك الشعور وما قبل الشعور واللاشعور الكبتي. فكل ما هو مكبوت فهو لاشعوري، وليس العكس صحيحاً، أي ليس كل ما هو لاشعور مكبوتاً، فما قبل الشعور ينتمي إلى عالم اللاشعور وإن كان لا يعود إلى المكبوت. فمثلاً ان العمليات العقلية الدقيقة والمعقدة التي تتطلب في العادة انتباهاً شديداً من الممكن ان تحدث بما قبل الشعور من دون ان تظهر في الشعور، كالذي يحدث أثناء النوم، أو عندما يجد شخص ما عقب استيقاظه مباشرة حلأ لمشكلة رياضية صعبة، أو أي مشكلة أخرى كان يحاول حلها عبثاً في اليوم السابق مثلاً. وعموماً يتصف ما قبل الشعور بالصور اللفظية، وهي الآثار الباقية في الذاكرة، وقد كانت في وقت ما مجرد إدراكات حسية، لذلك فإن من الممكن أن تصبح شعورية مرة أخرى .
#يحيى_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقائق اللاشعور
-
المعرفة العقلية والانطباعات النفسية
-
الإعجاز الفلسفي للإدراك
-
أوهام بيكون والاضافة الجديدة
-
عذاب الآخرة والحفر في الصخر!
-
المفكر الصدر ومذهبه الجديد في المعرفة
-
إحياء.. تجديد.. إصلاح..
-
وظائف الدليل الإستقرائي
-
الفهم الديني ومنهج التوسعة والانفتاح
-
العقيدة والرأي
-
المسلك التوحيدي في الفهم والتفسير
-
كيف فهم الصدر نظرية برنولي؟
-
وجود الله أعرف من كل معروف!
-
الاعتقاد القاتل وغياب الضمير (2)
-
الاعتقاد القاتل وغياب الضمير (1)
-
الإفتراض الآخر
-
موقع جديد: فلسفة العلم والفهم
-
ما الذي يمكن ان يقدمه الفهم الديني للعلم؟
-
أساليب التوالد المعرفي (قراءة نقدية لما جاء في الاسس المنطقي
...
-
مسلمات العلم والفهم: مبدأ السببية والقصدية
المزيد.....
-
-هل نحن هدف-..كنديون يقاطعون السفر إلى أمريكا بسبب سياسة دون
...
-
شاهد.. إنقاذ رجل فاقد للوعي من قارب خارج عن السيطرة وسط بحير
...
-
بعد مقترح ترامب.. وزير دفاع إسرائيل يأمر الجيش بتجهيز خطة لـ
...
-
المرشحة الرئاسية المحتملة لرومانيا ستزور روسيا
-
إسبانيا: نرفض مقترح وزير الدفاع الإسرائيلي استقبال بلدنا فلس
...
-
خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين: الكنيست يبحث دعم هجرة الفلسطين
...
-
هل تنجح شكوى الصين إلى منظمة التجارة العالمية في إلغاء الرسو
...
-
كاتس يوعز الجيش بإعداد خطة لترحيل أهل غزة ومقتل جنديين إثنين
...
-
قبل الانتخابات.. ميركل تدعو السياسيين إلى الحوار وتهدئة التو
...
-
-أسيل- تضرب لبنان وتغلق طرقات جبلية (فيديو)
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|