|
الفن والجماليات: تحديد العلاقة وأهم المسائل.
إسماعيل أعشير
الحوار المتمدن-العدد: 4680 - 2015 / 1 / 2 - 20:13
المحور:
الادب والفن
إن نقاش مسألة العلاقة ما بين مجال الفن والجماليات من المسائل المركبة والمعقدة، لأنهما من جهة مجالين تعددت حولهما التعاريف والآراء، ومن جهة أخرى لأنها مجالين ينتميان إلى حقل الإنسانيات والذي يتميز بإشكالية تداخل الذاتي والموضوعي. عموما ما يهمنا في هذا المقال ليس التفصيل والتعمق في القضايا الفرعية والنقاشات التخصصية، بقدر ما يهمنا إعطاء نظرة عامة حول أهم مسائل الفن والجمال وطبيعة العلاقة فيما بينهما. يمكن اعتبار الفن هو مجال التقاء عنصرين مختلفين على مستوى الإدراك ألا وهما الإدراك المعرفي والإدراك الجمالي، فالفن هو عملية إدراكية للذات وللعالم الخارجي، غير أن الإدراك في حد ذاته ليس واحدا متشابها فهو يختلف باختلاف طبيعته ونوعية ارتباطه بالموضوع المدرك أو الذي سيتم إدراكه، لذلك تتعدد طرق الإدراك ونوعية الإدراك التابعة في نفس الوقت لتطور التفكير البشري وممارسته في الواقع الموضوعي. لهذا وتبعا لتعدد المدارك فيمكن اعتبار النظرة الجمالية للأشياء (الجمال هو موضوع الدراسات الجمالية من حيث منشأه، كيفية إدراكه ومعاييره، تعبيراته ...) هي نظرة إدراكية يغلب عليها الجانب الإحساسي والشعوري بما معناه تحقيق السكينة والهدوء والراحة ... للنفس عبر التمتع بالرائع والجميل، إذا الجمال هو انعكاس الظواهر والوقائع على الذات بشكل يحقق لها إيجابيتها، والعكس هو حصول البشاعة بما هي انعكاس للظواهر والوقائع على الذات بشكل يحقق لها سلبيتها. انطلاقا من هذا التحديد المختصر للجمال يمكن أن نقرر أن للفن في إحدى أوجهه -إن لم تكن أغلبها- ارتباطا بالإدراك الجمالي، ولكن الأمر لا يقف في هذا الحد لأن هناك إدراك أخر يرتبط به مجال الفن وهو الإدراك المعرفي. إن الإدراك المعرفي هو عملية فعل لا سواء على مستوى التفكير أو على مستوى العمل تستهدف الوصول إلى حقائق ومعطيات بطريقة عقلية، أي أنها تستدعي العقل أكثر من الإحساس والشعور. إن الفن شكل من أشكل معرفة الحياة، يقول الروسي بيلنسكيي: "إن فكرة وجود فن بحت منعزل يعيش في دنياه الخاصة، ولا علاقة تربطه بنواحي الحياة هي فكرة غير واقعية وواهمة. إن مثل هذا الفن لم يكن له وجود في أي زمان ومكان". إذا لمجال الفن هدفين فهو يستهدف حصول اللذة الجمالية لدى المتلقي ويستهدف حصول معرفة بالموضوع (موضوع العمل الفني) أي أن الإنسان في إدراكه للواقع من خلال الفن يقوم بامتلاكه معرفيا وجماليا. وبهذا فهو يتميز عن الحقول الثقافية والمعرفية الأخرى مثل العلوم الطبيعية والإنسانية والفلسفة... لأنه لا ينطلق من بعد إدراكي واحد بل يحاول أن يحقق كلا البعدين في وحدة جدلية بينهما. وتجدر الإشارة أن الفن في تعبيراته المتعددة (الرواية، الشعر، المسرح، السينما ...) لا يستهدف فقط تحقيق الجمال بل هناك أعمال فنية تعبر عن البشاعة والسوداوية.. لكننا لم نتطرق لهذا الجانب لأنه لا يدخل في موضوع المقال. غير أن هذا التحديد كما قلنا هو تحديد عام لا ينفي النقاشات الفرعية حول إشكالية تعريف الفن هل هو محاكاة للطبيعة؟ هل هو التعبير المجرد عن الرائع بشكل يتجاوز الطبيعة لأن جمالها غير كامل حسب وجهة نظر مجموعة من المدارس؟ هل هو إعادة خلق الواقع بطريقة مبدعة؟ هي أسئلة عديدة وإشكاليات مختلفة تستدعي مقالات أخرى للتطرق إليها. إذا مادام الفن هو الوحدة الجدلية ما بين المعرفة والجمال، فهو يستدعي مجموعة من القضايا وهي عديدة ومتشعبة ومتداخلة، ولكننا سنتطرق إلى بعض منها نظرا لطبيعة الكتابة المقالية.
- الصورة الفنية:
إن الصورة الفنية هي تجلي ممارسة الفنان وعمله في محاولة منه لتجاوز الواقع وبالتالي الحقيقة الراهنة... إنها ممارسة الخيال الذي هو في الحقيقة صناعة واقع بديل مستقبلي. وهذا التجاوز لا يمكن أن يكون إلا عبر الإحساس بالواقع الآني/ الراهني والتفكير فيه. إذا الأحاسيس والأفكار هي الوسيط والمعبر ما بين الصورة الفنية والواقع الآني. إن صيرورة بناء الصورة الفنية هي عملية بنائية تراكمية لممارسات تنطلق من الواقع لتتجاوزه.
- الصدق الفني:
تعتبر مسألة الصدق الفني وطبيعته ومحتواه من أبرز قضايا الفن التي أثارت نقاشات طغى عليها في معظمها الجانب الأيديولوجي والمذهبي عن النظرة النقدية المنهجية. يعتبر مجموعة من الدارسين والمفكرين في الجماليات والدراسات الفنية أن الفن هو تجسيد مبدع وإعادة خلق للواقع في صورة فنية، هذا الإبداع الفني يتطلب شرطا ضروريا لكي يكون أصيلا ألا وهو الصدق مع الواقع. ولكن هنا يطرح سؤال إشكالي أخر، ما المقصود بالصدق مع الواقع هل هو النسخ المطابق لوقائع وأحداث الواقع؟ وهل هناك معيار متفق عليه نحدد من خلاله الصدق من اللاصدق؟ وما الذي يجعل من الضروري أن يكون الفن صادقا؟ تجدر الإشارة إلا أن أغلب من يثيرون هذه المسألة بإلحاحية هم أصحاب المدرسة الواقعية في الفن، والذي يعتبرون أن الصدق مع الواقع لا يعني النسخ المطابق لما يجري في الواقع بل التعبير عن جوهر الواقع من خلال تعبير فني، والمفهوم الذي يعبرون به عن هذا هو"الشخصية النموذجية" التي تعني تلك الشخصية/الفرد التي لها صفاتها الخاصة والتي في نفس الوقت تعبر عن هموم ومطامح جماعة من الناس توحدهم أفكار، فتلك الشخصية هي تعبير عن وحدة الأفكار. وفيما يخص المعيار فهم يلخصونه في الارتباط بقضايا المجتمع خصوصا الفئات التي لها مصلحة في التغيير إنه معيار سوسيولوجي/أيديولوجي ينطلق من فكرة ارتباط الفن بمحيطه.
- شعبية الفن:
إن لمفهوم "شعبية الفن" ارتباط بمفهوم الصدق الفني، وهذه القضية خلقت اختلافا ايضا في معالجة الأعمال الفنية. فهناك مجموعة تنادي بنشر الفن على أوسع نطاق وبالتالي يجب أن يكون مبسطا وواضحا ومفهوما لكي تستوعبه أكبر قدر ممكن من فئات المجتمع، وهناك مجموعة تقول بنخبوية الفن باعتباره طريقة في التعبير تتطلب إحساسا تم تربيته جماليا وتراكما معرفيا قادرا على تحليل العمل الفني واستعداد تأمليا إي امتلاك الإستطاعة على تأمل مضمون العمل الفني. فالمجموعة الأولى كما هو واضح مرتبطة بمدرسة "الفن من أجل الحياة" وضرورة ربطه بقضايا العصر وجعله أداتا مساهمة في التغيير، والمجموعة الثانية تنتمي إلى مدرسة "الفن للفن" وضرورة جعله خارج مجريات الواقع لأن طبيعته مجردة ولا تتأسس على ما هو نفعي/ مصلحي.
إذا هذه رؤية عامة حول أهم تحديدات الفن والجمال والعلاقة فيما بينهما، وأهم القضايا التي تثير اختلافات في معالجة مسائل الفن وكيفية دراستها. إنها اختلافات طبيعية نظرا لأنها تتحرك على أرضية واقع موضوعي يطبعه الاختلاف والتناقض.
#إسماعيل_أعشير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-وتر حساس- يثير جدلا في مصر
-
-قصص من غزة-.. إعادة صياغة السردية في ملتقى مكتبة ليوان بالد
...
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|