|
من أقوال أبي .... في بطولة الشطرنج
علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 4679 - 2015 / 1 / 1 - 19:43
المحور:
الادب والفن
لعله كان يوماً ساحلياً صيفياً بامتياز .... لعل الضجر كان سبباً للحلم ... لعل الأقدام القذرة التي تدوسك يومياً دون أن تراها كانت سبباً للخوف .... لعل محاولات الإخصاء اليومية كانت سبباً للحقد و الكراهية .... لعل استعمال هذه الكلمات سيختفي ذات يوم .... كلمات مثل الضجر والخوف والإخصاء والحقد والكراهية بدأت في بعض البلدان بالانقراض ...
كان يوماً بسندلياً حاراً ... إسفلت الشارع الوحيد المحفّر ينبح ضجراً .... وعليٌ و ثلة من الأصدقاء و المعارف ستلتقي في الجامع .... في مدرسة الجامع في بسنادا.... قالوا لنا .... سوف تُقام بطولة الشطرنج في الجامع .... وعلي مثل غيرهِ مراهقاً كان يحلم بالانتماء ... و كان ذاك الحدث الشطرنجي أمراً مسلياً...وكأنه ولعله قد حمل في طياته قَدُوماً لركش الضجر و لنَّحْت يوماً لا يشبه الأيام الأخرى....
ارتدى علي في ذلك النهار أجمل ما لديه ... بلوزة قديمة ... بنطالاً بنياً ضيقاً كان قد فصّله قبل سنتين ... لمناسبات من هذا النوع ... عند الخياط سمير بالقرب من معصرة الزيتون ... بحثَ عن حذاءٍ أنيق يليق بالمناسبة ... فلم يجد سوى حذاء الفتوة العسكرية ... لكنه اكتشف في ذاك النهار المشمس بأن للحذاء رائحة كريهة تشبه رائحة الفتوة ...
كان المدرب أحمد حبيب ...مدرب الفتوة ... قد دأب بلا ملل أو كلل على تلقيننا عباراتٍ كثيرة ... وتوجب علينا ترديدها غيباً دون أخطاء ... و إلا فحلاقة الشعر حتى درجة الصفر المئوية بالانتظار.... لعل أهمها كما أذكر: ... و بما ان قوة الجيش في نظامه فقد اقتضى ذلك أن يحوز القائد على طاعة مرؤوسيه التامة وخضوعهم في كل الأوقات وأن تنفذ الأوامر بحذافيرها دون تردد أو تذمر فالسلطة التي تصدرها مسؤولة عنها....
و بسبب الرائحة الكريهة ارتأى علي ذاك اليوم انتعال شحاطة البلاستيك الجميلة والتي تشققت بعض الشيء ... و غَذَّ السَّيْرَ إلى الجامع ... أصابع قدميه تتعرق....تتزحلق... وتأبّى معانقة البلاستيك الرخيص .... و علي يعيدها بقوةِ دفعٍ أمامية إلى حضن الشحاطة ... لم نتجرأ يوماً على المشي حفاة .... في بلدانٍ أخرى ينتظر المرء ... الشمس ... كي يمشي حافياً....
وصل علي إلى الجامع ... هناك اجتمعوا ... الأولاد و الشباب الذكور ...أحمد..رمضان...مازن...سمير...كاظم ... و أخرين... الأنثى لا تلعب الشطرنج علانية في بلدي ......
ضَرَبُوا الْقُرْعَةَ .... و تَقَارَعَ الْمُتَنَازِعُونَ ... شطرنجياً... في مستويين ....مستوى الأولاد و مستوى الشباب .... وفاز من فاز ... وأُعلنت الأسماء للمركز الأول و الثاني و الثالث....و كنت من بينهم كما أذكر...
كنا مبسوطين ... وكنا عطشى للماء دون أن نشعر .... في الغربة وبعد بضعة سنوات من الغربة تعلمت أن أشرب الماء.....وكنا جوعى ...وكنا نحلم ببضعة هدايا.... طلبوا من المشاركين الجلوس .... وجلسنا... تكلم أحدهم ...لعل كان اسمه فايز أو سليم ... و هنأنا ... وجاءت الهدايا ... مغلفة كالعادة بورق الجريدة ... وتناولت هديتي و الجامع ضاق على سعادتي ... و وددت الهروب إلى البيت ... كي أفتح الهدية ...
يخجل الإنسان في وطني من فتح الهدية ... يتركها على الطاولة حتى يغادر الضيف ... ثم يفتحها ... ينظر إليها ويلعن الضيف ... ويرمي الهدية..... في الغربة وبعد بضعة سنوات من الغربة تعلمت أن أفتح الهدية ...ابتسمُ و أشكرُ مقدمها ... وقد استخدمُها حالاً.....
أخيراً ...حصل كل الفائزين على هدية ... وجاءت الضيافة ... وكانت شوكلاته رخيصة ... لعل البعث قد اشتراها ذاك اليوم .... من دكان أبو نضال أو دكان دلعونا ... ولعلها كانت من دكان وحيد ... في طفولتي كنتُ أعتقد أن وحيد كان وحيداً لوالديه ... ولذا سُميَ وحيد...
كانت حبة الشوكولا قد سالت بين أصابعي قبل مداعبة لساني...و سراً مسحت أصابعي بجريدة الهدية.... كانوا يتحدثون وكنت أداعب الهدية....لعل أصابعي قد تحسست كتاباً....ابتسمت في سري....ولما لا...ومما يشكو الكتاب...لعلها رواية من روايات مينه ... أو لعلها مجلة ميكي .....
آخيراً أنهينا الصلاة و غادرنا الجامع .... وفي الطريق إلى البيت ... مزقتُ ...لفرط سعادتي ... الجريدة ....وكان كتاباً ...أو كتيباً رخيصاً....غلافه أبيض رخيص .... كنتُ قد اقتربت من دكان جميل بائع المشبك و النمورة... رائحة النمورة تفوح .... الجريدة الممزقة مازالت بين أصابعي ...لم أرميها في الشارع حباً بالبيئة .... ولكن خوفاً ... فهي جريدة لتشرين ولعلها للبعث....
كان المساء قد هبط حنوناً .... و وصلت البيت ... دخلت إلى بهو الغرفة الكبيرة المفتوحة إلى السماء.....وفي وسطها شجرة توت شامخة....بعد أن تركت شحاطتي البلاستيكية المتعبة خلف الباب وغسلت قدمايَ .... كنت أسمع أخواتي يتحدثن عن انقطاع الماء ... وعن جلب الماء من بئر جارتنا أم سمير...ذاك البئر القديم... الذي كنت في عمر الطفولة العميقة شاهداً على حفره وتوسيعه وتنظيفه ... كنتُ كطفلٍ لم يتجاوز الخامسة من عمره فخورا بتلك الزنود القوية .... التي كانت تصنع بئراً للجيران ... كانت زنوداً لأبي و صهره أبو غازي زوج عمتي .....
لمحتني أختي ... لعلها لمحت حزني وخيبتي .... رويت لها الحكاية ... ودخلت إلى غرفة الجلوس و الطعام و الدراسة و النوم ..... نظرت إلى هديتي و قرأت عنوان الكتاب المكتوب بخطٍ واضح .... من أقوال وخطابات الأب ..... تناولت قلم البيك الأزرق .... وبدأت مراسم السباب و اللعنة .... شطبت ... كل الأقوال ... كل الخطابات ....بقلمي خوزقتُ كل الكلمات ... و ثقبتُ الصفحات ...... ثم تركت مهمة إخفاء الهدية لأختي الكبيرة .... لعلها دفنتها حرقاً .... ولكن سراً.... و نمت.. ذاك المساء كنوم الخائف ...فعين تنام لتصحو عين... طويلا.... و تبكي على هدية ....
واليوم و الشَّيْبُ قد ثَقَّبَني تَثْقيباً .... انظر إلى الماضي دون حنينٍ أو حزن ... وإنما احتراماً للذاكرة.
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو حزب سوري ينطلق من القضية البيئية
-
حقوق الإنسان الأساسية في جمهورية ألمانيا الاتحادية
-
الفضلات الكومبيوترية وحماية البيئة
-
الحركات البيئية وموضوعة الديمقراطية
-
الإنفورماتيك و المجتمع
-
مدخل الى حقوق الجيل الثالث - بيئة نظيفة
-
حول حماية البيئة في المشافي السورية
-
الهندسة و المنتج
-
المدرسة و فن النفايات
-
تأسيس مصرف للتسليف البيئي
-
الخضر الألماني و تحالف التسعين
-
الاستثمار الأخضر للنقود
-
الكوسموس التكنونانوي و مخاطر التلوث البيئي ـ 3 ـ
-
تطبيقات التكنولوجيا النانوية ـ 2 ـ
-
الكوسموس التكنونانوي ـ 1 ـ
-
ـ 2 ـ الجامعات و الإيكوتكنوايديولوجيا
-
-1- الجامعات و الإيكوتكنوايديولوجيا
-
الأهمية البيئية للطاقة الهوائية
-
عالمية التأهيل الهندسي في عصر العولمة ـ الجامعة الألمانية نم
...
-
حول التعليم العالي في ألمانيا
المزيد.....
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|