|
اوراق مهربة في ليلة الميلاد (3)
نور العذاري
الحوار المتمدن-العدد: 4678 - 2014 / 12 / 31 - 05:47
المحور:
الادب والفن
أوراق مهربة في ليلة الميلاد (3) ......................................... نور العذاري ساعات تفصلنا عن السنة الجديدة.. ليالي الميلاد.. كناقوس كنيسة رومانية قديمة يخفق قلبي في بلد حتى أجراس كنائسه لم تعد تقرع، لم يعد فيه المسيح يقيم عشاءه الأخير ولم تعد تظهر فيه النبوءات. المعجزات لم تعد آية المتنبئين في هذا العصر البغيض كالسحالي فلا معجزة تظهر في بلد تجاوزت فيه المستحيلات حاجز ( المليون ) كل شيء مستحيل إلا الخراب والدمار وصور الموت التي نظهر فيها للمرة الأخيرة أمام الأحبة عبر شاشات التلفاز وصفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي ونحن نرسم ابتسامة عريضة نودع بها الحياة ونستقبل بها المجاهيل التي أتينا منها ذات يوم حفاة عراة وسنذهب إليها إليها بنفس الطريقة إن كانت لنا أجسام أو أجساد.. ما بين العمر الذي يمضي مسرعاً كطلقة، وما بين القلب الذي يخفق بشدة حتى لكأنه يثب خارج صدري، وما بين الأحلام والحقيقة، بين الحب والحرمان، بين أن أريد ويمنعني القدر، وتريد وتمنعها العادات والتقاليد.. أجلس الليلة وحيداً لأكتب ولِهاً عن تلك الصغيرة التي اقتحمت حياتي ذات يوم من حزيران، قائض وملتهب كصدري. هذه السنة مختلفة، ربما لأنها كئيبة وحزينة وقد فقدنا فيها الكثير من الأحبة، بل وفقدنا فيها الابتسامة التي أصبحت صفراء، جل الذين يبتسمون في هذا الوطن لا يشبهون في ابتسامتهم سوى الرؤساء والملوك الذين يتبادلون الابتسامات أمام عدسات الكاميرات فيما يضمرون لبعضهم حقداً، أو ربما يبتسمون بعد أن قرروا أن يكذبوا علينا وأن يتقاسموا ما تبقى لهذه الشعوب المسكينة ( المسطولة ) من خيرات، من هنا تأتي المفارقة الكبرى في شعب يبتسم ابتسامة الرؤساء ويعيش عيشة المسطولين. هذه السنة كئيبة أيضاً ربما لأنها الأخيرة التي سأتنفس فيها هواء يحمل أنفاسك ورائحة شعرك وساشرب ماء من نهر تغسلين في منابعه قدميك العاريتين بعد أن أجمعت أمرك على الرحيل الى بلاد الأحلام التي لا تغيب عنها شمس الحرية. كئيبة هذه السنة أيضاً ربما لأنها تمر علي وأنا بعيد عن منزلي الذي ولدت وترعرت فيه، بعيد عنه ذلك يحمل ضيم السنين بصبره ويقف دائما منتصب القامة لا يثنيه شيء كأنه خلق ليبقى واقفاً ( أبي ). وكئيبة أيضاً لأن البراعم الصغيرة التي تفتحت ذات يوم في حديقة منزلنا سافرت الى بلاد الثلوج والضباب ولم يبق لي منهم سوى ذكريات وصور ورسائل إلكترونية لا تحمل نكهة ولا طعماً كالمعلبات التي أصبحت سمة العالم الجديد. كم كئيبة هي الحياة التي تصبح بطعم التكنلوجيا، فالمشاعر أزرار تأتي وتروح بضغطة زر، وعلاقات الحب إلكترونية ربما تدوم ليوم أو بضعة ايام تنتهي بتغيير رقم الجوال أو غلق موقع التواصل الإجتماعي، وأحاديث العشق محصورة ما بين الركبة والرقبة. لا أستطيع أن أحصي سر كئابتي في هذه الليالي التي أوشك أن أحطم فيها جدار عمري الثاني والثلاثين. اثنان وثلاثون سنة.. هو عمري المثبت في شهادة ميلادي تلك التي وهبني إياها أبي عندما ولدت لتبقى شاهدة كل عام على ما أقوم به في عد تنازلي أسابق فيه المجهول الذي يركض نحوي وأركض نحوه.. عشر سنين هو عمري الذي عشته معك يابنة الجبل والمراعي الخضراء والشعر الغجري الأسود يامن يُرى البدر المنير في ما بين جبينها والرقبة. عمري الحقيقي هو خمس سنين، الزمن الذي عشته رفقة زهرتي الجميلتين المتفتحتين كزهور التوليب البيضاء. ترى هل أحزن الليلة سيدتي أم أفرح, ما بين الحزن والفرح.. أجدني مجبر على حزم حقائبي التي سأعبر بها تقويم السنة الميلادية وتقويم حياتي الشخصية الى سنة جديدة قادمة. جواز سفري ابنتي الرائعتين فبهما أستقبل وجه الرب دوماً فهما ألطافه ونعماؤه وهما السعادة والحياة، هما الهدف الذي أكرس كل حياتي له.. أعيش من أجله.. أحيا له.. ربما أصارع المجهول دفاعاً عن الحياة المقدسة التي سأعيشها معهما.. من قال إن الحياة لا قيمة لها، ذلك قول المغفلين ووعاظ السلاطين الذي يريدون لنا الموت ليعيشوا هم وسلاطينهم على دمائنا في الأرض التي خلقنا الله ورثة لها تاركين لنا ( الجنة ) لنحيا فيها رغداً.. تلك هي النبؤة التي يعيش عليها السلاطين ووعاظهم ويفنى بها الفقراء والمغفلين وأمثالهم. حقيبة سفري عصرية جداً تليق بمسافر يسافر في المقعد السادس من مقاعد الدرجة الأولى، ساضع في درجها الخاص أثمن من في الوجود، ذلك الذي وهبني الوجود وجاء بي الى هذه الدنيا وأعطاني اسمه وكيانه ( أبي ). ساضع فيها أيضاً صوراً للبراعم الصغيرة التي تفتحت ذات يوم في حديقتنا الخلفية فاعطتنا البهجة والأمل والسعادة. ساضع فيها تلك التي تشاركني حياتي برغم الألم القابع بيننا.. في درج آخر ساضع أوراقاً لأسماء وأماكن كانت ولا تزال تشكل جزءً من حياتي على أرض هذا الوطن الملطخ بدماء أبنائه الذين اصبح يقتل بعضهم بعضاً.. أسماء أصدقائي الذين سبقوني في رحلة المجهول التي نذهب اليها بلا عودة، اسماء اصدقائي الذين غادوا هذا الوطن تاركين لي صورهم التي لم تعد واضحة حتى ملامحها. وأماكن كثيرة زرتها أو عشت فيها ذات يوم بدءاً من بيتنا الذي باعه أبي لنعيش مرفهين ولم يكن يدري أن القدر يخبيء له غير الذي أراد.. أحلامي، ترى هل تحققت أحلامي عن الوطن الذي يجمعنا بدل أن يفرقنا، يكسونا بدل أن يعرينا، أحلامي عن الوطن المزروع في القلوب آية مقدسة يكللها حبر المطابع وزيت المصانع وتحوطها الأيدي التي تبني وتزرع وتحرسها تلك الأيادي التي تنام موضوعة على الزناد ولا ينام أصحابها، الأيدي التي تخيف الأعداء ولا تقتل بعضها بعضاً. آمالي، عن الأطفال الذي لا يعرفون من الحياة سوى الضحك واللعب، والشباب الذين يعشقون المرأة والأرض على حد سواء ويؤمنون أن من لا حببية له لا وطن له، ومن ليس له وطن لا يستحق أن يكون له حبيبة فالمرأة والوطن لا يفترقان أبداً.. أيضاً سأحمل صورة رسمتها في مخيلتي عن الشعب الذي لا ينفك يغني في كل دهر ** " قوم بايمان وبروح وضمير دوس على كل الصعب وسير حق بلادك وحده عليك عايز منك سعي كثير دوس على كل الصعب وسير ادي لعملك جهد زياده ده الاخلاص بايمانا عباده قوم بايمان وبروح وضمير دوس على كل الصعب وسير ابني وزود من امجادك ابني لوطنك ولاولادك فكر ابحث ازرع صنع كل مجاهد حينول امله ربنا مش حيضيع ابدا اجر مكافح يتقن عمله اخلق جدد انتج صدر خلي بلادك تقوى وتكبر قوم بايمان وبروح وضمير دوس على كل الصعب وسير" ولم أكن أعرف أنه لا ينفك يغني ( البرتقاله.. عذبتي حاله ). سأحملها جميعاً في حقيبتي، تلك الصور، لم يتبق لي إلا شيء واحد مهم هو أنت، قريبة من القلب ساحملك لأعبر معك وبك الى سنة قادمة أتمنى أن تكون جميلة كما أنت، رقيقة وعذبة كزهرتي الجميلتين.. فكل عام وانتي وهما وهم بالف خير ................................................................................................................................................................................ * مقطوعة من أغنية بعنوان ( قوم بايمان وبروح وضمير ) وهي من كلمات ( عبدالوهاب محمد )، الحان ( رياض السنباطي )، غناء كوكب الشرق( أم كلثوم ) عام ( 1967 ). * البرتقالة رائعة الأغاني العراقية الحديثة!!. غناء وألحان مطرب زمانه ( علاء سعد ) وكلمات الشاعر الفذ ( حامد الغرباوي )
#نور_العذاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوراق مهربة من أقبية سرية - صدى الذاكرة (2)
-
أوراق مهربة من أقبية سرية - صدى الذاكرة (1)
-
ملحمة القيامة
-
- ملحمة القيامة -
-
أوراق مهربة من أقبية سرية.. من ذاكرة امرأة في زمن الخوف
-
أوراق مهربة من أقبية سرية.. رسالة الى قمر لبنان وجارخيتي
-
اوراق مهربة من أقبية سرية.. رسالة طفل عراقي
-
خربشات على جدار كنيسة قديمة!!..
-
أوراق مهربة من أقبية سرية 6
-
أوراق مهربة من أقبية سرية - في رحاب القمر
-
الأتفال.. جريمة هل يطالها القانون؟... هوامش بمقالة - قلبي مع
...
-
أوراق مهربة من أقبية سرية 4
-
أوراق مهربة من أقبية سرية* 3
-
وحتى اشعار آخر!!.. ولادة في مبغى غير شرعي!!..
-
تراتيل صوفية عابرة
-
ويسقط الحائط الرابع والعشرون
-
ذكريات على شجرة صفاف مقطوعة
-
نصب الشهيد...مأساة اللاوعي العراقي المزمن
-
الديمقراطية الاسلامية ودكتاتورية رجال الدين المسيس
-
عندما يبكي الوطن
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|