هل يضحك العالم العربي علي خيبته؟

محمد أبو زيد

الحوار المتمدن-العدد: 1309 - 2005 / 9 / 6 - 11:23
المحور: كتابات ساخرة
    

يحكي أن أميركيا وعربيا وقفا يتنافسان فقال الأميركي: في بلادنا توجد حرية وديمقراطية ، أنا أستطيع أن اشتم الرئيس الأمريكي وسط الشارع، فرد عليه العربي هادئا : وماذا في هذا، نحن بلادنا فيها حرية أنا أستطيع أيضا أن اشتم الرئيس الأمريكي وسط الشارع.
ويحكي أيضا أن الشعوب العربية لما استحكم حكامها علي مقاعدهم، لمدد تربو علي الربع قرن ، ولم يستطيعوا خلعهم من أماكنهم ، وزادت ثروات المسئولين ، وقلت قروش الفقراء ، واستفحل الفساد والفقر والبطالة هذه الشعوب أمامها من حل سوي النكتة لتعبر به عن غضبها وسخطها ورفضها للأنظمة الاحكمة.
وعلي هذا الأساس يمكننا أن نعتبر أن النكتة السياسية هي تعبير عن وجهات النظر للشعوب ، أو بمعني أدق معارضة هذه الشعوب لحكامهم ، خاصة أن هذه النكت تظهر عادة في حالات الضغط الاجتماعي الكبيرة، وفي لحظات الإحساس بالقهر.
النكتة هي تعبير عن الشارع العربي بكل فئاته، بل بأقلها، هي تعبير عن الفقر، وتعبير عن رفض الحكام، ورفض سياساتهم ، وتعبير عن البطالة وتعبير عن كوننا عالم ثالث ، تضطهده أمريكا، ونحن صامتون ولعل هذا يبرر انتشار النكتة السياسية من دولة عربية إلى أخرى بسرعة البرق، علي أن يقوم شعب كل دولة بتحويرها لتناسب طبيعة الحكم لديه.
ومن النكتة المتوافرة في العديد من الدول العربية بصياغات مختلفة أن زعيم إحدى الدول العربية كان يجلس مع معاونيه ، وقال بيننا خائن وسوف اقتله، وأول حرف من اسمه"طاء" فوقف أحد مساعديه يرتعش ويقول :لست أنا الخائن ، فقال له الزعيم :اسمك ليس أوله حرف الطاء لماذا تنفي التهمة، فرد عليه مساعده: لكنك تناديني دائما "ياطوطور".
وانتقال مثل هذه النكتة وغيرها من دولة إلى أخرى والباسها في كل دولة زيا مختلفا وأسماء مختلفة يكشف عن أن الدول العربية استطاعت أخيرا أن تتحد في شئ وهو "صناعة النكت" كما تكشف في المقابل تفشي الظلم والفساد في الدول العربية، أن لم يكن بالتساوي فبالتوازي، وقد سهلت الات التكنولوجيا الحديثة مثل الهاتف الجوال عبر الرسائل الـS.M.S والإنترنت عبر الايميل بالإضافة إلى انتشار عشرات المواقع المتخصصة في هذا ، ضمن النكت التي وصلتني مثلا عقب وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات العام الماضي، وفي وقفة عيد الأضحى ، علي هاتفي الجوال " تم إلغاء وقفة عرفات هذا العام واستبدالها بوقفة أبي مازن" ورغم أن النكتة فلسطينية ، إلا أن انتشارها في الدول العربية يكشف عن سرعة انتشار النكت السياسية عموما، والتي تبدأ سرية ، فالنكت السياسية لا تقال في العادة إلا للمقربين جدا ، خاصة وأنها تمس رموز الحكم ،كما تستغل هذه النكت الأشياء التي تصبح حديث الناس لصباغة نكتة منها ،فأثناء عرض برنامج من سيربح المليون لجورج قرادحي علي قناة M.B.C انتشرت نكتة فحواها أن جورج قرادحي استضاف شخصا ما ، وذكر له اسم أحد الزعماء العرب وسأله عن وظيفته هل هو رئيس جمهورية ، أم صاحب سوبر ماركت ، أم سائق حافلة ، فرد الرجل : أنا اسمعه دائما ينادي السلام ، السلام لابد انه سائق حافلة (السلام اسم احد أحياء القاهرة).
ويهتم عدد من المسئولين بمعرفة النكت الصادرة خاصة وانهم يرون أنها تعبر عن رأي الشارع، أو عن نبض الشارع بمعني أدق وعن موقفه من السياسات ، فعقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد انتشرت في مصر نكتة :أحد الأشخاص يسأل الآخر :السادات السنة دي هل سيحج أم يقدس فأجابه : لا .. السنة دي "مصهين" ،ومصهين هنا لها معنيان الأول : مصهين بمعني غير مهتم والمعني الآخر للصهيونية.
ومن النكت التي تقال عن أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر انه كان يركب أحد الطائرات مع شيخ الأزهر وبابا الكنيسة وكادت الطائرة تسقط ، وطلب الطيار من عبد الناصر ان يلقي احد الموجودين بنفسه حتي تنجو الطائرة فنظر عبد الناصر إلى الشيخ والبابا وقال لهما سوف أسال كل منكما سؤالا ، من يفشل سوف يلقي بنفسه ، وسأل شيخ الأزهر: ماهي بلاد المليون شهيد فرد الرجل :الجزائر، واتجه عبد الناصر إلى بابا الكنيسة وقال له : قل لي أسماءهم
وبلغ اهتمام عبد الناصر بالنكتة انه وقف في إحدى خطبه بعد نكسة حزيران 1967 يصرخ: كفاية نكت ، طالبا من شعبه التوقف عن تأليف النكت علي الهزيمة ، ولم يكن المصريون أيامها يؤلفون النكت علي الهزيمة فحسب، بل كانوا أيامها يحورون الأغاني، ولعل اشهرا تحوير أغنية شادية :"قولوا لعين الشمس ما تحماشي اصل الجيش المصري راجع ماشي" كما كانت لدي عبد الناصر وحدة في المخابرات مسئولة عن رصد النكات لانه يعرف أن النكتة تمثل ما يفكر فيه الناس، ويقول حسن أبو باشا وزير الداخلية السادات أن السادات كان يهتم جدا بمعرفة النكات التي تطلق في عهده ومن النكت التي راجت مؤخرا ، أن أحدهم وجد مصباح علاء الدين فاخذ يدعكه حتى خرج له من عفريت يمسك هراوة اخذ يضربه به ، فسأله الرجل مذعورا: الست أنت العفريت خادم المصباح.. فرد العفريت لا بل أن ضابط في أمن الدولة.
ثمة سؤال مهم تطرحه النكتة العربية وهو لماذا يطلق الشعب العرب النكتة : هل تعبير عن غضبه ، أم أنها محاولة للتألف مع الواقع بالسخرية منه، ويقول عن هناك قبل الإجابة عن هذا السؤال يجدر أن نذكر أن مواطنا عربيا كان يغلق الباب عليه كل يوم ويسمع خطاب رئيس دولته، فيسبه كل يوم ، وفي إحدى المرات خرج يتمشى مع ابنه الصغير ، الطفل رأي صورة الرئيس معلقة فظل يسبه كما كان يفعل والده والناس كثيرون حولهما فصرخ الأب. لمن هذا الولد.
النكتة أذن هي سخرية من الحاكم، وغضب من أفعاله ، ورضا بالواقع فاغلب النكت تعرض لما يحدث ، دون تفعيل لحماس المستمع ودون تثويره هي فقط تكشف عن نقائصه وكأن المواطن العربي يكتفي بالسخرية منه ليشعر انه انتصر عليه وانه يضحك ويجعل الآخرين ينفجرون سخرية منه وضحكا عليه وهو ما يجعله يشعر بالفخر بمقدرته علي السخرية من الرئيس، وكشف غبائه .
ويقال أن أحد الزعماء العرب كان مرهقا ، ومن المقرر أن يلقي خطابا فطلب من كاتب خطابه أن يكتب له ورقة واحدة، وعندما جاء ليلقي خطابا وجد أمامه أربع ورقات فالقاهم وخرج وهو يشتاط غضبا واخذ يصرخ في كاتب خطابه الذي رد عليه: أنها يا سيدي ورقة واحدة وثلاثة نسخ منها.
ويقول فرويد – مؤسس المدرسة التحليلية – أن النكتة إحدى الوسائل الدفاعية اللاشعورية التي يعتمد عليها الإنسان لمواجهة الضغوطات الناجمة عن العالم الخارجي ، مثلها مثل سائر الوسائل الدفاعية الأخرى تحاول أن تجد نوعا من التوازن النفسي وإخراج الدوافع والطاقات المكبوتة ،بينما يري علماء الاجتماع أن النكتة هي نتاج اجتماعي تفرز عمليات التفاعل مع الذات ومع الآخر، وتعبر عن جملة المواقف البني الفكرية لجماعة ما، أو مجتمع ما، ويمكن لها أن تتخذ طابعا هجوميا أو طابعا دفاعيا( استراتيجية هجومية أو استراتيجية دفاعية) كما أنها تؤثر وتتأثر بالمحيط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تولد فيه.
وتولد النكات عادة في الأزمات، وفي مكان مغلق ، في مجتمع مغلق ويوجد تسامح بين شعبه، وخصام بينه وبين السلطة، وعندما يحل الغضب بدلا من التسامح تغيب النكتة ولعل هذا يبرر انحسار النكتة العربية مؤخرا –المصرية خصوصا0 ربما لان المظاهرات التي أصبحت عادة يومية استطاعت أن تخرج شحنة الغضب والكبت الموجودة داخل الناس.
يظل السؤال الأخير والاهم، في ظل تزايد المسافة بين الشعوب، وحكامها وتزايد الهوة بين الطبقة الرأسمالية والطبقة الفقيرة المطحونة وفي ظل استمتاع الحكام بحكمهم ورضا المحكومين بما هم عليه، وفي ظل هذا الكم الهائل من النكت السياسية يظل السؤال الأهم هو : من يضحك علي من؟

#محمد_أبو_زيد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات