جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 4676 - 2014 / 12 / 29 - 20:06
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لم يكن (فيروز) أبو لؤلؤة المجوسي في بلاده عبدا أو من عامة الناس, ولم يكن صاحب دكانة صغيرة يبيع فيها القضامة وبزر البطيخ أو مكانس القش , ولم يكن عبدا تحت إمرة رجل ثري في بلاد الفرس, بل كان عالما كبيرا ومحترما تعرف الناس قدره ويجلونه ويحترمونه وكان ملك الفرس كسرى يعرف لهذا الرجل مكانته العلمية والاجتماعية الكبيرة لذلك كان من المقربين إليه, ولكن كيف أصبح عبدا؟.
حين دخل العربُ الأميون الذين لا يعرفون القراءة والكتابة والذين لا يعرفون قيمة العلم والعلماء وقع هذا الرجل وكافة أفراد أسرته أسيرا في يد العرب المسلمين هؤلاء القوم الذين ما زالوا إلى هذا اليوم لا يعرفون من الثقافة أسمها, وقع هذا الرجل في قبضة رجل(بصمجي) يبصم بحافره على الأملاك التي يملكها وهي كثيرة, هذا الرجل الغِر لم يكن عالما مثل فيروز أبو لؤلؤة المجوسي, هذا الرجل مثله مثل غيره لم يكن محبا للثقافة ولا للعلم , هذا الرجل العربي الثري هو(المغيرة بن شعبه) , وكانت سيرة المغيرة بن شعبة عبارة عن رجل لص فض القلب وقاطع طريق, لا يعرف شيئا عن العلم والثقافة , وحين وقع فيروز أبو لؤلؤة المجوسي بين يديه لم يلقى هذا الرجل العالم من الجاهل وقاطع الطريق معاملة حسنة تليق بمستوى الرجل العالم , وبما أن دولة الخلافة الإسلامية- وعلى رأسها الخليفة عمر بن الخطاب- دولة قهر وظلم ونكاح واستعباد , ولا تعرف لا الثقافة ولا الفتوحات العلمية, بما أن الدولة كانت هكذا فإن الخليفة والدولة معا لم يعرفا قيمة العالم أبو لؤلؤة المجوسي, فعملت الدولة على قهر العالم بأن أجبروه على دفع ما قيمته (أربعة دينارات) يوميا لسيده الجاهل الصحابي الجليل(المغيرة بن شعبة), وحين ضاقت الأحوال بالعالم المناضل أبو لؤلؤة المجوسي ذهب إلى الخليفة عمر بن الخطاب, وكان هذا الخليفة أيضا لا يقل جهلا عن المغيرة بن شعبة ورفض أن يتوسط له عند سيده المغيرة, فخرج العالم وهو يمشي مكبا على وجهه, وفي السوق رأى أبناء الفرس من الأمراء هم ونساءهم يساقون إلى الأسواق مكبلين بالسلاسل والحديد لكي يباعوا كما بيع هو, فاستشاط الرجل غضبا وقرر أن يغتال الخليفة عمر بن الخطاب ونجح في محاولة الاغتيال.
رأى أهل فارس من الأرستقراطيين يساقون كالبعير وكالأغنام ويأتيهم العرب من الرجال ليتحسسوا على نسائهم وخصوصا كانوا يضعون أيديهم على مراكز الحس الجنسية فيهم, فغضب الرجل غضبا شديدا, والقصة عن قتله للخليفة عمر بن الخطاب مشهورة ولا داعي لتكرارها, والأهم أن نعرف بأن العرب المسلمين من يوم يومهم وهم لا يعرفون قيمة العلماء والمثقفين وحتى اليوم الحكام العرب لا يعرفوا قيمة المفكرين والمثقفين فيحاصرونهم ويطاردونهم ويذلونهم ويسومونهم أشد أنواع القهر والعذاب, منذ ذلك اليوم وإلى هذا اليوم والعرب لا يعرفوا إلا الجنس والخلاعة والتعرسة, منذ ذلك اليوم وإلى هذا اليوم ولا يوجد احترام لا للعلم ولا للثقافة, وكل الملوك العرب وكل أعوانهم يفتشون عن الجنس ليل نهار ولا يفتشوا لا عن العلم ولا عن الثقافة, فكم عالم آخر غير أبي لؤلؤة المجوسي وقع في أيدي الملوك العرب في زمن عمر بن الخطاب؟ وكم عالم حصيف كان في بلاد الفرس حين سقطت عاصمتهم بإيدي الحفاة الرعاة؟ لماذا لم نسمع ولا عن أي عالم تم استثماره علميا من قِبل الخليفة عمر بن الخطاب وحتى الذين أتوا من بعده!!! لم نسمع ولا عن أي محاولة لتطويع البحث العلمي وإخراجه على أرض الواقع, هؤلاء العرب الحفاة العراة, كانوا حفاة عراة وما زالوا حفاة عراة, كان بإمكان الخليفة عمر بن الخطاب أن يستثمر جهود هذا العالم ليخترع له(طاحونة) هواء كما جاء في كُتب التاريخ, لأن أبا لؤلؤة المجوسي قدم للخليفة مشروع بحث عن هذا المشروع ولكن الخليفة استهتر بالعلم وبالعلماء وكان همه هو وتجار قريش أن ينكحوا بنات كسرى فقط لا غير, أما بالنسبة لعلمائهم فكان مصيرهم إلى الذل والاستعباد, تخيلوا دولة عظيمة بحجم دولة الفرس, تخيلوا كم كان يعيش فيها من العلماء!! تخيلوا بأن الخليفة عمر بن الخطاب لم يستثمر منهم ولا عالما واحدا, فهل لديكم معلومات عن الخليفة عمر بن الخطاب وعن عدله بأنه مثلا رفع لعالم مرتبته الاجتماعية؟ كانوا وما زالوا إلى اليوم يستهترون بالمثقفين وبالعلماء.
لم يكن بين فيروز أبي لؤلؤة المجوسي أي خلاف ديني بينه وبين المغيرة بن شعبة, بل كان عن الفارق الهائل بين المستويين العلمي والثقافي , ولم يقتل أبو لؤلؤة المجوسي عمر بن الخطاب لأنه خليفة, بل لأنه لم يعرف قيمة العلم والثقافة , ولم يعرف لهذا العالم قدره الذي كان يعرفه كل أهل فارس, وبدل أن يتعاون, واليوم كل أهل فارس يزورون قبر أبي لؤلؤة المجوسي ليس لأنه قتل عمر بن الخطاب, بل للوقوف على مأساة هذا الرجل العالم الذي لم تعرف الخلافة الإسلامية قيمته, وهو موضوع الصراع بين من يملك ولا يعرف قيمة الثقافة وبين من لا يملك ويعرف قيمة العلم والثقافة, ثم كيف بهذا العالم أن يعمل في السوق أجيرا وهو لا يعرف إلا العلم والثقافة, فهو لم يعتد أن يعمل في السوق عتالا بل كان يعمل عالما ومثقفا في دولة فارسية تعرف قيمة العلم والثقافة إلى أن انتقل إلى الخلافة الإسلامية التي لا تعرف إلا الأكل والشرب والنكاح, لست شيعيا مطلقا بل كلما قرأت عن تاريخ هذا الرجل العظيم أبي لؤلؤة المجوسي كلما أحسست بآلام هذا الرجل وكم كانت آلامه كبيرة, وأقارن بينه وبين نفسي حين أعيش أنا مثلا ظروفا متشابهة في دولة لا تعرف قيمة العلم والثقافة , وكل رجالاتها ليل نهار يتسابقون في الإنفاق على العاهرات ولا يحترموا لا المثقفين ولا الثقافة, تحية للبطل الشجاع العالم الجليل أبي لؤلؤة المجوسي, الذي انتقل من العيش عند إمبراطور فارس الذي يعرف قيمة العلم والثقافة إلى العيش عند قاطع طريق وهو المغيرة بن شعبة الرجل الأمي الذي يبصم بحافره,ولا يقرئ ولا يكتب, وشتان ما بين المستوى الأول والمستوى الثاني, فمن سينصف اليوم أبو لؤلؤة المجوسي؟.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)