جاكلين سلام
كاتبة صحفية، شاعرة، مترجمة سورية-كندية
(Jacqueline Salam)
الحوار المتمدن-العدد: 6 - 2001 / 12 / 14 - 21:03
المحور:
الادب والفن
______________________________________________________
ثلاث نصوص نثرية
______________________________________________________
1
-------------------------------------------------------
تداعيات ايوب في الغربة
-------------------------------------------------------
راقصا, يشرب ايوب نخب العام الجديد
نخب النخيل
نخب الزيتون
نخب الوردة الجورية
نخب النسور ونخب الأسود
نخب البحر ونخب الموجة
نخب البهجة في عيون الغد
الكامن خلف بوابات الألم.
نخب طفلة تولد من عين الشمس , نخب "ساره"
نخب طفل ولد رجلا , نخب " الدره"
نخب " الواقفين و الواقفات" على رؤوس الأصابع وشرايين القلب
نخب امرأة عصية عن القيد
نخب امرأة ترجم القيد بحلم.
............
.......
أيوب القرن , أيوب العام القادم,
حين يتعانق عقربا الزمن
لن يذرف دمعا
سيتناسى,
قافلة من أسماء الشهداء
طوابير من أحياء ( عظام , شريين , كريات بيضاء وحمراء....),
محشوة في جلود متحركة
احصائيات سجون الديكتاتور
ضحايا عصر الديناصورات
فتات أشباح المبعثرين في المنافي
صلاة الواقفين على شفيرهاوية, يتطلعون الى جبل بعيد
صرخة كتاب معلق فوق المحرقة
ورجفة الساطور في يد الجلاد.
سيتناسى:
القتلى, آه القتلى
الذين يحملون رفاتهم كل ليل ويتجولون في خلايا القاتل المتعفنة
المقتولات ....
هناك وهناك.
الجنازات وعيون أطفال راعفة في أفق الحجر
أيوب , سيكف عن تذكر:
لوعة أب يسقي اثاراصابع اولاده على جدران بيته المهجور الا من الغياب
دمعة أم تدفع ابنها للرحيل, وفي داخلها يكبر الصبار
شبح امرأة لم تكف عن غناء دافئ في صقيع المخيمات
حكايا امرأة ارجوانية عرفها يوما,
ورقصة نارها حين أحرق السيد أوراق روحها المكتوبة,
فاستحالت لهبا أزرقا,
يراه فقط المبصرون في المتاهة
سيتناسى أيوب,
السجون المتربعة في جسده وفي دمه المسفوح على شرفة الحلم
أسماء أصدقاء, لم يكونوا أصدقاء
وأصدقاء , أصدقاء
امرأة فارقها بلا وداع
انتظارات ووداعات
مناديل تلوح بأمل العودة,
بيقين اللاعودة.....
أيوب العام الجديد, حين يتحد عقربا الزمن في ومضة
مضمخا بشوقه سيشرب نخب حبيبته
يعانق سنابل روحها
يلملم موج شعرها, متناسيا أنها
بعيدة
ب
ع
ي
د
ة
وجد قريبة
راقصا أيوب سيشرب,
نخب من كانوا,
ومضوا
نخب الذين يزرفون حتى أفراحهم,
كي نعانق الحياة
كي نشربها كقصيدة
نخبكم.
جاكلين سلام/تورنتو
21/12/2000
نشرت في جريدة الاغتراب الادبي في لندن
2
--------------------------------------------------
ايوب في البعد الثالث- شرقا
----------------------------------------------- --
من قال انني ساخلع عن جلدي ثوب الحياة؟
من قال اننا نصفق له ونسمي الشوارع والساحات باسم السلطان الاكبروننسحب الى زاوية ظليلة من بقايا حائط متهالك لنغرق في سبات عقيم وحين نستيقظ بعد انهيار الجدار نلقي اللوم على مقياس "ريختر" لانه لم يعط تحذيرا في الوقت المناسب.
من قال اننا نحزن بارادتنا , نفرح بارادتنا ونختار طوعا ان ندجن .
وفي جعبة ايوب اوجاع شتى:
حين كان ايوب يكبر بين مقاعد المدرسة, كان يساق عنوة للمشاركة في المظاهرات المدرسية التي تقام للسلطان ومن اجل المبايعة الابدية وكان ايوب وبحكم صبره المحدود, يتعثر بخطواته الرافضة وفي منعطف ما بعد ان يضنيه الحر الشديد والتعب, يغافل العيون المتراشقة هنا وهناك ويجلس في اقرب محل للمرطبات. في اليوم التالي وعند تحية العلم كانت تقرا لائحة اسماء الذين اخلوا بالنظام .
ياتيهم استاذ التربية العسكرية يعقص اذانهم ويضربهم على قفا الكف, وهو يصرخ فيهم: سنروضكم ايها الجرذان.
وكان الوجع يرصع في داخل ايوب بوتقة الرفض الأحمر.
كتب ايوب يوما خاطرة للوحة الحائط في المدرسة فاستدعاه المشرف وبتجهم قال دون ان ينتظر الجواب:
"كي تصبح مادتك صالحة للنشر سوف نحذف كلمة سلطان,حذاء عسكري,التعبير عن الراي,وجملة اعشق قامة حبيبتي السمراء".
عاد ايوب الى الصف مغموما , غارقا في رسم حذاء.
حين اشترك ايوب في مسابقة الرسم قالوا له: مادتك غير صالحة ولديك فرصة اخرى "ارسم وجها فرحا,حقل ورد وقمر,اوارسم صورة السلطان , قد تفوز بمكافاة مادية ......".
رسم أيوب قامة امه العارية الا من الحزن وحذاء يغمرها حتى الرقبة وعلى مبعدة منها حديقة ورد وبدل الفراشات تتطاير احذية سوداء, رسم القمريفصله جدار عن رفيقته النجمة
تعبوا منه, اودعوه في عنق حذاء !.
ذهب ايوب فرحا الى دائرة تسجيل النفوس ليضيف الى دفتر العائلة اسم ابنه المولود ولكنه عاد الى البيت مهموما وراح يناغي طفله ويسال كيف حالك يا "...." دهشت الام وقالت:
اما اتفقنا ان نسميه "رافت"باسم المرحوم جده ؟ والان تناديه باسم المرحوم ابن السلطان؟
تقصفت دمعة على قامة ايوب .
حين كان ايوب في الخدمة العسكرية وغارقا في اوراقه, مر به قائد السرية خلال فترة ما بعد الظهيرة, نظر الى خربشاته على الورق, كان قد دون في اعلى الصفحة:
جد ل
"حين تتضائل القامات تتطاول الاحذية"
...................
.........
في اليوم التالي اعلنوا عن حفلة للترفيه عن الجنود وكانت مفاجاة السهرة.
استدعوا ايوب الى المسرح, اوقفوه حافيا , ربطوا في يديه حذاء وتدلى على كتفيه حذاء, واداروا موسيقا العسكر وراحوا يصفقون وبه يصيحون:
ارقص يا ايوب الان...
انطلقت في الساحة ضحكات صفراء تشبه البكاء...و في ربوع ايوب كانت تدار ساحة للعزاء كتب على مدخلها:
"لكم الصبر والسلوان بفقدان ابنتكم حرية".
حين ذهب ايوب لينام, تفقد حقيبته المهترئة فلم يجد الاوراق والقلم, وبينما كان يصارع النوم المحتكر في ضاحية ما, رسمت اصابعه بحذاقة حذاء مصصم وفق تكنولوجيا المعلوماتية. وبعد قليل سمع جلبة في الخارج .
الهواء حمل الحذاء, دق باب قائد السرية , حين فتح الباب, لطمه على وجهه حذاء!
فصرخ بالحراس: اقبضوا على ايوب الان.
وساقوه تحت جنح الليل الباكي الى سجن ".....".
جاكلين سلام /تورنتو
عام 2000
3
-----------------------------------------------------
ايا ايوب , صديقي
-----------------------------------------------------
مهداة الى صديقي " ....." العراقي الذي خرج مؤخرا من مشفى الأمراض النفسية في تورنتو
كان أسمي " أيوب " وما كنت حمارا يوما , لكنني لردح من فجيعة وصمت أصبحت عتالا , أحمل على ظهري قوافل أوجاعي وأمراضي وركلات أحذيتكم , وأحمل ايضا قامة أحلام وأوهام , أرسف في موتي البطيئ وموتكم العالي النحيب .
آه انفتق الظهر أخيرا ومازال امامي صعود ثقيل .
انا الراس المقطوع وأصرخ , اتدحرج بين الشوك والصخر الى الوادي , آه ما اقربك , ما ابعدك يا ذاك الوادي .
هناك سألتقي بجماجم اخوتي وأصدقائي , أحبتي الذين ما زالوا يصرخون من عمق تلك الهوة, انهم لم يناموا بعد , لم يموتوا بعد , ولم تحن قيامتهم بعد.
وما زلت اسمعهم في صليل الليل البعيد وبيننا القارات والمحيطات والمجزرة , أرواحهم تهيم عاليا وتصفر في اذني أغان جنائزية .
احدثكم وجسدي ملقى على سرير الرحمة الامريكية , ذاك الجسد الذي اطفئت بين موانئه قذائف شتى , اعقاب السكائر الفاخرة , لسعات السياط البربرية , اناالجسد الذي سيعيدون اليه ثمة فقرات ربما رصاصية لتحفظ توازنه للايام القادمة .
ها ..ها..ها , أيام قادمة؟
حوارات صاخبة, وخافتة أخرى وينتصب في شهقته الجسد , ولكنه الراس ذاهب الى المقبرة , ان وجدا بعضا من متسع , فهو أيوب مطرود حتى من المقابر.
كيف آلت بي المواجع الى هنا ؟ لا تتعجلوا , سأخبركم قبل أن يخمد هذا الرأس المتدحرج مقطوعا من قمة الحلم :
كنت هناك والقلعة واسعة جدا , مخيفة , جدرانها عالية سوداء قديمة , تلسعها ريح صفراوية صقيعية , وجموع غفيرة , حتى خيل الي انها القيامة , العتمة طاغية , صهيل , عويل يصم الآذان ويفتت الروح المنبوشة من خرابها .
لم أستطع ان اتعرف على اي من الوجوه , قامات مهلهلة وثياب مرتقة , عيون فاغرة تطل من المحاجر كقذائف صدئة , واذرع كثيرة تتلوى بمسامير مغروزة في أكفها ويسيل الدم منها.
الكل يتخبط في دوامة القلعة , ويصرخ اين باب النجاة ؟
يتدافعون ولا طرقات ,
يرتطمون بجدران عالية يرتدون عنها برعب وعويل , ثمة قواطع في تلك الجدران محشوة باشلاء آدمية ما زال الدم يتعفر بين عظامها
الموت مبذول من قرصات الجوع والبرد , من الاختناق بحمى الروائح الكبريتية والمبيدات الكيمياوية التي تجرعتها الارض ...
وكان هناك منفذ واحد للنجاة , والكل يتقاذف نحوه ويصرخ : الباب , النجاة.
وأنا واقف أمام الباب ذاك , القيت نظرة اخيرة على ذاك الجمع المحشور في الداخل , وكنت اقهقه فرحا واردد : خطوة ويفصلني عن المكان , الموت المحتوم.
خطوة وتلقيت خلف باب النجاة موتي غيرالمنتظر.
تلقاني رجل بقامة ضخمة , وتقاطيع لم أجد لها شبها يوما , كان يكشر عن ضحكة مرعبة وبيده سيف يلوح بحركة الية وبلا ادنى ارتباك فصل رأسي عن الجسد وركل بقاياي كل الى جهة.
ثمة قافلة من رجال , لم يكونوا كالرجال , صامتين , عابسين , بلا مبالاة او بمرح, يحملون الجثث المغموسة بالدم ويلقونها الى الطرف الآخر من العالم , والرؤوس يدحرجونها الى بوابة موتها ويترنمون بأن لاقيامة في هذه الارض بعد.
أنا رأس " أيوب " , اتدحرج , اقهقه , ابكي ...
هل تسمعوني ؟
من أين لكم أن تسمعوني ؟ ولم تكونوا لتسمعوني يوما و لم اكن أسمعكم قط !
أنا الاجساد الملقاة على أرصفة العزلة الصقيعية , ارفل في حلم زنزاناتي, داخل الجسد وخارج المكان
أترنح مابين خرابة وجنازة
ما بين القذيفة والشهقة
ما بين صفعة الحلم وعنق الوردة
بعد لحظات سينطفئ رأسي المشتعل بكوابيسه ورؤاه منذ دهور , واما جسدي الملقى هنا في الطرف الآخر من العالم سيعيدون اليه فقراته المكسورة وقد يعيدون اليه رأس شخص أخر , وذلك لا يهمني الآن ولا يهمكم ربما
أنا الرأس الموشوم بأكثر من كارثة
المشنوق في جسدي مرات ومرات
المتكور في سريري كذبابة بين فكي الألة الراعفة
الممزق اشلاء في عراء الغربة .
أنا أيوب الراعف صوب الحلم.
جاكلين سلام/ تورنتو
2001
------------------------------------------------
#جاكلين_سلام (هاشتاغ)
Jacqueline_Salam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟