هشام آدم
الحوار المتمدن-العدد: 4674 - 2014 / 12 / 27 - 08:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كنتُ قد قررتُ التوقف عن الكتابة عمَّا جاء في الحلقة 207 من برنامج الدليل الذي كان بعنوان (أدلة مزورة لتطور مزعوم) عندما اكتشفتُ أنَّ أحد الأخوة قام بتقديم ردود شافية على كل الأكاذيب التي قيلت في البرنامج في ثلاث حلقات على مقاطع يوتيوب(1)، ولكن ما دعاني إلى العودة مرَّة أخرى الآن هو أمر آخر يستحق أن أفرد له مساحة خاصة. في الحلقة 207 من برنامج الدليل، عندما تكلَّم الدكتور غالي عن آثار الأقدام Laetoli Foot--print--s وادعى أنها آثار أقدام لإنسان حديث وشمبانزي قدَّم مرجعًا هو في حقيقته اقتباس للبروفيسورة أدريان زيلمان وهذا هو الاقتباس بالكامل كما جاء في البرنامج:
Zihlman compares the pygmy chimpanzee to "Lucy," one of the oldest hominid fossils known and finds the similarities striking. They are almost identical in body size, in stature--;-- and in brain size.... " (Science News, Vol.123, Feb.5. 1983, p.89)
والحقيقة أنَّ هذه الحلقة من برنامج الدليل كشف لنا بما لا يدع مجالًا للشك أنَّ الدكتور غالي هو عبارة عن ناقل أعمى من مواقع الخلقيين، وليس باحثًا معرفيًا حقيقيًا، فهو يقوم بنقل أكاذيب الخلقيين الغربيين التي أثيرت منذ مدة طويلة، كما هي، دون أن يمحصها أو يفحصها، والغريب في الأمر أنَّ التطوريين الذين قاموا بالرد على أكاذيب تلك الحلقة قاموا بمجهود بحثي أكثر بكثير مما قام به الدكتور غالي، وهذا يتضح سواء في سلسلة المقالات التي قمتُ بها، أو حتى ما قام به الأخ (مغربي عقلاني - Moroccan Rationalist) في سلسلة ردوده على اليوتيوب.
في بحثي الذي قمت به لمعرفة أصل الاقتباس أعلاه، وجدتُ أنَّ الأصل منشور في العدد 123 من مجلة (Science News) وللأسف لم أتمكن من الاطلاع على المقال الأصلي المنشور في المجلة، لأنَّ الحصول على أي نسخة من المجلة يتطلب أن تكون مشتركًا، والاشتراك يتطلب دفع رسوم، وللأسف فهذا المصدر هو المصدر الوحيد الموثوق به، رغم أنَّ البحث عن محرك البحث (Google) يقدم عددًا كبيرًا من المصادر غير الموثوقة؛ وبالتالي لم أستطع أن أعتمد أيًا منها، وكان الحل الأمثل هو أن أقوم بمراسلة البروفيسور أدريان زيلمان شخصيًا، لأسألها من حقيقة هذا الاقتباس. الحقيقة أنني لم أكن أتوقع أن أتلقى ردًا على رسالتي، لأنَّ هؤلاء العلماء منشغلون جدًا بأبحاثهم ونادرًا ما يكون لديهم الوقت الكافي لتفحص بريدهم الإلكتروني (أو هذا ما كنتُ أعتقده)، ولكنني بالأمس تلقيت من البروفيسور أدريان زيلمان ردًا على الرسالة، وأحببتُ أن أنشر ردها هنا لتعم الفائدة، وبالإمكان الاطلاع على الرسالة المصورة كما هو موضح في الهوامش(2) لمن أراد أن يتأكد ما إذا كانت الرسالة أصلية أم لا، وجاء رد البروفيسور أدريان زيلمان على النحو التالي:
Creationists will use whatever information they decide to use and to interpret it to suit their purposes. There is no way creationists´-or-any one else can disprove evolution, anymore than they can disprove gravity´-or-that the earth is round, and we could go on. We as people, as scientists, have come to understand the natural world by gathering facts, connecting them, and so explaining natural phenomena.
I ll put the quote in context. Chimpanzees, among all living animals, are the closest relatives to ourselves, Homo sapiens. We know this from comparative anatomy, biogeography (chimps live in Africa), the genome (genes, proteins, etc) which show modern humans and chimpanzees shared a common ancestor 4 to 5 million years ago, and from the fossils of the earliest humans in Africa some 3-4 million years ago.
"Lucy" is the nickname for a fossil from Ethiopia (known as AL 288) that lived about 3.2 million years ago--;-- this fossil is important because it preserved about 40% of the skeleton, whereas most fossils are of skulls´-or-teeth´-or-one bone´-or-the other. AND most important AL 288 is more similar to chimpanzees than it is to any other ape - a similar sized small brain (about 350 ), similar body size and stature - leg bones of similar length to those of chimpanzees. This fossil evidence is consistent with the other evidence (genetic, biogeography), that the human and chimpanzee lineages separated 4 to 5 million years ago from a common ancestor that resembled a chimpanzee more than it resembled Homo sapiens. AL288 is also DIFFERENT from chimpanzees because its pelvis is more like ours rather than like chimpanzees--;-- this part of the anatomy shows that AL288 walked on two legs (bipedal) rather than all four like chimpanzees--;-- bipedal locomotion and the underpinning anatomy is what first separated us from other apes, and evolved before our large brains.
وترجمة ذلك على النحو التالي: "الخلقيون لا يتورعون عن استخدام أي معلومة، وأن يأولونها للتوافق مع أغراضهم. ليس بإمكان الخلقيين أو أي أحد آخر أن يدحض التطور، إلا أن يدحضوا الجاذبية وكروية الأرض. نعم معشر العلماء توصلنا لفهم الطبيعة عن طريق تجميع الحقائق وربط بعضها ببعض الأمر الذي فسر لنا الظواهر الطبيعية. سوف أضع الاقتباس في سياقه. من بين الحيوانات الحيَّة يعتبر الشمبانزي الأكثر قربًا لنا نحن نوع الإنسان العاقل (Homo sapiens). ونعرف ذلك من خلال علم التشريح المقارن والجغرافيا البيولوجية (الشمبانزي يعيش في أفريقيا) وكذلك من خلال الجينوم: جينات وبروتينات وما إلى ذلك مما يُظهر أن الإنسان الحديث والشمبانزي يتقاسمون سلف مشترك من 4 إلى 5 مليون سنة خلت. وكذلك من خلال الأحافير التي تعود إلى الإنسان الأول في أفريقيا من 3 إلى 4 مليون سنة خلت. "لوسي" هو لقب لأحفورية تم العثور عليها في أثيوبيا (اسمها العلمي: أي أل 288) وهذه الأحفورية عاشت قبل 3.2 مليون سنة تقريبًا. وهذه الأحفورية مهمة لأنها حافظت على 40% من مجمل الهيكل العظمي، في حين أنَّ معظم الأحافير هي عبارة عن جماجم أو أسنان، أو عظمة واحدة أو أكثر. الأمر الأكثر أهمية بشأن هذه الأحفورية هو أنها أكثر شبهًا بالشمبانزي أكثر من أي نوع آخر من القردة من حيث حجم الجمجمة (350 تقريبًا) وكذلك من حيث حجم الجسم والقامة، فطول عظمة ساق لوسي مشابه لما هو عند الشمبانزي. هذا الدليل الأحفوري متسق تمامًا مع أدلة أخرى مثل الجينات والجغرافيا البيولوجية وتظهر أنَّ الإنسان والشمبانزي انفصلا من 4 إلى 5 مليون سنة من سلف مشترك يشبه الشمبانزي أكثر مما يشبه الإنسان الحديث. ولكن تختلف لوسي عن الشمبانزي لأن حوض لوسي يشبه حوض الإنسان أكثر مما يشبه حوض الشمبانزي، وهذا الجزء التشريحي يُظهر أن لوسي مشت على قدمين، مختلفة بذلك عن الشمبانزي الذي يمشي على أربعة. هذا الاختلاف التشريحي كان أول ما فصلنا عن بقية القردة، وكان أول خطوة في تطورنا حتى قبل حصولنا على دماغ أكبر."(انتهت الترجمة)
أعتقد أنَّ هذا كلام واضح جدًا، فإذا كانت البروفيسور أدريان زيلمان تقر بالتطور وتقول إنَّ لوسي كانت تمشي على قدمين، فكيف يعتمد الخلقيون على كلامها؛ إلا إذا كان هنالك اقتباس مشوه أو محرَّف لكلامها، وهو بالتحديد ما قام به الدكتور دون باتون الشخص الأكثر تدليسًا من بين الخلقيين كما رأينا من خلال سلسلة المقالات السابقة. فكيف يعتمد الدكتور غالي على هذا الشخص المشهور بالتدليس، ويُقدم لنا كلامه على اعتبار أنه كلام علمي قد ينفع في دحض نظرية التطور؟ إنَّ نظرية التطور نظرية علمية صحيحة، رغمًا عن إيمان المؤمنين بالسخافات الموجودة في كتبهم المقدسة، ولن يُجدي هذا التدليس الذي يقومون به، وكثير من المؤمنين الآن يتجهون نحو قبول النظرية ومحاولة إيجاد أدلة على وجودها في كتبهم المقدسة عبر إعادة التأويل. وسواء اقتنع المؤمنون بالنظرية أو لم يقتنعوا فالنظرية صحيحة، وهي مصادق عليها علميًا وانتهى الأمر، فالمسألة في هذا الشأن محسومة.
إنَّ الحلقة 207 من برنامج الدليل يعتبر سقطة إعلامية مدوية للبرنامج، وتضرب في نزاهة معد البرنامج ومقدمته، وتُظهر مدى الجهل الذي يتمتعون به، رغم أنهم يزعمون اعتمادهم على (الدليل والبرهان) في كل ما يُقدمانه، ولهذا فإنَّ خير ما يُمكن أن يفعله المتدينون هو أن يهتموا أكثر بالخلافات الدينية الدينية لأن دخولهم في مجال العلوم سوف يكشف جهلهم ويجعلهم عرضة للسخرية، كما حدث مع برنامج "الدليل" في تناوله لنظرية التطور وكذلك فيما يتعلق بالكربون 14 أيضًا. الغريب في الأمر أنَّ مقدمة البرنامج (الأخت فدوى) في إحدى حلقات برنامج "الدليل" في العام 2012 قالت حرفيًا: "لأنَّ من يكذب ويحرف ويزوِّر ويخدع الناس ويغشهم (...) لا يمكن أن يكون شخصًا فاضلًا." وكان هذا الكلام في الحلقة التي تعرض فيه البرنامج لكلام الدكتور زغلول النجار فيما يخص موضوع مكة أو بكة، هل ذكرت في الكتاب المقدس أم لا. هل يُمكننا الآن الاعتماد على كلام الأخت فدوى ونُطبقه عليها وعلى الأخ وحيد والدكتور غالي؟ لأنهم جميعًا مارسوا الكذب والتحريف والتدليس وخداع الناس فيما يتعلق بنظرية التطور؟ أترك لكم الحكم في ذلك.
----------------------
المراجع:
(1) ردود الأخ (مغربي عقلاني) على برنامج الدليل
الجزء الأول
https://www.youtube.com/watch?v=Y1YFGYBsZ-8
الجزء الثاني
https://www.youtube.com/watch?v=0Wyh23BEAGY
الجزء الثالث
https://www.youtube.com/watch?v=CTMP9JeoB8Y
(2) صورة --print--Screen لرسالة البروفيسور أدريان زيلمان
http://im47.gulfup.com/mz9vlw.jpg
http://im50.gulfup.com/Jj7KKH.jpg
#هشام_آدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟