أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود كلّم - أنيس صايغ... قامة لم تنحن يوماً














المزيد.....


أنيس صايغ... قامة لم تنحن يوماً


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 4674 - 2014 / 12 / 27 - 00:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أغمض عينيه ونام في استراحة أبدية. راضياً بنهايته تلك. مقتنعاً بأّن للحياة نهاية؛ فالموت هو جسر العبور إلى فضاءات أرحب. كذلك فإنه ليس نقضاً للواقع أو تجاوزاً له. ولا محاولة للقفز فوقه. إّن الموت هو الوجه الآخر للحياة. وفي لحظة حضوره يكون الاستسلام هو الخيار .
بكته بيارات الليمون في الجليل. وأشجار الزيتون التي ينّز في أرضها دم أهلها. بكته حارات الفقراء العظماء في عين الحلوة وصبرا وشاتيلا والرشيدية والبص والبرج الشمالي والقاسمية. بكته قرى الجليل التي تنام الليل بلا دثار على وجع الرحيل ودفء الكلمات وأحزان المنافي. حزنُ مّر وقاتل يرسم رغماً عنّا ملامح الغد الآتي. ملامح وجه طبريا الفتاة. وجه طبريا المرأة. تحلم بنهار مشمس لا غيمة في سمائه. طبريا العروس ليلة زفافها لم تبارح ذاكرته حتى لحظات رحيله. وقد ظلت كذلك وجعاً حلواً ينام في خاصرته ملتذاً بعذاباته في ضوء العتمة في النفوس . وقد استبّد بها اليأس المّر القاتل. وهي تلّف بسوادها قرى فلسطين والمشردين في وطنهم ومن في الخيام
وأطفال الحجارة. تلّمس طريقه المفضية نحو تراب وطنه وحجارته وبيوته الطينية؛ فبقعة الضوء محراباً تصير. وإن شّقت على الرؤية. فجأة تلوح كالومضة. تلك كانت أغانيه: العذاب والثوابت التي لا محيد عنها ولا حياد .
إن السعي إلى الهدف الحلم هو درب الآلام. والسير صوبه هو طريق الآخرة. فيه الأجر والثواب. وفيه العرس والدم. لم يتخّل يوماً عن واجبه الوطني وثوابته. حين لاحت بوادر الُعجمة والرطانة في لغة الثوار والكتبة. وصار القفز فوق الشعارات كالقردة فوق الحبال لغة العصر. وأصبح التفلسف في تفسير معنى الثوابت الوطنية يومئ إلى بيع كل شيء في مزاد السياسة وضرورة التخلي عن مبادئ الأمس بما فيها وما حوت. كان ذلك هو القدر. قدرنا نحن المقهورين. كان أنيس صايغ رقماً صعباً في معادلة أصعب. وكان في نظر أقرانه ورفاق دربه ومسيرته إنساناً عصيا على المطاوعة لا يساوم على الثوابت والمبادئ. ظّل واضحاً كالشمس في قامتها طوال تلك السنين. قامة لم تنحن يوماً
.دافع عن فلسطين بالدم والكلمة. وكان أحد الأمناء على رسالة كامل التراب الوطني الفلسطيني
رحل أنيس صايغ. وليس وقت رحيل. فما زالت به حاجة ملحة وضرورة بقاء أطول مما كانت عليه. رحل أنيس صايغ الجسد. لكن امتداده فينا لا يزال قائماً يثمر. وتشظت أفكاره أغاني تلّقفها حفاة الأرض الفلسطينية. وتغّنى بها الأطفال والمغّذون السير نحو بقعة الضوء التي سبقهم إليها ومشى صوبها .
أنيس صايغ نسيج وحده. حالة متفردة تخّطت حدودها الجغرافيا. أممي الانتماء. العالم كله صار وطنه. لكن طبريا هي الثدي الذي أرضعه حب التشبث بالأرض التي حبا عليها وخطا أولى خطواته .
لم يكن منغلقاً في رؤاه وأفكاره. ترّفع عن المشاعر الطائفية والفكر الشمولي الضّيق. وكان نقطة التقاء الجميع واحترامهم. تمّيز بسعة اطلاع ومعرفة وإمعان بقضايا شعبه ووطنه. عمل بوتيرة عالية وهّمة لا تعرف التراخي ولا الملل. كان ملتزماً ومنضبطاً؛ فهو شيخ المؤرخين الأساسيين للقضية الفلسطينية. لم يكن أنيس صايغ علامة مجهولة بحاجة إلى ترسيم وتعليم. ولا حرفاً وحده. كان كل الحروف وكل الأرقام.

يعرفه الذين عاصروه ولازموه وتربوا على أخلاقه ومبادئه. أشادوا في حياته بمواقفه
التي لا تعرف المساومة. وتزاحموا قرباً إليه ومنه.
ووقفوا على قبره حين أهيل التراب عليه. لكّن ذكريات أنيس صايغ لم تنتِه !
❉-;- ❉-;- ❉-;-
عاش أنيس صايغ أكثر عمره في لبنان. لكن سهم المنّية أصابه في عَّمان. وفي بيروتُ دفن وعيناه تنظران صوب الأفق. صوب فلسطين. صوب كامل التراب الوطني الفلسطيني. الذي لا بّد من أنُ يسترّد يوماً. أنيس عبد الله صايغ كاتب. باحث ومفكر عربي. ولد في 3 نوفمبر 1931 في طبريا. بدأ تعليمه الثانوي في مدرسة صهيون الداخلية في القدس. لكن إثر النكبة نزخ وعائلته إلى صيدا في لبنان حيث أنهى
الثانوية في مدرسة الفنون الإنجيلية .
رئـــيــــس مــركـــــز الأبحـــــاث الفلسطيني وكان صاحب فكرة مشروع الموسوعة الفلسطينية. حاولت (إسرائيل) اغتياله عام 1972 بطرد مفخخ أصيب من جرائه بضعف نظر وبتر بعض أصابعه .
توفي يوم الجمعة الموافق 25 ديسمبر 2009 في عمان الأردن ودفن في بيروت.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة الدّم ، في صبرا وشاتيلا
- اذا حان وقتها ، ستدكُ عروشٌ ويُداس طغاةٌ !!!
- ناجي العلي / لو غاب او تغيّبَ !!! من يمسك الريشة والقلم !!!
- ذاكرةُ الثّلجِ ...!!!
- أنْجزَ ما عليه وَرحلَ
- عندما لا يستمعُ أحدٌ لندائِكَ سِرْ بمفردِك !!!
- هان الرحيلُ حتى تساوى به النسيانُ !!!
- عشيرة عرب السواعد
- الطلاق !!!!!!!
- عشيرة عرب القليطات / الخريشات
- عشيرة عرب الهيب / المرادات
- عشيرة عرب الحميرات
- عشيرة عرب السويطات
- عشيرة عرب الطوقية
- عشيرة عرب المواسي
- عشيرة عرب العرامشة
- عشيرة عرب الجنادي
- عشيرة عرب الحجيرات
- عشيرة عرب السمنيّة
- مجزرة عرب المواسي


المزيد.....




- حرب ترامب التجارية: لاغارد تحذر من الانزلاق إلى صراع تجاري ش ...
- -ارتكبوا جرائم من شأنها المساس بأمن الدولة-.. قرار قضائي جدي ...
- مدفيديف يرفض دعوة وزير الخارجية البريطاني لـ-هدنة غير مشروطة ...
- ترامب: تلقينا ردودا جيدة جدا من روسيا وأوكرانيا بشأن وقف إطل ...
- ظاهرة نقص العمالة الماهرة في أوروبا.. كيف يمكن الاستجابة لهذ ...
- الشيباني في العراق.. دعوة لفتح الحدود وتشكيل مجلس مشترك
- -الحياة لا الحرب-.. رسالة نشطاء المناخ من على مدخنة لشركة تص ...
- الإعلان الدستوري.. دستور مصغر للمراحل الانتقالية
- مرشح للرئاسة في الغابون يطالب بمحاكمة -عادلة- لعائلة بونغو
- مصطفى طلاس.. قصة وزير دفاع الأسد الذي أرعب السوريين


المزيد.....

- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود كلّم - أنيس صايغ... قامة لم تنحن يوماً